شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
بين سد النهضة والتدخّل في الصومال... هل ينزلق الصراع المصري الإثيوبي إلى مواجهة عسكرية؟

بين سد النهضة والتدخّل في الصومال... هل ينزلق الصراع المصري الإثيوبي إلى مواجهة عسكرية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 12 سبتمبر 202412:09 م

"إثيوبيا اليوم ليست إثيوبيا الأمس، والجميع سيتضرر... والتبعات ستكون خطيرة"، بهذه الكلمات يعبّر الصحافي الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد، عن خطورة وقوع مواجهة عسكرية بين مصر وإثيوبيا في القرن الأفريقي، وذلك في ظل حالة الاحتقان المتزايد والتصعيد المستمر بين البلدين، على خلفية إرسال الأولى قوات عسكرية إلى الصومال، جارة إثيوبيا، والتي أعلنت بدورها اكتمال بناء وملء سد النهضة، الذي تبنيه على النيل الأزرق منذ أكثر من عقد من الزمن، دون الإنصات لمطالب القاهرة وجارتها السودان (دولتي المصب) بضرورة التوصّل إلى اتفاق قانوني ملزم حول قواعد تشغيل السد بشكلٍ مسبق، يضمن لهما حقوقهما المائية المنصوص عليها تاريخياً.

شهدت الأسابيع الأخيرة تزايد المخاوف من وقوع مواجهة عسكرية ستكون الأولى بين البلدين منذ أكثر من 150 عاماً إذ سبق أن تواجهتا مرتين في سبعينيات القرن التاسع عشر، إبّان فترة حكم الخديوي إسماعيل لمصر، حينما أرسل حملات عسكرية إلى إثيوبيا بهدف السيطرة على منابع النيل وتأمين الإمبراطورية التي ورثها عن جده محمد علي باشا، إلا أن الإثيوبيين بحسب المراجع التاريخية نجحوا في التصدي لتلك الحملات - خلال معركتيّ غوندت 1875 وغورا 1876، وكبّدوا قوات الخديوي خسائر ضخمة حينها.

وعلى الرغم من أن الحديث عن احتمالية وقوع مواجهة عسكرية بين القاهرة وأديس أبابا، ليس وليد اليوم، ويعود لسنوات مضت، وكان قد حذّر منه الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي في الانتخابات الرئاسية، دونالد ترامب، في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، قائلاً إن مصر قد تَعمد "إلى تفجير" سد النهضة، إلا أن صوت المخاوف من هذه المواجهة العسكرية المحتملة صار أعلى مؤخّراً عقب إرسال القاهرة قوات عسكرية إلى الصومال ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام، وهو ما قوبل بتهديدات غير مباشرة من إثيوبيا بأنها "لن تقف مكتوفة الأيدي".

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، يقول لرصيف22 إن إثيوبيا تحاول فرض وصايتها على منطقة القرن الأفريقي، وأن تصبح القوة المهيمنة على أقدار ومصائر الشعوب في الإقليم، متعجّباً من حالة الاستنفار "المبالغ فيها" على حد وصفه إزاء إرسال قوات عسكرية مصرية للصومال. هل "الانزلاق نحو الخيار العسكري وارد"؟

التطورات الأخيرة عزّزت المخاوف من المواجهة العسكرية بين البلدين، لا سيّما في ظل الأنباء عن إرسال مصر 10 آلاف جندي إلى الأراضي الصومالية، يعتقد أن نصفهم سيكون تحت تصرف بعثة الاتحاد الأفريقي المعنية بحفظ الأمن والاستقرار "AUSSOM"، في حين قد يتمركز النصف الآخر قرب الحدود الإثيوبية فيما تتوالى الأنباء من إثيوبيا حول حشد قوات على الحدود مع الصومال. والسؤال الملح هنا: هل ينزلق الصراع إلى مواجهة عسكرية على الأراضي الصومالية؟ هذا ما نسعى للإجابة عنه في هذا التقرير.

إثيوبيا تصوّر مصر "خطراً وجودياً"

يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، أن الحكومة الإثيوبية بقيادة آبي أحمد، تحاول استغلال الخلاف مع مصر للتغطية على الأزمات الداخلية، وذلك عبر تصوير الوجود المصري في الصومال على أنه "خطر وجودي" يهدد أديس أبابا، ضمن مساعي الحكومة هناك لإسكات الأصوات المعارضة والقبائل المتنازعة، والجبهات العسكرية على غرار "جبهة تحرير تيغراي"، وخلق نوع من الالتفاف حول الحكومة والقرارات التي تصدرها، مؤكداً أهمية التحرك لمنع تشويه صورة مصر واستخدامها لحل الخلافات الإثيوبية - الإثيوبية.

وعن الاستنفار الإثيوبي إزاء الانتشار العسكري المصري في الصومال، يعتبر هريدي، في حديثه لرصيف22، أن إثيوبيا تحاول فرض وصايتها على منطقة القرن الأفريقي، وأن تصبح القوة المهيمنة على أقدار ومصائر الشعوب في الإقليم، متعجّباً من حالة الاستنفار "المبالغ فيها" على حد وصفه إزاء إرسال قوات عسكرية مصرية للصومال، وذلك على الرغم من أن أكثر من دولة أرسلت قوات ودشنت قواعد عسكرية في الصومال، ضارباً مثالاً لذلك بالزيارة التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق للصومال، وإعلانه إرسال قوات وتنفيذ تدريبات عسكرية، حيث لم يكن هناك أي رد فعل من الجانب الإثيوبي تجاه الزيارة والإعلان.

وفي عام 2011، أصبح الرئيس التركي الحالي، ورئيس الوزراء آنذاك، أردوغان، أول زعيم غير أفريقي يزور الصومال منذ ما يقارب عقدين من الزمن، قبل أن يكرر الزيارة في أكثر من مناسبة، لتُسفر عن توقيع اتفاقية للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين أنقرة ومقديشو، تمتدّ إلى 10 سنوات وتمنح تركيا سلطة حماية المياه الصومالية، قبل أن يصادق عليها البرلمان الصومالي شباط/ فبراير 2024.

ويؤكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن مذكرة الدفاع التي وقعتها القاهرة ومقديشو حديثاً، لا يجب تضخيمها إعلامياً، إذ سبق للصومال توقيع مذكرات مشابهة مع تركيا وغيرها من الدول، ومن حق أي دولة عربية أن توقع مذكرة أو اتفاقية مع دولة عربية شقيقة، مطالباً بالفصل بين ملفي إرسال قوات عسكرية مصرية إلى الصومال، والتي تشارك ضمن قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، والخلاف المصري الإثيوبي حول قواعد تشغيل سد النهضة.

وأرسلت مصر قوات عسكرية إلى الصومال للمشاركة ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال  (AUSSOM)، والتي من المنتظر أن تحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية (ATMIS) المقرر انسحابها نهاية العام الجاري والتي تضم قوات إثيوبية، على أن تبدأ الأولى مهامها بداية من كانون الثاني/ يناير 2025.

ويشير هريدي إلى أن مصر سبق أن أكدت مراراً وتكراراً رغبتها في حل خلافاتها مع إثيوبيا بشأن سد النهضة بشكل سلمي عبر الدبلوماسية، لافتاً إلى أن القاهرة ليست طرفاً في الخلافات الصومالية الإثيوبية، والوجود المصري في القرن الأفريقي يعود لسنوات بعيدة، وعلى وجه التحديد في الصومال، حيث تعد مصر أول دولة أيّدت حركة الاستقلال في الصومال، و"أول شهيد للدبلوماسية المصرية" هو السفير محمد كمال صلاح الدين، الذي اغتيل في مقديشيو، بسبب تأييد مصر استقلال الصومال.

ضربة عسكرية لإثيوبيا

وفي الوقت الذي يقلل هريدي فيه من خطورة الانتشار العسكري المصري في الصومال على إثيوبيا، يرى مستشار وزير الري المصري الأسبق، ضياء الدين القوصي، في حديثه لرصيف22، أن كل الخيارات متاحة بما فيها الخيار العسكري، موضحاً أن مصر تستهدف من تواجدها العسكري في الصومال، توجيه ضربة عسكرية لإثيوبيا، حال المضي قدماً في بناء سدود جديدة على طول النيل الأزرق، لا سيّما وأن هناك مخططات إثيوبية لبناء سدود جديدة بخلاف سد النهضة.

يلخص القوصي الأمر بالإشارة إلى أن "الانزلاق نحو الخيار العسكري وارد"، خاصةً أن القاهرة ترى الخطر الأكبر لا يتمثل في سد النهضة الذي يبُعد نحو 1000 كلم عن بحيرة تانا - المغذي الرئيسي للسد، وإنما إقدام إثيوبيا على بناء سدود جديدة على مجرى النيل الأزرق، خاصة وأن حكومة آبي أحمد سبق أن وضعت خطة لبناء أكثر من سد على رأسها سد يُسمى "كارادوبي" ويقع مخطط بنائه قرب منبع البحيرة.

واعتبر مستشار وزير الري المصري الأسبق، القوصي، أن القاهرة وأديس أبابا تجاوزتا المرحلة الخطرة من الخلاف حول سد النهضة، إلا أن إرسال قوات عسكرية للصومال يمكن وصفه بأنه "أولى أوراق القاهرة للضغط على أديس أبابا" في ملف السد، من أجل التوصّل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد تشغيل السد بالشكل الذي يضمن الحصة التاريخية لمصر والمقدرة بـ (55 مليار متر مكعب) من المياه، إذ لا تملُك مصر حالياً رفاهية أن تترك لإثيوبيا التحكم في مياه النيل، كاشفاً عن "تحركات سرّية" لمصر في هذا الملف خلال الأسابيع الأخيرة، تزامناً مع استخدام الأدوات الناعمة على غرار الخطاب الأخير لوزارة الخارجية الموجّه إلى مجلس الأمن الدولي.

وقبل نهاية آب/ أغسطس 2024، أعلنت إثيوبيا قرب انتهاء الملء الخامس لسد النهضة بوصول المياه في بحيرة السد إلى أكثر من 62 مليار متر مكعب من المياه، مع بدء التشغيل التجاري للسد لتوليد الطاقة الكهرومائية، بعد تركيب توربينيين جديدين.

وكأول رد فعل على الإعلان الإثيوبي، وجّهت وزارة الخارجية المصرية خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، أكدت فيه "رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، والتي تُشكل خرقاً صريحاً لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015"، مشدّدةً في الوقت نفسه على أن إعلان أديس أبابا، يُمثل استمراراً للنهج الإثيوبي المثير للقلاقل مع جيرانها والمهدد لاستقرار الإقليم.

"إثيوبيا اليوم ليست إثيوبيا الأمس، والجميع سيتضرر... والتبعات ستكون خطيرة"، هكذا يحذّر الصحافي الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد، من خطورة وقوع مواجهة عسكرية بين مصر وإثيوبيا في القرن الأفريقي، وذلك في ظل حالة الاحتقان المتزايد والتصعيد المستمر بين البلدين، على خلفية إرسال الأولى قوات عسكرية إلى الصومال

كما أكّدت القاهرة التي أعلنت فشل مفاوضات سد النهضة بشكل رسمي، مع إثيوبيا والسودان كانون الأول/ ديسمبر 2023، أن أديس أبابا تسعى إلى تكريس الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية لديها للتوصل لاتفاق قانوني حول السد، مشددة على أن السياسات الإثيوبية غير القانونية سيكون لها آثارها السلبية الخطيرة على دولتي المصب مصر والسودان، وأنها مستعدة لاتخاذ كافة التدابير والخطوات المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها ومصالحه.

أصابع إقليمية ودولية تقف وراء إثيوبيا؟

وفيما يختلف هريدي والقوصي في رؤيتهما لإمكانية وقوع صدام عسكري بين إثيوبيا ومصر، يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير محمد الشاذلي، في حديثه لرصيف 22، أن تصاعد حدة التوتر مؤخراً بين القاهرة وأديس أبابا، يعود إلى "تسلّط وعناد" في الموقف الإثيوبي استمر لسنوات، سعت خلاله أديس أبابا إلى مَسّ شريان الحياة بالنسبة لمصر، نهر النيل، والتلاعب بحصتها من المياه، موضحاً أن جميع دول حوض النيل تعتمد على الأمطار كمصدر للمياه.

 وفي حين تدّعى إثيوبيا أن مصر تأخذ أكبر من حقها من المياه بـ55 مليار متر مكعب، فإنها تحصل على 1000 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، وأوغندا تحصل على 600 مليار متر مكعب، حيث تُعد مصر الدولة الوحيدة بين دول الحوض، التي لا تستطيع العيش بدون حصتها في مياه النيل، وقضية المياه هي قضية حياة أو موت بالنسبة للمصريين.

تجدر الإشارة إلى أن اتفاقيتي عام 1929 بين مصر وبريطانيا بصفتها الاستعمارية – نيابة عن عدد من دول حوض النيل (أوغندا وتنزانيا وكينيا)، وعام 1959 بين مصر والسودان، نصتا على أحقية مصر والسودان في نسبة تعادل 90% من مياه النيل الأزرق والنيل الأبيض، مع إلزام دول منابع النيل عدم القيام بأي مشاريع مياه على مجرى النهر من دون موافقة مصر، كذلك منحتا مصر حق الاعتراض "الفيتو" على أي مشروع من شأنه التأثير على منسوب مياه النيل التي تصل إلى مصر، بوصفها دولة المصب.، مع تحديد حصة مصر و من المياه بـ 55.5 مليار م3 سنوياً، وحصة السودان بـ 18.5 مليار م3.

وفيما ترك سفير مصر الأسبق لدى السودان، الشاذلي، الباب مفتوحاً أمام إمكان المواجهة العسكرية، يضيف أن إثيوبيا بتعنتها في ملف سد النهضة، والتدخل في شؤون دول القرن الأفريقي الأخرى، تهدد بإشعال المنطقة وزعزعة استقرارها، معتبراً أن الوجود العسكري المصري في الصومال بمثابة "رسالة تحذير" لإثيوبيا من العواقب التي قد تتعرض لها حال استمرارها في خط العناد والتسلط، الذي تسير فيه بتحريض من قوى إقليمية ودولية فاعلة في المنطقة، على رأسها إسرائيل ودول عربية بعينها. علماً أنه رفض تسمية دول عربية بعينها.

"الرسالة المصرية التي يجب أن تستوعبها وتفهمها إثيوبيا جيداً من الانتشار العسكري في الصومال، هي أنه لن يستفيد أحد من عدم الاستقرار بالقرن الأفريقي، والذي من شأنه أن يُسفر عن توجيه موارد دول الإقليم إلى القطاعات العسكرية غير التنموية، وهنا نتحدث عن لُعبة سلبية النتيجة للجميع"، هكذا يقول الشاذلي، مؤكداً أنه حال اندلاع مواجهات عسكرية فجميع الأطراف ستكون خاسرة، وليس مصر وإثيوبيا فقط، وإنما القوى الدولية التي تضع استثماراتها في القارة الأفريقية أيضاً.

يعتبر الشاذلي أن القاهرة لا تهدف إلى استفزاز أي طرف بالانتشار العسكري في الصومال وذهبت ضمن بعثة حفظ السلام، ولكن حالة الاستنفار الموجودة بالداخل الإثيوبي، تعكس مخططات غير سويّة تخشى التواجد المصري بالمنطقة، وفي الوقت الذي تحركت مصر نحو آخر خطواتها في مسار السلام، يجب الوعي أن السلام عملية مزدوجة، وحال رغبت إثيوبيا في تجنّب المواجهة فعليها التحرك نحو السلام الذي تمد مصر يدها به منذ سنوات بعيدة، وإلا فالضرر سيطال الجميع.

"إثيوبيا لن تتهاون مع أي خطر يهددها"

في المقابل، يعتقد الصحافي الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد أن الحكومة الإثيوبية ليست لديها مشكلة في التعاون المصري الصومالي، لكن ما يقلق أديس أبابا هو أن يتسبب التواجد العسكري المصري في زعزعة الاستقرار بمقديشو، وبالتالي التأثير على الأمن القومي الإثيوبي، موضحاً أن بلاده "لن تتهاون مع أي خطر يحيط بها ويهددها" و"ستتخذ التدابير اللازمة لوقف هذا الخطر"، وفق ما شدّدت عليه في رسالة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

وفي أول رد فعل رسمي على إرسال القاهرة قوات عسكرية إلى الصومال، قالت وزارة الخارجية الإثيوبية إن "أديس أبابا لن تقف مكتوفة الأيدي" أمام ما وصفتها بـ"جهات تسعى لزعزعة استقرار المنطقة"، في إشارة غير مباشرة إلى مصر، موضحةً أنها تراقب عن كثب التطورات التي قد تهدد أمنها القومي.

يضيف عبد الصمد، لرصيف22، أن تعامل الإعلام الإثيوبي مع خطوة القاهرة، كان "رد فعل" بينما الإعلام المصري، عبر صُحِفِه وقنواته الفضائية وكذلك نُخَبِه، تحدث بشكل عدائي عن إثيوبيا، ما جعل الإعلام الإثيوبي يعتبر خطوة مصر بإرسال قوات عسكرية إلى الصومال، في سياق استهداف أديس أبابا، وكمحاولة لهدم العلاقات الإثيوبية الصومالية، مع تحريض دول الجوار ضد إثيوبيا بشكل خاص، محذّراً من أن "هذا الخطاب المُتعصّب ليس في مصلحة مصر أو دول القرن الأفريقي" ككل.

يستنكر الصحافي الإثيوبي خطوة القاهرة التي يرى فيها أيضاً "عرقلة لحصول إثيوبيا على منفذ بحري على البحر الأحمر ومضيق باب المندب" بعد توقيع اتفاقية بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال، قائلاً إن القاهرة تسعى إلى أن تُبقى إثيوبيا دولة معزولة لا تستطيع الوصول إلى البحر، خاصةً بعد المشاريع التنموية التي تنفذها أديس أبابا من خلال سد النهضة، مردفاً "منذ زمن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر تحاول مصر فرض حصار على إثيوبيا عبر دعوة دول القرن الأفريقي المُحطية بها إلى الانضمام إلى جامعة الدول العربية، وتكوين تحالفات معها".

وسبق أن وقّعت إثيوبيا التي لا تَملك أي منفذ بحري، وتسعى للحصول على موطئ قدم في البحر الأحمر، في كانون الثاني/ يناير 2024، مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال (صوماليلاند) الانفصالي، تُمنح بموجبها أديس أبابا حقّ استخدام واجهة بحرية بطول 20 كيلومتراً من أراضي أرض الصومال لمدة 50 عاماً، عبر اتفاقية "إيجار"، الأمر الذي رفضته دولة الصومال وأيضاً مصر، وقوبل برفض عربي وتضامن مع الصومال، الذي اعتبر المذكرة "باطلة وغير مقبولة"، وطالب إثيوبيا بالتراجع عن أطماعها في أراضيه وحدوده البحرية.

إلى ذلك، يلفت الصحافي الإثيوبي، عبد الصمد، إلى ضرورة أن تعي مصر أن إثيوبيا اليوم ليست إثيوبيا الأمس، في ظل الانفتاح على العالم والطفرة التنموية حتّى أن العالم العربي بات على دراية بالكثير من الأكاذيب التي روِّجت عن أديس أبابا ونواياها، مستبعداً في الوقت ذاته حدوث مواجهة عسكرية بين مصر وإثيوبيا، إلا أنه للحيلولة دون ذلك يجب تخفيض حدة الخطاب العدائي المتبادل في البلدين، خاصة وأن وقوع أي مواجهة عسكرية ستكون تبعاتها خطيرة على المنطقة والجميع سيتضرر.

هل تسعى مصر لحصار إثيوبيا حقاً؟

يتفق الباحث الإثيوبي في الشؤون الأفريقية، موسى شيخو، مع مواطنه عبد الشكور، في أن مصر تسعى لحصار إثيوبيا، مؤكداً أن الدبلوماسية المصرية منذ انطلاق مشروع سد النهضة تنتهج سياسة التصعيد، وتستهدف حصار أديس أبابا بهدف إجبارها على انتزاع اتفاق يحافظ على ما تقول إنها حصتها التاريخية من المياه، والتي تعتبرها إثيوبيا "حصة مجحفة" بحقها في نهر النيل.

يضيف شيخو، لرصيف22، أن سياسة التصعيد المصرية ضد إثيوبيا، ترتكز في العمل على حصار أديس أبابا من خلال دول الجوار الإثيوبي، والسعي الحثيث لإيجاد موطئ قدم لها بأي طريق داخل حدود إثيوبيا، بما في ذلك محاولة القاهرة إقامة قاعدة عسكرية في كل من إريتريا وجنوب السودان وأخيراً في الصومال، معتبراً أنها "نجحت في توتير علاقات إثيوبيا مع السودان، وأصدرت بياناً شديد اللهجة ضد إثيوبيا خلال أزمة الحدود في منطقة الفشقة المتنازع عليها، ما اعتبرته إثيوبيا تدخّلاً مصرياً بين البلدين".

"الأغرب هي محاولات مصر الحثيثة السابقة غير المجدية للحصول على موقع لقواعدها في أرض الصومال، قبل أن تنجح بعد عقد من الزمن في استغلال توتر العلاقات مع الصومال، لتوقيع اتفاقية تعاون عسكري معها بالتزامن مع إعلان إثيوبيا اكتمال بناء السد"، يردف شيخو.

بوحه عام، يرى الباحث الإثيوبي في الوجود العسكري المصري في الصومال في هكذا توقيت "جزءاً من سياسات القاهرة التصعيدية التي تهدف إلى مضايقة إثيوبيا وتهديد أمنها واستقرارها، ومحاولة إجبارها على انتزاع أي اتفاق في ملف السد وقطع الطريق على إثيوبيا في الحصول على المنفذ البحري في سواحل أرض الصومال شبه المستقل منذ ثلاثة عقود، خاصة بعدما عملت على محاولة تأجيج الوضع الداخلي الإثيوبي ودعم حركات التمرد، وتشويه صورة إثيوبيا لدى الرأي العام المصري والعربي، والإيحاء بأنها شريكة إسرائيل أو مثيلتها في العداوة ضد الأمن العربي، بينما في الحقيقة، تُعد أديس أبابا من الدولة المنحازة إلى جانب القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية".

تجدر الإشارة إلي أن أديس أبابا، رداً على إرسال القاهرة قوات عسكرية إلى الصومال، قامت نهاية آب/ أغسطس 2024، بتعيين مندوب جديد بدرجة سفير في أرض الصومال، وذلك لأول مرة منذ بدء العلاقات بين أديس أبابا والإقليم.

يرى الباحث الإثيوبي أن "خطوات مصر التصعيدية الأخيرة" رد فعل من القاهرة على "فشلها في ملف سد النهضة"، مبرزاً أن القاهرة عملت لسنوات للحيلولة دون حصول أديس أبابا على تمويل دولي أو إقليمي، يُمكنها من تسريع وتيرة بناء السد وقد نجحت في ذلك نوعاً ما في البداية قبل أن يرد الإثيوبيون على ذلك بتمويل ذاتي

ويرى الباحث الإثيوبي في ما يعتبرها "خطوات مصر التصعيدية الأخيرة" رد فعل من القاهرة على "فشلها في ملف سد النهضة"، على حد قوله بينما يؤكد أن القاهرة عملت لسنوات على الحيلولة دون الحصول على أي تمويل دولي أو إقليمي، يُمكن إثيوبيا من تسريع وتيرة البناء للسد وقد نجحت في ذلك نوعاً ما في بداية انطلاق المشروع، إلا أن الإثيوبيين ردّوا على هذه الخطوات بتمويل ذاتي شارك فيه جميع الإثيوبيين في الداخل والخارج، وتسببت الخطط المصرية في إثارة حفيظة الإثيوبيين وتقليل خلافاتهم، وتمسكهم برأيهم في المفاوضات التي استمرّت عقداً من الزمن.

المنفذ البحري مسألة وجودية لإثيوبيا

يتفق رئيس تحرير موقع نيلوتيك  بوست الإثيوبي، نور الدين عبده، مع الرأي القائل إن التحركات المصرية الأخيرة، تعزّز التفاف الداخل الإثيوبي حول مساعي حكومة آبي أحمد لتأمين منفذ بحري لإثيوبيا، حيث ترى أديس أبابا أن حصولها على منفذ بحري حر ومضمون "مسألة وجودية مشروعة".

تمنّى عبده، في حديثه لرصيف22، على مصر أن تتفهم هذه الإرادة الإثيوبية تماماً كما ترجو القاهرة من إثيوبيا تفهّم قلقها بخصوص نهر النيل وسد النهضة، وعليه فإن التحرك المصري نحو الصومال مع معارضة حصول إثيوبيا على منفذ بحري، يفهمه الإثيوبيون على أنه محاولة للحصار من شأنها أن تعزّز التماسك الداخلي، وكذلك تمنح آبي أحمد وحكومته دفعة جديدة للتخلص من منافسي الداخل كمجموعات الفانو، وبعض أجنحة جبهة تيغراي، التي لن تجد فرصة للتحالف مع أي قوى خارجية.

يرى عبده أيضاً أنه من المفيد النظر إلى التوتر الحالي في القرن الأفريقي بصورة شموليّة. فبمنطق الواقع الحالي، هناك ارتباط شديد بين التحرّكات المصرية الحالية تجاه الصومال وبين ملف سد النهضة والتنافس الإقليمي على البحر الأحمر عموماً، إلا أن هناك مخاوف حقيقية من أن تحوّل التحركات العسكرية المصرية القرن الأفريقي وخاصة الصومال إلى ساحة حرب بالوكالة وصراع على النفوذ، لا سيّما مع استعداد القاهرة للعب هذا الدور، الذي يعيد لها أهميتها في منطقة القرن الإفريقي، وهو ما يجب أن يتحاشاه الطرفان - مصر وإثيوبيا - بتفادي الأخطاء التاريخية.

ورغم ذلك، يستبعد الخبير الإثيوبي هو الآخر إمكانية وقوع مواجهة مباشرة بين مصر وإثيوبيا في هذه المرحلة، خاصة أن مصر - على حد قوله - لا تملك الآن مقومات ميدانية، في إشارة إلى التجهيزات اللوجستية والمواقع العسكرية والتمركزات، بخلاف المسافة البعيدة بين القاهرة ومقديشو، في الصومال لتدخل مواجهة مع إثيوبيا، ولا أعتقد أن التحرك المصري يهدف إلى تلك المواجهة بقدر ما هو نوع من الضغط لأهداف تفاوضية مباشرة أو تفاهمات إقليمية إستراتيجية، أو كذلك محاولات لتشتيت الجهود وإيجاد ملفات ساخنة، في إشارة منه إلى خلق نوع من الصراع في القرن الأفريقي عبر زيادة التوتر بالمنطقة وخلق أجواء تنافسية وجودية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image