شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كي لا نجعل من انتصار إسرائيل قدراً (1)

كي لا نجعل من انتصار إسرائيل قدراً (1)

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 2 أكتوبر 202412:03 م

كان كل هذا متوقعاً، فكل صاحب عقل كان يعرف أن الأمور سوف تتدحرج إلى حرب طويلة لا تُبقي ولا تذر. أما استخدامي لمصطلح "حرب طويلة"، فهو مقصود، ويهدف إلى تلافي الدخول في توصيفات من قبيل "حرب شاملة" و"حرب موسّعة" أو "حرب استنزاف". أقصد أن ما يحدث وما سيحدث هو حرب طويلة تنتهي بصفقة كبيرة مع كل الأطراف، وتعيد تشكيل خارطة الشرق الأوسط، بما يضمن مصالح اللاعبين الإقليميين، القدماء منهم والجدد، بالحد الذي يخلق استقراراً، ولو هشاً، للمنطقة ومكوّناتها إلى عقود طويلة.
الحرب الشاملة تعني أن المنطقة كلها، وبكل مكوناتها، ستكون مادة لحرب حقيقية، يحارب فيها الجميع وتتم محاربتهم، أما الحرب الموسّعة فهي نسخة أقل قليلاً من الشاملة، ولكنها تخاض بنفس الدوافع ولنفس الأهداف.

فيما يخص حرب الاستنزاف، فإن الطرف الأضعف يقوم بضربات بين حين وآخر نحو عدوه لاستنزاف طاقاته، وذلك من أجل إخضاعه فيما بعد للشروط التي لم يستطع تحقيقها في المواجهة المباشرة السابقة.
لكن حرباً طويلة هي ما تقوم بها إسرائيل، وهي من يختار الهدف وتوقيت الهجوم عليه، أو تأجيله إن لزم الأمر، إلى حين الانتهاء من الهدف الذي سبقه على القائمة. وهذه الحرب، وبعكس ما يتم ترويجه لنا إعلامياً، مضبوطة الإيقاع وواضحة الأهداف، وإلا ما الذي يجعل من بعضنا قادراً على توقع كل خطوة في مسارها، وبالتالي مآلاتها منذ أن بدأت في الثامن من أكتوبر من العام الماضي؟ إذ لا أظن أن هذا التوقع، والذي يصيب في كل مرة، ناتج عن قدرات غيبية، بل هو من صميم معرفة كيف يفكر أعداؤنا وما الذي يريدونه في نهاية المطاف، وبناء على ذلك يمكن بسهولة معرفة الخطوة التالية، وحتى معرفة المحتجّين عليها والمؤيدين لها.

الحرب الشاملة تعني أن المنطقة كلها، وبكل مكوناتها، ستكون مادة لحرب حقيقية، يحارب فيها الجميع وتتم محاربتهم، أما الحرب الموسّعة فهي نسخة أقل قليلاً من الشاملة، ولكنها تخاض بنفس الدوافع ولنفس الأهداف

إذن نحن بصدد حرب طويلة تشنّها إسرائيل، وبدعم أمريكي، على الفلسطينيين ومن خلفهم، وعلى كل من قد يشكل خطراً على مخططاتها في المستقبل، من العرب وغير العرب. هذا هو عنوان هذه الحرب دون زيادة أو نقصان، لكن هل سيناريو هذه الحرب ونتائجها ستكون قدراً بالضرورة، أو هل هي قدر سيحيق بنا شئنا أم أبينا، لمجرّد أن إسرائيل قرّرت ذلك؟ هذا ما يجب التفكير به وبناء على خلاصاتنا من هذا التفكير علينا أن نحاول منع إسرائيل من تحقيق ما تريده.

هذا التفكير، ولكي يكون مجدياً، عليه أن ينطلق من ثلاث قضايا ويحاول دراستها بما يساعد على الوصول إلى الطريقة الأمثل لمنع هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم من تحقيق أهدافه. أولى هذه القضايا هي التحولات التي تجري على مستوى العالم، وليس فقط في منطقتنا، والتي تؤدي شيئاً فشيئاً إلى انتهاء العالم القديم، أي عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، ونظمه السياسية والاجتماعية، لصالح عالم جديد ما بعد عولمي.
من أهم خصائص هذا العالم الذي انبثق منذ عقدين، هو ارتفاع مستوى العنف بشكل عام، وتحديداً في منطقتنا العربية، وتقبّل هذا العنف ليس فقط من قِبل صانعي القرار الدوليين، بل أيضاً مِن قِبل مَن يحدث العنف بحقهم. وهنا سأضرب مثلين اثنين لعلهما يوضحان القصد: الأول كان كارثة طبيعية، وهو انهيار السد في مدينة درنة الليبية، وكيف أن مقتل اثني عشر ألفاً من البشر خلال ساعات، لم يُحدث الضجة الإعلامية الكافية أو الاندفاع للمساعدة، وكيف تم نسيان الضحايا بعد أيام قليلة ولم يعد أحد يذكرهم. أما المثل الثاني فهو سوريا وما حدث فيها خلال عقد كامل من الحرب وتشريد السكان وقتل أعداد كبيرة منهم، وأين انتهت هذه القضية وكيف يتم التعاطي مع ضحاياها الآن، على الأقل من قِبل القنوات التي تصدّرت التحريض مع بداية الأزمة السورية. أظن أننا متفقون أن لا ذكر لسوريا ولا للشعب السوري حالياً.

القضية الثانية هي التكنولوجيا، بحيث أن علماء الاجتماع ودارسي السياسة يطلقون هذا المسمّى على العصر الذي نحن فيه. ما الذي يعنيه ذلك؟ إنه يعني من ضمن أشياء كثيرة، أن الدولة القومية، كمؤسسة حاكمة تحديداً، في طريقها إلى الزوال لصالح حكم الشركات العابرة للحدود. لا تعريفات قومية أو وطنية في هذا العصر، فتعريف هوياتي مثل "ألماني" أو "مكسيكي" أو "عربي" لم يعد يكتسب الأهمية ذاتها التي كانت قبل خمسين عاماً مثلاً، أو في فترة النشوات القومية السابقة لعصر ما بعد العولمة.
القضية الثالثة هي إسرائيل ذاتها، وما تملكه من فائض قوة لا يمكن مقارنته بما لدى أعدائها مجتمعين، ليس فقط على المستوى العسكري أو مستوى التسليح، بل على مستويات الإعلام والتكنولوجيا وقوة الحلفاء ومصالحهم المشتركة والمتبادلة معها.
أمام هذه القضايا الثلاث كيف يمكننا أن نتصرف، من أجل تحقيق المكاسب ضد هذا العدو، أو على الأقل من أجل أن نمنعه أو نحد من قدرته على تحقيق المكاسب ضدنا؟

لا يكفي أن نردّد الشعارات حول فكرة البطولة الفردية، فهذا مستمد من عصور ما قبل الدولة. البطولة الفردية جانب عظيم في شباب ومقاتلي فلسطين ولبنان وغيرهما، لكنها لا تصمد أمام التكنولوجيا، وهي تعيق العدو مرحلياً لكنها لا تمنعه من تحقيق أهدافه

لا يكفي أن نردّد الشعارات حول فكرة البطولة الفردية، فهذا مستمد من عصور ما قبل الدولة ولم يعد يفي بالغرض في "ساحات المنازلة". البطولة الفردية جانب عظيم في شباب ومقاتلي فلسطين ولبنان وغيرهما، لكنها لا تصمد أمام التكنولوجيا، وهي تعيق العدو مرحلياً لكنها لا تمنعه من تحقيق أهدافه. وقوة الحق والإيمان بهذا الحق أو الإيمان بالله ووقوفه إلى جانبنا أيضاً جيدة، لكنها لا تصنع فارقاً في عالم اليوم. وترديدنا أن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت يمكنه أن يرفع المعنويات لأولئك الجالسين أمام الشاشات، لكنه في مراحل لاحقة يسبّب لهم الأزمات النفسية، حين لا يرون ما حلموا به يتحقق.

لنضع الأشياء في مقابل بعضها البعض إذن، ونحاول المرور من الثغرات، بلغة القانونيين، بما يحقق لنا ما نصبوا إليه:

نحن أبناء هذه الأرض، وعدوّنا دخيل عليها. هو يملك ترسانة عسكرية ونحن نملك عنصراً بشرياً مؤمناً بحقه. لقد جربنا كل الطرق في محاربة هذا العدو، لكنه ما زال يحقق المكاسب والنقاط ضدنا، وقليلة هي المرات التي حققنا فيها مكاسب حقيقية، لكنها لم تدم. أين الخلل إذن، وكيف يمكننا أن نعالجه؟
علينا أولاً أن نستخدم هذا العنصر البشري بما يمنع العدو من تحقيق أهدافه. لا يجوز وليس مقبولاً بعد اليوم أن يكون نضالنا بالإنابة، بمعنى أن يتصدّر حزب أو حركة مشروع الحرب أو القتال تحت مسمى المقاومة، ويتم تحييد بقية المجتمع. ما المانع مثلاً في هذه الأيام أن يخرج كل أهالي بيروت للاعتصام في الشوارع لحماية مدينتهم؟ هل ينتظر الناس أن يصيبهم ما أصاب غزة؟ هل يؤمنون بمقولة إن إسرائيل لو اجتاحت لبنان ستغرق فيه؟ لماذا أصلاً علينا استدعاء العدو ليحارب في أرضنا، وكيف وصلنا إلى هذا المكان الذي نستمع فيه إلى هكذا تحليلات ونسكت عليها؟ هذه الأسئلة وغيرها نجيب عليها في المقال القادم.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image