منذ هبطت طائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مطار جيبوتي في أيار/ مايو 2021، في أول زيارة لرئيس مصري إلى الدولة العربية الأفريقية صاحبة الموقع الإستراتيجي قرب مضيق باب المندب - البوابة الجنوبية لقناة السويس - تصاعد نشاط الدبلوماسية المصرية في منطقة القرن الأفريقي، لتمضي القاهرة قدماً في محاولة خلق تفاهمات في سبيل إيجاد موطن قدم لها في المنطقة التي يصفها خبير عسكري مصري لرصيف22 بـ"نقطة انطلاق للأمن القومي المصري".
منذ انطلاقة العقد الثالث من الألفية الجديدة، شرعت القاهرة في انتهاج سياسة مختلفة تعيد رسم حضورها أفريقيّاً عبر حزمة من التفاهمات ومسارات التعاون، خاصة في ظل تنامي الدور الإثيوبي، البلد الذي يستضيف مقر الاتحاد الأفريقي، وتصاعد الخلاف بين البلدين حول سد النهضة.
وكانت العلاقات المصرية الأفريقية قد مرّت بسنوات عجاف منذ عام 1995، عقب تعرض الرئيس المصري آنذاك محمد حسني مبارك لمحاولة اغتيال في أديس أبابا أثناء توجهه لحضور القمة الأفريقية، وما تلا الحادث من "جمود" متزايد في العلاقات، ازداد بشكل ملحوظ بعد تنحّي مبارك عن الحكم عقب ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، ودخول القاهرة في سيناريو الفوضى والتخبط وتغيّر أنظمة الحكم حتّى تولّى الرئيس السيسي السلطة في 2014، وأعلن أن مصر في طريقها لتصحيح المسار مع جاراتها في القارة السمراء، ومشدداً على أن العلاقات المصرية الأفريقية في مقدمة أجندته الرئاسية.
وعلى الرغم من تكرار زيارات السيسي لدول في القارة بنسبة 30% من رحلاته الرسمية الخارجية، فإنّ تخلّف مصر عن القضايا الأفريقية كان واضحاً على مستوى التأثير والحضور في منطقة القرن الأفريقي.
مرّت العلاقات المصرية الأفريقية بسنوات عجاف منذ عام 1995، عقب تعرض الرئيس مبارك لمحاولة اغتيال في أديس أبابا، وما تلا الحادث من "جمود" متزايد في العلاقات، ازداد بشكل ملحوظ بعد ثورة يناير 2011. بداية حكم السيسي أكد أن العلاقات المصرية الأفريقية في مقدمة أجندته الرئاسية. لكن ذلك لم يتحقق إلا اعتباراً من 2021
يكفي للتدليل على ذلك ما جرى في اجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد في القاهرة في آذار/ مارس 2020 إذ رفض الصومال مشروع تقدمت به القاهرة للجامعة العربية بشأن سد النهضة الإثيوبي يؤكد حقوقها التاريخية في مياه النيل. بعد ذلك بنحو ثلاثة أشهر، تحفّظت جيبوتي وأيضاً الصومال على بند في قرار مماثل، في انعكاس واضح لتراجع التأثير المصري على دول القرن الأفريقي - بما في ذلك العربية - وتنامي نفوذ أديس أبابا في المقابل.
في تلك الفترة، انشغلت القاهرة بترتيب أولوياتها على مستوى السياسة الخارجية عبر التقارب مع دول الخليج، ومحاولة تعزيز العلاقات مع القوى الكبرى ومنها روسيا وأمريكا والصين والاتحاد الأوروبي اعتقاداً منها أن هذه الدول أهم لمساعدتها على تخطّى أزماتها الاقتصادية وتحقيق أهدافها التنموية. يُضاف إلى ذلك، انشغال الحكومة المصرية داخلياً في المشاكل المتعلقة بمكافحة الإرهاب في سيناء، والأزمات الاقتصادية المتلاحقة.
وبعدما وجدت نفسها تفقد تأثيرها في واحدة من أهم المناطق الإستراتيجية الحساسة في العالم، لحساب قوى أخرى تتضارب مصالحها معها، مثل إثيوبيا، في وقتٍ تتصاعد التوترات الأمنية المتصاعدة عند مضيق باب المندب، جنوب البحر الأحمر، بما يؤثر بشدة على مداخيل قناة السويس والاقتصاد المصري ككل، تراجعت القاهرة وعملت على تحويل دفّة توازناتها الإقليمية، متحوّلةً من الغياب التام إلى الشراكات وتعزيز العلاقات على جميع الأصعدة بما في ذلك التورّط عسكرياً.
حضور عسكري لافت في الصومال
في سياق الحضور المصري المتصاعد في القرن الأفريقي، سعت القاهرة إلى خلق تفاهمات مع جيبوتي، التي كانت أيضاً أولى المحطات الخارجية لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في 12 تموز/ يوليو 2024، بعد توليه المنصب. وخلال الزيارة، جرى تدشين أول خط طيران مباشر بين البلدين، مع بحث تطورات الملاحة بمضيق باب المندب والبحر الأحمر.
كما زار السيسي، في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، العاصمة الإريترية أسمرة، يرافقه رئيس المخابرات عباس كامل (غادر المنصب قبل نشر هذه السطور وبات مبعوثاً ومستشاراً للرئيس للشؤون الأمنية)، ووزير الخارجية بدر عبد العاطي، لـ"بحث سبل تعزيز العلاقات مع إريتريا في مختلف المجالات، بالإضافة إلى الأوضاع الإقليمية وجهود ترسيخ الاستقرار والأمن في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، على النحو الذي يدعم عملية التنمية ويحقق مصالح شعوب المنطقة"، بحسب بيان الرئاسة المصرية.
تضمّنت الزيارة عقد قمة ثلاثية للسيسي مع نظيريه الإريتري أسياس أفورقي، والصومالي حسن شيخ محمود. وقد أخذ التقارب المصري الصومالي أخيراً مسارات غير مسبوقة وصلت إلى التعاون بل والتدخّل العسكري المصري في مقديشيو حيث أرسلت القاهرة، في أيلول/ سبتمبر المنقضي، شحنة من المساعدات العسكرية إلى الصومال على متن سفينة عسكرية، تعتبر الثانية خلال أقل من شهر، بعد إرسال طائرتين محملتين بالأسلحة بنهاية آب/ أغسطس الماضي، وذلك ضمن اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة بين البلدين مؤخراً، رداً على مساعي إثيوبيا للحصول على موطئ قدم على البحر الأحمر من خلال اتفاق وقّعته مع إقليم صوماليلاند الانفصالي مطلع العام.
وفيما لم تعلن القاهرة بشكل رسمي، عن تفاصيل شحنات الأسلحة التي أرسلتها للصومال، واكتفت بالإشارة إلى أنها لـ"دعم الجيش الصومالي وبناء قدراته"، وفق الخارجية المصرية. لكن تقارير إعلامية نقلت عن مسؤولين صوماليين أنها ضمّت أسلحة ثقيلة ومدافع مضادة للطائرات وأسلحة مدفعية، الأمر الذي أثار حفيظة إثيوبيا التي تعتبر الوجود المصري في الصومال المجاور لها، مصدر تهديد. لذا أعربت عن تخوّفها مما وصفته بـ"زعزعة استقرار المنطقة"، ودعت الصومال إلى وقف تحرّكاته مع جهات تسعى "لاستهداف مصالح إثيوبيا".
يأخذ الوجود العسكري المصري في الصومال طابعاً رسمياً وعلنياً أكثر عبر المشاركة في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لتحقيق الاستقرار في الصومال (AUSSOM)، والتي من المنتظر أن تحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية (ATMIS) التي تنتهي مهمتها نهاية العام الجاري، وهي تضم قوات إثيوبية، على أن تبدأ الأولى مهامها بدءاً من كانون الثاني/ يناير 2025.
تنسيق مصري إريتري
يأتي هذا الوجود العسكري في الصومال في وقت حرج تشهد المنطقة صراعات ومحاولات لإعادة رسم خريطة النفوذ، وهو واحد من المسارات التي تتحرك عبرها القاهرة في القرن الأفريقي، الذي يضم جغرافيّاً 4 دول هي الصومال وإريتريا وجيبوتي وإثيوبيا، وذلك علاوة على مساعيها لخلق تفاهمات وترتيبات أمنية مع إريتريا، بحسب أستاذ العلوم السياسية المصري طارق فهمي.
انشغلت القاهرة بترتيب أولوياتها على مستوى السياسة الخارجية عبر التقارب مع دول الخليج، ومحاولة تعزيز العلاقات مع القوى الكبرى ومنها روسيا وأمريكا والصين والاتحاد الأوروبي اعتقاداً منها أن هذه الدول أهم لمساعدتها على تخطّى أزماتها الاقتصادية وتحقيق أهدافها التنموية. ما الذي دفع نظام السيسي إلى تحويل الدفة نحو منطقة القرن الأفريقي؟
قبل القمة الرئاسية الثلاثية في أسمرة، زار اللواء عباس كامل، ووزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي، العاصمة الإريترية منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، والتقيا الرئيس أفورقي، وتم التوافق على "أهمية تكثيف الجهود ومواصلة التشاور لتحقيق الاستقرار في السودان، ودعم مؤسسات الدولة الوطنية، فضلاً عن الحفاظ على وحدة الصومال وسيادته على كامل أراضيه"، بحسب الخارجية المصرية التي أشارت أيضاً إلى أنه جرى استعراض تطورات الأوضاع في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والتطورات في القرن الأفريقي، ومناقشة التحديات التي تشهدها المنطقة.
هذا التوافق المصري الإريتري، والزخم الذي صَاحب زيارة السيسي لأسمرة، فتحا الباب للحديث عن إمكانية التواجد العسكري المصري في الدولة الأفريقية التي تمتلك موقعاً هاماً قرب مضيق باب المندب، بما يمنح القاهرة حضوراً عسكرياً غير مسبوق في المنطقة.
يعزز هذا التصوّر أن مصر ترتبط بعلاقات تاريخية مع إريتريا إذ كان للقاهرة دور هام في دعم وتأييد الثورة الإريترية حتى تحقيق الاستقلال الوطني الإريتري في عام 1993. ومنذ وصول الرئيس السيسي للحكم في 2014، أجرى نظيره الإريتري أسياس أفورقي خمس زيارات للقاهرة.
أي دور لمصر في السودان؟
بالتزامن مع تعزيز العلاقات مع الصومال وإريتريا وجيبوتي، تحرّكت مصر في الخفاء والعلن لدعم القوات المسلحة السودانية في حربها ضد قوات الدعم السريع التي اتهم قائدها، محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي"، علناً القاهرة بتنفيذ ضربات جوية استهدفت قواته في العاصمة الخرطوم، مستنكراً انخراط مصر في المواجهات العسكرية الدائرة في بلاده منذ نيسان/ أبريل 2023.
وفي مقطع مصور، اتهم حميدتي الجيش المصري أيضاً بتدريب عناصر القوات المسلحة السودانية، وإمدادها بطائرات صينية من طراز"k8". وعَلل حميدتي تراجع قواته في منطقة جبل موية الإستراتيجية، والانتصارات التي أحرزها الجيش السوداني في الآونة الأخيرة بالعاصمة الخرطوم وولاية سنار الجنوبية الشرقية، بأن الغارات الجوية المصرية المزعومة ضد قواته دفعتها إلى التراجع.
لاحقاً، أصدر "الدعم السريع" بياناً يزعم فيه الإمساك بمن وصفهم "مرتزقة مصريين يقاتلون في صفوف الجيش السوداني"، معتبراً إياهم "أسرى".
بدورها، نفت الخارجية المصرية، في بيان عبر صفحتها الرسمية، بشدة "مزاعم" حميدتي، موضحةً أن "هذه الاتهامات تأتي في وقت تبذل مصر جهوداً مكثفة لوقف الحرب في السودان، وحماية المدنيين، وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة الإنسانية الهادفة لدعم المتضررين من النزاع"، مؤكدةً في الوقت نفسه "حرص مصر الدائم على أمن السودان واستقراره ووحدته، حكومة وشعباً"، ومواصلة تقديم "كل أشكال الدعم الممكنة للأشقاء في السودان" لمواجهة تحديات الحرب.
ويرى الباحث السوداني المقيم في مصر، صلاح خليل، أن تصريحات حميدتي "محاولة للتعتيم على هزائمه الأخيرة أمام قوات الجيش" الذي يعزو خليل مكاسبه العسكرية الأخيرة إلى إتباعه إستراتيجية طويلة المدى تتكون من 3 مراحل، تقوم على "النفس الطويل والاستنزاف"، ما ساعده على تكبيد "الدعم السريع" خسائر فادحة أصابت قادته بنوع من "الصدمة" لا سيّما وأنهم يمتلكون 300 ألف مقاتل في العاصمة الخرطوم، على حد قوله لرصيف22.
يعتبر الباحث السوداني أيضاً أن حميدتي يسعى عبر اتهام مصر بالتدخل المباشر في الحرب إلى "خلط الأوراق وتوريط مصر في الحرب الدائرة، وبالتالي الحصول على استعطاف ودعم دولي وإقليمي". يلفت خليل إلى لغة الجسد والحالة المضطربة التي ظهر عليها حميدتي خلال اتهامه لمصر، قائلاً أنهما "تكشفان أكاذيبه. إن كان لدى القاهرة رغبة في المشاركة بالحرب، كان الأولى بها تنفيذ ضربة عسكرية للدعم السريع أثناء احتجاز بعض عناصر الجيش المصري في قاعدة مروي بداية الحرب"، مشدداً على أن القاهرة كانت ولا تزال محطة رئيسية في مسار التسوية السياسية للأزمة السودانية، ولا ترغب في الانخراط بمواجهات عسكرية خارج حدودها.
أما الكاتب السياسي السوداني طاهر المعتصم، فيقول لرصيف22 إن اتهام حميدتي لمصر ليس إلا إلقاءاً للاتهامات البعيدة عن الحقيقة، لافتاً إلى أنه اتهام الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل في الحرب. يضيف: "هو (أي حميدتي) يحاول إيجاد ذريعة ربما لاستنهاض دول أخرى للتدخّل المباشر لدعم قواته في حربها ضد الجيش السوداني"، موضحاً أن الدول التي قد تتدخل لمصلحة "الدعم السريع" منها دول جوار مثل إثيوبيا، والتي زارها حميدتي عقب اتهاماته للقاهرة، بالإضافة إلى دول خليجية سبق أن اتهمها السودان في مجلس الأمن بالتدخل في الحرب لصالح الدعم السريع، في إشارة إلى دولة الإمارات.
ويتابع المعتصم بأن حميدتي يسعى جاهداً إلى خلق أسباب وإيجاد "مشروعية" أمام الرأي العام السوداني والدولي، تُمكِّنه من الاستعانة بقوات خارجية، لا سيّما بعد الخسائر الكبيرة التي تعرّضت لها قواته في الأسابيع الأخيرة في مناطق يسيطر عليها منذ بداية الحرب. وهو يتساءل: "لماذا لم يقدم حميدتي أية أدلة تُثبت صدقية اتهاماته لمصر؟ وهو الذي يمتلك جهاز استخبارات على درجة من الاحترافية، بالإضافة إلى قوات مراقبة طائرات يمكنها تحديد ورصد أي طائرة تدخل المجال الجوي عبر الهواتف الذكية، وبالتالي امتلاك دليل ملموس بدلاً من الحديث المفرغ من الأسانيد!".
في الوقت الذي يؤكد فيه المعتصم أن القاهرة التزمت موقفاً ثابتاً على مدار 18 شهراً من الحرب، بالدعوة إلى ضرورة وقف الحرب في السودان والحيلولة دون تقسيم البلاد، فإنه يحذّر من خطورة انخراط القاهرة في الصراع العسكري الدائر إذ يفتح ذلك الباب لدول مناوئة لها لإيجاد "الحُجة" للتدخّل في السودان، وبالتالي وقوع مواجهات عسكرية بين أطراف إقليمية، معتبراً أن حالة الضعف الذي يعيشه السودان سيجعل تدخل أي دولة خارجية يستدعي تدخلا لدول أخرى، والتالي التحول لمسرح مواجهات عسكرية.
أهداف السياسة المصرية الجديدة
بالعودة إلى تحوّل الدبلوماسية المصرية إلى الاهتمام البالغ بمنطقة القرن الأفريقي، يقول الباحث والخبير في الشؤون الأفريقية، عطية العيسوي، في حديثه لرصيف22، إن التحرّك المصري المتصاعد بشكل واضح على مستوى التواجد بالقرن الأفريقي له أسبابه المُتمثلة، في زيادة مخاطر التقسيم لبعض هذه الدول في مقابل محاولات هيمنة بعض القوى الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى التهديدات التي تواجه عملية الملاحة في باب المندب والبحر الأحمر.
يعَدّد العيسوي تلك المخاطر في احتمال نشوب مواجهة عسكرية إثيوبية صومالية مباشرة، لاسيّما بعد التطورات الأخيرة بين مقديشيو وأديس أبابا، على خلفية قيام الأخيرة بتوقيع اتفاقية مع إقليم صوماليلاند الانفصالي تحصل بموجبها على قاعدة بحرية طولها 20 كلم، وذلك دون الحصول على إذن من الحكومة الصومالية الفيدرالية. وإثيوبيا دولة حبيسة حلمت وسعت إلى الحصول على منفذ بحري.
ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن التحرّك المصري لتعزيز التواجد بالقرن الأفريقي، مدفوع بالأساس بالخسائر التي تعرّضت لها القاهرة في إيرادات قناة السويس منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة والهجمات التي يشنّها الحوثيون على ما يعتبرون أنها سفن تابعة لإسرائيل وتصاعد التهديدات التي تشهدها الملاحة في منطقة باب المندب - البوابة الجنوبية للقناة.
كما يرى في حصول إثيوبيا على قاعدة بحرية في صوماليلاند مصدر تهديد آخر لمصر، يمنح أديس أبابا ورقة ضغط جديدة، تضاف إلى سد النهضة، تمكّنها من مساومة القاهرة، مرجحاً أن تكون هذه الأسباب التي دفعت مصر إلى التقارب والتنسيق مع إريتريا، كونها تمتلك ساحلاً طويلاً على مدخل البحر الأحمر.
"الدور المصري في هذه المنطقة ليس حديث العهد، بل بدأ قبل سنوات إلا أن التهديدات الأخيرة أسرعت من وتيرة ظهور تلك التفاهمات للنور، سواء مع إريتريا أو الصومال".
العيسوي يشير كذلك إلى أن التوتر الذي يسيطر على علاقة القاهرة وأديس أبابا بسبب "سد النهضة"، يدفع كل بلد منهما إلى مراقبة تحركات الآخر ومحاولة التصدي لها، معتبراً أن التحركات المصرية الأخيرة في القرن الأفريقي بمثابة "انعكاس لرغبة القاهرة في احتواء التهديد الإثيوبي المُحتمل حال امتلاك قاعدة بحرية على البحر الأحمر، وما يُشكله ذلك من تهديد مباشر لمصر ومصالحها الاقتصادية المُتمثلة في الملاحة التي تعبر قناة السويس، باعتبارها أحد أهم روافد الاقتصاد المصري".
إلى ذلك، ورغم التقارب بين البلدين، يستبعد العيسوي إمكانية الوجود العسكري المصري في إريتريا على غرار الصومال حيث تمتلك أسمرة قوات عسكرية مُدربة وعلى قدر عالٍ من الكفاءة ومُتمرسة في القتال منذ الحرب الإثيوبية الإريترية (بين عامي 1998 و2000) والتي أفرزت جيشاً قوياً لإريتريا، على عكس الصومال الذي طلبت من مصر المشاركة في قوات حفظ السلام التي ستبدأ عملها مع بداية 2025، على حد قوله، وهو ما أثار غضب وقلق إثيوبيا، لا سيّما أن مقديشيو طلبت من أديس أبابا في المقابل سحب قواتها المشاركة في بعثة حفظ السلام الحالية والمتواجدة على الأراضي الصومالية، وعدم المشاركة في البعثة التي ستبدأ عملها في غضون أقل من 3 أشهر.
وفيما يؤكد الخبير في الشؤون الأفريقية أن مصر لن تتدخّل بشكل مباشر حال وقوع مواجهة عسكرية بين إثيوبيا والصومال، إلا أنه يتوقّع أن ترسل القاهرة المزيد من العتاد والتجهيزات العسكرية إلى مقديشو إن طلبت ذلك.
مسألة "أمن قومي" لمصر
بدوره، يرى الخبير العسكري والإستراتيجي المصري سمير فرج، في حديثه لرصيف22، أن سياسة اهتمام مصر بالقرن الأفريقي بما في ذلك عسكرياً "تأتي في إطار التعاون العسكري والاستراتيجي مع دول القرن الأفريقي" ولا تتجاوز ذلك إلى مطامع أو محاولات إنشاء قواعد عسكرية "لأن تدشين قواعد عسكرية خارج الحدود ليس ضمن إستراتيجية مصر"، مستدركاً "تقوم عناصر مصرية بتدريب وتسليح قوات الجيش الصومالي ليصبح قادراً على تأمين حدود بلاده من الأطماع الخارجية، ومواجهة حركة الشباب الإرهابية"
ويضع فرج تأمين قناة السويس على رأس الأسباب التي دفعت القاهرة للمضي قدماً في زيادة وتعميق وجودها بمنطقة القرن الأفريقي وباب المندب، منوّهاً بأن "الدور المصري في هذه المنطقة ليس حديث العهد، بل بدأ قبل سنوات إلا أن التهديدات الأخيرة أسرعت من وتيرة ظهور تلك التفاهمات للنور، سواء مع إريتريا أو الصومال".
يرى فهمي أن السياسة الخارجية المصرية تحوّلت إلى سياسة الخطوات الاستباقية المخُططة بدلاً من سياسة رد الفعل بهدف المشاركة في أية ترتيبات أمنية بالقرن الأفريقي، من خلال خُلق مفهوم "دائرة القرن الأفريقي" بدلاً عن الدوائر التقليدية التي تنطوي على التحرك بشكل متوازن في القارة الأفريقية بشكل عام
سياسة "استباقية" بدلاً من "رد الفعل"
من جهته، ينبّه أستاذ العلوم السياسية، طارق فهمي، في حديثه لرصيف22، إلى حدوث تغيير واضح في إستراتيجية السياسة الخارجية المصرية، معتبراً أن التحرّكات الأخيرة في القرن الأفريقية تؤكد أن "السياسة الخارجية المصرية تحوّلت إلى سياسة الخطوات الاستباقية المخُططة بدلاً من سياسة رد الفعل"، مضيفاً أن هدفها من ذلك هو "المشاركة في أية ترتيبات أمنية بالقرن الأفريقي"، من خلال خُلق مفهوم جديد يسمى "دائرة القرن الأفريقي" الذي بات على رأس أجندة السياسة الخارجية المصرية في الفترة الأخيرة، والذي حلّ بديلاً عن الدوائر التقليدية التي تنطوي على التحرك بشكل متوازن في القارة الأفريقية بشكل عام.
ويُرجع فهمي التغيير في سياسة القاهرة الخارجية تجاه القرن الأفريقي إلى الموقع الجغرافي الذي يؤثر في الملاحة في البحر الأحمر وبالتالي على الاقتصاد المصري، بالإضافة إلى "ردع أطماع إثيوبيا ومساعيها بالمنطقة"، لافتاً إلى أن مصر أخذت خطوات استباقية لتأمين تواجدها في القرن الأفريقي، قبل التوصّل إلى أي تفاهمات وترتيبات أمنية، وتسعى لخلق نوع من التقارب مع دول حوض النيل، في إطار مساعيها لتأمين حصّتها من المياه.
ويضيف أستاذ العلوم السياسية أن تسارع التحركات المصرية في المنطقة أخيراً تفسره حالة "السيولة السياسية" التي يشهدها القرن الأفريقي بالتزامن مع حالة الفراغ الأمني والسياسي في الصومال، ما اضطر مصر لهذه "الخطوات الاستباقية" لإيصال رسالة تحذير للدول الطامعة في الإقليم.
وفي سياق متّصل، يقول فهمي إن علاقات القاهرة بدول القرن الأفريقي "علاقات راسخة وتاريخية" وسبق أن اقترحت إريتريا وجيبوتي على مصر في أكثر من مناسبة الحصول على قاعدة عسكرية على أراضيها، متوقعاً أن ينعكس هذا الوجود بشكل واضح على أديس أبابا ومساعيها داخل الإقليم، بالإضافة إلى سياستها تجاه القاهرة، مع إمكانية تدخّل أطراف دولية لتهدئة الأوضاع بالمنطقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه