شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
رحلة الأزياء التركية من العظمة العثمانية إلى العصر الحديث

رحلة الأزياء التركية من العظمة العثمانية إلى العصر الحديث

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتاريخ

السبت 19 أكتوبر 202401:58 م

الملابس بما تحمل من معانٍ، هي في الواقع إشارة إلى مرتديها، إذ من خلالها يمكن أن نعرف جنس ذلك الشخص أو ثقافته، وحتى يمكن دراسة التاريخ عبرها، حيث يشير كل لباس أو أسلوب في التصميم والخياطة، إلى فترة تاريخية أو ثقافة معينة، ومن خلال ذلك تتدفق معلومات عديدة عن عادات وتقاليد ذلك المجتمع أو تلك الفترة. كما تَعرض هذه الملابس التيار السياسي والهوية الاجتماعية والعقلية العامة للمجتمع والوضع المادي والبنية الاجتماعية وحتى تاريخ تصميم النسيج والصباغة في المجتمع المنشود. وهذه الملابس التي تُعدّ أحد المؤشرات المهمة للثقافة، كانت لها مكانة مهمة في الدولة العثمانية، حيث تشير ملابس تلك الفترة إلى القوة السياسية والثروة الكبيرة لتلك الدولة.

النساء في العهد العثماني

كانت الملابس في العصر العثماني، بمثابة صورة تعريفية عن تلك الإمبراطورية، حيث كان تصميمها مأخوذاً من المبادئ والقيم الإسلامية، وإلى جانب ذلك لا ينبغي إنكار تأثيرات التراث البيزنطي والشرق أوسطي على هذه الملابس.

تعود أسس اللباس العثماني إلى العصور القديمة، أي إلى الفترة ما بين القرنين الثالث والخامس قبل الميلاد، وإلى الشعوب التي عاشت في آسيا الوسطى، حيث كانوا يلبسون جلابيب طويلةً مفتوحةً من الأمام وبأكمام طويلة. وبطبيعة الحال، ومع مرور الوقت، حدثت تغييرات مهمة في شكل ملابس هؤلاء الأشخاص، وفي ما بعد أحدث تأثير الغرب أبرز التغييرات في ملابس قاطني تلك المنطقة، ومن بعدهم العثمانيين.

كانت الملابس في العصر العثماني، بمثابة صورة تعريفية عن تلك الإمبراطورية، حيث كان تصميمها مأخوذاً من المبادئ والقيم الإسلامية، وإلى جانب ذلك لا ينبغي إنكار تأثيرات التراث البيزنطي والشرق أوسطي على هذه الملابس

وإسطنبول التي كانت عاصمة الإمبراطورية العثمانية في ذلك الوقت، لعبت دوراً مهماً ورائداً في عكس جمال الإمبراطورية وغناها وثرائها، نظراً إلى موقعها الجغرافي المميز، حيث طال هذا الثراء أسلوب الملابس وتنوعها. في هذه المدينة كان يُطلب من الجميع ارتداء الملابس وفقاً لوضعهم ومكانتهم الاجتماعية، ويمكن مشاهدة هذا الأمر، في جميع المصادر التاريخية المتبقية من تلك الحقبة، فيظهر بوضوح أن جميع أهل الإمبراطورية، خاصةً الإسطنبوليين/ ات، كانوا يطلبون اللباس حسب رتبتهم ومكانتهم ومهنتهم وحتى ديانتهم، وهذا الموضوع بلغ ذروته في عصر السلطان سليم القانوني، وذلك بعد وضع المراسيم القانونية المتعلقة بالرتب والدرجات.

المنمنمات... أهم الوثائق التاريخية

أهم المصادر التي يمكن الاعتماد عليها لمعرفة ملابس العصر العثماني، هي لوحات ورسمات المنمنمات الموجودة في كتب مثل "سليمان نامه"، و"هُنَر نامه"، و"الملابس الإنسانية في شمائل العثمانية"، أو الكتب المصوّرة التي كتبها مؤلفون أجانب عاشوا في إسطنبول خلال تلك الفترة، حيث درسوا خلالها أسلوب الحياة اليومي للناس ورجال الحاشية.

في هذه المنمنمات، تظهر السراويل والقبعات التي تُعدّ إيران مركز نشأتها، كجزء لا يتجزأ من الملابس العثمانية. بالإضافة إلى ذلك، كان المسلمون يرتدون الأحذية الصفراء، ورجال الدين يرتدون الأحذية الزرقاء، والجنود الأحذية الحمراء، كما كان القفطان من متطلبات رجال الدين والمسؤولين الحكوميين في تلك الفترة، إذ بالنسبة للعثمانيين كان استخدام القفطان تقليداً قديماً ورثوه عن الأويغور. وما يتبين من المنمنمات في تلك الفترة، أن بعض المسؤولين الحكوميين ارتدوا قفطانات بسيطةً، وآخرين القفاطين الملوّنة والمنقوشة، ولذلك كان يُظهر القماش ونمط القماش وخياطته رتب الأشخاص ومكانتهم. والمصادر المصوّرة المتبقية، تُبيّن أن بعض القفاطين التي كان يرتديها رجال البلاط، حيكت من أقمشة تركية، وبعضها من أقمشة مخملية إيطالية، ولكن القفاطين التي كانت عليها صور للحيوانات أو للبشر أُنتجت على يد الصفويين في إيران.

قفطان

كان الإمبراطور العثماني وحاشيته يرتدون ملابس تتناسب مع أهمية الحفل الذي يقام في العاصمة، ولذلك كانوا يفهمون تماماً الدور الرمزي لملابسهم. ففي الصور المتبقية من مراسمهم في القرن الخامس عشر، يظهر السلطان سليمان وهو يرتدي ملابس زرقاء داكنةً، لأن هذه المراسم كانت في الواقع مراسم جنازة الملك السابق، وفي مشهد آخر لسليمان في "سليمان نامه"، يصوَّر السلطان وهو يرتدي قفطاناً أزرق داكناً، وفي صورة أخرى يظهر وهو في الصيد، وذلك بعد وفاة نجله الأمير مصطفى، أو ابنه الآخر جيهانكير، وهو يرتدي قفطاناً أزرق داكناً، وبالرجوع إلى هذه الصور، يمكن أن نفهم أنه مع اقتراب سليمان من نهاية حياته، ابتعد عن الترف والبريق في الملابس واتجه إلى البساطة في ملابسه وربما حياته.

النساء في الإمبراطورية العثمانية

أولت نساء البلاط العثماني أهميةً كبيرةً للملابس والإكسسوارات، حيث قمن بخياطة القمصان لأنفسهنّ من الأقمشة الحريرية التي أُنتجت في مدينة تُستر في جنوب غرب إيران، حيث زيّنن هذه الملابس بشرائط رفيعة من الذهب والفضة وغيرهما من المعادن الثمينة، وكنّ يرتدين قلائد من اللؤلؤ والماس على قمصانهنّ، وأحياناً كنّ يربطن الأحجار الكريمة بملابسهنّ.

وفي حضور الرجال أو في الشارع، كانت النساء يغطين رؤوسهنّ بشالات من الحرير، ووجوههنّ بغطاء يُسمّى "ياشماك"، ويرتدين بدلةً تُسمّى "فراجة"، وهي تشبه المانطوات في عصرنا الحالي. ومن التغييرات التي وُجدت في ملابس النساء العثمانيات المتأثرة بالملابس الغربية، والتي تعرضت لانتقادات شديدة في تلك البرهة، استخدام أقمشة رقيقة لتغطية رؤوسهنّ ووجوههنّ.

من أزياء العهد العثماني

بعد هذا التطور في ملابس النساء، اعترض رجال الدين على هذا الموضوع، وأصدروا أوامر حول ملابس السيدات وحدودها، ووردت نصوص هذه الأوامر في الكتب والمذكرات التي تبقّت من ذلك العصر، إذ نُشرت في كتب مثل "زبدة الحقائق"، أو "العصر الحجري العاشر"، وغيرهما من الكتب، على الشكل التالي: "لقد رأينا أن النساء قد أعددن لأنفسهنّ ملابس بأشكال مختلفة وبابتكارات جديدة لا تتوافق مع عاداتنا وتقاليدنا. النساء اللواتي يستخدمن العباءات والياقات الدانتيل، أو يرتدين التنانير الضيقة، أو تظهر وجوههنّ من تحت ’الياشماك’، يجب أن يعدلن حجابهنّ، وعليهنّ أن يرتدين غطاء رأس أسود، كما أن ارتداء الملابس الفضفاضة محظور أيضاً، ويجب على النساء اللواتي يخالفن هذه القوانين، تقديم أنفسهنّ إلى الأشخاص المعنيين وقبول عقوبتهنّ".

أهم المصادر التي يمكن الاعتماد عليها لمعرفة ملابس العصر العثماني، هي لوحات ورسمات المنمنمات الموجودة في كتب مثل "سليمان نامه"، و"هُنَر نامه"، و"الملابس الإنسانية في شمائل العثمانية"

ولم تكن هذه الأوامر تصدر دائماً بسبب تعارضها مع المبادئ الدينية والأخلاقية، حيث كان الهدف من هذه القوانين منع الإسراف والسيطرة على النزعة الاستهلاكية والرفاهية المتزايدة في المجتمع ولدى الناس العاديين آنذاك. ولكن منذ نهاية القرن الثامن عشر، ومع تزايد تأثير الثقافة الغربية والنزعة الغربية في آسيا الوسطى، نأى بلاط وشعب الإمبراطورية العثمانية أكثر فأكثر عن الملابس التقليدية، واختاروا الشكل والمظهر الأوروبيين لأنفسهم، لا سيما بعدما أنشأ محمود الثاني جيشاً جديداً يرتدي الملابس الغربية الحديثة في عام 1826، وصدر قانون بعد ذلك يلزم موظفي الخدمة المدنية بارتداء البدلات.

مراكز الخياطة الأولى

منذ عام 1870، أي بعد إدخال آلات الخياطة إلى الإمبراطورية العثمانية، تسارعت عملية تطوير الملابس، حيث كان الخياطون يصنعون لأنفسهم ملصقات يخيطونها على الملابس التي خيّطوها (هذه الملصقات كانت بداية العلامات التجارية)، ومنذ ذلك الوقت، انقسم الخياطون في الدولة العثمانية إلى فئات مختلفة، وصُنّفوا وفقاً لجودة المنتجات التي كانوا ينتجونها، وتوسع هذا الأمر إلى درجة أن بعض الأشخاص كانوا يخفون علامات ملابسهم، حتى لا يعرف أحد اسم خيّاطهم، كما كان بعض الخياطين لا يخيطون لأي كان، فمستوى كل شخص ومركزه مهمان لديهم.

من أول مراكز الخياطة في إسطنبول

في هذه الفترة، حققت المدارس الفنية التي افتتحها اليونانيون والأرمن للفتيات في عهد عبد الحميد، نتائج مذهلةً في فترة قصيرة من الزمن، وسرعان ما حوّلت فتيات الخياطة اللواتي تخرجن من هذه المدارس، إسطنبول إلى مركز للأزياء النسائية في العالم الإسلامي. وفي وقت قصير أصبحت إسطنبول معروفةً كمركز للأزياء والملابس النسائية في العالم الإسلامي، وحتى لدى النساء الأوروبيات.

خلال الحرب العالمية الأولى، أدت الزيادة في عدد النساء العاملات من الطبقة العاملة إلى زيادة حضور النساء في المجتمع، وبدلاً من استخدام المجوهرات والملابس الفاخرة، هؤلاء النساء فضّلن أن تكون ملابسهنّ أكثر راحةً وعمليةً، إلى درجة أنهنّ في بعض الأحيان خرجن بالمانطوات والقمصان البسيطة التي كنّ يرتدينها في المنازل، كما أصبحت هذه الملابس أكثر بساطةً بعد الثورة الروسية، بسبب وجود الروس في إسطنبول.

رجال في العهد العثماني

ومع نقل العاصمة إلى أنقرة بعد الحرب، تم تخفيف الضوابط وسمحت التغييرات في الحياة الاجتماعية للنساء بالتحرك بحرية أكبر خارج المنزل، وأدت هذه التغييرات تدريجياً إلى ترك ارتداء العباءات في الطبقة العليا، وانتشار تأثير الموضة الغربية. بعد عام 1918، حين انهزمت الإمبراطورية العثمانية في الحرب، ظلت ملابس النساء موضوعاً للنقاش في المجلات التركية، حيث عدّ بعض الكُتّاب أن ملابس النساء ملونة ومزخرفة ولافتة للانتباه أكثر من اللازم. وعلى الرغم من الجهود العديدة التي بُذلت على مرّ السنين لإيجاد ملابس وطنية بدلاً من الأزياء الغربية، لا تزال الموضة الأوروبية موجودةً بل هي الرائدة في إسطنبول.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard
Popup Image