شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"مقاومون يسلّمون سلاحهم"... هل تستخدم إسرائيل السلطة الفلسطينية لتحييد العمل المسلح؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الثلاثاء 15 أكتوبر 202401:07 م

على ما بدا كأنه هامش الإبادة، ارتكبت إسرائيل انتهاكات يومية في الضفة الغربية، يمكننا أن ندرجها تحت خطة وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش التي سمّاها "الحسم"، القائمة على مبدأ "أرض إسرائيل الكاملة".

وهي ليست إلا تكملة متسارعة لسياسة حكومة اليمين المتطرّف والحكومات الإسرائيلية الأخرى السابقة في قضم الأرض والاستيطان وسرقة المياه وإخضاع الضفة لسيطرة عسكرية كاملة واعتقال المواطنين وقتلهم. بالإضافة إلى تفكيك ومجابهة أية "مقاومة فاعلة" في محافظات الضفة، ولا سيّما مخيمات اللاجئين التابعة لهذه المحافظات.

فقد اقتحمت إسرائيل معظم المخيمات واشتبكت مع الفصائل الفلسطينية منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، على نحو شبه يوميّ.

حتى انتهى بإسرائيل الإعلان في 28 آب/ أغسطس 2024، عن عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة، أسمتها "المخيمات الصيفية". بينما أطلقت عليها الفصائل الفلسطينية، وتحديداً سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، "رعب المخيمات".

وبصرف النظر عن طبيعة هذه العملية ونتائجها، لا تزال "القوات الإسرائيلية تشتبك مع الفصائل الفلسطينية في المخيمات حتى اللحظة".

ولا شك أن "هذه اللحظة" هي امتداد لتاريخ طويل اعتبرت فيه إسرائيل المخيم رأس حربة مواجهتها، لما يمثله من تجسيد للمظلومية التاريخية التي وقعت عام النكبة.

فلاحقت "اللاجئ المسلح" إلى قلب المخيمات في الضفة وغزة، وحتى في لبنان أثناء الاجتياحات الإسرائيلية.

لكن الأيام القليلة الماضية، كشفت عن تدخل ملحوظ ومعلن من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وعن دور مرئي في تحييد العمل المسلّح للفصائل الفلسطينية، الذي تطمح إليه إسرائيل على مدار تاريخها مع الفلسطينيين.

هل أعطت إسرائيل السلطة فرصة "لإحباط المقاومة"؟

وقد وصل التدخل الأمني من جانب السلطة حدّ وقوع اشتباكات عنيفة بين أمنها وبين الفصائل في مدينة طوباس مساء الجمعة 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2024.

وجاءت هذه الاشتباكات عقب اعتقال قائد كتيبة طوباس التابعة لسرايا القدس، وقد تزامنت مع إطلاق الأجهزة الأمنية الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت على المتظاهرين الذين احتجوا في شوارع المدينة على اعتقال قائد الكتيبة.

كما انتشرت مقاطع فيديو توثق إتلاف أمن السلطة، الأسبوع الماضي، عبوات ناسفة تابعة لفصائل فلسطينية في محافظة طولكرم.

يعلق د. أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية وحل النزاعات في الجامعة العربية الأمريكية في جنين، في حديثه لرصيف22: "إن معظم التحليلات تشير إلى أن إسرائيل ربما منحت السلطة فرصة لاحتواء عمل الفصائل الفلسطينية وإقناعهم بأهمية التخلي عن السلاح، لأن مصيرهم هو القتل المباشر في ساحة الميدان".

وفي السياق نفسه، يرى عضو المجلس الوطني الفلسطيني، عمر عساف، الذي اعتقلته مخابرات السلطة قبل أسبوع في أثناء وقفة تضامنية مع غزة، أن السلطة التي تنسق أمنياً مع إسرائيل "لا تزال تقبل بالدور الوظيفي الذي ترسمه لها إسرائيل في الضفة الغربية، عبر ملاحقة المقاومين واعتقال كل من يخالف نهجها"، مؤكداً أن "رسالة إسرائيل للسلطة هي أن وظيفة الأخيرة أمنية، لكن يجب عليها أن ترفض هذه الوظيفة جملةً وتفصيلاً".

ويرى د. يوسف أن الاستراتيجيات التي استخدمتها السلطة لإقناع أفراد هذه الفصائل كانت متعددة، فمنها ما كان ذاهباً باتجاه الاحتواء ومنها ما ذهب باتجاه المواجهة، وذلك بحسب الموقع الجغرافي لنشاط الفصائل".

ويردف: "على سبيل المثال، استطاعت السلطة في نابلس احتواء الفصائل مثل "عرين الأسود". هذه المجموعة فقدت العديد من شبابها إذ قام جزء منهم بتسليم أنفسهم للسلطة. فتراجع وزنهم بشكل كبير داخل المدينة، لكن ما زالوا فاعلين في مخيمات بلاطة ونابلس".

معظم التحليلات تشير إلى أن إسرائيل ربما منحت السلطة فرصة لاحتواء عمل الفصائل الفلسطينية وإقناعهم بأهمية التخلي عن السلاح، لأن مصيرهم هو القتل المباشر في ساحة الميدان

ويعتقد يوسف بأن القصة تختلف في جنين، فهناك لم تستطع السلطة احتواء هذه المجموعات. ثمة غرفة عمليات مشتركة تضم سرايا القدس والقسام وبعض نشطاء حركة فتح، تتخذ من مخيم جنين مكاناً لها.

"أتوقع أن تلجأ السلطة إلى عدة أدوات، إما الاحتواء المباشر وإعطاء وظائف في الأجهزة الأمنية لأفراد هذه الفصائل، ثم العمل مع الإسرائيليين لإخراجهم من لوائح المطلوبين. وإما الاستمرار في طريقهم التي تعيش حرباً معلنة من الجانب الإسرائيلي".

"ضغوط شعبية ورسمية خشية من تدمير المخيم"

يرى د. يوسف أن إسرائيل لجأت في حملة "المخيمات الصيفية" التي شنتها على شمال الضفة الغربية، إلى "استراتيجية الضاحية" القائمة على تدمير البنى التحتية، بهدف إحداث ضغط على سكان هذه المناطق".

ويردف: "خلقت هذه الحملة رعباً بين الناس، وجعلتهم يهابون مستقبلهم القريب ويخشون من عملية إسرائيلية تدميرية واسعة".

ولا يستبعد د. يوسف أن تمارس أسر بعض الشبان، تحديداً في نابلس، الضغط عليهم. "هؤلاء مطلوبون ويرتاب أسرهم الخوف من عملية اغتيالهم"، يؤكد.

وكانت وسائل إعلام فلسطينية أفادت في 24 آب/ أغسطس 2024، إقدام "مسلحين فلسطينيين من مخيمي العين وبلاطة في نابلس للأجهزة الأمنية الفلسطينية، على تسليم سلاحهم، من باب المسؤولية الوطنية وحفاظاً على أرواح المواطنين وممتلكاتهم في المخيمات".

وربما كانت هذه المرة الأولى التي يكون للضغط الشعبي الجمعي تأثير على انسحاب عمل شبان من الفصائل الفلسطينية من العمل المسلح.

وبحسب وكالة معاً الإخبارية، فقد كان للاتصالات والضغوط الشعبية التي قامت بها شخصيات رفيعة ومؤثرة في مخيم بلاطة دور بارز في إقناع هؤلاء الفلسطينيين، وقد بلغ عددهم 15، بتسليم أنفسهم للأمن الفلسطيني لتجنيب المخيم أية عملية عسكرية.

وأضافت الوكالة: "من المتوقع أن يقوم عدد آخر بالخطوة نفسها خلال الفترة المقبلة، إذ بُذلت ضغوط شعبية كبيرة عليهم لتسليم أنفسهم خشية من تدمير المخيم واستفراد إسرائيل بالمدنيين".

يقول باسم (اسم مستعار، 65 عاماً) وهو قيادي سابق من مدينة نابلس، إن "ما حصل في محافظة نابلس يعبر عن توجه لدى فئة معينة من النخبة السياسية الفلسطينية الحاكمة والتي تضغط نحو عدم التصعيد في الضفة الغربية".

ويضيف في حديثه لرصيف22 أن "هؤلاء الشباب أجبروا على تسليم أنفسهم، في حين لم يكن أمامهم خيار آخر نظراً للضغوط العائلية والتنظيمية والاقتصادية التي مورست عليهم، بالإضافة إلى أساليب الترغيب والترهيب التي استخدمت معهم على مدار أسابيع طويلة، حتى حصل الاتفاق".

ويرى باسم أن توجه بعض القيادات الفلسطينية يختلف مع توجه الشارع الفلسطيني الذي يتماهى بشكل عام مع العمل المقاوم ومواجهة الاحتلال".

ويردف: "تسعى بعض الأطراف الفلسطينية إلى المهادنة وعدم الدخول في أي مواجهة حقيقية مع الاحتلال في مخيمات الضفة الغربية. وهناك خطة من جانب الحكومة الفلسطينية لتنفيذ ذلك".

إسرائيل لجأت في حملة "المخيمات الصيفية" التي شنتها على شمال الضفة الغربية، إلى "استراتيجية الضاحية" القائمة على تدمير البنى التحتية، بهدف إحداث ضغط على سكان هذه المناطق. فخلقت هذه الحملة رعباً بين الناس، وجعلتهم يهابون مستقبلهم القريب ويخشون من عملية إسرائيلية تدميرية واسعة

ويؤكد باسم أن الحكومة نجحت إلى حد كبير في عدد من المخيمات وسط الضفة الغربية وجنوبها، في عدم دفع المخيمات نحو مواجهة مع إسرائيل أسوةً بما جرى في مخيمات جنين وطولكرم وطوباس، مشيراً إلى أنه تم تنظيم لقاءات في مخيمات الوسط والجنوب مع جهات من الحكومة الفلسطينية للضغط على أفراد من الفصائل الفلسطينية، وهذا ما حصل في مخيمي العين وبلاطة.

"لا شك في أن هذه السياسات سيكون مصيرها الفشل، تماماً مثل سياسات سابقة لها، وعلى رأسها اتفاق أوسلو. لأن الحالة الكفاحية الفلسطينية في الضفة لا يمكن أن توقفها الضغوط، سواءً الحكومية أو العائلية، ما دام الاحتلال قائماً. وقد يكون حدث تسليم الشباب لسلاحهم في مخيمات نابلس حدثاً استثنائياً".

خطة حكومية للتهدئة

ويبدو أن صوت الشارع الفلسطيني ليس متجانساً في جميع المحافظات، فخلال الشهر المنصرم، عُقد اجتماع في مدينة الخليل، ضم وزير الداخلية في الحكومة الفلسطينية وقادة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة وممثلين عن العائلات والعشائر في الخليل. وقالت وسائل إعلامية إن الاجتماع ناقش "التوجه العام نحو التهدئة وعدم تصعيد الأوضاع في محافظة الخليل وحماية السلم الأهلي وعدم الدخول في أي مواجهة مسلحة مع إسرائيل على غرار ما حصل في مخيمات شمال الضفة".

لكن شباباً وعائلات وعشائر في الخليل أعلنوا في بيان صحافي رفضهم القاطع لما ورد في هذا الاجتماع، مؤكدين أنه لا يمثل الخليل ولا يعكس إرادة المجتمع العشائري في المحافظة، "الذي ما زال سنداً للمقاومة في وجه الاحتلال".

وقال الناشط السياسي فايز سويطي لوكالة صفا الفلسطينية "إن اجتماع الأجهزة الأمنية مع شخصيات من الخليل، وهو لقي معارضة واسعة بين أهالي الخليل، حضره ممثلون عن أقاليم حركة فتح في المحافظة، وشخصيات عشائرية أعلنت ولاءها للسلطة". مشيراً إلى أن المجتمعين انتقدوا الفصائل الفلسطينية واتهموها بالإخلال في أمن المدينة واقتصادها، رافضين لشكل المقاومة في غزة وشمال الضفة.

ولفت السويطي إلى أن "الشخصيات المجتمعة لا تقدم بديلاً للدفاع عن حقوق الفلسطينيين الذين يتعرضون لكل أشكال التضييق والتنكيل من قبل إسرائيل. وأهالي مدينة الخليل، على سبيل المثال لا الحصر، يتعرضون للتفتيش المهين على حواجر تمنعهم من التجول بجانب بيوتهم، بينما لم تحرك السلطة ساكناً لإيقاف معاناتهم اليومية".

وبيّن أن العمليات الاستشهادية ربما "أنذرت بتصاعد المقاومة في محافظة الخليل، ما دفع السلطة إلى العمل دون انخراط المحافظة في التصعيد".

وكانت حركة حماس قد أعلنت الشهر المنصرم، وعشية الاجتماع المذكور آنفاً، مسؤوليتها عن أولى "عملياتها الاستشهادية" في محافظة الخليل ضمن عملية مزدوجة، قالت إثرها إن "جميع محافظات الضفة بلا استثناء ستبقى تخبّئ بين أحيائها المزيد من المفاجآت المؤلمة والكبرى".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image