ردّاً على سؤال عما إذا كان سيدعم ضربةً إسرائيليةً على منشآت النفط الإيرانية، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: "نحن نناقش ذلك... وسنتحدث عن ذلك لاحقاً". وتشمل قائمة الأهداف المحتملة لتل أبيب في ردّها على الهجوم الصاروخي الإيراني في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، منشآت وحقولاً نفطيةً إيرانيةً، حسب بوليتيكو. وحينها، يمكن تخمين أن ردّ إيراني على الردّ الإسرائيلي يطال أماكن أخرى، مثل حقول النفط السعودية أو إغلاق مضيق هرمز، نقطة الاختناق الرئيسية لشحنات النفط في الخليج العربي.
لكن "مضيق هرمز ليس المسرح الوحيد الذي تقلق واشنطن بشأنه عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن التدفق الحرّ للنفط من الشرق الأوسط"، حسب إيمي مايرز جافي، وهي زميلة ديفيد إم روبنشتاين، في CFR للطاقة والبيئة، وتشير إلى هجمات الطائرات المسيّرة والهجمات الإلكترونية على البنية التحتية للنفط والبتروكيماويات السعودية سابقاً. "هذا هو التحدي المتمثل في تصعيد الصراعات عندما يتعلق الأمر باستقرار أسواق النفط"، تضيف جافي.
ونتيجةً لارتباطه بأمن الطاقة، يحظى الأمن البحري بمفهومه الواسع بأهمية إستراتيجية لدى القوى الكبرى، حسب مركز ستراتيجكس، حيث تعدّ الإستراتيجية العسكرية الممرات المائية أو المضائق، نقطة اختناق بفعل الجغرافيا، وتالياً تمثّل نقطة تفوّق للطرف الذي يمتلك السيطرة عليها.
وعليه، تبرز أهمية مضيق هرمز الإستراتيجية في توفير إمدادات الطاقة العالمية واستقرار السوق العالمية، حسب منصة الطاقة. لذا، في حال نشب صراع بين طهران وتل أبيب يؤدي إلى تعطيل عمليات الشحن عبر الممر الإستراتيجي، فقد يعجز المنتجون عن تعويض أيّ تراجع قد يحدث في إمدادات النفط الإيراني، ما قد يُسهم في ارتفاع أسعار النفط.
"لست متأكداً من أن ارتفاع أسعار النفط العالمية سيكبح جماح الإسرائيليين"، قال المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية السابق والمشارك الحالي في سياسة الخليج في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا التابع لجامعة الدفاع الوطني الأمريكية، ديفيد دي روش، مضيفاً: "قد تنظر إسرائيل إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية على أنه فائدة لحملة إعادة انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب".
يؤيد ذلك مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز صنع السياسات الدولية، اللواء ماجد القيسي، الذي يشير خلال حديثه إلى رصيف22، إلى أن زيادة أسعار الطاقة العالمية ستلقي بظلالها على أسعارها في أمريكا برغم احتياطاتها الكبيرة، ما يؤثر تالياً على مزاجية الناخب الأمريكي لصالح المرشح الرئاسي دونالد ترامب، وهو ما يدركه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويدركه أيضاً الرئيس الأمريكي جو بايدن. لذا يمكن النظر إلى استهداف محتمل للمنشآت النفطية الإيرانية كتصعيد يخدم ترامب انتخابياً، ويحذّر بايدن من ذلك، لتأثيره على أسهم نائبته المرشحة الرئاسية كامالا هاريس.
"مضيق هرمز ليس المسرح الوحيد الذي تقلق واشنطن بشأنه عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن التدفق الحرّ للنفط من الشرق الأوسط"... ماذا نعرف عن حرب الممرات البحرية المحتملة بين إسرائيل وإيران؟
عسكرة المياه الدولية
نظراً إلى مكانة إيران في أسواق الطاقة العالمية نتيجة احتياطاتها الهائلة وقدراتها الإنتاجية، فإن استهداف إسرائيل لقطاع النفط الإيراني، قد يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في إمدادات النفط العالمية، تضاف إلى الاضطرابات التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا، وطالت دول العالم أجمع برغم تموضعها في الساحة الأوروبية.
لإكمال الصورة، يجب التنبّه إلى تربّع إيران القريب والمهيمن نسبياً على مضيق هرمز، وإلى تهديداتها المتكررة بإغلاقه في حال تضرر مصالحها الحيوية، بما يرتب آثاراً عميقةً على أسعار النفط والاقتصاد العالميين، لا سيما بعد تمكّن حركة "أنصار الله" اليمينة (الحوثيين)، من تعطيل حركة التجارة الدولية عبر باب المندب والبحر الأحمر. وهي الحركة التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها شريكة أو عميلة لإيران إلى حد ما.
وبالعودة إلى "ستراتيجكس"، يرتبط الممران مباشرةً بمفاهيم عسكرة المياه الدولية، نتيجة عبور نحو 40% من النفط العالمي المنقول بحرياً عبر مضيق هرمز، تغطّي 84% من حاجات اليابان النفطية، و70% من حاجة كوريا الجنوبية والهند والصين، بينما تعتمد عليه واشنطن لوصول قرابة 20% من حاجتها. أما باب المندب البالغ عرضه 30 كم، فيُعدّ ممراً حيوياً مهماً للتجارة الدولية ولصادرات النفط إلى أوروبا، وتعبر منه 3.5 ملايين برميل نفط من الخام الأسود، أي ما نسبته 30% من نفط العالم.
على ذلك، فإن إغلاق مضيق هرمز يمثّل خطراً كبيراً على استقرار أسواق الطاقة العالمية والنمو الاقتصادي للدول المستهلكة للطاقة، وقد يؤدي إلى تصعيد التوترات الجيو-سياسية في منطقة الخليج التي قد تتسبب في نزاعات دولية حول حرية الملاحة، حسب الدبلوماسي السوري السابق وخبير شؤون الطاقة ناصر نبوت، الذي يعدّد خلال حديثه إلى رصيف22، أهم التأثيرات المتوقعة عن ذلك: ارتفاع أسعار النفط والغاز نتيجة القلق من نقص الإمدادات، واضطراب الأسواق المالية وتذبذبها إذ إن نقل النفط عن طريق خطوط الأنابيب البرية لن يستطيع تعويض الكميات الكبيرة التي تمر عبر المضيق بشكل كافٍ.
ومع أن دول آسيا هي المتأثر الأكبر من إغلاق مضيق هرمز، إلا أن أي اضطراب في إمدادات النفط سيؤثر على الأسعار العالمية، نتيجة الترابط الكبير بينها. ويضيف نبوت، أن تقييد حركة المرور في مضيق باب المندب من قبل الحوثيين، وبرغم تأثيره الملحوظ على إمدادات الطاقة، إلا أنّه لن يصل إلى درجة التأثير نفسها التي قد يسببها إغلاق مضيق هرمز.
وفي هذا السياق، يعدّ مركز المستقبل للأبحاث، "صدمة الإمدادات" إحدى الصدمات التي تطال قطاع الطاقة، وتنتج عن تحولات سياسية جذرية على الساحة الدولية أو صراعات جيو-سياسية حادة في مناطق الإنتاج الرئيسية، ومثالها الحديث انقطاع معظم تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز الأوروبي بنسبة 148% مقارنةً بعام 2021. وكذلك، تسببت حرب الخليج الأولى عام 1990، في زيادة تاريخية هي الأكبر في أسعار النفط، قاربت 53% خلال فترة ثلاثة أشهر، من آب/ أغسطس إلى تشرين الأول/ أكتوبر.
"عقيدة كارتر"... وعد حماية سابق
يُعدّ مضيق هرمز على نطاق واسع، الممر الأكثر أهميةً من الناحية الإستراتيجية في العالم للتجارة الدولية، ويربط الخليج العربي بخليج عمان وبحر العرب، وتتدفق عبره 20% من إمدادات النفط العالمية، ويبلغ عرض المضيق في أضيق نقطة له 21 ميلاً فقط. لكن وبرغم انتظامه بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، إلا أن إيران وقّعت على الاتفاقية دون أن تصدّق عليها، وعملت تاريخياً على حماية مصالحها الضيّقة في هذا الممر.
تقييد حركة المرور في مضيق باب المندب من قبل الحوثيين، وبرغم تأثيره الملحوظ على إمدادات الطاقة، إلا أنّه لن يصل إلى درجة التأثير نفسها التي قد يسببها إغلاق مضيق هرمز.
في المقابل، اعتبرت واشنطن تأمين الممرات المائية في الشرق الأوسط، خصوصاً مضيق هرمز، أمراً أساسياً منذ تعهّد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عام 1980، باستخدام القوة العسكرية لحماية المصالح الأمريكية في الخليج الأوسع. وبرغم أن خطابه ركّز حينها على الغزو السوفياتي لأفغانستان، إلا أن تعهّده "بحرية حركة نفط الشرق الأوسط" شكّل تحدياً مميتاً من خلال ما اصطُلح على تسميته بـ"حرب الناقلات" في ثمانينيات القرن الماضي، وخلالها رافقت سفن تابعة للبحرية الأمريكية ناقلات نفط كويتية بعد الأضرار التي ألحقتها الألغام الإيرانية بسفن المنطقة.
بجانب ذلك، خاضت البحرية الأمريكية معركةً بحريةً استمرت يوماً واحداً ضد إيران، وأسقطت "عن طريق الخطأ"، طائرةً تجاريةً إيرانيةً، ما أسفر عن مقتل 290 شخصاً، وشكّل دافعاً قوياً لقبول إيران بقرار وقف الحرب مع العراق، نتيجة خشيتها من انخراط واشنطن فعلياً في الحرب وتعاقب استهداف المرافق المدنية. وكما وضعت "عقيدة كارتر" واشنطن في مواجهة القرصنة الإيرانية سابقاً، تضعها الآن كذلك، خصوصاً بعد عودة طهران إلى مصادرة واستهداف ناقلات النفط العابرة للمضيق أو الراسية على ضفة الخليج بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.
حينها، هدد الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، بإغلاق المضيق. ووفقاً لـNavy times، لا تحتاج إيران إلى قوة عسكرية متفوقة لتنفيذ تهديدها بتعطيل التدفقات التجارية عبر هرمز. يمكنها إلحاق الضرر بالشحن التجاري بصواريخ مضادة للسفن رخيصة نسبياً، وزوارق دورية سريعة وغواصات وألغام. مع ذلك، خلص تحليل أجراه الأدميرالان المتقاعدان دينيس بلير، وكينيث ليبرثال، إلى مواجهة إيران مشكلة في وقف جميع عمليات الشحن، نظراً إلى صعوبة تعطيل سفن الشحن الحديثة لضخامتها. كذلك، وعلى عكس الثمانينيات، لدى معظم ناقلات النفط هياكل مزدوجة، ما يصعّب إغراقها.
بإمكان إيران إغلاق المضيق، يقول اللواء القيسي، لرصيف22، لكن ليس من مصلحتها اللجوء إلى هذا الخيار، إلا في حال تعرّض منشآتها ومنتجاتها النفطية كلها أو أغلبها للتوقف، فحينها ستقوم بذلك للإضرار بالغير نتيجة الضرر الواقع عليها، عبر الألغام البحرية وزوارق الاعتراض السريع والاستهداف الصاروخي والطائرات المسيّرة، إلى جانب إغراق سفن مع ما سيحدثه هذا الإغراق من مانع للمرور.
كما أن الصين نقطة أخرى يتعين على إيران التعامل معها عند محاولة إغلاق المضيق، حسب "ذا ناشيونال إنتريست"، التي تشير إلى أن الصين لا مصلحة لها، وهي واحدة من حلفاء طهران الوحيدين المتبقّين، في إغلاق المضيق بالكامل. وإلى جانب ذلك، بانتفاء مصلحة الصين تنتفي مصلحة إيران في التسبب في مشكلات في المضيق بسبب اعتمادها الاقتصادي الهائل على تجارتها النفطية التي تمرّ غالبيتها عبره.
باب المندب... "باب الدموع"
تخشى الدول الخليجية امتداد التصعيد الإيراني الإسرائيلي إليها، خاصةً إذا زادت وتيرة الضربات المتبادلة بين جماعة "الحوثي" اليمنية وإسرائيل، حسب مركز شاف لتحليل الأزمات. ويزداد الأمر خطورةً مع وجود العديد من القواعد العسكرية الأمريكية في الدول الخليجية، والتي قد تكون أهدافاً محتملةً لأذرع إيران في المنطقة.
وبحسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى سابقاً، قد تتدخل إيران لتحسين عمليات استهداف الحوثيين لسفن الشحن العابرة لمضيق باب المندب والبحر الأحمر، عبر تعديل أنظمة الملاحة الصاروخية لدى الحوثيين، أو عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية في الوقت المناسب، أو من خلال تزويدهم بالنسخة الانتحارية للطائرة المسيّرة "شاهد-136" المطوّرة مؤخراً برأسٍ باحثٍ كهرو-ضوئي يجعلها ذخيرة تسكع حقيقية قادرة على البحث عن هدف متحرك ومهاجمته بدقة.
يشير المعهد أيضاً إلى تعزيز القوات البحرية الإيرانية سابقاً، تواجدها في المنطقة بحجة "مكافحة القرصنة وجمع المعلومات الاستخباراتية"، حيث تعمل الفرقاطة "ألبرز" حالياً في البحر الأحمر والفرقاطة "جمران" في خليج عدن. وذلك بعد أن أعادت سفينة الأسلحة والتجسس "سافيز"، والتي كانت تتمركز شمال مضيق باب المندب مباشرةً، بعد تعرّضها لأضرار بالغة ربيع عام 2021، نتيجة ضربة بطائرة إسرائيلية مسيّرة أو ضربة صاروخية.
إغلاق مضيق باب المندب أصعب عملياً من إغلاق مضيق هرمز، نتيجة عوامل عدة، حسب اللواء القيسي، أهمها سعة عرضه، إلى جانب قدرة الحوثي المحدودة بالمقارنة مع إيران. مع ذلك، استطاعت الحركة اليمنية المتمردة التأثير بقوة على حركة المرور عبر المضيق، والذي يحظى بأهمية تفوق مضيق هرمز، لأنه يربط آسيا بأوروبا
إغلاق مضيق باب المندب أصعب عملياً من إغلاق مضيق هرمز، نتيجة عوامل عدة، حسب اللواء القيسي، أهمها سعة عرضه، إلى جانب قدرة الحوثي المحدودة بالمقارنة مع إيران. مع ذلك، استطاعت الحركة اليمنية المتمردة التأثير بقوة على حركة المرور عبر المضيق، والذي يحظى بأهمية تفوق مضيق هرمز، لأنه يربط آسيا بأوروبا. وستتزايد هذه الأهمية لدى حلفاء واشنطن الأوروبيين مع اقتراب توقف آخر خطوط نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، عبر إغلاق الخط الأوكراني.
ويشكّل مضيق باب المندب مفتاح السيطرة على جميع عمليات الشحن تقريباً بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس. يبلغ عرضه 20 ميلاً وطوله 70 ميلاً، وتهيمن جزيرة بريم/ ميون على أضيق جزء منه على الجانب اليمني. ويشير اسمه "باب المندب" "بوابة الحزن/ الدموع"، إلى مخاطر التنقل عبره، نظراً إلى كثرة التيارات المتقاطعة والرياح المفاجئة والشعاب المرجانية والمياه الضحلة، حيث تحطمت قديماً فيه الكثير من السفن، وتواجه السفن الحديثة حالياً مخاطر الألغام البحرية والاستهداف عبر الزوارق والصواريخ من قبل جماعة الحوثي الموالية لإيران.
لكن وبعكس هرمز، بدائل باب المندب متاحة، وهو ما يقلّل من التأثير الشامل على إمدادات الطاقة، نتيجة المخاطر التي فرضها الحوثيون على حركة المرور عبر باب المندب، حسب نبوت. فعلى الرغم من زيادة التوترات في المنطقة، ورفع تكاليف الشحن والتأمين، إلا أنّ البدائل والمنافذ الأخرى خففت من التأثير العام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي