شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مع اتّساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط… هل سقطت ليبيا من الحسابات الدولية؟

مع اتّساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط… هل سقطت ليبيا من الحسابات الدولية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ألقت التطورات الأمنية والعسكرية الأخيرة في المنطقة، بما في ذلك الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة لأكثر من عام، والعدوان الإسرائيلي المتصاعد على لبنان منذ نحو الشهر، علاوة على عربدتها في سوريا واليمن، وتصعيدها المتكرر ضد إيران، بظلالها على ليبيا التي تراوح الأزمة فيها مكانها منذ فشل إجراء الانتخابات الرئاسية في 2021، فالمخاوف من انجرار الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية شاملة أخرجت البلاد المنقسمة على نفسها منذ أكثر من عقد، من دائرة الضوء الدولي حتى إشعار آخر، بعدما بات ملفها يتمتع بحالة من الاستقرار النسبي، حتى وإن كان هشاً.

يلاحظ الباحث والمحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انزياح الملف الليبي عن الطاولة الدولية لمصلحة ملفات أكثر سخونة تحتاج إلى معالجات سريعة مثل التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان وغزة، والتصعيد في السودان، قائلاً لرصيف22 "ما دامت ليبيا تتمتع بحالة من الهدوء النسبي لا يعكر صفوها الصراع المسلح فلن تكون محل أولوية للمجتمع الدولي"، متوقعاً أن يتغير الأمر حال هدوء الأوضاع في المنطقة وعقب إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية واتضاح سياسة الإدارة الجديدة.

وتتقاسم السلطة في ليبيا حكومتان إحداهما في الغرب برئاسة عبدالحميد الدبيبة، أفرزها حوارٌ ليبيٌ رعته الأمم المتحدة في جنيف في عام 2021، وطال بعض المشاركين فيه اتهامات بتلقي رشىً، وأخرى في الشرق برئاسة أسامة حماد، كلّفها مجلس النواب بعدما سحب الثقة من الأولى، وهذه الأخيرة تحظى بدعم قائد القيادة العامة للجيش، المشير خليفة حفتر. 

هل "يئس" المجتمع الدولي من الوصول إلى "حل" في ليبيا؟

ومنذ إعلان المبعوث الأممي السابق لدى ليبيا، السنغالي عبد الله باتيلي، استقالته في نيسان/ أبريل 2024، لم يفلح مجلس الأمن الدولي في تعيين بديل له. كما لم تطرح القائمة بأعمال المبعوث، الأمريكية ستيفاني خوري، أية مبادرة للحل بينما تكتفي بعقد لقاءات مع أطراف النزاع، وهو ما يفسره المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية، الدكتور خطار أبو دياب، في حديثه لرصيف22، بـ"حالة من اليأس بدأت تتملّك الأمم المتحدة تجاه الملف الليبي" الذي يصفه بأنه أصبح "ثانوياً".

يلاحظ الباحث والمحلل السياسي، محمد محفوظ، انزياح الملف الليبي عن الطاولة الدولية لصالح ملفات أكثر سخونة تحتاج إلى معالجات سريعة مثل التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان وغزة، والوضع في السودان، قائلاً لرصيف22 إنه "ما دامت ليبيا تتمتع بحالة من الهدوء النسبي لا يعكر صفوها الصراع المسلح فلن تكون محل أولوية للمجتمع الدولي"

يلفت أبو دياب إلى أن "هناك حالة اهتراء وجمود في وضع ليبيا علاوة على تكريس حالة التقسيم بين أطراف النزاع… الأمم المتحدة بدأت تيأس من ليبيا. لم تعد هناك رغبة عند أي دبلوماسي للمجيئ إلى البلاد بعدما أصبحت 'محرقة' حيث لا أحد يصدق القادة في ليبيا. هناك مشكلة صدقية في الأطراف الليبية لدى المجتمع الدولي".

تعكس الإحاطة الأخيرة لباتيلي حالة انعدام الثقة في القادة الليبيين التي يتحدث عنها أبو دياب، إذ قال الدبلوماسي السنغالي، أمام مجلس الأمن الدولي، في 15 نيسان/ أبريل الماضي، إن المسؤولين الليبيين المتصدرين للمشهد السياسي "أنانيون، يُغلِّبون مصالحهم الشخصية على مصالح البلاد"، ومضى معبراً عن حالة "يأس أممي" قائلاً إن كل محاولاته "قوبلت بمقاومة عنيدة، ومطالب غير واقعية، وعدم اكتراث لمصلحة الشعب الليبي ورغبة في تأجيل الانتخابات إلى أجل غير معلوم". 
إلى جانب باتيلي، الذي يعد ثالث مبعوث أممي يستقيل من منصبه بعد اللبناني غسان سلامة، والسلوفاكي يان كوبيش، تعاقب على رئاسة البعثة الأممية في ليبيا، منذ الثورة الليبية عام 2011، سبعة مبعوثين حاولوا إنهاء حالة الاقتتال والانقسام التي ترزح تحتها البلاد منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، دون جدوى.

الموقف الدولي من ليبيا… عجز أم يأس؟

حالة "اليأس الأممي" التي يتحدث عنها أبو دياب يعزوها الكاتب الليبي أحمد التهامي إلى ما يصفه بـ"الجمود الدولي" الذي أصاب الحالة الليبية منذ عام 2020 بعد فشل محاولة قوات المشير حفتر السيطرة على العاصمة طرابلس. يقول التهامي لرصيف22: "منذ تلك اللحظة، تقف ليبيا عند المنعطف نفسه،  دون حراك حيث حدث توازن دقيق مركب، تعادلت على إثره القوى داخلياً بسبب دعم تركيا للجماعات المسلحة في غرب البلاد، وعدم رغبة روسيا في تصعيد الموقف ضد أنقرة، ومن ثم انتقل الجمود الميداني مشكّلاً جموداً دولياً زاده الانقسام ثباتاً".

بعد فشل حفتر في السيطرة على طرابلس، حاولت الأمم المتحدة الدفع بالبلاد نحو الانتخابات إذ جمعت ممثلي مجلسي النواب والأعلى للدولة، في ملتقى حواري في جنيف عام 2020، أفضى إلى تشكيل سلطة تنفيذية جديدة (حكومة الوحدة الوطنية) برئاسة عبدالحميد الدبيبة ومجلس رئاسي بقيادة محمد المنفي. لكن المحاولة الأممية كان مصيرها الفشل بعد تعذّر إجراء الانتخابات نهاية 2021، لتعود ليبيا مجدداً إلى المربع صفر. 

ومذاك استقال مبعوثان أمميان - باتيلي وكوبيش - ولم تعرف البلاد سوى مبادرة طرحها باتيلي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، لجمع الأطراف الليبية الرئيسية الخمسة على طاولة واحدة، لحل الإشكالات التي تسبّبت في تعثر الانتخابات في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021. لكن الفرقاء الليبيين لم يتفقوا على معايير لها. والأطراف الرئيسية هي: رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الأعلى للدولة آنذاك محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وقائد القيادة العامة للجيش المشير خليفة حفتر.

ويستبعد محمد محفوظ متابعة خوري لمبادرة باتيلي التي يقول إنها "قصرت الحل على السلطة الحاكمة عبر الطاولة الخماسية أو السداسية"، في ما تعتمد الدبلوماسية الأمريكية سياسة "توسيع قاعدة المشاركة" بضم جميع الأطراف.

كما يشير إلى خلاف روسي غربي متجذر في الحالة الليبية، معتبراً أن هذا الخلاف هو "السبب الرئيسي" في عدم الاتفاق حول مبعوث أممي جديد بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على استقالة باتيلي، فضلاً عن فشل التوصل إلى آلية أممية متوافق عليها للتعامل مع الأزمة الليبية.

يلفت أبو دياب إلى أن "هناك حالة اهتراء وجمود في وضع ليبيا علاوة على تكريس حالة التقسيم بين أطراف النزاع… الأمم المتحدة بدأت تيأس من ليبيا. لم تعد هناك رغبة عند أي دبلوماسي للمجيء إلى البلاد بعدما أصبحت 'محرقة' حيث لا أحد يصدق القادة في ليبيا"

العين على غزة ولبنان… فمن يرى ليبيا؟

منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة كان الدعم الليبي الشعبي والرسمي لأهالي القطاع واضحاً، لكن التصعيد الجاري في لبنان لم يلق الزخم نفسه في ليبيا. ومع ذلك فلا تنعدم الإشارات. ففي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 أيلول/ سبتمبر 2024، دان رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ما ترتكبه إسرائيل من جرائم "إبادة وتطهير عرقي" ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني معتبراً ذلك "انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية".

في حين قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، خلال إحدى الفعاليات المحلية في 22 من الشهر نفسه، إن ليبيا "لن تسمح للأوضاع الطارئة في الوطن العربي أن تكسر الهمة الوطنية في تحقيق التطلعات"، في إشارة إلى الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.

وجاءت التطورات الأخيرة في المنطقة، وما رافقها من مخاوف الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، خاصة في ضوء التصعيد المتبادل بين إيران وإسرائيل، لتضاف إلى العوائق أمام الأزمة الليبية إلى جانب "اليأس الأممي" من قادتها و"العجز الدولي" عن فرض حل/ مبادرة يوافق عليه/ا الجميع.

يتمثل هذا العائق، بحسب أحمد التهامي، في أن الملف الليبي بات في "آخر قائمة اهتمامات الدول الكبرى" منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية على غزة، وأخيراً التطورات في لبنان، فضلاً عن الانشغال بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة. وهو يضيف: "مهما كان الملف الليبي مهماً لن يستطيع أن يحظى باهتمام جدي وسط كل هذه الأحداث الساخنة".

ويتفق مع هذا الباحث المتخصص في الشؤون الليبية، جلال حرشاوي، الذي يقول لرصيف22: "في الوقت الحالي، الحروب في لبنان وغزة وأوكرانيا والسودان أكثر أهمية من أزمة ليبيا. وهذا يعني أن هناك عدداً أقل من الدبلوماسيين الذين يركزون انتباههم على ليبيا".

مع ذلك، "لا يجب أن نعتقد أن الدبلوماسيين الدوليين لا يعملون بجد لمجرد أنه لم يُعلن عن خارطة طريق جديدة" في ليبيا، على حد قول حرشاوي الذي عمل في معهد "كلينغينديل" في لاهاي والمبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود بسويسرا.

يتابع الباحث: "رغم أن الوضع في ليبيا يبدو ثابتاً، إلا أنه يتغير ببطء ولكن بشكل مستمر"، مشيراً في هذا السياق إلى الأزمة التي ضربت مصرف ليبيا المركزي في آب/ أغسطس 2024، عندما أصدر المجلس الرئاسي قراراً بتغيير المحافظ الصديق الكبير، وهو ما رفضه مجلسي النواب والدولة، وأعلنت على إثره حكومة حماد غلق حقول وموانئ النفط، وذلك قبل أن تنفرج الأزمة باتفاق مجلسي النواب والدولة على تعيين محافظ جديد ومجلس إدارة جديد للمصرف.

ويرصد أبو دياب تأثير غياب الاهتمام الدولي بليبيا، مشيراً في هذا السياق إلى أزمة المصرف المركزي فضلاً عن تحرك القوات البرية التابعة لـ"القيادة العامة" للجيش في 8 آب/ أغسطس نحو الجنوب الغربي، وما استدعاه ذلك من استنفار أمني في المنطقة الغربية قبل أن يخلص إلى أن "كل هذا عاد وتأجّل ولم يسفر عن شيء لأن هناك جمود. وبقي الوضع على حاله: الدبيبة في مكانه وحفتر هو الآخر والأمور مجمدة حتى إشعار آخر".

هل عادت الكرة إلى ملعب الليبيين؟

وسط حالة "اليأس الأممي" و"الجمود الدولي"، يرى حرشاوي أن الملف الليبي لن يعتبر أولوية دولية وإقليمية ما دام "لا وجود لخطر وشيك باندلاع حرب"، بل ويذهب إلى القول إن "بعض الدول مثل تركيا على سبيل المثال، تعتقد أن وجود حكومتين في ليبيا يساعد في الحفاظ على الاستقرار في الوقت الحالي".

رغم صعوبة الظروف الإقليمية المعقّدة، والتطورات الدولية المتعددة المرهون بها الملف الليبي، يرى أبو دياب أن على الليبيين استغلال الفرصة السانحة أمامهم والتسمّك بدفة السيطرة على مصير بلدهم في أيديهم، موضحاً "المسألة الليبية باتت في يد الليبيين وإذ لم يكن لدى قيادتهم مسعى لترتيب الوضع وإيجاد مخرج فسيبقى الوضع هكذا طويلاً"

في الأثناء، يرهن محفوظ التحرك الدولي والأممي تجاه الملف الليبي بالانتخابات الأمريكية وهدوء الوضع في المنطقة، ويقول: "الوضع سيبقى كما هو عليه إلى أن يحدث هدوء في المنطقة، وإجراء الانتخابات الأمريكية. بعد الانتخابات ربما تشهد المنطقة بعض الهدوء، ويصبح حينذاك الوضع الزمني والإقليمي مهيأ لانطلاق عملية سياسية في ليبيا تنهي حالة الانسداد المستمرة منذ ثلاث سنوات".

وبالنسبة له، فإن تحريك المشهد السياسي في ليبيا يحتاج اهتماماً دولياً ولقاءات على مستوى عالٍ على أقل تقدير على مستوى وزراء الخارجية. كما يرى أن التوصّل إلى حل لأزمة المصرف المركزي ضمن تهدئة الوضع لمدة لا تقل عن 6 أشهر آملاً بانتهاء هذه المدة أن تكون الأوضاع في المنطقة قد هدأت وتحدث التفاتة إلى الملف الليبي.

رغم صعوبة الظروف الإقليمية المعقّدة، والتطورات الدولية المتعددة المرهون بها الملف الليبي، يرى أبو دياب أن على الليبيين استغلال الفرصة السانحة أمامهم والتسمّك بدفة السيطرة على مصير بلدهم في أيديهم، موضحاً "المسألة الليبية باتت في يد الليبيين وإذ لم يكن لدى قيادتهم مسعى لترتيب الوضع وإيجاد مخارج سيبقى الوضع هكذا طويلاً، لأن الأمم المتحدة أخذت تيأس من ليبيا". فهل يستغل الليبيون الفرصة؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image