شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل يسير غالانت على خطى

هل يسير غالانت على خطى "مرشده" شارون ويكرّر سيناريو احتلال بيروت؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأحد 13 أكتوبر 202402:08 م

لا يغيب احتلال بيروت عن بنك أهداف عدوان "سهام الشمال"، الذي انطلق بمحاولة الفرقة 146 التقدم نحو الجنوب اللبناني في 19 أيلول/ سبتمبر 2024. وبرغم اقتصار أهداف العدوان، وفقاً لبيان الجيش الإسرائيلي، على "عمليات بريَّة محدودة ضد بنى تحتية لحزب الله في قطاع جنوب لبنان الغربي"، استهدفت المقاتلات الإسرائيلية غير مرة عمق العاصمة بيروت. ولم يحدد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت سقف أهدافه في لبنان بشكل عام، ولا حتى نواياه غير المعلنة إزاء العاصمة بيروت على وجه الخصوص، خلال اتصاله هاتفياً قبل العدوان بوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن.

وبين المعلن إسرائيلياً ونقيضه، لا يمكن استبعاد فرضيات عن العدوان والقائمين عليه، لا سيما عند القياس على سوابق الماضي، التي أخفت (حتى عن فيالق الجيش الإسرائيلي ووزراء الحكومة) خلال ما يُعرف بـ"حرب لبنان الأولى" 6 حزيران/ يونيو 1982، إدراج احتلال بيروت ضمن بنك أهداف وزير الدفاع حينها آرييل شارون، والانفتاح من لبنان على "شرق أوسط جديد" بمنظوره.

وفي كتابهما "حرب الأغبياء"، رسَّخ الكاتبان الإسرائيليان زئيف شيف وإيهود يعري للفرق الشاسع بين المعلن ونقيضه في نوايا إسرائيل حينئذ حيال بيروت، وأشارا إلى أن وزير الدفاع شارون، ورئيس أركان جيشه رفائيل إيتان، اكتفيا خلال اجتماع الحكومة في 5 حزيران/ يونيو 1982 بتحديد أهداف العملية العسكرية، واقتصارها (وفق المعلن) على التوغل بمسافة 40 كيلو متر فقط في جنوب لبنان. أما الهدف، فكان عزل مستوطنات الشمال الإسرائيلي عن مرمى نيران عناصر منظمة التحرير الفلسطينية.

اتساع الهوَّة بين المعلن ونقيضه خلال 1982

"لم يعلن شارون حتى ولو بالتلميح أمام وزراء الحكومة احتمالات مؤكدة لتقدم الجيش الإسرائيلي إلى ما هو أبعد من نطاق 40 كيلومتراً، ولم يتطرق نهائياً إلى خطته غير المعلنة، المعروفة بـ"الصنوبر"، والتي نصَّت على احتلال العاصمة اللبنانية بيروت، والارتباط إسرائيلياً بعناصر الكتائب المسيحية هناك. الشخص الوحيد في حكومة مناحيم بيغن الذي تحسَّب من نوايا شارون حينئذ، لم يكن غير وزير الاتصالات مردخاي تسيبوري، خاصة وهو الوزير الوحيد الذي يتمتع إلى جانب شارون بخبرة عسكرية واسعة. وقال تسيبوري خلال الاجتماع الوزاري: "عبارة "سنلاحق الإرهابيين حتى مسافة 40 كيلومتراً"، مطَّاطية للغاية، وطلب تحديد الخطوط المقرر وصول القوات الإسرائيلية إليها في جنوب لبنان"، بحسب الكاتبين الإسرائيليين.  

في حرب 1982 اكتفى شارون ورئيس أركان جيشه خلال اجتماع الحكومة بتحديد أهداف العملية العسكرية على التوغل بمسافة 40 كيلو متر فقط في جنوب لبنان. أما الهدف الحقيقي فكان عزل مستوطنات الشمال الإسرائيلي عن مرمى نيران عناصر منظمة التحرير الفلسطينية 

وتتسع أكثر الهوَّة بين المعلن ونقيضه إسرائيلياً خلال عدوان 1982 عند مطالعة وثائق الأرشيف الإسرائيلي، التي أزيح عنها الستار في 15 حزيران/ يونيو 2015، إذ يتعارض مضمونها تماماً مع الأهداف المعلنة حينئذ لحرب "سلام الجليل"، لا سيما في ظل اجتياح العاصمة بيروت واحتلالها تقريباً بعد حوالي أسبوع من غزو الجنوب اللبناني.

وأثبتت وثيقة تعود إلى نيسان/ أبريل 1982، أي قبل شهرين تقريباً من العدوان، إدراج احتلال بيروت على بنك الأهداف الإسرائيلي، بعد أربعة أيام من بدء الحرب؛ وخلال هذه الأيام ينفرد الجيش الإسرائيلي، وفقاً للوثيقة، "بتدمير البنى التحتية حتى نهر الأولى، والحاصباني(...). وخلال 69 ساعة تخضع بيروت كاملة لعملية احتلال، بعدها يتم ضم الكتائب المسيحية للجيش الإسرائيلي، ثم الشروع في تدمير تمركزات الجيش السوري في البقاع".

وإلى جانب الوثائق التي نشرها موقع "والّا"، يوضح العقيد احتياط، باحث التاريخ العسكري الإسرائيلي، يهودا وجمان أن "حرب لبنان الأولى انطوت على أهداف معلنة وأخرى سريَّة". وبحسبه: "حين يصبح شارون وزيراً للدفاع، ورفائيل إيتان رئيساً للأركان، ومناحيم بيغن رئيساً للوزراء، لا يمكن انتزاع تجاوزات شارون وتطلعاته عن الواقع الميداني، خاصة أن الوضع حينها يغاير نظيره عام 1967، عندما كان ليفي أشكول رئيساً للحكومة، وعمد إلى كبح جماح القوى المارقة في رئاسة الأركان وعلى رأسها شارون".

صياغة "شرق أوسط جديد" من بيروت

بحسب ما نقله الموقع العبري عن الباحث العسكري الإسرائيلي، لم تكتف حكومة بيغن بعد تعيين شارون وزيراً للدفاع بطرد عناصر منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وربما من بيروت أيضاً، بل امتدت أهداف الحرب إلى خلق واقع استراتيجي جديد، يفرض على اللبنانيين بعد المصريين توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل. ويضيف يهودا وجمان: "من لبنان، سعى شارون لصياغة "شرق أوسط جديد" عبر نسخة ممهورة بتوقيعه، استدعي تمريرها تحقيق تعاون بين تل أبيب وبيروت من خلال حكومة لبنانية جديدة، ترتبط مصالح رئيسها بمحو السلطة الفلسطينية، وكان من المفترض طرد القوى العاملة ضد الفكرة من لبنان، لا سيما السوريين". 

السوابق الإسرائيلية في الماضي تثبت أن هناك مسافة شاسعة دائماً بين ما "يعلنه" الجيش الإسرائيلي من أهداف وبين ما "يفعله" على الأرض. 

"افترض شارون حينها أن رؤيته الاستراتيجية بعيدة المدى في لبنان قد تواجه معارضة داخل الحكومة والجيش، خاصة عند النظر إلى ثمن الدماء التي تراق من أجل تمرير الاستراتيجية، ما دعاه إلى الاكتفاء بتلميحات غامضة، وكبح جماح أعضاء الحكومة الرافضة لتطلعاته. أما الأداة الرئيسية التي استخدمها للالتفاف على الحكومة، فكانت وقف تسريب المعلومات من الجيش وإليه، وعندما تولى حقيبة الدفاع، أصبح همزة الوصل الوحيدة بين الجيش والحكومة. كان الأمر سهلاً لكي يتحكم حصرياً في المعلومات المسرَّبة، وينفرد بالتلاعب بالجيش والحكومة معاً، وفقاً لاحتياجاته وتحقيق خطته"، يقول الباحث الإسرائيلي.

وإذا كانت لشارون أسبابه العسكرية والسياسية غير المعلنة من عدوان 6 حزيران/ يونيو 1982، انزوى رئيس الحكومة مناحيم بيغن هو الآخر بأسبابه الأحادية ذات صلة. وقبل عام تقريباً من اندلاع الحرب، تعرَّض الجليل الأعلى لهجوم بنيران هائلة، بلغت 1200 قذيفة وصاروخ. أسفر الهجوم عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 59 آخرين، ونزوح أكثرية مستوطني "كريات شمونة" والمنطقة المحيطة بها، كما تمركزت عناصر منظمة فتح في الجنوب اللبناني. بيغن أطلق على العدوان اسم "سلام الجليل"، لكن أهدافه غير المعلنة انطوت على أبعاد ربما تتجاوز الجبهة اللبنانية ذاتها.

فرصة وفاة السادات وأهداف حرب لبنان الأولى

وفقاً للكاتب الإسرائيلي أمير أورون، اعتبر بيغن وفاة الرئيس المصري أنور السادات فرصة سانحة لضم هضبة الجولان، لكنه لم يقصد بذلك خطوة الضم فقط، بل أضاف إليها قرار الحرب على لبنان، بداعي الرد على قصف الجليل الأعلى. تفصيلاً، أضاف أورون في تقريره المنشور في صحيفة "هاآرتس": "عندما اغتيل أنور السادات، في الذكرى الثامنة لحرب 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، سارع مناحيم بيغن إلى ضم هضبة الجولان، على أمل دفع حسني مبارك (خليفة السادات) إلى تجميد معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، وبالتالي إعطاء بيغن سبباً لإلغاء الإجراءات المتفق عليها مع القاهرة لإخلاء مستوطنة "ياميت" وغيرها في شرم الشيخ. في إطار هذا السيناريو، ترد سوريا بعنف على عملية الضم، ورداً على رد فعلها، تشرع القيادة الشمالية الإسرائيلية في حملة عسكرية تشمل أيضاً غزو لبنان، لإحراز هدف ثلاثي الأبعاد: تدمير قوة منظمة التحرير الفلسطينية، والقضاء على الجيش السوري، والوصول إلى بيروت لمساعدة الشخصية المفضلة إسرائيلياً بشير الجميل، وانتخابه رئيساً للبنان".

ربما لا يختلف اليوم عن البارحة، لا سيما في ظل القواسم المشتركة بين أركان المعادلة الإسرائيلية، إذ يعد وزير الدفاع يوآف غالنت، وفق مراقبين في تل أبيب، نسخة طبق الأصل من أرئيل شارون؛ فإلى جانب كونه أكثر المحرضين على عملية عسكرية في الجنوب اللبناني بعد غزة، وتأكيده قبل عدوان لبنان على أن "الدبابة التي تغادر رفح، يمكنها الوصول حتى نهر الليطاني"، فضلاً عن إبقاء نتنياهو عليه بعد أنباء عن قرب قرار إقالته، وتعيين جدعون ساعر خلفاً له؛ تشي سيرته الذاتية بتلاقي أيدلوجياته العسكرية مع شارون، لا سيما وأنه كان سكرتيره العسكري في ديوان رئاسة الوزراء. 

وفقاً للكاتب الإسرائيلي أمير أورون، اعتبر بيغن وفاة الرئيس المصري أنور السادات فرصة سانحة لضم هضبة الجولان، لكنه لم يقصد بذلك خطوة الضم فقط، بل أضاف إليها قرار الحرب على لبنان، بداعي الرد على قصف الجليل الأعلى

إلى ذلك، بدأ يوآف غالانت عملياته الميدانية الجنوب اللبناني في 19 أيلول/ سبتمبر 2024، ولم تبعد عن عينيه خطة شارون منذ عدوان 1982، الرامية إلى خلق "شرق أوسط جديد" من بيروت؛ فإذا كان شارون قد نجح عبر عدوان 1982 في طرد منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها ياسر عرفات من لبنان بعد تضييق الخناق على العاصمة اللبنانية، فـ"خليفة شارون" نجح هو الآخر بأدوات عملية "سهام الشمال" التكنولوجية في إضعاف حزب الله، واغتيال صفوفه الأولى وفي طليعتها أمينه العام حسن نصر الله، وفتح الطريق أمام ما هو أبعد بنظرهم.

تعارض الممارسات مع تطلعات التقارب والتطبيع

برغم ذلك، تتعارض الممارسات الإسرائيلية على أرض الواقع مع تطلعات السلام مع لبنان، بل إنها تفرض خطورة على الاتفاقات القائمة فعلياً؛ فالمجتمع الدولي، بحسب الكاتب الإسرائيلي تسيفي بارئيل، سأم انتظار اليوم التالي للحرب في لبنان أو في قطاع غزة، واعترفت بعض الدول بالدولة الفلسطينية، ولا تمتلك حكومة إسرائيل إزاء كل ذلك سوى تصريحات جوفاء. 

بدأ غالانت عملياته الميدانية في الجنوب اللبناني في 2024 ولم تبعد عن عينيه خطة شارون منذ عدوان 1982، الرامية إلى خلق "شرق أوسط جديد" من بيروت

من بين التصريحات الجوفاء التي ألمح إليها تسيفي بارئيل، كلمة نتنياهو المصورة، التي حاول من خلالها مخاطبة اللبنانيين، وقال فيها: "هل تتذكرون الأيام التي أطلقوا فيها على لبنان "لؤلؤة الشرق الأوسط"؟ أذكر ذلك، ولكن ماذا حدث للبنان؟ لقد دمرته حفنة من القيادات الديكتاتورية والمخربين. هذا ما جرى. كان لبنان معروفاً فيما مضى بتسامحه وجماله، لكنه أصبح اليوم ساحة للفوضى والحرب".

وفيما وُصف بمحاولة بائسة لدغدغة مشاعر اللبنانيين، رغم استمرار الغارات الإسرائيلية الكثيفة على الجنوب اللبناني وبيروت، ونزوح وتشريد آلاف المواطنين بعد تدمير ممنهج للمنازل والبنى التحتية، واصل نتنياهو خطابه الدعائي: "مسيحيون ودروز، ومسلمون، سنة وشيعة على حد سواء، جميعكم تعانون بسبب حرب حزب الله العبثية على إسرائيل. اليوم أسأل كل أم وأب في لبنان سؤالاً بسيطاً: هل يستحق الأمر ذلك؟ أعلم أنكم تريدون مستقبلاً أفضل لأطفالكم. لذلك، أتحدث اليوم إليكم جميعا. هناك طريقة أفضل - أفضل لأطفالكم، ومدنكم، وقراكم، وبلدكم. أنتم تستحقون إعادة لبنان إلى أيام السلام. أنتم تستحقون لبنان مختلفاً. دولة واحدة. علم واحد. شعب واحد".

محاولات تمرير السيناريو الإسرائيلي (القديم – الجديد)، فرضت سؤالاً على دوائر صنع القرار في تل أبيب: هل هناك فرصة لتسوية بين لبنان وإسرائيل في الوقت الراهن؟ تجيب الباحثة الإسرائيلية أورنا مزراحي على السؤال، مشيرة إلى أن التوصل إلى اتفاق بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود المائية، أفضى بلا شك إلى تحول استراتيجي لصالح العلاقات بين الجانبين، لا سيما بعد ضعف حزب الله على أقل تقدير.

التقديرات الإسرائيلية السياسية والمعلنة تحديداً، تخفي الكثير للبنان. التجربة في غزة واضحة. نتنياهو وحكومته يقولون شيئاً ويفعلون نقيضه. أما الآتي في المقبل من الأيام والأسابيع، قد يكون تكرار تجارب ماضية من محاولات فرض واقع جديد بقّوة النار. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image