لعبت المرأة على مرّ التاريخ، دوراً حيوياً ومهماً في المعارك القبلية الصغيرة، ولاحقاً في الحروب الأكبر، وهو دور لم يتم تقديره بشكل كافٍ. ولا تقتصر مشاركة المرأة في الحرب على دعم الجنود ورجال الأسرة فحسب، إذ تنوع دورها بين المشاركة في خطوط القتال وتقديم الدعم اللوجستي والطبي، حيث يمكن رؤية بصمات المرأة في كل مكان وفي كل الحروب.
نَنْه خاتون
في تاريخ العالم والدول، مثل تركيا، هناك الكثير من هؤلاء السيدات؛ على سبيل المثال، شاركت العديد من هؤلاء النساء في الحرب بين الروس والدولة العثمانية في عامَي 1877 و1878، أو في حرب كورتولوش التي تُعرف باسم حرب استقلال تركيا، وقد نشبت بين عامي 1919 و1923.
من أشهر هؤلاء النساء يمكن ذكر نَنِه خاتون، التي وُلدت عام 1857 في أرضروم في تركيا، وسُمّيت عند ولادتها بـ"ننه خاتون"، ومع ذلك، في بعض الكتب والوثائق التركية، يشار إليها باسم "نَنِه" فحسب. عُرفت نَنه، بعد أحداث 8 تشرين الثاني/نوفمير 1877، فعند أذان فجر ذلك اليوم، انتشر في مدينتها خبر احتلال الروس لجزء من تركيا، وتقدمهم نحو أرضروم. ننه خاتون، التي لم يتجاوز عمرها آنذاك العشرين عاماً، وضعت ابنها الرضيع على الأرض، وحملت حجراً بدلاً منه، ودون أي تردد انضمت إلى زوجها وجيش الناس الذين كانوا يستعدون للحرب.
شاركت العديد من النساء في تركيا في الحرب بين الروس والدولة العثمانية في عامَي 1877 و1878، أو في حرب كورتولوش التي تُعرف باسم حرب استقلال تركيا، وقد نشبت بين عامي 1919 و1923
وحينها قالت ننه خاتون، لمن منعها من الذهاب إلى الحرب من أجل ولدها الرضيع: "إن الله مثلما أعطاني هذا الطفل، سوف يتولى هو رعايته"، وكانت هذه أول مشاركة لها في جبهة الحرب، لكنها لم تكن الأخيرة، حيث أظهرت في ما بعد شجاعةً كبيرةً في معارك استقلال تركيا. ننه خاتون ورثت روحها القتالية هذه، من والدتها زليخة التي قاتلت بجانب الرجال في تلك الحروب.
خلال الحروب تلك، تلقّت ننه، تدريباً عسكرياً لفترة قصيرة، وتعرفت خلال هذه الفترة على تكتيكات الحرب واستخدام الأسلحة، وقد رُويت قصص كثيرة عن شجاعتها، غالبيتها تتحدث عن وقوفها وحيدةً أمام العدو، وصمودها لفترة طويلة ببراعتها في استخدام الأسلحة وقدرتها على خداع جيش العدو.
كانت ننه، ترتدي الملابس التركية التقليدية في أثناء الحروب، وذلك لإظهار جذورها الثقافية، ولا يزال جزء من هذه الأزياء معروضاً في المتاحف التي تعرض المصنوعات اليدوية المتعلقة بالحرب، كما أبدعت تقنيات للحرب استخدمها الجنود والمحاربون الأتراك لقرون عدة في معاركهم، ويُعدّ هذا الأمر السبب الرئيسي في شعبيتها بين الأتراك، بجانب روحها القتالية.
ولم تقتصر مشاركتها على القتال فحسب، بل أنشأت خلال الحرب، منظمات استقاقيةً كانت تقدّم المساعدة لضحايا الحرب، وساعدت شخصياً العديد من الأشخاص في التغلب على المضاعفات النفسية التي سببتها الحرب للأشخاص.
الأفلام والكتب
في عام 2018، تم إنتاج فيلم وثائقي بعنوان "البطلات التركية" من إخراج آيدين تشيتينكايا، وتم من خلاله التعرف على تأثير هؤلاء النساء اللواتي صنعن التاريخ في هذا البلد، ويتناول جزء كبير من هذا الفيلم الوثائقي قصةَ ننه خاتون. قبل ذلك، وفي عام 1970، قام عارف يلماز، وهو أحد المصورين السينمائيين الأتراك المشهورين، بإنجاز فيلم وثائقي بعنوان "ننه خاتون"، تحدث فيه بشكل خاص عن دور هذه السيدة في حرب كورتولوش.
وجاء ذكر هذه البطلة في الأدب التركي، حيث تمت كتابة العديد من الكتب عن أعمالها البطولية، ومنها كتاب يحمل اسمها، من تأليف آيتول آكال، يروي حياة ونضال ننه خاتون للأطفال.
أمّ الجيش الثالث
في عام 1952، منحها نور الدين بارانسيل باشا، الذي كان قائداً للجيش الثالث في أثناء الحرب، لقب "أمّ الجيش الثالث"، على الرغم من أنها كانت تحمل ألقاباً رسميةً ومهمةً كثيرة، فخلال الحرب، تم منحها رسمياً لقب "السيدة الضابطة". وفي عام 1955، عندما احتفلت تركيا بعيد الأمّ لأول مرة، حصلت ننه خاتون على لقب أمّ العام.
توفيت ننه، عن عمر يناهز 98 عاماً بسبب التهاب رئوي، ودُفنت في مراسم خاصة في مقبرة شحادة عزيزة، وبعد سنوات من وفاتها، قدّمتها بعض المصادر خطأً على أنها "أول شهيدة في تركيا"، وقد خلقت هذه الأساطير عنها وعن قتالها، صورةً تشبه صورة الشهيدة لدى الأتراك.
ننه خاتون، التي عُرفت كشخصية مناضلة وبطلة قومية، حصلت على العديد من الجوائز الروحية لشجاعتها ودورها المهم في الحروب، وذلك خلال حياتها وحتى بعدها، حيث يوجد في تركيا العديد من المتاحف التي تحتوي على تماثيل أو كتب أو أفلام أو خطابات عنها، كما ورد ذكرها كثيراً في المدارس وفي عناوين الكتب التربوية.
ومن بين هذه الأعمال والآثار، يُعدّ تمثالها الذي تم نصبه في مسقط رأسها مدينة أرضروم، من أهم هذه التماثيل، إذ بعد مرور 24 عاماً على تركيبه، قامت بلدية أرضروم بسحبه من ساحة المدينة بسبب أخطاء فيه، وتمت إعادة هذا التمثال إلى مكانه بعد التعديل.
شرحت بلدية أرضروم سبب هذا التعديل المتأخر كالتالي: "في أثناء نحت هذا التمثال تم نحت مسدس بيد ننه خاتون، وهو ما اعتبره المؤرخون خطأً، كما كانت تدور شكوك حول إبقاء الطفل المنحوت على كتف التمثال... بعد التعديل استبدلنا البندقية بفأس ليكون التمثال مزوّداً بسلاح ننه خاتون الأساسي والرئيسي، لكن برغم أنها لم تخُض حرباً وطفلها عل ظهرها، إلا أننا أبقينا الطفل في هذا العمل لنذكّر الجميع بأنه على الرغم من وجود طفلها الرضيع، شاركت في الحروب ودافعت عن وطنها".
غالباً ما تغيّر الحرب دور المرأة ومكانتها التقليدية في المجتمعات، وشجاعة المرأة وتضحياتها لا تؤثر على مسار الحرب فحسب، بل غالباً ما تكون أساساً مهماً في إعادة بناء الهياكل الاجتماعية بعد الحرب
تم الكشف عن تمثال مهم آخر لننه خاتون، في أنقرة في ذكرى وفاتها، كما يمكن إيجاد تماثيلها في معظم المدن التركية، ما يدلّ على مكانتها لدى الشعب التركي، كما تحوّل منزلها إلى متحف يقدّم للزوار الكثير من المعلومات عن حياتها وبطولاتها.
كارا فاطمة وحليمة تشاوش
قد أظهرت نساء أخريات كثيرات، على غرار ننه خاتون، شجاعةً وبطولات في الحروب التركية، وقد بقيت أسماؤهنّ خالدةً في تاريخ تركيا؛ من بين هؤلاء السيدات يمكن ذكر كارا فاطمة، التي وُلدت عام 1888 في مدينة تكيرداغ، وكانت واحدةً من القائدات النادرات اللواتي قاومن احتلال العدو وحاربن على الجبهة خلال حرب الاستقلال كورتولوس.
منذ بداية الحرب، ناضلت فاطمة بنشاط في الأناضول، خاصةً في إزمير وضواحيها، وأصبحت أحد رموز النضال الوطني. شاركت كارا فاطمة في العديد من المعارك مع وحدتها العسكرية، وبفضل قيادتها الدقيقة وشجاعتها نالت الكثير من الاحترام بين زملائها الجنود وبين الناس.
ومن بين البطلات الأخريات في تاريخ الحروب التركية، حليمة خاتون التي عُرفت باسم "حليمة تشاوش"، ويُظهر هذا اللقب احترام الجنود لها، كما تُعرف حليمة بأنها شخصية مهمة في حرب الاستقلال التركية.
هناك نساء أخريات لعبن دوراً مهماً في الحرب، يمكننا أن نذكر منهن ابنة مصطفى كمال أتاتورك بالتبنّي، صبيحة كوكجن، التي أصبحت أول طيارة مقاتلة في تركيا وهي في سن الثالثة والعشرين، وقد شاركت في العديد من المعارك وقاتلت لصالح الحكومة التركية.
غالباً ما تغيّر الحرب دور المرأة ومكانتها التقليدية في المجتمعات، وهذا التغيير في دور المرأة في أثناء الحرب حاسم جداً في تغيير شكل المجتمعات، وإن شجاعة المرأة وتضحياتها لا تؤثر على مسار الحرب فحسب، بل غالباً ما تكون أساساً مهماً في إعادة بناء الهياكل الاجتماعية بعد الحرب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 18 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع