شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كي لا نجعل من انتصار إسرائيل قدراً (4)... في الجهل المعمّم

كي لا نجعل من انتصار إسرائيل قدراً (4)... في الجهل المعمّم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الأربعاء 23 أكتوبر 202411:03 ص

قلنا في المقال الأول من هذه السلسلة، إن ثمة ثلاث قضايا يجب التفكير فيها، من أجل أن نتمكّن، ولو بالحد الأدنى، من منع إسرائيل من تحقيق خططها والانتصار علينا. ثالث هذه القضايا، هي ما أسميناه "فائض القوة" عند إسرائيل، وهذا ما سيكون محتوى مقال اليوم.
اختلفت الدراسات السياسية والفكرية دائماً حول تعريف القوة لدى دولة ما، وهذا الخلاف لم يكن في أي مرّة ناتجاً عن عدم دراية بعناصر أو بمؤشرات القوة ذاتها من ناحية مجردة، بقدر ما هو بسبب دخول مصطلح "الدولة" في التعريف. أقصد أننا قادرون على تعريف القوة، لكننا نواجه حيرة في تعريف "الدولة القوية"، وهذا هو بالضبط ما انشغلت الدراسات السياسية، وما زالت، في محاولة تعريفه بشكل قاطع.
هل دولة مثل سويسرا قوية لأنها محايدة، وذات علاقات جيدة مع الجميع تضمن لها عدم مهاجمتها من طرف معين؟ وهل تعتبر السعودية دولة قوية بسبب قوة النفط والمال، أم أن مصر دولة أقوى بسبب عدة وعتاد قواتها المسلحة؟ ما الذي يفرق دولة مثل روسيا، المتخمة بالصناعات العسكرية، الهجومية والدفاعية، عن دولة مثل اليابان، الرائدة عالمياً بالتكنولوجيا والقوة الناعمة؟ وأخيراً، أين تتموضع إسرائيل من خلال هذه المؤشرات؟
لا تكتفي إسرائيل بترسانتها العسكرية، وهي الأضخم في المنطقة، كما أنها لا تكتفي بتفوقها الاقتصادي الذي ينعكس من خلال الأرقام، سواء في الموازنة السنوية أو في ميزان التبادلات التجارية حتى مع دول تبدو ظاهرياً في معسكر أعدائها، كتركيا مثلاً، ولا في حصة الفرد من الدخل القومي، ولا في عشرات المؤشرات الأخرى.

كما أنها لا تكتفي بالإمبراطورية الإعلامية التي تمتلكها، أو المجيّرة لصالحها من خلال أباطرة المال اليهود في العالم، أو من خلال حلفائها التقليديين من المسيحية الصهيونية. وهي لا تتردّد في اقتحام سوق التكنولوجيا من أوسع أبوابه، والذي كان حكراً على الولايات المتحدة والصين واليابان في أوقات سابقة.

رغم كل القوة المفرطة التي تمتلكها إسرائيل في كل شيء تقريباً، إلا أنها تتصرف كالولد المدلّل الذي يطلب المزيد من "المصروف" في كل لحظة، ومن كل الأقارب. لا الولايات المتحدة تبخل في هذا المصروف، ولا الدول الأوروبية، ولا حتى الحلفاء الصغار في العالم أو في منطقتنا
ورغم كل هذه القوة المفرطة في كل شيء تقريباً إلا أنها تتصرف كالولد المدلل الذي يطلب المزيد من "المصروف" في كل لحظة، ومن كل الأقارب. لا الولايات المتحدة تبخل في هذا المصروف، ولا الدول الأوروبية، ولا حتى الحلفاء الصغار في العالم أو في منطقتنا، وإن حصل وامتنع أحد هؤلاء عن دفع حصته أو عن القيام بواجبه، فإن الابتزاز هو الطريقة الأولى لتطويع الممتنع.

لكن الأهم من كل ذلك، أن هذه الدولة المحتلّة، والمجرمة بكل المقاييس، والتي تقوم وتتمدّد على أنقاض شعب آخر، لديها القدرة المذهلة على أن تتصرّف كضحية في كل حروبها. أما التصرف كضحية فلديه مداخل كثيرة، أهمّها تضخيم العدو وإقناع العالم بقدراته الكبيرة ونواياه المبيّتة ضد وجود إسرائيل ذاته. هل حصل وأن شنّت إسرائيل حرباً دون أن يكون مصطلح وجودها في واجهة هذه الحرب؟ هل حصل وأن قامت هذه الدولة بأي عمل حربي تجاه دولة أو جماعة مسلحة، أو حتى بقتل مدنيين، دون أن ترفق ذلك بيافطة "حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها"؟

في الجانب المقابل من معادلة الحروب في المنطقة نتموضع نحن؛ وأقصد بـ"نحن" ليس الفلسطينيين فحسب، بل العرب عموماً، أو على الأقل هذه المنطقة المجاورة لفلسطين، والتي فُرضت عليها الحروب، أو اختارتها هي بمحض الإرادة أو بدافع الشعور القومي تجاه القضية الفلسطينية والشعب العربي الفلسطيني. ما الذي نملكه لخوض الحرب؟ سلاح مقابل سلاح؟ هذا حقيقي بصرف النظر عن اختلال ميزان قوة هذين السلاحين. قوة بشرية لديها الحق والإرادة والدفع؟ وهذا موجود عند عدوّنا، على الأقل من وجهة نظره حتى لو استهنّا بذلك، وحتى لو كنا على حق في هذه الاستهانة، لكن أليس من واجبنا أن نسأل كيف يمكننا التصدّي لقوته الاقتصادية والإعلامية والعلمية والتكنولوجية، أم أن كل ذلك لا يفرق في الحروب ولا يدخل في باب الأولويات؟
هذه التساؤلات تقودنا إلى ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح "الجهل المعمّم". هذا الجهل لا يتعلق بالمعرفة النظرية ولا بقدرة الوعي على الوصول إلى الحقيقة، بقدر ما يتعلق بعدم امتلاك الأدوات لتحقيق هذا الوعي، دون أن نقلل من أن الثانية نتيجة حتمية للأولى في كثير من الأحيان. سيقولون لك إن المال لا ينقص العالم العربي، دون أن يوضحوا أن هذا المال نتيجة ريعية لا إنتاجية، وسيقولون إن علماء العرب يملأون الغرب، دون أن يفككوا الأسباب التي دفعت هؤلاء لهجرة أوطانهم، أو حتى الفرق بين الفرد والمؤسسة. سيكتفون بتكرار المكرّر والمملّ بأنه يتم تجهيلنا من قبل الاستعمار، وتفكيكنا من قبل الغرب، ونهب خيراتنا من قبل الإمبريالية العالمية، ودون أن يتوقفوا لحظة واحدة أمام دورنا نحن في مواجهة كل ذلك، أو ما الذي فعلناه كي لا نبقى قرناً كاملاً ضحايا فقط لهذا الغرب.

ورغم هذا النقص أو الاختلال بين كفتي الميزان، واعترافنا ضمناً بأننا ضحايا، إلا أننا محترفون في تلقّف تضخيم العدو لنا، ونتيجة لذلك نقدم أنفسنا كأبطال دائمين وخارقين لا يحتاجون لا لمساعدة ولا لتضامن. لا يتم كل ذلك صدفة أو حتى عن قناعة بقدرات الذات وإمكانياتها، بل يتم نتيجة لاستثمار الطبقة الحاكمة والنخب السياسية في هذا الجهل، وإعادة تدويره في كل محطة تاريخية أو حرب جديدة.

ما علاقة كل ذلك بالسؤال الذي طرحناه في المقالات السابقة، حول لماذا لا يخرج أهالي بيروت أو رام الله، أو أية مدينة تتعرّض للعدوان، للاعتصام في شوارع مدينتهم لحمايتها من القصف؟ إن السبب هو إعادة التدوير هذه للجهل، وما ينتج عنها من فرز للمجتمع بين فئة متصدّرة للمشهد بأدواتها وخطابها، وأكثرية لا تملك لا الخطاب ولا الأدوات، وتكتفي بانتظار نتائج ما تقوم به الأولى.

قبولنا بتصنيف الناس في غزة لعسكريين ومدنيين هو وقوع في فخّ تضخيم العدو لقدراتنا، وكأن في مقابل هذه الفئة يوجد عسكريون مدجّجون بسلاح الحروب الحديثة، ناهيك أن مصطلح "العسكريين" يتم توسيعه ليشمل كل من ينتمي لفصيل معين، بغض النظر عن انخراط هذا الفصيل بالعمل المسلح من عدمه

هذه الفئة هي ما نطلق عليها مصطلح "المدنيين"، وهو مصطلح لم يكن ليُستخدم لولا إعادة التدوير ذاتها للجهل. أقصد أن قبولنا بتصنيف الناس في غزة لعسكريين ومدنيين هو وقوع في فخّ تضخيم العدو لقدراتنا، وكأن في مقابل هذه الفئة يوجد عسكريون مدجّجون بسلاح الحروب الحديثة، ناهيك أن مصطلح "العسكريين" يتم توسيعه ليشمل كل من ينتمي لفصيل معين، بغض النظر عن انخراط هذا الفصيل بالعمل المسلح من عدمه، لكن هذا موضوع آخر سنعالجه في مقال قادم.
المدنيون في هذا التصنيف ليس مطلوباً منهم العمل، ما دام هناك جهة تقوم بواجبها بالنيابة عنهم وعن الوطن بأكمله. هم يشجعون حين لا تكون الخسائر بين صفوفهم، ويتحسبنون حين يطالهم الأذى، لكنهم لا يبادرون لحماية أنفسهم بوسائل مدنية ولا يقتنعون، أو للدقة لم ينبههم أحد لفاعليتها، ما دامت الكلمة الأولى والأخيرة للبندقية. نستكمل نقاش أدواتنا في المقال القادم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image