شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل سيُترك الجمود السياسي إلى الحرب أم السّلم؟... كيف يبدو المشهد في ليبيا الآن؟

هل سيُترك الجمود السياسي إلى الحرب أم السّلم؟... كيف يبدو المشهد في ليبيا الآن؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 27 أغسطس 202402:32 م

أكثر من عقد مرّ على بداية الانقسام الليبي، ولا تزال البلاد ترزح تحت وطأة سلطتين متنافستين شرقاً وغرباً، فيما يطارد مواطنيه شبحُ الحرب من حين إلى آخر، على وقع تنافس محموم على السلطة من الأطراف الليبية وداعميها الإقليميين والدوليين.

الأزمة لا تتوقف عند مجرد انقسام ليبي- ليبي، بل تذهب أبعد من ذلك إلى انقسام دولي حول ليبيا، كما يوضح الكاتب الليبي، أحمد التهامي، لرصيف22، قائلاً إن هذا "الانقسام المزدوج جعل الجمود هو سيد الموقف"، لكنه يستدرك متحدثاً عن أن متغيرات قد تدفع إلى "إعادة ترتيب القوى في غرب البلاد، وإعادة التفاوض مجدداً بين الأطراف المتنازعة".

ليبيا والانقسام وقصة الـ11 عاماً

لفهم هذه المتغيرات، لا بد أولاً من معرفة أن الانقسام كان ولا يزال رفيق ليبيا منذ نحو 11 عاماً، عرفته البلاد لأول مرة بعد ثلاث سنوات من ثورتها على نظام معمر القذافي، وتحديداً مع أزمة تسليم السلطة بين المؤتمر الوطني العام (أول برلمان منتخب بعد ثورة 17 شباط/ فبراير 2011) ومجلس النواب في آب/أغسطس 2014، وكان من تبعاته تشظي مؤسسات الدولة السيادية، وظهور حكومتين، واحدة في غرب البلاد وأخرى في شرقها. 

الأزمة لا تتوقف عند مجرد انقسام ليبي- ليبي، بل تذهب أبعد من ذلك إلى انقسام دولي حول ليبيا، وهذا الانقسام المزدوج جعل الجمود هو سيد الموقف، إلا في حال ظهور متغيرات قد تدفع إلى إعادة ترتيب القوى في غرب البلاد، وإعادة التفاوض مجدداً بين الأطراف المتنازعة 

وفي محاولة مبكرة لتلافي تبعات هذه الانقسام وقّعت الأطراف المتصارعة بعد جولات حوار ماراثونية برعاية أممية، على الاتفاق السياسي الذي عرف بـ"اتفاق الصخيرات" في المغرب في كانون الأول/ديسمبر 2015. لكن الفشل كان مصير هذه المحاولة بسبب عدم استطاعة المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني المتفق عليهما، الحكم خارج العاصمة طرابلس، لتستمر الحكومة الموازية في الشرق وكذلك المصرف المركزي ومؤسسة النفط، وفوق ذلك بقى انقسام المؤسسة العسكرية والأمنية على حاله.

عسكرياً، تسيطر قوات قوات "القيادة العامة" للجيش بقيادة المشير خليفة حفتر الداعمة لحكومة الشرق ومجلس النواب، على المنطقة الشرقية الحدودية مع مصر، والجزء الأكبر من المنطقة الجنوبية المتاخمة لتشاد والسودان، وتسعى إلى التمدد في الجنوب الغربي، فيما تبدأ سيطرة القوات الموالية لحكومة طرابلس من المنطقة الوسطى بعد سرت وتمتد حتى الغرب الليبي والجنوب الغربي، وفق ما يشرح الخبير العسكري عادل عبدالكافي لرصيف22.

بعد فشل محاولة قوات "القيادة العامة" السيطرة على العاصمة طرابلس في 2019، جمعت الأمم المتحدة ممثلي مجلسي النواب والأعلى للدولة (المؤتمر الوطني العام سابقاً)، في ملتقى حواري في جنيف عام 2020، أفضى إلى تشكيل سلطة تنفيذية جديدة (حكومة الوحدة الوطنية) برئاسة عبدالحميد الدبيبة ومجلس رئاسي بقيادة محمد المنفي. وإثر ذلك اختفت الحكومة الموازية في الشرق لأشهر ثم عادت بعد تعذر إجراء الانتخابات نهاية 2021 حسب الاتفاق، لتعود البلاد من جديد إلى المربع صفر، أي حالة الجمود.

ويعتبر المحلل السياسي الليبي والمتحدث السابق باسم المجلس الأعلى للدولة، السنوسي إسماعيل، في حديثه لرصيف22، أن حالة الجمود السياسي هذه "لا تزال حتى الآن تؤخر التغيير اللازم لتشكيل حكومة موحدة تقود البلاد نحو الاستقرار الدستوري الدائم".

ماذا تفعل قوات حفتر في الجنوب الغربي؟

بشكل مفاجئ، أعلنت رئاسة أركان القوات البرية التابعة لقوات "القيادة العامة" في 8 آب/أغسطس الجاري، التحرك إلى الجنوب الغربي؛ ما استدعى استنفاراً أمنياً في المنطقة الغربية لـ"صد أي هجوم محتمل"؛ وسط مخاوف من تكرار سيناريو الهجوم على العاصمة في 2019.

وفي محاولة لتهدئة التوتر، عادت رئاسة الأركان وأوضحت أن تحرك وحداتها نحو الجنوب الغربي للبلاد يأتي ضمن "خطة شاملة لتأمين الحدود وتعزيز الأمن القومي، وأنه "لا يستهدف أحداً".

وعلى عكس ذلك يذهب عبد الكافي الذي عمل سابقاً مستشاراً عسكرياً واستراتيجياً للقائد الأعلى للجيش، إلى أن هذه التحرك جرى بـ"إيعاز روسي" لتحقيق عدة أهداف. 

بشكل مفاجئ، أعلنت رئاسة أركان القوات البرية التحرك إلى الجنوب الغربي؛ ما استدعى استنفاراً أمنياً  وسط مخاوف من تكرار سيناريو الهجوم على العاصمة في 2019.

أولها "السيطرة على الشريط الحدودي للجنوب الغربي والشمال الغربي الذي يتواجد به حوض غدامس الذي يحتوي على 13 تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز لإضافتها إلى باقي الحقول المسيطر عليها فى الجنوب الشرقي"، وفق عبدالكافي، الذي يضيف شارحاً: "هذا التحرك يخدم أهداف الروس بالاستحواذ على أكبر رقعة جغرافية بها أغلب حقول النفط والغاز؛ أملاً في الوصول للعاصمة في مرحلة ما".

وحسب الخبير العسكري، فإن هذا التحرك يتيح كذلك لـ"قوات القيادة العامة السيطرة على الشريط الحدودي مع الجزائر والنيجر؛ وبالتالي تأمين ممرات آمنة يستخدمها الروس في نقل عناصر مرتزقتهم من الفيلق الأفريقي ومعداتهم وأسلحتهم بين مناطق نفوذهم في ليبيا والنيجر وتشاد والسودان".

صراع الأضداد… لمن الغلبة؟

وبالتزامن مع تحرك قوات "القيادة العامة" في الجنوب الغربي، صوّب مجلس النواب سهامه ضد حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إذ صوّت في جلسة رسمية في 13 آب/أغسطس الجاري، على إنهاء ولايتها، واعتبر الحكومة المكلفة منه برئاسة أسامة حماد هي الشرعية حتى اختيار حكومة موحدة.

وامتدت سهام البرلمان إلى المجلس الرئاسي إذ سحب منه صفة القائد الأعلى للجيش ومنحها إلى رئيسه عقيلة صالح. وبينما اعتبر التهامي أن خطوة مجلس النواب تعني "تصفيراً تاماً للصراع، واستعادة للقدرة على إعادة التفاوض"، يذهب رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة درنة، يوسف الفارسي، في حديثه لرصيف22، إلى أن قرارات مجلس النواب ستبقى "غير مفعلة ولن يلتزم بها" لا المجلس الرئاسي أو حكومة الوحدة في ضوء الانقسام السياسي في البلاد.

وبالفعل سارع الدبيبة للدفاع عن شرعية حكومته وفقاً للاتفاق السياسي، واعتبر قرارات مجلس النواب "لا تغير من الواقع شيئاً"، في ضوء صدورها من "طرف سياسي يصارع للتمديد لأطول فترة ممكنة". فيما نقل المجلس الرئاسي صراعه مع البرلمان إلى مربع المصرف المركزي بقراره استبدال محافظ المصرف، الصديق الكبير، وهو ما رفضه البرلمان متمسكاً ببقاء الأخير.

وعند هذه النقطة يرى الفارسي وهو أيضاً رئيس حزب "ليبيا الكرامة"، أن دعم البرلمان للكبير رغم سحب الثقة منه سابقاً يعود لـ"مقتضيات المصلحة العامة"، معتبراً أن ما وصفه بـ"الحرب على الكبير" تأتي في ضوء عمله على "تجفيف منابع الدعم للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية" في محاولة لترشيد الإنفاق، خاصة مع مواجهة البلاد "تحديات مالية صعبة" مثل ارتفاع سعر الدولار، ونقص السيولة، وارتفاع أسعار السلع.

وانضم مجلس الدولة هو الآخر إلى قائمة الأجسام السياسية المتصارعة، إذ فجر خلاف حول قانونية ورقة تصويت أزمة داخلية تعصف باستقرار المجلس وتهدد بنسفه من الداخل. فبينما كانت تجرى انتخابات مكتب رئاسة المجلس ثارت حالة من الجدل خلال جولة الإعادة بين رئيس المجلس الحالي، محمد تكالة، والسابق، خالد المشري الذي شهدت نهاية ولايته تقارباً مع مجلس النواب، إذ أُعلن حصول الأول على 68 صوتاً مقابل 69 صوتًا للثاني، ثم دار نقاش حول قانونية تصويت أحد الأعضاء بعد كتابة اسم تكالة في غير المكان المخصص. 

بالتزامن مع تحرك قوات "القيادة العامة" صوّت مجلس النواب على إنهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية، واعتبر الحكومة المكلفة منه برئاسة أسامة حماد هي الشرعية حتى اختيار حكومة موحدة. لكن الدبيبة دافع عن شرعية حكومته معتبراً قرارات مجلس النواب "لا تغير من الواقع شيئاً" 

وبينما تمسك فريق تكالة بصحة تصويت العضو، وبالتالي دعا إلى إعادة الانتخابات، أعلن معسكر المشري فوزه في الاستحقاق، ما أدخل المجلس في دوامة تهدد بتدشين الانقسام فيه.

ويرى المتحدث السابق باسم مجلس الدولة أن كل هذه التحركات السياسية والعسكرية "المتزامنة" اتخذت منحنى تصعيدياً بتبادل القرارات الأحادية، معتبرًا أن كل ذلك "يخالف" الإعلان الدستوري وتعديلاته وملحقاته، والاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية الذي يمثل مرجعية المرحلة الانتقالية.

وينتقد إسماعيل ما أسماه "إهمال الأمم المتحدة لواجباتها في مساندة الليبيين للتوافق على عملية سياسية تفضي إلى انتخابات تجدد الشرعية التي تآكلت عبر السنوات الصعبة التي مرت بالبلاد".

من الجمود إلى "الغليان".. لماذا الآن؟

منذ تعذر إجراء الانتخابات في 2021، عرفت ليبيا مرحلة من الجمود دفعت المبعوث الأممي السابق، عبدالله باتيلي، إلى تقديم استقالته بعدما فشل في حلحلتها، وبدا خلالها وكأن كل طرف قانع بما لديه في انتظار ظرف ما مناسب لاتخاذ خطوته.

وقد تحقق هذا الظرف الآن، وفقاً للتهامي، الذي يقول: "تعتقد الأطراف المختلفة أن الولايات المتحدة منشغلة بانتخاباتها، ومن ثم لن تهتم لما يحدث في ليبيا"، ويضيف إلى ذلك "انفجار الصراع القطري (تدعم معسكر الغرب) الإماراتي (تدعم معسكر الشرق)، متوقعاً أن تؤدي كل هذه المتغيرات إلى "إعادة ترتيب القوى في غرب البلاد إعادة التفاوض" بتفاهمات مصرية تركية.

أما عن كيفية ترتيب هذه القوى، فيقول الكاتب الليبي: "كل الاحتمالات مفتوحة، بما في ذلك حروب صغيرة متنقلة تعيد توزيع الميليشيات ومناطق نفوذها: مثلاً ثمة رغبة جامحة عند عدة أطراف في التخلص من الردع التي تتولى حراسة الكبير والمصرف المركزي"، لكنه يرى أن "أي اشتباك سيجرى حله وفقاً لنظرية لا خاسر ولا منتصر كما جرت العادة".

اتفاق سياسي أم حرب جديدة؟

ولتفسير المخاوف المتكررة من انزلاق ليبيا إلى الاقتتال، يقول إسماعيل إن المسار العسكري كأحد مسارات الحل الشامل في البلاد أصابه الجمود مثل المسار السياسي، ومن ثم انخفض سقف الآمال من المسارعة في توحيد المؤسسة العسكرية إلى مجرد الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار الذي أفرزه اتفاق جنيف. 

ينتقد بعض السياسيين ما أسموه "إهمال الأمم المتحدة لواجباتها في مساندة الليبيين للتوافق على عملية سياسية تفضي إلى انتخابات تجدد الشرعية". 

والمشكلة حسب المتحدث السابق باسم مجلس الدولة، أن هذا الاتفاق "أنتج حالة من الاستقرار الهش" المعتمد على "التوازنات الدولية"، مع استمرار فقدان الثقة المتبادلة بين الأطراف المتصارعة، لذلك فأي تحركات أو تحشيدات عسكرية يصاحبها حالة الخوف من اندلاع الاحتراب مجدداً.

ومع ذلك يرى إسماعيل أن "جهود التهدئة قد تنجح بشكل مؤقت في الحفاظ على حالة الاستقرار الحالية"، ويذهب أبعد من ذلك باعتقاده في إمكانية "تحقيق تقدم إذ لمست الأطراف الليبية جدية من المجتمع الدولي وبالأخص مصر وتركيا في اتجاه تحريك الجمود السياسي والذهاب إلى تشكيل حكومة موحدة، وتحديد موعد انتخابات رئاسية وبرلمانية".

وبينما يتوقع الفارسي أن هذه التحركات السياسية والعسكرية التي "أربكت المشهد" في ليبيا ستفضي إلى "اتفاق سياسي جديد" مبني على رغبة دولية في "حل حاسم" للملف الليبي. يذهب عبدالكافي إلى أن عودة الاقتتال في ليبيا مرهونة بـ"تلقي معسكر الشرق الضوء الأخضر من روسيا بالتحرك وإشعال الصراع، في ضوء تمركز روسي واسع في الأراضي الليبية، فى قاعدة الجفرة والويغ وبراك الشاطئ وتمنهت في سبها والخروبة جنوب بنغازي، وامتلاكهم طائرات ميغ 29 وسوخوي 24، ومنظومات بانتسير للدفاع الجوي رغم الوجود العسكري التركي الذي أحدث تفاهماً على تحديد مناطق عازلة ما بين القوات في سرت".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image