عاد أكتوبر بسمائه الرمادية، ومعاطفه السوداء والأشرطة الوردية للحملات ضد سرطان الثدي.
مع عودة شهر الأشرطة الوردية، يتجلى في باريس المشهد المعتاد. يظهر برج إيفل مضاءً باللون الوردي، والحافلات الوردية المخصصة للفحص تجوب شوارع المدينة، حاملة صوراً لنساء مختلفات الأعراق والثقافات، سمراوات وشقراوات وآسيويات، محجبات وغير محجبات، ولكن، جميعهن مبتسمات.
تقف الحافلات في محطاتها، وأمامها طوابير النساء اللواتي جئن من أجل الفحص، وعلى عكس الصور الملصقة، فأغلبهن أوروبيات، إذ يمكن لأي شخص تمييز لغتهن وملامحن.
تبعث هذه الحافلات الحديثة ذات الطابقين الحياة في سماء باريس وشوارعها، متجاهلة الازدحام والمشاكل المرورية، رافعة شعارات الحملة السنوية التي تهدف إلى رفع الوعي بشأن الفحص المبكر لسرطان الثدي.
برامج التوعية والجمهور الناقص
في هذا الشهر من كل عام تتجه أنظار العالم إلى ضرورة مكافحة سرطان الثدي، وتوعية النساء بأهميّة الفحص المبكر. وفي فرنسا يشرف المعهد الوطني للسرطان (INCa)، على برنامج توعية النساء ضدّ سرطان الثدي، إذ يقوم بإرسال إشعارات إلى كلّ النساء المؤمّنات لدى الضمان الاجتماعي بين سن 50 و74 عاماً، تدعوهن لإجراء تصوير الثدي الشعاعي.
في الوقت نفسه، تُحرم مئات الآلاف من النساء المهاجرات ذوات الوضعيات الهشّة من هذه الإجراءات الوقائية إذ تظهر البيانات الأخيرة أن معدل مشاركة النساء عموماً في هذه الحملات ما زال منخفضاً، وتوضح دراسة ماري بوازوي المنشورة في العام 2022، الارتباط بين عدم اللجوء إلى فحص سرطان الثدي وبين عدة عوامل اقتصادية واجتماعية، منها: الدخل المنخفض الذي يحد من القدرة على تحمل تكاليف الفحص، نقص الوعي الصحي، الحواجز اللغوية، والاختلافات الثقافية التي تؤثر على إدراك أهمية الفحص المبكر، وكذلك كون المرأة مهاجرة أو من أصول مهاجرة.
في السنوات الأخيرة، تم إدراج تعزيز المشاركة في برنامج الفحص المنظم لسرطان الثدي كجزء من خطة الوقاية الإقليمية لوكالات الصحة الإقليمية، مع التركيز بشكل خاص على الفئات السكانية التي تقل مشاركتها كالمهاجرات.
تشمل هذه الخطة تعريف نظام الفحص المنظم لسرطان الثدي لهذه الفئات، وتسهيل الوصول للفحص للبعيدات جغرافياً أو اجتماعياً أو ثقافياً عن برامج الوقاية.
في الوقت الذي تتوجه به الحملات إلى النساء المؤمنات صحياً، تُحرم مئات الآلاف من النساء المهاجرات منها، نتيجة الدخل المنخفض، نقص الوعي الصحي، الحواجز اللغوية، والاختلافات الثقافية التي تؤثر على إدراك أهمية الفحص المبكر
كما تتضمن الخطة تحفيز هذه الفئات على المشاركة في الأنشطة الفردية والجماعية المتعلقة بالوقاية، والتثقيف الصحي، وتقديم خدمات تتماشى مع حاجاتها، مثل توفير متخصصين في التثقيف الصحي من خلفيات ثقافية متقاربة للمهاجرات، وإيجاد طرق للتغلب على الحواجز النفسية والاجتماعية التي تمنعهن من اللجوء إلى الفحص والعلاج في الوقت المناسب.
إذاً، بدأت الهياكل التي تتعامل مع الحافلات الوردية باستقبال المهاجرات في مراحل مختلفة من مسارهنّ الهجري: القادمات الجديدات في بعض مراكز الإيواء، الحاصلات على الوضع القانوني لدى مشغلي الإدماج، النساء اللواتي عشن حياتهن البالغة في فرنسا في المراكز الاجتماعية.
السرطان في ذهن المهاجرات… وصمة عار وعقاب إلهي
تقف المهاجرات الراغبات في إجراء الفحص أمام الحافلة الوردية، ويمكن تمييزهن بسهولة فكثيراً ما يكن خائفات غير مبتسمات. يتحدثن مع المشرفين على الفحص، وأغلبهن يعتقدن بأن السرطان موجود أكثر في بلدانهن الأصلية. ولعلهن على حق، فقد أكدت منظمة الصحة العالمية أن عدم المساواة في الوصول إلى الرعاية الصحية في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط يزيد من انتشار وفيات السرطان.
لدى الاستماع للنساء المهاجرات، لا يمكن إغفال كلمتين تتكرران بكثرة: الموت والوصم.
نسيمة (56 عاماً) هي امرأة من المغرب جاءت للعمل في فرنسا، تقول لرصيف22: "في الحقيقة لا أعرف أية إمرأة أصيبت ونجت من هذا المرض، عندنا نسميه المرض السيىء أو القاتل".
وتقول أميناتا السينيغالية لرصيف22، وهي بائعة خبز متجولة، وأم لثلاثة أطفال: "لقد فضلت أمي الموت في سن 58 ورفضت العلاج الكيماوي، لم ترغب في مصارعة المرض وتقبلت قدرها، كان سيقتلها في كل الأحوال".
أما فاطمة، وهي باكستانية، فقد هربت من ظلم زوجها وعائلته بحسب كلماتها، تقول لرصيف22: "في بلدي، يساوي هذا المرض الموت. لذلك، لا تفكر النساء في الفحص. وإذا شعرن بشيء، أو راودهن الشك، يتركن الأمور للأعشاب والدعاء... خاصة الدعاء".
ومن جهة أخرى تتكرر كلمة "عار" وبالتالي الخوف من الوصم والرفض من المجتمع. تستحضر النساء أفكاراً شائعة في مجتمعاتهن تربط الإصابة بالسرطان بسلوكيات شخصية سلبية.
تتحدث صوفي لانتيوم في دراساتها عن هذه الاعتقادات: "مفاد هذه الأفكار أن المرأة تصاب بالسرطان، إما لأنها لم تعتن بنفسها بشكل كاف، أو لأنها فعلت شيئاً خاطئاً يستوجب مثل هذا العقاب".
تقول الباكستانية فاطمة: "في بلدي، يساوي هذا المرض الموت. لذلك، لا تفكر النساء في الفحص. وإذا شعرن بشيء، أو راودهن الشك، يتركن الأمور للأعشاب والدعاء".
وفقاً لنموذج ليفينثال، المعروف أيضاً باسم نموذج الحس السليم (Common-Sense Model)، والذي طوره في الثمانينات هوارد ليفينثال وزملاؤه، كامتداد للنماذج الأنطولوجية لأبقراط وجالينوس، يُعزى المرض عادةً إلى أسباب خارجية مثل المناخ والقدر، أو إلى أسباب داخلية كالوراثة والجينات.
تتحدث النساء المهاجرات اللواتي يخضن تجربة الفحص خاصة عن أسباب خارجية لظهور المرض، إذ يعتقدن أن العوامل الخارجية هي التي تلعب دوراً رئيسياً في ظهوره. فيما ترجع الكثير منهن الإصابة بهذا المرض إلى العقاب الإلهي او السحر أو القدر.
كما أشارت بعض النساء في حديثهن لرصيف22 إلى أن السرطان قد يكون نتيجة للحرب، تقول نوال وهي مهاجرة من العراق: "الحرب، نعم الحرب بقنابلها والمواد الكيميائية الموجودة فيها، هي السبب، فحتى الماء تلوث جراء الحرب وصار غير صالح للشرب".
ورجّحت ماري-كامي وهي مهاجرة لبنانية أنّ الصدمات الناتجة عن الحرب قد تساهم في الإصابة بالسرطان، تقول: "أهوال الحرب هي السبب، لم نستطع النوم لأيام، الخوف والتوتر وأصوات القنابل والأسلحة، كيف يمكن للجسد أن يتخطى كل ذلك، كيف له أن لا يصاب بالسرطان".
وقالت أميناتا إن التوتر المزمن قد يكون السبب: "بعد وفاة زوجها، أصيبت أختي بانهيار عصبي، وبعد أشهر تم تشخيصها بالسرطان. لا أعتقد أن هذا كان مجرد حظ سيىء، فالعقل والجسد مرتبطان بشكل عميق".
كما ذكرت بعض النساء تأثير العنف وسوء المعاملة، إذ قالت فاطمة الباكستانية : "لو لم أهرب من سوء معاملة زوجي لي لكنت اليوم في عداد الموتى، العنف الزوجي والضرب والإهانة وسوء معاملة العائلة يتسببون بالتأكيد في تطور هذا المرض".
بالإضافة إلى ذلك، تناولت بعض النساء مسألة التغذية والأدوية، قائلات: "الطعام المصنع هو السبب". وذكرت إحداهن: "أعرف طفلاً أصيب بالسرطان لأن أمه لم تستطع إرضاعه، بينما تعتقد أخرى بأن "تطور الطب وتقديم علاجات جديدة ولقاحات متطورة زاد من انتشار المرض".
وفيما يتعلق بالنموذج الداخلي، الذي يَفترض أن المرض يأتي من الاستعدادات الجسدية والوراثة والتاريخ الشخصي، فقد تطرقت النساء فقط إلى مسألة الوراثة كعامل محتمل لا أكثر.
الخجل والعلاقة بالجسد
يبدو أن أحد العوائق أمام هذه المشاركة يتعلق بالتصورات التي تحملها هذه النساء عن هذه الفحوص، بما في ذلك التصورات المتعلقة بالإجراء الفني نفسه والعلاقة بالجسد، والتصورات المتعلقة بمكانة المرأة في أسرتها والطريقة التي تعطي بها الأسرة المهاجرة الأولوية للوصول إلى الرعاية الصحية لأفرادها، بالإضافة إلى التصورات المتعلقة بالمرض الذي يتم فحصه، وهو السرطان.
تعتبر مهاجرات هدة شاركن في هذه الحملات أن تصوير الثدي الشعاعي "الماموغراف"، هو فحص غير مريح.
يجري الفني المتخصص الفحص، ثم يبلغ أخصائي الأشعة المرأة بالتشخيص ويربط ذلك بشكل مكتوب مع الطبيب المعالج أو طبيب النساء. هناك نوع من البرودة والتقنية في هذا الفحص.
بالإضافة إلى اعتقاد العديد من المهاجرات بسيطرة العوامل الخارجية كالعنف والاكتئاب والحروب على أسباب الإصابة بالمرض أكثر من العوامل الداخلية كالوراثة، تسيطر على الكثيرات منهن مشاعر الحياء وعدم الراحة من الفحص نفسه، تقول إحداهن "تصوير وآلات ثم مسألة التعري تزعجني. شخصياً لا أقبلها ما دمت لست مضطرة"
كما أن الحياء والشعور بالإحراج من التعري يعتبران حاجزاً، تقول سناء التونسية لرصيف22: "لا أريد خلع الملابس أمام أحد، حتى لو كان الطبيب امرأة، قد أكون متعرقة مثلاً، فعملي متعب ويتطلب جهداً كثيراً". ولا تبتعد جميلة من الجزائر عن الرأي السابق، تقول "تصوير وآلات ثم مسألة التعري تزعجني. شخصياً لا أقبلها ما دمت لست مضطرة".
وفي هذا الإطار، أشارت الدكتورة دونيز فونتان في عام 2001 إلى أن الحياء قد يكون سبباً في عدم الاستجابة للفحص الشعاعي للثدي: "الحياء و تدهور صورة الذات، وبالتالي الانوثة، يزيدان من رفض هذا الفحص، كما أن الثدي كرمز للهوية، والأمومة، والجنس، قد يُنظر إليه على أنه غير قابل للمساس، وفقدانه أمر لا يمكن تصوره".
ومع ذلك، تشرح موامبا وهي امرأة من الكونغو، جاءت في إطار هجرة غير شرعية، أن تصوير الثدي بالأشعة "ماموغراف"، يتم قبوله بشكل أفضل من قبل النساء القادمات من أفريقيا لأن جداتهن كن يظهرن الثديين دون حرج، تقول "اعتادت أمهاتنا وجداتنا أن يرتدين الملابس حتى هنا (تشير إلى الخصر)، وكان الجزء العلوي مكشوفاً. النساء القادمات من دول عربية لا يظهرن صدورهن، لكن في بلادنا، من الطبيعي أن تظهر المرأة ثدييها بلا حرج".
العوائق النفسية أمام الفحص… مواجهة الموت
تتعدد العوائق النفسية التي تقف أمام النساء وخاصة المهاجرات عند التفكير في إجراء الفحص المبكر لسرطان الثدي. أول هذه العوائق هو الخوف من النتيجة، إذ يرتبط الفحص بفكرة الموت، الذي يُحدث حالة من الدوار النفسي، كما أشارت العديد من النساء، إذ يتحول الموت من كونه مجرد احتمال مستقبلي إلى واقع ملموس قد يكون بدأ بالفعل داخل الجسم.
ولعل الموت أقسى لكل امراة تركت حياتها خلفها في وطنها وجاءت تموت هنا في المهجر.
بالإضافة إلى ذلك، نجد الرغبة في تجنب زيادة صعوبات الحياة المعيشية، إذ تخشى بعض النساء من أن يضيف الفحص مزيداً من التعقيدات إلى حياتهن اليومية. تقول أميناتا: "لم أكن أرغب في الذهاب للفحص، كنت أخاف من أن أزيد الطين بلة، سيتطلب العلاج مني التنقل مثلاً، أين سأترك أطفالي؟ من سيتكفل بشؤون المنزل؟ من سيخبز الخبز ويبيعه؟".
في هذا السياق نفهم أن السؤال المركزي أثناء الفحص الوقائي هو معرفة ما إذا كانت المرأة جاهزة لإمكانية الانتقال من وضع السليم إلى وضع المريض، وهو سؤال لا يأخذه المجتمع الطبي بعين الاعتبار.
كما تمثل اللغة عائقاً أيضاً، حيث تعاني بعض النساء من عدم فهمهن للغة المستخدمة في المواد التوعوية. تقول نوال العراقية: "لغتي هي السبب، أنا لا أستطيع حتى فهم هذه الكلمات المكتوبة على هذه الحافلة".
تقول إحدى المهاجرات: "لم أكن أرغب في الذهاب للفحص، أخاف من أن أزيد الطين بلة، سيتطلب العلاج مني التنقل مثلاً، أين سأترك أطفالي؟ من سيتكفل بشؤون المنزل؟ من سيخبز الخبز ويبيعه؟".
أخيراً، نجد الشعور بالتمتع بالصحة الجيدة، حيث لا ترى بعض النساء الحاجة إلى الفحص طالما أنهن يشعرن بصحة جيدة. وتُعبر إحداهن عن هذه الفكرة بكلماتها: "هل يعقل أن أذهب للطبيب لأقول ببساطة له إنني على ما يرام".
مكانة المرأة في أسرتها وفي مجتمعها
بسبب هشاشة أوضاعهن، وابتعادهن عن عائلاتهن، عادةً ما تمنح الأمهات المهاجرات أفراد أسرهن، وخصوصاً أولادهن، أولوية في الوصول إلى الرعاية الصحية. وقد كان هذا واضحاً في حديث النساء، حيث ترددت جمل كالتالية:
"لدي عائلة وأطفال، أنا لا أجد الوقت حتى لمحادثة أمي بالهاتف".
"الأولوية هي الأسرة، رعاية أبنائي وتدريسهم وصحتهم أهم".
"أخشى أن يتركني زوجي. لذلك أفضل عدم المعرفة بالمرض... هناك رجال لا يتقبلون الأمر خاصة حين يتعلق الأمر بمرض يفتك بالثدي والأنوثة".
الإنسان الطبي ونسف المعتقدات الشعبية
إذا نظرنا إلى هذه الشهادات وتناولناها كمادة للدراسة، وبالرجوع لمفهوم الإنسان الطبي homo medicus الذي يشجع المريض ليكون نشطاً في إدارة صحته. نجد في سياق سرطان الثدي وحملات التوعية دعوة لتشجيع المريضات على المشاركة الفعالة في التشخيص والعلاج والمتابعة دون الأخذ بعين الاعتبار تاريخ وتكوين المريضات.
إذ لا يمكن لكل المريضات المشاركة في البحث عن المعلومات أو اعتماد سلوكيات صحية استباقية.
لقد تحدث ميشيل فوكو عن كيفية تأثير المؤسسات الطبية والممارسات الصحية على الأفراد والمجتمعات، وقدم مفهوم البيو-سياسة، الذي يفسر كيف تنظم الحكومات السكان من خلال الطب والصحة العامة.
في إطار سرطان الثدي، تبرز هذه النظرة أهمية الطب والمراقبة المستمرة للمريضات، وقد عمقها باتريس بينيل حين تناول مفهوم الإنسان الطبي، الذي اعتبره مفهوماً خيالياً، ومن خلال التأكيد على أهمية تطوير المشاركة الفعالة للمرضى في صحتهم الخاصة ولكن دون التعويل على ذلك.
إنّ تحقيق أهداف حملات سرطان الثدي عامة وعند الفئات الهشة خاصة يستوجب على المشرفين تغيير أو ربّما نسف نظرتهم لهذا "الانسان الطبي" الذي عاش حياة مختلفة تماماً عنهم كطواقم طبية وشبه طبية، ومختلفة أيضاً عن أبناء فرنسا.
ولتطوير المشاركة الفعالة للمهاجرات في صحتهن يجب إعادة النظر في النقاط التالية:
مركز التحكم
يشير مركز التحكم "Locus of control" إلى إدراك الشخص لسيطرته على أحداث حياته، أي التصور الذي يشكله الأفراد حول قدرتهم على التحكم بصحتهم.
يمكن أن يكون هذا التحكم إما داخلياً، بمعنى أن الشخص يشعر بأنه مسؤول عن صحته بناءً على أفعاله وسلوكياته. أو خارجياً، حيث يرى الفرد أن صحته تخضع لقوى خارجية مثل الحظ أو القدر.
يركز هذا المفهوم على قدرة الشخص لفهم أفعاله وتأثيرها مباشرة على صحته. بالنسبة للمريضات المصابات بسرطان الثدي، يمكن أن يحفزهن مركز التحكم الداخلي على اتباع العلاجات بدقة، واعتماد عادات حياة صحية، والمشاركة الفعالة في شفائهن.
من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي مركز التحكم الخارجي إلى اعتقاد المريضات بأن صحتهن تتأثر بشكل رئيسي بعوامل خارجية مثل الحظ أو القدر، مما قد يقلل من التزامهن بالسلوكيات الصحية الاستباقية، تماماً كما في حالة نوال وماري-كامي وبقية النساء اللواتي رجحن أن الأسباب المحتملة للإصابة بالسرطان ترجع للقدر أو السحر أو الحروب.
التنافر المعرفي
يحدث التنافر المعرفي "Cognitive Dissonance" عندما تكون معتقدات الشخص أو سلوكياته متناقضة، مما يخلق شعوراً بعدم الراحة أو الذنب.
يظهر هذا التنافر عند المهاجرات اللواتي يفكرن في اللجوء إلى فحوص سرطان الثدي في التناقض بين الدعم الفكري للفحوصات الطبية والرغبة في الانخراط في النظام الصحي الفرنسي من جهة، والسلوكيات الواقعية التي قد لا تتوافق مع هذا الدعم من جهة أخرى.
إذ تعتبر المهاجرات، بحكم تجربتهن في بلدانهن الأصلية، السرطان مرادفاً للموت بسبب نقص الرعاية الصحية، بينما يدركن أن النظام الطبي الفرنسي قادر على تقديم علاج فعّال، مما يعزز لديهن الثقة في الفحوص الطبية. ومع ذلك، قد تقف الظروف المعيشية مثل ضيق الموارد المالية أو اللغة حاجزاً أمام التزامهن بإجراء هذه الفحوصات بانتظام، ما يخلق شعوراً بالتنافر بين القناعة بأهمية الفحوص والسلوك العملي الذي قد لا يتماشى معها.
بالإضافة إلى ذلك، قد تشعر بعض المريضات اللواتي يستمررن في ممارسة عادات ضارة مثل التدخين بتنافر معرفي، إذ يدركن تأثير العادات السلبي على صحتهن، لكنهن قد يبررن سلوكهن أو يتجنبن الفحوص لتخفيف هذا الشعور بعدم الراحة.
التوازن المعرفي
التوازن المعرفي "cognitive equilibrium" هو حالة التناسق بين معتقدات الشخص ومواقفه وسلوكياته. الحفاظ على هذا التوازن أمر حيوي للتوازن العقلي، خاصة عند مكافحة مرض خطير مثل سرطان الثدي. يمكن للمريضات اللواتي ينجحن في ملاءمة معتقداتهن وسلوكياتهن مع أهدافهن الصحية أن يدركن التوتر والقلق المرتبطين بالمرض بشكل أفضل.
تعتبر المهاجرات السرطان مرادفاً للموت بسبب نقص الرعاية الصحية في بلدانهن، بينما يدركن أن النظام الطبي الفرنسي قادر على تقديم علاج فعّال، مما يعزز لديهن الثقة في الفحوص الطبية. ومع ذلك، قد تقف الظروف المعيشية مثل ضيق الموارد المالية أو اللغة حاجزاً أمام التزامهن بإجراء هذه الفحوصات بانتظام
أشارت جوفانا بيتريلو إلى أن الفئات الهشة تفتقد إلى هذا التوازن المعرفي وأعادت ذلك إلى غياب "العالم الذهني المشترك" بين هذه الفئات والمتخصصين في المجال الصحي.
وفيما يخص المهاجرات، برزت في أحاديثهنّ موضوعات مثل الموت، والشعور بالخجل، والعري، لكنها مواضيع لا تحظ بالاهتمام الكافي في الحملات الإعلامية الموجهة للنساء في فرنسا بشأن فحوصات السرطان، مما يُظهر فجوة في فهم احتياجات النساء المهاجرات وتوقعاتهنّ.
يشير تحليل تمثلات السرطان وفحصه بين النساء المهاجرات إلى وجود فجوة ثقافية وصحية تتطلب معالجتها بأسلوب حساس يأخذ بعين الاعتبار السياق الاجتماعي والاعتقادات الثقافية لهذه الفئات. إذ يجب أن تتم الحملات التوعوية بطريقة تستجيب لمخاوف النساء وتفهم دوافعهنّ النفسية والثقافية.
ولكن إذا اعتبرنا أن المهاجرات أقل تردداً على الرعاية، فهل ينبغي بالتالي تنفيذ سياسة وقائية شاملة أو مستهدفة؟ وإذا كانت مستهدفة، فإلى أي فئة سكانية؟ الأشخاص في حالة هشاشة؟ المهاجرون؟
غالباً ما تثير السياسات الصحية التي تستهدف فئة سكانية معينة القلق بسبب التوصيفات السلبية والصور النمطية التي قد تنطوي عليها. فكيف يمكن تحقيق الاستهداف دون الوقوع في الوصم؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 16 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع