بعد مرور ما يقارب خمس سنوات على آخر مرة أمّ فيها المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، صلاة الجمعة في طهران، حضر خامنئي، يوم أمس، الرابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، ليخطب ثانية أمام حشود كبيرة من مناصريه ومحبيه الذين أتوا من أنحاء طهران وإيران، وكثير من المسؤولين رفيعي المستوى في النظام الإيراني ليحضروا صلاة الجمعة وتأبين أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، في طهران.
هذا في حين أن آخر حضور للمرشد الإيراني الأعلى في صلاة الجمعة يعود إلى شهر كانون الثاني/يناير عام 2020، بعد اغتيال قائد فيلق القدس آنذاك، قاسم سليماني.
جاء حضور خامنئي في صلاة الجمعة هذه المرة في ظروف حساسة وحاسمة، تلت هجوم إيران الصاروخي على إسرائيل قبل أربعة أيام، وقبل ذلك بدء الاعتداء الإسرائيلي على لبنان، واغتيال أهم حليف لإيران في المنطقة، أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، وأيضاً الكثير من قادة هذا الحزب وبعض القادة في الحرس الثوري الإيراني في لبنان وسوريا. فكان لا بد أن تكون هذه الخطبة مهمة جداً للعديد من الجهات من أعوان وأعداء وموافقين ومخالفين للمرشد الإيراني والسياسة الإيرانية في المنطقة.
قبل أداء صلاة الجمعة، يلقي الخطيب أو إمام الجمعة خطبتين أو كلمتين، تحتوي كلّ واحدة منهما على موضوع مستقل، وعادة تكون الأولى ذات محتوى ديني والأخرى سياسية واجتماعية. فتعتبر خطب صلاة الجمعة في إيران، ذات أهمية دينية وسياسية، لا سيما عندما يلقيها القائد، الذي يعتبر هو إمام الجمعة الدائم لطهران، في حين أن هناك خمسة آخرين، يعتبرون أئمة الجمعة بشكل مؤقت أو غير دائم. ويتم تعيين أئمة الجمعة هؤلاء من قبل القائد وبأمر مباشر منه.
تعتبر خطب صلاة الجمعة في إيران، ذات أهمية دينية وسياسية، لا سيما عندما يلقيها القائد، الذي يعتبر هو إمام الجمعة الدائم لطهران، في حين أن هناك خمسة آخرين، يُعتبرون أئمة الجمعة بشكل مؤقت أو غير دائم
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران (1979) حتى اليوم تولى إمامة صلاة الجمعة في طهران أشخاص عدة (ينبغي أن يكونوا من رجال الدين البارزين طبعاً)، منهم الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وأحمد خاتمي، وكاظم صديقي.
ماذا قال خامنئي في خطبة صلاة الجمعة؟
أما يوم أمس فقد جاءت خطبتا المرشد الإيراني كلتاهما ذاتَي طابع سياسي؛ في خطبته الأولى، أشار خامنئي إلى الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران ضد إسرائيل قبل أربعة أيام (الأول من تشرين الأول/أكتوبر) ، قائلاً: "نحن لا نماطل في أداء الواجب، ولا نتسرع. بل ما هو منطقي وعقلاني وصحيح ومناسب لرأي أصحاب القرار السياسيين والعسكريين، يتم القيام به في وقته المناسب، وسوف يتم في المستقبل أيضاً إن لزم الأمر".
وصرح خامنئي خلال هذه الكلمة أن ما فعلته إيران هو "أقلّ جزاء" إزاء ما قام به "الكيان الصهيوني" الذي وصفه بمصاص الدماء والكلب المسعور.
أما خطبة خامنئي الثانية فقد ألقاها باللغة العربية، موجهة إلى متلقين من لبنان وفلسطين خاصة. في هذه الكلمة تطرق خامنئي إلى اغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، واصفاً إياه بالأخ والعزيز، كما أكد على دور إسرائيل في المنطقة، وقتلِها للمدنيين. وأضاف أن "المقاومة في المنطقة لن تتراجع باستشهادِ رجالها"، مشيراً إلى بعض الاغتيالات التي طالت مسؤولين إيرانيين في بدايات الثورة الإسلامية مثل رئيس الوزراء محمد علي رجائي الذي اغتيل في ثمانينيات القرن الماضي إثر حادث انفجار.
منذ متى تولى خامنئي إمامة صلاة الجمعة في طهران؟
كان قائد الثورة الإسلامية الأول ومؤسسها، روح الله الخميني، عين علي خامنئي في بداية عام 1980 إماماً لصلاة الجمعة في طهران، بدلاً من حسين علي منتظري. بعد أربعة أيام على هذا التعيين، أقام خامنئي أول صلاة جمعة إماماً لها، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن قد أمّ خامنئي صلاة جمعة طهران لمئتَي مرة، تعود أكثرها إلى فترة رئاسته (1981 - 1989). أما بعد أن تولى علي خامنئي قيادة البلد، فانحصر حضوره في صلوات الجمعه في أهم المناسبات السياسية والدينية.
لم يشارك قائد الجمهورية الإسلامية في إيران في صلاة الجمعة منذ الثالث من شباط/فبراير عام 2012 إلى 17 كانون الثاني/يناير عام 2020، ولم يُذكر أي سبب رسمي لهذا الغياب الذي طال ثمانية أعوام، إلا أن بعض الترجيحات قدّرت أن السبب هو معاناته من المرض.
أهم الكلمات التي ألقاها خامنئي في صلوات الجمعة خلال العقود الأربعة
خلال الـ45 عاماً الماضية، منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران حتى الآن، كان أهم حادث وقع خلال خطبة خامنئي في صلاة الجمعة هو انفجار قنبلة في 24 آذار/مارس 1985. فبينما كان يتحدث خامنئي عن تأميم النفط في إيران، انفجرت قنبلة عند الساعة 12:29 ظهراً، وأدى الانفجار إلى مقتل 14 شخصاً وإصابة 88 آخرين، لكنه لم يصب بأذى في الحادث. وانتسب الحادث اإلى منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة. وقيل أيضاً إن "عناصر داخلية مناهضة للثورة" كانت مسؤولة عن هذا التفجير.
وفي خطبة صلاة الجمعة تلك، صرح خامنئي، في إشارة إلى هجمات العراق (نظام صدام حسين) على المدن الإيرانية: "سيكون هذا الأسبوع أسبوع الانتقام بالنسبة لنا، والذي سنواصله، بفضل الله، بكل قوة".
وقبل ذلك بأقل من أربع سنوات، تعرض خامنئي لمحاولة اغتيال في انفجار مسجد "أبو ذر" بطهران، في 29 حزيران/يونيو 1981. فعندما كان يلقي كلمة في ذلك المسجد، انفجرت القنبلة في مسجّل الشريط الذي كان موجهاً أمامه، وأصيبت ذراعه وحباله الصوتية ورئته إصابات خطيرة وانقطعت عدد من العروق وعصبات من يده اليمنى، وجراء ذلك أصيبت يده بالشلل التام.
ومن خطب خامنئي الشهيرة، يمكن الإشارة أيضاً إلى خطابه بتاريخ 19حزيران/يونيو 1981، الذي ألقاه خلال صلاة الجمعة في طهران بعد إطاحة أبو الحسن بني صدر، رئيس جمهورية إيران آنذاك. عند ذلك كان خامنئي عضواً في البرلمان، وبعد حوالى ثلاثة أشهر، أي في تشرين الأول/أكتوبر من نفس العام، أصبح رئيساً.
يوم الجمعة الذي صادف 27 حزيران/يونيو 1981، كانت قد أجريت الانتخابات النصفية للبرلمان« وترافقت الانتخابات بحضور واسع النطاق من الشعب الإيراني في مراسم صلاة الجمعة والمظاهرات وهتافات مختلف أطياف الشعب إعلاناً لمخالفتهم لرئيس الجمهور المؤقّت أبو الحسن بني صدر ومنظمة مجاهدي خلق. في ذلك اليوم كان خامنئي إماماً لصلاة الجمعة في طهران وقدّم خلالها تحليلاً حول أداء هذه المنظمة، وقال: "أنا على علم بسوابقهم ونقاط ضعفهم وإنّهم يعلمون بأنّنا نعرف ماهيتهم وأنا أقول لهم بأنّكم فضحتم أنفسكم أمام التاريخ وانحرفتم عما كنتم تدعون به... فأنتم يا مجاهدي خلق تقومون بمواجهة الرجعية، كما تزعمون، على حساب مجابهة الحكومة الإسلامية. الرجعية في منطق الإسلام أم في منطق الماركسية؟ الرجعية في الإسلام تعني الارتداد وإنكم أنتم الرجعيون".
كما ناشد الخامنئي في خطبته الشباب المناصرين للمنظمة ودعاهم إلى التفكير والانتباه والتدقيق في الحقائق وقبول النصائح ممّن يريدون لهم الخير والصلاح، وحذّرهم من السير وراء خُطى قادة المنظمة.
ويعود أول ظهور لعلي خامنئي في صلاة الجمعة كقائد للجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى تموز/يوليو 1989. في اليوم الأربعين بعد وفاة قائد الثورة الإسلامية، روح الله الخميني، حضر خامنئي صلاة الجمعة في طهران وقال: "سنتبع المبادئ الثورية والإسلامية في الإدارة الداخلية للبلاد وفي العلاقات الخارجية، وسنتبع تماماً نفس المسار الذي اتبعه الإمام -الخميني-".
الخطبة الشهيرة الأخرى لعلي خامنئي هي التي تضمنت رد فعله الأول على جرائم القتل المتسلسلة في 18 كانون الثاني/يناير 1998. وبينما أدان جرائم القتل هذه، فقد أيد بشكل كامل أداء وزارة الأمن الإيرانية، وانتقد منتقدي الوزارة، وصرح: "يجب أن تعلموا أن مثل هذه الحالات، على حد علمنا، تحدث في جميع الأجهزة الأمنية في العالم. إذا علمتم مدى تورط منظمة السي آي إيه الأمريكية والموساد الصهيوني والمخابرات البريطانية في جرائم القتل والجرائم والحقد والتفجيرات والاغتيالات والتشويه وإثارة الرعب، ستندهشون حقاً".
جاء حضور خامنئي في ظروف حساسة وحاسمة، تلت هجوم إيران الصاروخي على إسرائيل قبل أربعة أيام، وقبل ذلك بدء الاعتداء الإسرائيلي على لبنان، واغتيال أهم حليف إيران في المنطقة، حسن نصر الله
ظهر علي خامنئي، بعد 28 عاماً من خطابه حول إقالة بني صدر، في 29 حزيران/يونيو 2009، في الأسبوع الذي تلا الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في إيران. فظهر خامنئي عند ذلك في جامعة طهران لإقامة صلاة الجمعة فيها، وخاطب المحتجين على نتائج الانتخابات ومؤيدي "الحركة الخضراء" المحتجة على نتائج الانتخابات قائلاً: "العنف في الشوارع بعد الانتخابات ليس صحيحاً، ويخالف مبدأ الانتخابات ومبدأ الديمقراطية". وتابع: "أريد إنهاء هذه القضية. هذه الطريقة ليست الطريقة الصحيحة. إذا لم ينتهوا، فإن مسؤولية تبعاته -الاحتجاج- وفوضاه سوف تقع عليهم".
في بداية عام 2020 اغتيل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في العراق، ما أثار استغراب ودهشة الكثيرين من محبيه وغيرهم. بعد مرور أسبوعين على تلك الحادثة، في حين كانت قد أجريت مراسم تأبين وتشييع لقاسم سليماني في مختلف المدن الإيرانية، وبعد أن هاجم الحرس الثوري الإيراني رداً على ذلك، قاعدة عين الأسد الجوية والتابعة للولايات المتحدة الأمريكية في العراق، حضر خامنئي صلاة الجمعة في طهران ليلقي الخطبة فيها. هناك أشاد خامنئي بالهجوم على القاعدة العسكرية الأمريكية، معتبراً إياه نقطة مفصلية في تاريخ إيران، ومؤكداً على أن ذلك اليوم هو من "أيام الله". كما قال وقتئذٍ إن الصدمة الأهم من العكسرية في هذا الهجوم هي الصدمة التي طالت اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية.
عن الهجوم الإيراني على قاعدة عين الأسد والذي كان قد تم في الثامن من كانون الثاني/يناير عام 2020، انتشرت وقتذاك تقارير ومعلومات مختلفة، فبينما ادعى الحرس الثوري أن عشرات قد قُتلوا في هذا الهجوم، ادعت الولايات المتحدة أن لا خسائر أُلحقت بالقاعدة الجوية لها في العراق. أما الحدث الإشكالي وقع عندما ضربت القواتُ الجوية للحرس الثوري الإيراني، خلال الهجوم الإيراني على قاعدة عين الأسد، طائرةً أوكرانية كانت قد أقلعت عند ذلك من طهران حاملة الركاب، وقد ألقى جميع الركاب (176شخصاً) حتفهم بتلك الضربة. أشار خامنئي إلى هذا الحادث خلال كلمته وقتذاك وقال بأن هذا الحادث "قد جرح قلوبنا وآلمها حقيقة" وطالب بمتابعة جدية لأمر هذا الحادث من قبل الحرس الثوري.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...