"مصر بحاجة إلى إيجاد حليف دولي يدافع عن مصالحها في قناة السويس"، بهذه الكلمات يعلّق أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة، الدكتور حسن الصادي، على استمرار تراجع عوائد قناة السويس، إلى مستويات تجاوزت عتبة الـ500 مليون دولار شهرياً، وسط ضبابية المشهد بشأن أي أفق واضح لانتهاء أزمة التهديدات الملاحية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب المدخل الجنوبي للقناة، والتحذيرات الدولية المتصاعدة حول خطورة استمرار الموقف الراهن، وتأثير ذلك على مداخيل القناة التي تعد واحدة من مصادر الدخل الأجنبي الرئيسية للاقتصاد المصري، وساهمت بنحو 7.3% من إجمالي المصادر الأساسية للنقد الأجنبي في مصر خلال 2022، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
بنهاية آب/ أغسطس 2024، وجه صندوق النقد الدولي تحذيراً هاماً بشأن قناة السويس، وأشار في وثائق المراجعة الثالثة لبرنامج تمويل مصر، إلى انخفاض عائدات قناة السويس المودعة لدى البنك المركزي بنسبة 57% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2024، وتراجع مداخيلها بأكثر من النصف خلال أول ستة أشهر من 2024، مؤكداً أن مصر تعاني في الوقت الراهن من التداعيات السلبية الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على غزة، وخاصّةً تعطّل التجارة في البحر الأحمر، بما يقلل بشكل كبير من إيرادات قناة السويس، ويؤدي إلى تآكل مصدر مهم لتدفقات النقد الأجنبي والإيرادات المالية.
تحذير الصندوق الدولي يأتي بعد أسابيع قليلة من حديث رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، عن خسارة قناة السويس ما بين 500 و 550 مليون دولار شهرياً، نتيجة الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، بعدما وصلت إلى مستويات تتجاوز الـ800 مليون دولار قبل الأزمة.
التراجع المستمر في عوائد قناة السويس، يفتح الباب للتساؤل حول الخطط والحلول الممكنة لوقف النزيف الدولاري في القناة، وسر غياب هذه الحلول رغم مرور نحو 11 شهراً منذ بداية الحرب على غزة، لا سيّما وأن التهديدات المؤثرة على الملاحة في البحر الأحمر لا يبدو أنها ستنتهي في وقت قريب، وهو ما دفع شركات شحن ونقل دولية للبحث عن ممرات وطرق بديلة بعيداً عن القناة، مع ضرورة استيضاح الحلول الممكنة للخروج من الأزمة.
"على مدار سنوات حكم الرئيس السيسي لم يتقدم مشروع تنمية محور قناة السويس خطوة للأمام، بسبب سوء اختيار الشخصيات المسؤولة عن إدارة المشروع، الذي يعتبر السبيل الوحيد أمام مصر لتحقيق طفرة حقيقة في مداخيل القناة وحجز مركز هام في التجارة الدولية. ممر قناة السويس 'أكبر كنز في العالم' تحوّل بفعل سياسات الحكومات الأخيرة إلى 'كشك تذاكر' عبور للسفن لا أكثر"
ما الذي تحتاج إليه مصر؟
في هذا السياق، تنتقد أستاذة الاقتصاد وعميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سابقاً، عالية المهدي، "تقاعس النظام" عن إيجاد حل لأزمة تراجع مداخيل قناة السويس، مؤكدةً لرصيف22 أن الحل يتمثل في التدخل الحاسم لردع جماعة الحوثي في اليمن لوقف تهديداتها للملاحة في البحر الأحمر، مع التوصّل إلى تفاهمات مع القوى المؤثرة في مسار التجارة العالمية ومضيق باب المندب، لا سيّما وأن الأمر يمثل واحدة من قضايا الأمن القومي المصري ويمُس سيادة البلاد، بعدما تراجعت مداخيل القناة بأكثر من 50% منذ بدء اضطرابات الملاحة بالمنطقة. كما تعتبر أن عدم التوصل إلى حل حتى الآن، "من شأنه إلحاق الضرر بالقناة والملاحة بها، والمفترض ألا تكون أهداف الحوثيين على حساب الأمن القومي المصري".
ومنذ نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تستهدف جماعة الحوثي سفناً بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب، تقول إنها "مملوكة أو تشغّلها شركات إسرائيلية"، وذلك رداً على الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، الأمر الذي دفع بعض شركات الشحن العالمية إلى تجنّب المرور من البحر الأحمر وتغيير مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح بدلاً من قناة السويس، وذلك على الرغم مما يسبّبه هذا التغيير من ارتفاع في كلفة الشحن المالية والزمنية، حيث تستغرق رحلة السفن قرابة الـ15 يوماً إضافية عن المرور عبر المجرى الملاحي المصري.
علاوة على ما سبق، تستنكر المهدي "عدم استغلال منطقة قناة السويس، وتنمية محور القناة، والاكتفاء بالعوائد المُحصّلة من مرور السفن بممر القناة لسنوات طويلة، وهو الأمر الذي يتأثر بأي تهديد جيوسياسي يقع في البحرين الأحمر أو المتوسط، على غرار ما يحدث في الأشهر الأخيرة. وتكشف أستاذة الاقتصاد عمّا وصفتها بـ"الكارثة" التي وقعت وما زالت في منطقة القناة بعدما شرعت الحكومة المصرية، منذ بداية 2015، في بيع المناطق الاستثمارية بمحور القناة لمستثمرين من أجل تنفيذ مشاريع استثمارية من شأنها أن تُدر عوائد تتجاوز عوائد مرور السفن بالقناة أضعاف المرات، إلا أن المستثمرين الذين اشتروا تلك المناطق قاموا بـ"تسقيعها" أي تركها كل هذه السنوات دون تنفيذ أية أنشطة أو مشاريع، انتظاراً لزيادة قيمتها وإعادة بيعها والتربّح من ورائها.
تَعمد إفشال الاستثمارات بقناة السويس
"لو الأمر بيدي، سأسحب تلك الأراضي غير المُستغلة عن عَمد من بعض المستثمرين" هكذا تواصل المهدي حديثها، متسائلةً: كيف تسمح الدولة المصرية لهؤلاء المستثمرين الذين يعملون لصالح دولة بعينها تخشى ازدهار منطقة القناة وتحولها إلى مركز نقل لوجستي عالمي بعدم تنفيذ أي مشاريع على الأراضي المُقدرة بملايين الأمتار على ضفاف القناة "أكثر المناطق الاستثمارية حيويّة في مصر" وتركها جدباء؟
تشير المهدي بذلك إلى دولة الإمارات التي يعتقد أن غالبية المشترين للأراضي في منطقة القناة يحملون جنسيتها، وهو ما تؤكده الخبيرة الاقتصادية، معتبرةً أن العقود التي تم إبرامها على مدار العقد الأخير تضر بالاقتصاد المصري، ولا بد من وضع بند في أي عقد تبرمه الدولة مع المستثمرين المصريين والأجانب ينص على وضع مدة زمنية لتنفيذ المشروعات وإلا سيتم سحب تلك الأراضي، حتى ولو كانت بنظام البيع.
ترى أستاذة الاقتصاد أن هناك خللاً واضحاً في عملية طرح الأراضي للاستثمار في تلك المنطقة الإستراتيجية إذ انطوت على "البيع لمجرد البيع"، حيث "يعمد النظام المصري إلى البيع السهل غير المدروس للمستثمرين من الداخل والخارج، والذين يعمل بعضهم وفقاً لأجندة هدفها عدم تحقيق تنمية حقيقية ملموسة في منطقة قناة السويس، خوفاً من تأثير ذلك على مداخيلهم من الموانئ والمناطق اللوجستية المشابهة".
وتطالب المهدي، بـ"مراجعة كافة عقود البيع التي أبرمتها مصر في السنوات الأخيرة، وعلى رأسها تلك المُبرمة في المنطقة الاستثمارية لقناة السويس، مع تعديلها بشكل فوري، بحيث تشمل بنوداً تُلزم المستثمرين بتحديد نوع الاستثمار وتوقيت تنفيذه، وحال عدم الالتزام ببنود التعاقد يتم سحب الأراضي من المستثمرين دون إعادة الأموال المُحصلة، على أن يتم طرحها للاستثمار من جديد".
وهي تتساءل ختاماً: أين الهيئات القانونية التابعة لمجلس الوزراء والمستشارين القانونيين للوزارات من عمليات البيع غير المدروسة للأراضي، والتي يلجأ بعض المستثمرين لتجميدها على أن يبيعوها في وقت لاحق بهامش ربح، دون تنفيذ أية مشروعات حقيقية على تلك الأراضي؟ مؤكدةً أن تنمية مداخيل القناة وتحقيق استثمارات حقيقية، تستدعي البدء في تغيير قانون الاستثمار ووضع شروط تُلزم المستثمرين تنفيذ المشروعات على الأراضي التي تعاقدوا عليها بشكل فوري، وإلا يتم سحبها.
سوء إدارة؟
بدوره، يتفق أستاذ هندسة النقل بجامعة عين شمس، أسامة عقيل، مع المهدي، في أن إيرادات قناة السويس الحالية والتي تناهز الـ7 مليارات دولار، في ظل استمرار تهديدات الملاحة بالبحر الأحمر، لا تعبر بحق عن قيمتها الاقتصادية، والتي يجب أن تتجاوز الوقوف على تحصيل رسوم مرور السفن بالمجري الملاحي للقناة، لتنطلق نحو الفرص الاستثمارية المتاحة، عوضاً عن الاكتفاء راهناً بجهود نقل ملكية أصول القناة إلى شركات وصناديق خاصة، لا تنفذ مشروعات حقيقية ملموسة.
يعتبر عقيل، في حديثه لرصيف22، أن "المسؤولين الحاليين غير قادرين على الإدارة السليمة لمنطقة قناة السويس، ويجهلون كيفية الاستفادة الحقيقية منها… كيف نمتلك أهم مجرى ملاحي في العالم، تعبر من خلاله نحو 12% من التجارة العالمية المنقولة بحرياً، وتكون إيراداتنا منحصرة في مليارات معدودة من الدولارات؟ في حين نستطيع تحقيق 100 مليار دولار مداخيل كحد أدنى سنوياً".
وبحسب تصريحات رئيس هيئة قناة السويس المصرية، الفريق أسامة ربيع، لموقع العربية، فقد بلغت إيرادات قناة السويس نحو 7.2 مليار دولار، خلال العام المالى 2023/ 2024، مقارنة بـ9.4 مليار دولار في العام المالي الأسبق، وبنسبة تراجع بلغت 23%.
ويرى أستاذ هندسة النقل والطرق أن الحل الأمثل لإعادة إحياء مداخيل قناة السويس، يتمثل في المشروع القومي لتنمية محور قناة السويس، والذي يستهدف تعظيم دور إقليم القناة كمركز لوجستي وصناعي عالمي متكامل اقتصادياً وعمرانياً، مشيراً إلى أن الدراسات الأولية الخاصة بالمشروع والتي انطلقت قبل 15 عاماً، قدّرت عوائده بنحو 100 مليار دولار كحد أدنى سنوياً، ما يعني عدم تأثر عوائد القناة بأي تهديدات جيوسياسية على غرار ما يحدث حالياً في مضيق باب المندب. لكن في حال استمرار الوضع الراهن - الاعتماد على مداخيل رسوم عبور السفن بالمجرى الملاحي - يقول عقيل إن هذا يعني استمرار "الدولة الغلبانة" (يقصد قليلة الحيلة) غير القادرة على الاستفادة من أهم مجرى ملاحي في العالم.
"يعمد النظام المصري إلى البيع السهل غير المدروس للمستثمرين من الداخل والخارج، والذين يعمل بعضهم وفقاً لأجندة هدفها عدم تحقيق تنمية حقيقية ملموسة في القناة، خوفاً من تأثير ذلك على مداخيل أصحابها من الموانئ والمناطق اللوجستية المشابهة"... شبهات حول دور غير مباشر للإمارات في تراجع عائدات منطقة قناة السويس
وبينما تتعدد التوصيات بشأن خلق إيرادات مستدامة لقناة السويس لتعزيز مداخيلها اقتصادية في الدخل القومي، والمساهمة في توطين صناعات مختلفة وتوفير فرص عمل واسعة، بما في ذلك عبر إنشاء منطقة صناعية ولوجستية حول القناة ترتكز على الصادرات، وتجنب الاعتماد فقط على نفقات مرور السفن والرسوم المفروضة عليها، يتعجب عقيل من أن الدولة المصرية بدأت في المشروع القومي لتنمية محور القناة قبل سنوات بعيدة، ثم توقفت بدون سبب واضح، ومن ثم أسندت المشروع إلى غير متخصصين على غرار رئيس هيئة قناة السويس الأسبق، الفريق مهاب مميش، الذي شغل منصب رئيس الهيئة العامة لتنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومن خلفوه، والذين كان مؤهلهم للمنصب الرتب العسكرية دون أية خبرة اختصاصية لإدارة مشروع عملاق كهذا يحتاج إلى اقتصاديين عالميين، وشركة إدارة عالمية متخصصة، بعيداً عن العقلية العسكري. وعليه، فالنتيجة الحالية المتمثلة في الفشل هي أمر طبيعي بالنسبة لعقيل.
يضيف عقيل أنه على مدار الـ10 سنوات من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم يتقدم مشروع تنمية محور قناة السويس خطوة للأمام، بسبب سوء اختيار الشخصيات المسؤولة عن إدارة المشروع، والذي يعتبره السبيل الوحيد أمام مصر لتحقيق طفرة حقيقة في مداخيل القناة وحجز مركز هام في التجارة الدولية، واصفاً ممر قناة السويس بأنه "أكبر كنز في العالم" والذي تحوّل بفعل سياسات الحكومات الأخيرة إلى "كشك تذاكر" عبور للسفن لا أكثر، دون تحقيق استفادة وتنمية حقيقية من الممر الملاحي للقناة حيث لجأت الحكومات في العقد الأخير لتنفيذ مشروعات محلية، دون تنفيذ أي مشاريع حقيقة من شأنها جلب عائد دولاري وغزو التجارة العالمية.
إلى ذلك، يلخّص أستاذ هندسة النقل غياب الحلول لزيادة مداخيل القناة، في "التركيز على مشاريع هامشية لا تحقق استفادة حقيقية، على غرار بناء أطول برج في أفريقيا، وأكبر مسجد وكنيسة، وأطول كوبري في روض الفرج، في الوقت الذي تسعى القوى المجاورة فيه إلى القضاء على مشروع تنمية محور قناة السويس، وذلك عبر تدشين محور بديل لنقل الحاويات يمر بالخليج وإسرائيل، برعاية الولايات المتحدة، والذي من شأنه القضاء على المشروع الوحيد الذي يمكن أن يضع مصر على خريطة التجارة الدولية والتحول لمركز إقليمي هام لنقل الحاويات واللوجستيات".
وخلال قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند في أيلول/ سبتمبر 2023، كشفت نيودلهي عن "الممر الاقتصادي الجديد بين الهند والخليج وأوروبا" المعروف اختصاراً بـ "ايمك"، موضحةً أن المشروع يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي ودول الخليج والولايات المتحدة في المقدمة، ويتضمن إنشاء خطوط للسكك الحديدية، فضلاً عن ربط الموانئ البحرية وجوانب أخرى، لتحقيق التكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج وأوروبا. علماً أن المشروع يتألّف من ممرين منفصلين إذ يربط الممر الشرقي الهند بالخليج فيما يربط الممر الشمالي الخليج بأوروبا.
الممرات البديلة والأثر المباشر على القناة
وفي الوقت الذي يتزايد فيه الحديث عن الممرات البديلة لقناة السويس، يحذّر العميد الأسبق لكلية النقل الدولي واللوجستيات، محمد علي إبراهيم، في حديثه لرصيف22، من خطر ابتعاد التجارة البحرية عن ممر قناة السويس، وطرح العديد من البدائل لحركة مرور التجارة القادمة من الصين والهند وشرق آسيا، في طريقها لأوروبا والولايات المتحدة، وفي مقدمتها التوجّه نحو القطب الشمالي، سيّما مع استمرار انخفاض درجات الحرارة بالتزامن مع ظاهرة الاحتباس الحراري.
يقول إبراهيم إن الدراسات الحديثة تُظهر أن القطب الشمالي سيكون بديلاً مناسباً لقناة السويس بحلول عام 2035، وكبديل كامل بحلول عام 2050، بالإضافة إلى الممر الاقتصادي من الهند إلى شبه الجزيرة العربية وإسرائيل ومنها لأوروبا، ما يعكس الخطر المتزايد على مداخيل ومكانة قناة السويس في السنوات المقبلة.
ويعتبر إبراهيم أن مصر عليها التحرك بشكل متسارع لخلق تفاهمات بالمنطقة، مع جماعة الحوثي وإيران، حتّى ولو تطلّلب الأمر اتفاقاً غير مُعلن، يتعهد الحوثيون بمقتضاه بالعبور الآمن للسفن التي لا تتحرك في اتجاه إسرائيل أو تحمل منتجات لها، ومن جانبها ترسل قناة السويس إخطار مسبقاً للحوثيين بالسفن التي لا تتعامل مع تل أبيب، الأمر الذي قد يساعد على زيادة السفن المارة عبر مجرى القناة، وبالتالي زيادة العوائد، وإعادة الثقة لشركات الشحن الدولية في المجرى الملاحي المصري.
وبخلاف تلك التفاهمات، يشدد العميد الأسبق لكلية النقل الدولي واللوجستيات على ضرورة إحداث تنمية حقيقة بمحور القناة، لتصبح مركزاً لتجارة الترانزيت ونقل الحاويات والبضائع، مع العمل بالتوازي على تنويع طرق نقل النفط والطاقة، سواء عبر مد أنابيب أسفل البحر الأحمر، أو حملها على خطوط سكك حديدية تنقلها من البحر الأحمر للبحر المتوسط والعكس، مع توطين صناعات تجد منفذاً لها في أفريقيا وآسيا وأوروبا، وتستطيع جذب الشركات اللوجستية لتدشين استثماراتها بالقناة.
وعليه، يتوقع إبراهيم أن تصبح مصر جزءاً من التجارة العالمية، ويتزايد الطلب على القناة، بالإضافة إلى التوسع في تقديم خدمات تموين السفن بنسبة تخفيض تصل إلى 30% للسفن ذات الحمولات الكبيرة، فضلاً عن طرح امتيازات إضافية تحصل عليها السفن من رسوم العبور التي من شأنها أن تنخفض أيضاً بنسب محفزة للسفن، الأمر الذي ينعكس بشكل واضح على فاتورة الشحن، ويقلل خسائر السفن التي تعاود العبور عبر القناة.
وخلال الفترة الماضية، اضطرت العدي من الخطوط الملاحية إلى رفع أسعار الشحن البحري نتيجة تحويل مسار سفنها لرأس الرجاء بشكل كبير.
ويطالب إبراهيم بما وصفه بـ"إعادة تنظيم أوضاع قناة السويس"، بما يتناسب مع مستقبل الملاحة في الفترات القادمة، مشيراً إلى أنه ينبغي إحصاء السفن المترددة عليها خلال الخمس أو العشر سنوات القادمة وتقديم حوافز جديد لها تكون مغرية، بالإضافة إلى إبرام عقود طويلة الأمد مع الخطوط الملاحية.
اتهامات بالتقاعس وسوء الإدارة وغياب الرؤية والتخصص للحكومة المصرية بسبب استمرار تراجع عائدات قناة السويس وعدم طرح السلطات المصرية أية حلول لتعزيز موارد وأرباح القناة بعد مرور نحو 10 أشهر على الاضطرابات الأمنية التي تهدد الملاحة في البحر الأحمر. من المسؤول عن ذلك؟
خسائر مؤثرة في الاقتصاد المصري
أما أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة، حسن الصادي، فيكشف عن خسارة مصر - حتى الآن - ما بين 5 و 6 مليارات دولار، أي ما يعادل 55% من إجمالي مداخيل القناة منذ بداية الأزمة، وهو رقم ليس بالقليل بالنسبة لاقتصاد مصر حيث تناهز مداخيل القناة 8% من الاحتياجات الدولارية في الميزان التجاري، وتعتبر واحدة من 5 مصادر رئيسية للتدفقات الدولارية في الاقتصاد المصري، وتلعب دوراً هاماً في توفير العملة للواردات التي تتركز على سلع إستراتيجية هامة لا يمكن الاستغناء عنها، كالغاز الطبيعي والوقود.
وسبق أن حذّر البنك الدولي، في تقريره الصادر، منتصف نيسان/ أبريل 2024، من أن استمرار الأزمة الأمنية الناجمة عن هجمات الحوثيين على السفن المارة في البحر الأحمر من شأنه أن يسبب خسائر تُقدر بنحو 3.5 مليار دولار في العائدات الدولارية لمصر، مشيراً إلى قناة السويس تعد مصدراً رئيسياً للعملات الأجنبية لمصر، بعدما كانت مسؤولة عن نحو ثمن حركة الشحن البحرية العالمية، وما يعادل 30% من حركة الحاويات في العالم، مؤكداً أن مصر تعاني أكثر من غيرها من تبعات عدم استقرار الملاحة في البحر الأحمر.
ويشدد الصادي، في حديثه لرصيف22، على ضرورة، أن تكون تلك الخسائر دافعاً لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري، بتنويع مصادر الدخل وزيادتها بدلاً من ارتكازها على 5 مصادر رئيسية، بالإضافة إلى تحقيق المرونة في توفير العملة الدولارية، بحيث لا يتعرض الاقتصاد لصدمات شديدة جراء وقوع أي تهديدات جيوسياسية في المنطقة كما يحدث حالياً، مشيراً إلى أن استمرار التجارة العالمية بشكل طبيعي وتحويل دفة السفن باتجاه طريق رأس الرجاء الصالح، بدلاً من المرور بمجرى قناة السويس، يدفع إلى التساؤل عن ضرورة العمل الحقيقي على تنمية محور قناة السويس، بحيث يصبح مركزاً عالمياً مهماً في التجارة العالمية، لا يمكن الاستغناء عنه ببساطة كما حدث مؤخراً.
إيجاد قوى دولية تدافع عن القناة
ينتقد الخبير الاقتصادي، الصادي، أيضاً عدم التخطيط للتعامل مع التهديدات الملاحية، وغياب الحلول لشهور طويلة، معتبراً أن الحلول تتمثل في إيجاد أطراف تدافع عن مصالحنا الاقتصادية، وتربطها مصالح مشتركة مع مصر، منوهاً إلى أن 40% من المنتجات التي تمر عبر قناة السويس تأتي من الصين، وكان لا بد من خلق شراكة اقتصادية إستراتيجية مع بكين، لتشترك بدولها في الدفاع عن القناة كجزء من مصالحها ومصالح مصر بالمنطقة.
يشدد الصادي، في حديثه لرصيف22، على ضرورة، أن تكون تلك الخسائر دافعاً لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري، بتنويع مصادر الدخل وزيادتها بدلاً من ارتكازها على 5 مصادر رئيسية فقط.
ويوضح الصادي أن الشراكة تتحقق عبر توطين مجموعة من المصانع وتدشين استثمارات واسعة بمزايا مختلفة في منطقة القناة. وكدليل على الفشل في ذلك، ذهبت الصين لعقد شراكة إستراتيجية مع الكويت "الدولة المحدودة المساحة والموقع" على حد قول الصادي، باستثمارات بلغت 550 مليار دولار، لتوطين الصناعات الصينية بالدولة الخليجية، وكان من الأولى - بحسب الصادي - أن تصبح تلك الاستثمارات في محور قناة السويس، وبالتالي كانت الصين ستهب لتدافع عن مصالحها ومصالح مصر أمام المجتمع الدولي ومجلس الأمن، وستنتهي أزمة التهديدات الملاحية في باب المندب خلال أسابيع معدودة.
ويرى الصادي أنه لزيادة مداخيل القناة، لا بد من جذب شركات التأمين العالمية، لتأمين عوائد القناة وليست القناة نفسها حتّى تصبح تلك الشركات المؤثرة في القرارات السياسية لكبرى الدول الغربية، أكبر مدافع عن مصالح قناة السويس، حتى لا تتأثر العوائد وبالتالي تخسر الأموال التي دفعتها للتأمين، والأمر ببساطة يتمثل في خلق قوى اقتصادية دولية تدافع عن مصالح قناة السويس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.