شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الهجوم الإيراني على إسرائيل... هل ينجح نتنياهو بجرّ الإقليم إلى مواجهة شاملة؟

الهجوم الإيراني على إسرائيل... هل ينجح نتنياهو بجرّ الإقليم إلى مواجهة شاملة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الخميس 3 أكتوبر 202412:15 م

في هجوم صاروخي ثان تقوم به "رداً" على إسرائيل، أطلقت إيران نحو 181 صاروخاً باليستياً صوب الأراضي الإسرائيلية في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، فيما قالت إنه "رد على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، وحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله".

ورغم أن الهجوم المكثف لم يتسبب في مقتل إسرائيليين أو تضرر كبير في المنشآت، حسب المصادر الرسمية الإسرائيلية، لكنه أشعل فتيل المواجهة بشكل أو بآخر.

فسرعان ما انتظر المسؤولون الأمنيون والسياسيون الإسرائيليون مواطنيهم للخروج من الملاجئ ليلة الهجوم، حتى سارعوا إلى إطلاق لهجة التهديد المؤكِّدة أن إسرائيل سترد "ردّاً قويّاً".

وتجري الآن مشاورات كثيفة في إسرائيل استعداداً لاحتمال تنفيذ الهجوم الإسرائيلي على إيران في الأيام المقبلة، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، التي نقلت عن مصدر مطلع قوله إن "لدى إسرائيل "سلّة واسعة من الردود. ومهما كان شكل الرد، سيكون أمراً كبيراً".

لكن شكل هذا الرد ظلّ حتى اللحظة رهن السيناريوهات والتكهنات المفتوحة، سواء تلك التي تتسع في فلكها حدّة ورقعة الحرب- تماماً كما اتسع قُطر الردّ الإيراني هذه المرة ضعفَي الرد الأوّل في هجومها الصاروخي على إسرائيل في نيسان/ أبريل 2024- أو تلك التي قد تحتكم إليها مصالح الأطراف المختلفة في عدم إشعال حرب شاملة.

هل كان هجوماً فاشلاً؟

دفع الهجوم الإيراني الصحافة الإسرائيلية إلى وصفه بأنه "وابل من الصواريخ" و"هجوم درامي". فيما قيّم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الهجوم بأنه "هجوم فاشل"، مؤكداً: "النظام في إيران لا يفهم تصميمنا على الدفاع عن أنفسنا والانتقام من أعدائنا، من يهاجمنا سنهاجمه". وربما تكررت من فم نتنياهو كلمات التهديد والوعيد لإيران، حتى قبل هجومها الأخير، وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حين قال: إن قصفتمونا سنقصفكم".

ووجه نتنياهو دعوة إلى ما أسماها "قوى النور، للاتحاد من أجل محاربة قوى الظلام ومحور الشر". وهي الثنائية نفسها التي استخدمها في بداية حرب الإبادة على قطاع غزة.

يبدو أيضاً أن الإيرانيين كانوا يعرفون بالضبط ما يفعلونه. لم يكن هذا هجوماً غير دقيق ولم يكن مؤشراً على الضعف الإيراني، كما حاول بعض المتحدثين الرسميين الإسرائيليين القول

وعلى المستوى الأمني، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري: "لدينا خطط. لدينا استعدادات قوية جداً للهجوم، وسنجري تقييماً للوضع، وسنتحرك أينما ومتى نقرر ذلك".

ثم ظهر رئيس الأركان هرتسي هليفي في فيديو "مُخرج" أمام طائرة حربية في زيارته لقاعدة "تل نوف"- التي استهدفتها إيران وانتشر فيديو يوثّق ما قيل إنها صواريخ أصابت الهدف- يقول إن "القاعدة سليمة. والاحتراف الذي توفره القوات الجوية في جمع المعلومات الاستخبارية واختيار الأسلحة والحفاظ على الطائرات في أعلى درجاته".

ورغم هذه الاستعدادات ووصف الهجوم الإيراني بالفاشل، يقول الصحافي الإسرائيلي أوري جولدبرج: "يبدو أيضاً أن الإيرانيين كانوا يعرفون بالضبط ما يفعلونه. لم يكن هذا هجوماً غير دقيق ولم يكن مؤشراً على الضعف الإيراني، كما حاول بعض المتحدثين الرسميين الإسرائيليين القول. كان هذا في الواقع هجوماً دقيقاً تماماً".

سيناريوهات الاستهداف أمام إسرائيل

بحسب ما أوردته منصة "Democracy Now"، يجري النقاش في الأوساط العسكرية الإسرائيلية حالياً، حول توسيع "بنك الأهداف"، ليشمل المنشآت الإيرانية نفسها.

وتشمل الأهداف المحتملة مفاعلات نووية ومواقع لإنتاج الصواريخ، إضافةً إلى البنية التحتية لوكلاء إيران في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان والفصائل الموالية لها في سوريا والعراق.

هذا التحرك، بحسب "Democracy Now"، يُعتبر تغييراً نوعياً في إستراتيجية الرد الإسرائيلي، إذ تسعى تل أبيب إلى إضعاف قدرات إيران بشكل مباشر بدلاً من مواجهة وكلائها الإقليميين وحسب.

وحول هذا يقول د. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الشأن الإسرائيلي، لرصيف22: "من المتوقع أن ترد إسرائيل على الهجوم الصاروخي الإيراني بطريقة غير مسبوقة، مركزةً على أهداف إستراتيجية تشمل المنشآت والصواريخ الباليستية".

ويردف: "وهناك احتمال لضرب قواعد تحتوي على صواريخ بعيدة المدى، وقد يمتد الهجوم ليشمل المفاعلات النووية في "نتانز"، "فوردو"، "أصفهان"، و"بوشهر".

لكن الهدف الرئيس حالياً، بحسب فهمي، هو "استهداف مراكز القيادة والسيطرة للحرس الثوري الإيراني، لا سيما تلك المشرفة على العمليات الخارجية في سوريا والعراق"

"وقد يتضمن الهجوم أيضاً شبكات الاتصالات والبنية التحتية للطاقة النووية، ومواقع إنتاج الطائرات المسيّرة والأسلحة المتطورة".

وفيما يتعلق بأهداف إسرائيل من استهداف هذه المواقع والمنشآت، يقول فهمي: "مراكز السيطرة والقيادة تدير العمليات الخارجية وتعتبر عصباً إستراتيجياً للحرس الثوري. أما شبكات الاتصالات والبنية التحتية النووية ومواقع إنتاج الطائرات المسيرة فتعدّ أمراً أساسياً لإدارة عمليات إيران العسكرية".

ويؤكد فهمي أن استهداف إسرائيل للبنية التحتية الصاروخية ستهدف إلى التقليل من قدرة إيران على تنفيذ هجمات مماثلة مستقبلاً.

ويرى أن سيناريوهات الرد المحتملة هي ثلاثة: "عمليات اغتيال لقادة الحرس الثوري في محاولة لإضعاف القدرة القيادية لإيران، والثانية هي هجمات متعددة الجبهات في وقت واحد مثلما حدث في العمليات الأخيرة (أو ما يسمى إسرائيلياً بالسيناريو الصفري أو الملاذ الأخير)، والثالثة تنفيذ عمليات جوية مكثّفة باستخدام مقاتلات F-35 وF-16، مما يمنح إسرائيل قدرة واسعة على تنفيذ ضربات في عدة مواقع بالمنطقة.

هل تشتعل حرب إقليمية؟

تطرق البعض إلى أن المواجهة قد تتسع لتصل إلى سيناريو الحرب الشاملة في الإقليم، وهو ما ذهب إليه الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، ثائر أبو عطيوي، مدير مركز العرب للأبحاث والدراسات، حين قال لرصيف22: "الرد الإسرائيلي قد يشعل الإقليم، فقد تتسع رقعة التصعيد في الجنوب اللبناني وسوريا واليمن والعراق، في حال هاجمت إسرائيل إيران".

وبحسب أبو عطيوي، فقد يكون "المشهد القادم أكثر تعقيداً وأكثر تشابكاً في تطورات الأحداث ومستجداتها، من خلال أن تكون المرحلة المقبلة القريبة ساحة حرب ومواجهة مفتوحة تريدها إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، بغية التخلص من إيران وحلفائها في المنطقة، وصناعة شرق أوسط جديد حسب رؤيته".

لدينا علامة استفهام كبيرة حول كيفية رد الإيرانيين على أي هجوم، لكننا نأخذ في الحسبان احتمال أن يذهبوا إلى أبعد مدى، وهو ما سيغير اللعبة تماماً

وحول استعار الإقليم في حالة المواجهة المفتوحة، يرى عطيوي أن هذا السيناريو سيغير معالم وسياسيات وإستراتيجيات قائمة، الأمر الذي سيغير واجهة الخارطة الشرق أوسطية بأكملها.

ويضيف عطيوي: "في حال بدأت الحرب الإقليمية وطال أمدها وامتد عمرها الزمني، فمن الممكن دخول حلفاء كل من إسرائيل وإيران على خط المواجهة بشكل علني ومباشر، فلهؤلاء مصالح وأهداف مشتركة سواء مع إيران أو إسرائيل".

ونشرت شبكة "بي بي سي" تقريراً بعنوان: "كيف يمكن إسرائيل أن ترد وماذا يمكن أن تفعل إيران حينذاك"، تحدثت فيه عن أن إسرائيل قد تضرب في البداية الأهداف العسكرية الإيرانية التقليدية، خاصة التي أطلقت منها إيران صواريخها في الهجوم الأخير.

وقد تضرب كذلك مراكز القيادة والتحكم وخزانات التزود بالوقود، بالإضافة إلى قواعد تابعة للحرس الثوري والدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ الإيرانية ومصانع البتروكيماويات، وتوليد الطاقة، وربما مصالح الشحن.

وقد تحاول، بحسب التقرير، اغتيال قادة برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.

فرصة تاريخية

لا تكاد تُسمع أصوات في الداخل الإسرائيلي تُعارض الرد على الهجوم الإيراني، لكن قد يكون الحديث دائراً حول ماهية الرد وشكله.

بدايةً، اتخذت الحكومة والقيادة الإسرائيلية قراراً بالرد على الهجمات، لكن لم تحدد شكله بعد. وقال مسؤولون إسرائيليون بحسب ما نشره موقع "أكسيوس" الأمريكي،إنّ إسرائيل سترد بشكل قوي على الهجوم وقد تكون أهداف نفطية إيرانية ومواقع إستراتيجية أخرى في مرمى الهجوم.

وقال مسؤول إسرائيلي "لدينا علامة استفهام كبيرة حول كيفية رد الإيرانيين على أي هجوم، لكننا نأخذ في الحسبان احتمال أن يذهبوا إلى أبعد مدى، وهو ما سيغير اللعبة تماماً".

صبيحة اليوم التالي للهجوم الإيراني، طالب عدد غير قليل من كُتّاب الرأي في إسرائيل بضرورة الرد الفوري واغتنام الفرصة. ففي مقال بعنوان "الرد الفوري وبقوة فرصة تاريخية لكسر المعادلة"، يرى المحلل الإسرائيلي أريئيل شميدبيرج "ضرورة وحتمية الرد الفوري وبقوة".

ولفت إلى أن "الشرعية الدولية ستكون إلى جانب إسرائيل، وأن أي دولة في العالم لن تمانع ذلك، لأن هجوم إيران كان بمثابة إعلان حرب". ويعتقد الكاتب أن "الهجوم فرصة لعودة النور إلى إسرائيل، قاصداً أن الرد سيكون تمهيداً لعودة سكان المستوطنات الشمالية إلى ديارهم بعد تدمير الأهداف المرجوة".

بينما يرى البروفيسور والمحلل الإسرائيلي شلومي يروشالمي، أن إسرائيل بحاجة إلى هجوم واقعي على إيران، التي وضعت تدمير إسرائيل على رأس أولوياتها. وحث الكاتب الحكومة على التنسيق مع الإدارة الأمريكية التي ساعدتهم في صد الهجوم الإيراني، ثم تحدث عن الدعم المتوفر لحكومة نتنياهو من دول صديقة ومن الجبهة الداخلية في إسرائيل من أجل اتخاذ قرار الهجوم.

ابتلعت إيران الطُعم

اتخذ الكاتب الإسرائيلي، رامي سيماني، في صحيفة "يديعوت أحرونوت" منحى جديداً في حديثه عن الهجوم. إذ رأى أن ثمة فرصة تاريخية لتغيير الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، مؤكداً أن إيران ابتلعت الطعم فبادرت بالهجوم رداً على اغتيال حسن نصرالله، بالتالي أصبح لدى إسرائيل فرصة سانحة للرد، خاصة أنها تجنبت سابقاً توجيه ضربة استباقية مباشرة لإيران.

وعليه، يرى الكاتب أن الرد سيكون فرصة استراتيجية، لا سيما أن "إيران لا تملك على حد زعمه قدرات دفاعية جوية وهي عارية تماماً". ويعتقد سيماني أن "الهجوم سيدمر أيضاً ثقة الشعب في نظام الملالي الإيراني".

قبل أن تتحرك إسرائيل، من الأفضل أن تنسق ردودها مع الإدارة الأمريكية في واشنطن، والتي تبعد بضعة أسابيع فقط عن الانتخابات، وقد تجد نفسها متورطة في مواجهة عسكرية أكبر من المتوقع

وشدد على أن "حزب الله يمر بحالة ضعف في الوقت الراهن، وأن إيران بدون حزب الله أصبحت هشة وضعيفة. كما أن مشاركة واشنطن كحليف لتل أبيب في الهجوم سيعزز من نجاعته".

واعتبر الكاتب الإسرائيلي، عميحاي أتالي، الهجوم "هدية" من إيران لإسرائيل "هدية هي شرعية الرد الذي يجب أن يدمر إيران".

وتساءل ماذا لو امتلكت إيران قدرات نووية حملتها تلك الصواريخ الباليستية وأطلقتها على إسرائيل، حينها لن تكون إسرائيل صالحة للعيش، في إشارة إلى احتمالية زوال وتدمير إسرائيل.

وقال في مقالته المنشورة في صحيفة "يديعوت أحرونوت" :أي رد رمزي من إسرائيل سيعني استمرار سياسة التهاون، مما سيتيح لإيران المضي قدماً في طريقها المعلن - وهو تعزيز قوتها لتدميرنا".

ورغم تأييده لفكرة الهجوم، دعا الكاتب الإسرائيلي يوآف ليمور، في صحيفة "يسرائيل هيوم" إلى ما يمكن وصفه "بالتعقل" في حساب الضربة المحتملة على إيران وأهدافها.

فشدد على أن إيران قد تستهدف حلفاء إسرائيل السريين والعلنيين من الولايات المتحدة والسعودية والأردن قائلاً: " قبل أن تتحرك إسرائيل، من الأفضل أن تنسق ردودها مع الإدارة الأمريكية في واشنطن، والتي تبعد بضعة أسابيع فقط عن الانتخابات، وقد تجد نفسها متورطة في مواجهة عسكرية أكبر من المتوقع".

وأضاف: "كما يتعين على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار تأثير توسيع نطاق المواجهة على الجبهات الأخرى النشطة في لبنان وقطاع غزة، والتي قد تزداد اشتعالًا".

وأشار الكاتب إلى أن العملية التي وقعت في يافا وأسفرت عن مقتل 7 إسرائيليين ليلة الهجوم الإيراني، "ذكّرت مرة أخرى بأن جبهة الضفة الغربية أيضاً متفجرة وتهدد بالتصعيد، وأن العمليات المنطلقة منها قد تكلف إسرائيل ثمناً باهظاً أكثر من الهجمات الصاروخية الإيرانية".

واتساقًا مع حديث ليمور، يرى د. طارق فهمي أن إسرائيل تدرك أنها أمام مواجهة طويلة الأمد، ومتعددة الجبهات، وقد تمتد لأشهر. والتركيز الإسرائيلي الأساس سيكون على استهداف مواقع هامة لتحييد "خطر محور المقاومة" الممتدّ عبر عدة دول في المنطقة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image