شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هكذا

هكذا "تسرقك الحرب من نفسِك"… روايات عربية صوّرت الحربَ بشكل مختلف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"الحرب تسرقك من نفسك دائماً". إرنست هيمنغواي

الحرب ظاهرة إنسانية مدمرة، ليس لأنها صنيعة جيوش متناحرة، بل لكونها كثيراً ما تتجاوز ذلك، لتصبح تجربة نفسية ووجودية تترك أثرها العميق في نفوس البشر، فمع كل حرب، تُنسج خيوط المعاناة في قلوب الأفراد والمجتمعات، لتستمر عقوداً وعقوداً، بل قد تنتقل من جيل إلى جيل حتى بعد انتهاء الحرب. وهنا يظهر دور الأدب كمتنفس للأرواح المعذبة وملاذاً يسمح للحقيقة بالتشكل على نحو مختلف عن ذلك الذي يرسم في كتب التاريخ، فهذه لا تعبأ بالألم المستمر عبر الزمن، بل بما حدث وانتهى، تماماً كما لا يعبأ بالنفس البشرية ولا حتى بالبحث عن معنى وسط الفوضى، رافضاً بشراسةٍ تأملاً إنسانياً قديماً، أحسن التعبير عنه جان بول سارتر حين قال إن "الحرب لا تصنع الأبطال، بل الضحايا فقط".

ولأن العالم العربي يبدو أنه ساحة حرب أزلية، نستعرض عدداً من الروايات العربية التي تناولت الحروب، حيث يحاول الكتّاب عبر أعمالهم أن يعكسوا تجارب الإنسان في مواجهة الدمار، الفقدان والأمل المفقود. أعمال لم تكتف بتوثيق الحرب كحدث تاريخي، بل تجاوزته لتصبح مرآة للتأمل في النفس الإنسانية.

"رجال في الشمس" لغسان كنفاني... رحلة البحث عن الخلاص المحفوفة بالمخاطر

يصوّر غسان كنفاني في روايته "رجال في الشمس" مأساة الفلسطينيين الذين هُجروا بعد النكبة، حيث يتتبع حياة ثلاثة رجال فلسطينيين يحاولون الهروب إلى الكويت تحت شمس الصحراء الحارقة، بحثاً عن حياة أفضل.

هذه الروايات لم ترو قصصاً عابرة، بل قدمت لنا مرآة تعكس تجارب الشعوب العربية مع الصراع والدمار، من خلال سرديات إنسانية عميقة، استطاع فيها الروائيون تحويل الألم إلى أدب

ينتهي المطاف بهؤلاء الهاربين في مشهد مأساوي داخل خزان شاحنة مغلق، مشيراً بذلك إلى غياب الأمل والإمكانات في واقع اللجوء، لكن الذي جعل هذه الرواية عملاً استثنائياً ليس فقط سردها لمأساة فلسطينية، بل كونها تحذيراً أدبياً من الاستسلام للأوهام، والبحث عن الخلاص بطرق محفوفة بالمخاطر، فكنفاني في هذا العمل يوجه صرخة في وجه الصمت العربي إزاء قضية فلسطين، حيث يبرز الفقدان والهجرة القسرية كجرح مفتوح في الذاكرة العربية.

غلاف رواية "رجال في الشمس"

ولعلّ أكثر ما يلفت الانتباه في "رجال في الشمس" هو الصمت الذي تميز به مشهد النهاية، حيث لم يطرق الرجال جدران الخزان، وكأن كنفاني يسأل: لماذا لم يدقوا؟ هذا الصمت يرمز إلى حالة اليأس والاستسلام التي تهيمن على اللاجئين، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بين قسوة الواقع وعجز المجتمع الدولي عن تقديم أي حلول جذرية.

يجعل كنفاني من هذا الصمت رسالةً مُبطنة تدعونا للتفكير في مسؤولية الجميع إزاء هذا المصير المأساوي، سواءً على المستوى السياسي أو الإنساني. الرواية بذلك تتجاوز كونها توثيقاً لمعاناة الفلسطينيين لتصبح نقداً للا مبالاة التي تحيط بمأساتهم.

"الحرب في برّ مصر" ليوسف القعيد... نقد للظلم الاجتماعي والطبقية في الحرب

أما يوسف القعيد في روايته "الحرب في بر مصر"، فيأخذنا إلى الحرب المصرية ضد إسرائيل عام 1973، لكن تركيزه لا ينصب فقط على الصراع العسكري، بل يغوص في توترات المجتمع المصري. من خلال قصة شاب فقير يشارك في الحرب نيابة عن ابن عمدة قريته، يكشف القعيد الفساد والتفاوت الطبقي الذي استغل الحرب لتحقيق مكاسب شخصية. هنا تظهر الحرب ليس فقط كصراع بين جيوش، بل كساحة لتعزيز الظلم الاجتماعي، حيث تتحول معاناة الأفراد إلى لعبة في يد أصحاب السلطة.

غلاف رواية "الحرب في بر مصر"

تعمُّق الرواية في تحليل الفوارق الطبقية يبرز أن الحروب، على رغم ما تحمله من بطولات وطنية، قد تصبح أداة بأيدي النخب المتنفذة لتحقيق مصالحهم على حساب الفقراء والمهمشين.

القعيد يرسم صورة قاتمة للوضع الاجتماعي في الريف المصري، حيث تُستغل الحرب كوسيلة للهروب من المسؤولية، ويتضح ذلك من خلال تقديم البطل الفقير كأضحية يُزجّ بها في معركة ليست معركته.

هذا النقد اللاذع لم يقتصر فقط على فئة معينة، بل يكشف عن فساد بنيوي أعمق داخل المجتمع المصري، حيث تتداخل السلطة والنفوذ مع الحرب لتكريس نظام طبقي غير عادل. بهذا، يحول القعيدُ الحربَ إلى رمزية للصراع الدائم بين الطبقات، ويضع القارئ أمام تساؤلات حول العدالة الاجتماعية ودور الفرد في المجتمع.

"الطنطورية" لرضوى عاشور... ذاكرة فلسطينية لا تموت

"الطنطورية" لرضوى عاشور تروي قصة نكبة 1948 من خلال عيون رُقيّة، الفتاة الفلسطينية التي تعايش الألم والفقدان منذ طفولتها. الرواية ليست مجرد سرد تاريخي، بل تأمل عميق في تأثير الحروب على الهوية والعائلة الفلسطينية.

جمعت عاشور في هذه الرواية بين السرد الروائي والتاريخي ببراعة، لتقدم شهادة حيّة على نضال الفلسطينيين المستمر، وتستحضر مشاعر الصمود والأمل على رغم الحزن، فهي تؤمن جازمة بأن "الحروب ليست النهاية، بل هي لحظة في حياة شعب يتوق للعودة"، لتبرز عاشور من خلال هذه الرؤية أن الأمل يمكن أن ينبعث حتى في أحلكِ اللحظات.

غلاف رواية "الطنطورية"

وإلى جانب تصوير معاناة الفرد، تُسلط الرواية الضوء على التشتت والضياع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني ككلّ. عاشور تُظهر كيف تُشكّل الذاكرة الجماعية لشعب مُهجّر، حيث تتحول حياة رُقيّة من مجرد قصة شخصية إلى رمزية للفقدان الجماعي.

استخدام عاشور للحوار بين الأجيال داخل الرواية يعكس أهمية نقل الذاكرة من جيل لآخر، ليظلّ حلم العودة حياً في قلوب الفلسطينيين. هذا الانتقال الزمني بين ماضي النكبة وحاضر الشتات يضفي بعداً فلسفياً على الرواية، مؤكداً أن الحروب لا تدمّر الأرض فقط، بل تُعيد تشكيل الهوية والذاكرة. وهكذا، تستمر "الطنطورية" كصوت مقاومة لا يُخمد، يعبر عن إرادة شعب لم يستسلم على رغم كلّ ما مرّ به من آلام.

"ريح الجنوب" لعبد الحميد بن هدوقة... الحب والصمود في مواجهة الاحتلال

في رواية "ريح الجنوب" يأخذنا الكاتب الجزائري عبد الحميد بن هدوقة إلى قلب الصراع الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، حيث تتداخل المعاناة الإنسانية مع المقاومة. عبر شخصيات قروية بسيطة، يعبر بن هدوقة عن الألم الذي يعيشه الجزائريون تحت وطأة الاستعمار. الرواية تجمع بين صراعات الحب والصمود، مما يجعل القارئ يتفاعل عاطفياً مع الشخصيات التي تجسد معاناةَ مجتمعٍ بأسرِه.

ما يميز رواية "ريح الجنوب" هو قدرتها على تصوير الحياة اليومية في ظل الاستعمار، حيث تتنوع التحديات التي تواجه الشخصيات بين القهر السياسي والاستغلال الاقتصادي وحتى القيم الاجتماعية المتغيرة.

غلاف رواية "ريح الجنوب"

بن هدوقة يستعمل البيئة الريفية كمرآة للجزائر بكاملها، حيث يصبح الصراع ليس فقط ضد الاحتلال، بل ضد تقاليد قديمة وسلطات محلية تستغل ضعف المجتمع. يُظهر بن هدوقة في روايته كيف يتحول النضال ضد الاستعمار إلى تجربة شخصية لكلّ فرد في المجتمع، حيث تتداخل المقاومة الفردية مع المقاومة الوطنية. الشخصيات في الرواية تجسد شجاعة الصمود أمام قوة أكبر منها، ولكنها تسعى أيضاً لإعادة تعريف ذاتها في مواجهة التغيير العاصف الذي يجلبه الاحتلال. بهذه الطريقة، يقدم بن هدوقة رؤية معقدة للصراع، ليست فقط سياسية، بل إنسانية واجتماعية بعمقها.

"باب الشمس" لإلياس خوري... الملحمة الأبدية

تُعد رواية "باب الشمس" لإلياس خوري إحدى أعظم الروايات التي تناولت القضية الفلسطينية. من خلال شخصية يونس، الذي يعيش تجربة النضال والمقاومة، تنتقل الرواية بين الماضي والحاضر، لتظهر كيف أن الحرب لم تدمر الأرض فقط، بل الروابط الإنسانية أيضاً. "باب الشمس" ليست مجرد رواية عن الاحتلال، بل ملحمة أدبية تسلط الضوء على حياة الفلسطينيين منذ النكبة وحتى اليوم.

ما يميز "باب الشمس" هو قدرتها على الجمع بين الحكايات الشخصية والجماعية في إطار سردي متشابك ومعقد.

في كل رواية، نجد تساؤلات عميقة حول الهوية والانتماء، تجعل من هذه النصوص أكثر من مجرد قصص عن الحرب، بل صوتاً للأجيال التي عانت وللأجيال التي تأمل في مستقبل أفضل

يمزج خوري بين الأسطورة والتاريخ، بين الحاضر والماضي، ليقدم صورة شاملة عن الشعب الفلسطيني وتاريخه الطويل من النضال. كما أن الرواية تستكشف موضوع الهوية الفلسطينية الممزقة، وكيف أن الحرب والهجرة تتركان أثراً لا يُمحى على ذاكرة الأجيال. من خلال شخصية يونس، الذي يسافر بين القرى والمدن، ينقل خوري مشاعر الحنين والألم، لكن أيضاً الأمل والحب. الرواية ليست فقط عن الخسارة، بل عن الصمود والإصرار على البقاء. بهذا، تصبح "باب الشمس" رمزاً للأمل الفلسطيني الذي لا ينطفئ، وللحياة التي تستمر على رغم كلّ ما يحاول أن يمحوها.

غلاف رواية "باب الشمس"

كل هذه الروايات لم ترو قصصاً عابرة، بل قدمت لنا مرآة تعكس تجارب الشعوب العربية مع الصراع والدمار، من خلال سرديات إنسانية عميقة، استطاع فيها الروائيون تحويل الألم إلى أدب، والدمار إلى نصوص تأملية تكشف كيف تُغيّر الحروب البشر وتعيد تشكيل المجتمعات، فهي أعمال تجاوزت كونها وثائق تاريخية لتصبح تأملات فلسفية تسبر معنى الحياة والموت، والفقدان والأمل.

في كل رواية، نجد تساؤلات عميقة حول الهوية والانتماء، تجعل من هذه النصوص أكثر من مجرد قصص عن الحرب، بل صوتاً للأجيال التي عانت وللأجيال التي تأمل في مستقبل أفضل. وكما يقول ألبير كامو: "في قلب كل حرب، يوجد تمرّد ضد العبث، وتمسّك بالحياة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image