"كيف بدنا نشعر ونحن نازحين وتاركين بيوتنا وما عندنا فرش ودواء وغذاء وغيره ولا إمكانيات؟ الوضع صعب جداً ومأساوي، منصمد بس الخوف مسيطر علينا"؛ هذا ما يقوله أسامة وهبي، لرصيف22.
ويضيف أسامة (60 سنةً)، والذي كان يعيش في منطقة النبطية قبل أن ينزح إلى مكان أكثر أماناً: "العمليات العسكرية كانت قريبةً مني. بقيت أنا وأسرتي في البيت ثم انقطعت الكهرباء، ولم نعد نستطيع أن نبقى مع كثرة الغارات الجوية. منذ أيام أبحث عن مركز إيواء أنا وعائلتي المكونة من 15 فرداً. أحاول التمسك بالأمل، بالضحك، ونشر الأمل بين أسرتي، ولكن هذا صعب جداً. لا يتوافر لدينا أي شيء. الحياة صعبة".
ويتابع: "أتوقع الأسوأ وهو احتمال الاجتياح الإسرائيلي. المعركة صعبة وثقيلة وقوية وتقدّمهم التكنولوجي يهزمنا. لا ننام من التفكير والخوف، يظل التفكير في الغد واللحظة القادمة يشغلني طوال الوقت. زوجتي تعاني من الاكتئاب منذ 20 سنةً، وأنا بطبعي إنسان فكاهي وثقافتنا المقاومة ونحب الصمود، ولكن القادم مجهول ولم تعد هناك إمكانية للخروج ولا للترويح عن النفس للتخلص من الحزن، ولا نفكر الآن إلا في مكان للعيش، أحاول أن أستمد الطاقة الإيجابية من ماضينا وثقافتنا".
عدم اليقين
تقول المعالجة النفسية اللبنانية الدكتورة زينب ذيب، عن تأثير الحروب والأزمات على الصحة النفسية: "في أوقات الحرب، يلعب الخوف والانتظار والترقب دوراً مهماً في تدهور الصحة النفسية بطرق مختلفة، فالخوف في أثناء الحرب يؤدي إلى تحفيز استجابة الجسم للضغط النفسي، أي إطلاق الكورتيزول والأدرينالين، والذي قد يؤدي إلى القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة".
وتضيف زينب لرصيف22: "إن الانتظار وعدم اليقين قد يؤديان إلى الشعور بعدم قدرة الناس على التحكم في حياتهم، كما أن الخوف المزمن وتوقّع الخطر يؤثران على أنماط النوم فيزداد الأرق والكوابيس، بالإضافة إلى أن التوتر المستمر يُضعف جهاز المناعة ويزيد من القابلية للإصابة بالأمراض المزمنة وقد يُفاقم الحالات الصحية المزمنة أيضاً".
"كيف بدنا نشعر ونحن نازحين وتاركين بيوتنا وما عندنا فرش ودواء وغذاء وغيره ولا إمكانيات؟ الوضع صعب جداً ومأساوي، منصمد بس الخوف مسيطر علينا"
تسلّط مؤسسة الصحة النفسية في تقرير لها الضوء على مدى تأثير الحروب والخوف والقلق والتوقعات السيئة على نفسية الأفراد، وتنبّه إلى أن الأمر قد يصل إلى تعرّض البعض للاكتئاب والأرق المزمن، ومن ثم يواجه الشخص المعني في المستقبل اضطراب ما بعد الصدمة، وكذلك يصبح أسير الحدث الحالي ولا يفكر في شيء سواه.
وفي السياق نفسه، يذكر موقع "باب ميد"، التابع للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة، أن هناك رابطاً مباشراً بين الحرب والقلق وبين الأمراض النفسية التي تنتج عن الحرب وتصيب المدنيين، ومن بين تلك الأمراض تدهور الصحة النفسية، وتعرّض الأفراد للاضطرابات النفسية، خاصةً النساء اللواتي لا يملكن الدعم العاطفي خلال الأزمات.
وفي دراسة أجراها الموقع حول 799 فرداً تعرضوا لأزمات وحروب مختلفة، تبيّن أن 67% لديهم أعراض اكتئاب، و72% منهم يعانون من أعراض القلق والتوتر، بينما 42% منهم يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة.
كيف لا نتوقع الأسوأ؟
يقول محمد ترحيني (52 عاماً)، من جنوب لبنان، لرصيف22: "لا أرى شيئاً يجعلنا نفكر في إيجابية ونحن نخسر كل شيء مع الوقت. منذ أيام استيقظنا على أكثر من 15 غارةً، والبيت الذي بجوار بيتي تهدّم، وقررت أن أبحث عن منزل آمن لأسرتي، فرحلنا إلى زفتا وكانت الزحمة كبيرةً جداً ثم قررت تغيير المسار وبسبب الغارات وجدت الطريق مغلقاً، وحتى وصلت للغازية استغرقت الرحلة 5 ساعات، لم يكن هناك أي أحد ينظم السير، ولا توجد دولة، 9 ساعات ونحن نعيش وكأننا في فيلم رعب. نحن نتعرض للخطر طوال الوقت ولا أشعر بأي أمل. الحقيقة نحن في ورطة كبيرة ولا توجد في أذهاننا إلا الأفكار السلبية فقط".
ويضيف محمد الذي يعمل أستاذاً أكاديمياً: "أنا مع أسرتي الآن في الجبل في الشوف نتابع الأخبار باستمرار، وننتظر أن يتوقف هذا العدوان. لدي ثلاثة أطفال؛ ابني 13 سنةً، وابنتي 15 سنةً، وابنتي الصغيرة وعمرها سنتين ونصف، وكلهم يشعرون بالخوف باستمرار وكانوا يصرخون من صوت الغارات ومن أصوات الصواريخ، خاصةً ابنتي الصغيرة لأنه لم يمر عليها من قبل هذا الشيء".
"لم يكن هناك أي أحد ينظم السير، ولا توجد دولة، 9 ساعات ونحن نعيش وكأننا في فيلم رعب. نحن نتعرض للخطر طوال الوقت ولا أشعر بأي أمل. الحقيقة نحن في ورطة كبيرة ولا توجد في أذهاننا إلا الأفكار السلبية فقط"
ويتابع ترحيني: "أحاول طمأنتهم وأقول لهم إنه لا يوجد شيء مقلق ولا يوجد سبب للخوف، ولكن في واقع الأمر هناك قلق كبير. التوقعات سيئة وليس لدينا الكثير من الأمل".
تعليقاً على هذه النقطة، تحذّر رولا غزاوي، مدرّبة حياة، من الآثار التي يتركها فقدان الأمل واليأس على الصحة النفسية والجسدية للأفراد، فتقول لرصيف22: "يشعر الأفراد بالوحدة والعزلة، خاصةً إذا فقدوا أحبّاءهم أو اضطروا إلى ترك منازلهم، ويعاني البعض في الكثير من الأحيان من الغضب والعدوانية بسبب الألم الذي عاشوه، كما يواجهون صعوبات في العلاقات الاجتماعية بسبب التوتر والقلق، ويتعرضون كذلك لمشكلات جسدية منها الألم المزمن كالإصابة بالصداع المستمر، آلام العضلات واحتمال الإصابة بأمراض مزمنة".
بدورها، تتحدث المعالجة النفسية زينب ذيب، عن تأثير التوقعات السلبية على الأفراد والأسر خلال الحرب: "إن اللبنانيين لديهم القدرة على التمسك بالأمل ولكن الخوف شعور إنساني طبيعي، إن أول ما يبحث عنه الفرد خلال الحرب هو الشعور بالأمان وتأمين الاحتياجات اللازمة للاستمرار في الحياة، لذلك من المهم التواجد في الأماكن الآمنة لأن الاستمرار في الشعور بالخوف والقلق يؤثر على الصحة النفسية".
وتضيف: "تركّز الثقافة اللبنانية بقوّة على الأسرة والمجتمع، والتماسك الأسري والمجتمعي عامل حماية قوي. لذلك، من المهم الحفاظ على أنظمة الدعم الخاصّة لأنها توفر مساعدةً عاطفيةً وعمليةً وكل فرد يشعر بأنه ليس وحده".
لا صحة نفسية من دون أمل
تضع رولا غزاوي، بعض النصائح التي يجب التمسك بها من أجل الشعور بالأمل وتنصح بالتنفس العميق، "فهو فعّال ويخلّص من التوتر، وكذلك يمكن أن يمارس المرء اليوغا لو أمكن ذلك".
وتنصح غزّاوي، المواطنين في لبنان بأن يحرصوا على القراءة وممارسة الرياضة، بالإضافة إلى محاولة التحلّي بالأمل: "الأهم هو التفكير الإيجابي في أننا سنتخطى كل ذلك، وأننا سنعيش، وأنها أزمة وستمرّ مثل كل أزمة أخرى، والتمسك بالإيمان والأمل".
"من المهم التخفيف من متابعة الأخبار ومشاهدة الصور وتخصيص وقت خلال النهار لمتابعة ما يحصل ومحاولة الحصول على الأخبار من المصادر الموثوقة لتجنب الأخبار غير الصحيحة"
بدورها، توضح زينب ذيب، أن المبادرات المجتمعيّة تخلق شعوراً بالتضامن والمرونة الجماعية، وهذا يزيد من القوّة العاطفية والشعور المشترك بالأمل، كما أن متابعة الأخبار لحظةً بلحظة في أوقات الحرب تزيد من القلق والشعور بعدم الأمان وعدم اليقين: "من المهم التخفيف من متابعة الأخبار ومشاهدة الصور وتخصيص وقت خلال النهار لمتابعة ما يحصل ومحاولة الحصول على الأخبار من المصادر الموثوقة لتجنب الأخبار غير الصحيحة".
وتضيف زينب: "من المهم العمل على تحديد أهداف صغيرة قابلة للتحقيق ويمكنها أن تجلب الشعور بالسيطرة والأمل، كما أنّ التركيز على ممارسة تقنيات التنفس والاسترخاء يمكنه أن يساعد على إدارة القلق وتقليل الخوف، ومن المهم الاستمرار في الرعاية الذاتية الشخصية ومساعدة الآخرين".
وتنصح أيضاً بطلب المساعدة من المختصين/ ات في الصحة النفسية: "إنه أمر بالغ الأهمية خاصةً في الحالات التي يستمر فيها الخوف وذلك لاستعادة الشعور بالاستقرار والأمل، وتعلّم آليات التكيف التي تركّز على استقرار المشاعر في أثناء فترات الأزمات".
في النهاية، لا بد من التذكير بأنّ التغلب على التوقعات القاتمة في أثناء الحرب، يتطلّب مزيجاً من الأساليب النفسية والاجتماعية والثقافية حتى يتمكن المرء من تخطّي الأزمات والوقوف على رجليه من جديد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 5 ساعاتtester.whitebeard@gmail.com
Ahmad Tanany -
منذ 10 ساعاتتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
Ahmad Tanany -
منذ 10 ساعاتتلخيص دسم
Ahmad Tanany -
منذ 10 ساعاتتلخيص دسم
Husband let me know -
منذ يومهلا
Husband let me know -
منذ يومهلا