شهدت الآونة الأخيرة في العالم أجمع ولبنان تحديداً، انتشاراً كثيفاً لاستخدام المبيدات الحشرية والزراعية. ومع تزايد الآفات الحشرية والزراعية، التي تصيب النباتات المزروعة، والحشرات الحاملة للأمراض في مناطق متعددة، زادت نسبة المواد السامة المستخدمة لقتل هذه الحشرات.
وفي ورقة بحثية نُشرت عام 2020، تبيّن أن 49% من المساحات الزراعية في لبنان يُسيء القائمون عليها استخدام المبيدات، نظراً لافتقارهم إلى الثقافة الزراعية والمعرفة بالاستخدام السليم لتلك المواد الكيميائية. وأبرز أسباب ندرة ثقافتهم عن الموضوع، تتلخص في انعدام البرامج التعليمية الحكومية في حين أن استخدامهم معدات الحماية الشخصية محدود نتيجة لتكاليفها المرتفعة.
ومع وفاة شابة لبنانية حديثاً، بعد استعانتها بشركة لرش المبيدات الحشرية في منزلها، عاد موضوع المبيدات إلى الواجهة مجدّداً، لأن الضرر هذه المرة كان مباشراً وفورياً وأدى إلى الوفاة. عندما نتحدث كيميائياً عن موضوع المبيدات، فنحن نتكلم عن مبيدات حشرية هدفها القضاء على الحشرات الضارة، أو تثبيط نموها، أو منع تكاثرها، سواء في المنازل أو المكاتب أو العيادات وغيرها من أماكن العيش والعمل. نتكلم أيضاً عن مبيدات زراعية أكثر شمولية تستخدم في الزراعة عادة لحماية المحاصيل من أنواع متعددة من الآفات كالحشرات والفطريات والأعشاب الضارة والقوارض والنيماتودا وغيرها.
وعادةً ما يتم رش المبيدات الحشرية أو غبارها على الأسطح التي تعبرها الحشرات أو تتغذى عليها، يتم تصنيفها وفقاً لما إذا كانت تؤثر عند الابتلاع (سموم المعدة)، أو الاستنشاق (المبخرات)، أو عند اختراق غطاء الجسم (السموم الملامسة).
بعد حادثة وفاة شابة لبنانية بسببها… على من تقع المسؤولية عن إساءة استخدام المبيدات الحشرية في المنازل؟ وما هي النصائح الواجب إتباعها بالنسبة للأشخاص المقبلين على رش بيوتهم بالمبيدات الحشرية؟
أصبحت المبيدات الحشرية الاصطناعية اليوم من العوامل الأساسية لمكافحة الحشرات. كونها تخترق الحشرات بسهولة بشكل عام وسامة لمجموعة واسعة من الأنواع. المجموعات الاصطناعية الرئيسية هي الهيدروكربونات المكلورة والفوسفات العضوية والكربامات. صحيح أن تلك المبيدات تقضي على الحشرات الضارة، ولكنها أيضاً تشكّل خطراً جائراً على البيئة حيث من الممكن أن تدمّر هذه الحشرات بشكل كامل، وتشكّل في الوقت نفسه خطراً كبيراً على الإنسان من الممكن أن يقتله، كما حصل مع الشابة اللبنانية أخيراً.
تتشارك المبيدات سواء الحشرية أو الزراعية الأضرار عينها على البيئة، كونها تتحلّل في نظامنا البيئي من خلال مجموعة متنوعة من العمليات الفيزيائية والميكروبيولوجية، بما في ذلك الضوء ودرجة الحرارة والرطوبة والأكسجين والكائنات الحية الدقيقة. ونظراً لوجود جاذبية بين جزيئات التربة والمبيدات الحشرية المتحلّلة وغير المتحلّلة في أنظمة الامتصاص (جاذبية تتأثر بالمادة العضوية في التربة وملمس التربة)، فإن المبيدات الحشرية تبقى في التربة لفترة طويلة من الزمن ولها تأثير ضار على التربة والنظام البيئي. وقد ذكر تقرير (A/HRC/34/48) الصادر عن المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء، في كانون الثاني/ يناير عام 2017، أن "المبيدات الحشرية يمكن أن تستمر في البيئة لعقود من الزمن وتشكل تهديداً عالمياً للنظام البيئي بأكمله".
ومن الأضرار البيئية المترتبة على المبيدات الحشرية:
1- تشكل المبيدات الحشرية مخاطر كبيرة على جودة الهواء بسبب احتمال الانجراف والتطاير وتكوين مركّبات سامة في الغلاف الجوي، فعندما تدخل المبيدات إلى الغلاف الجوي، يمكن أن تتفاعل مع مواد كيميائية أخرى محمولة في الهواء لتكوين ملوّثات ثانوية. على سبيل المثال، يمكن أن تتحلل بعض المبيدات إلى مواد تستنفد الأوزون، مما يساهم في تدهور جودة الهواء.
2- وفقاً لمعيار جودة البيئة، يجب ألا يتجاوز المستوى المقبول لمبيد واحد في الماء 0.1 ميكروغرام/ لتر، ويجب أن يكون المستوى الإجمالي للمبيدات الموجودة في الماء أقل من 0.5 ميكروغرام/ لتر.
في ما يتعلق بلبنان، فقد تم تصنيفه في المرتبة الثانية بعد مصر على مؤشر خطر بقايا المياه المرتفع للمبيدات الحشرية. كما جرى الكشف عن خمسة عشر مبيداً عضوياً كلورياً في مياه الشرب في لبنان بمستويات تراوح من 0.02 إلى 12.8 ميكروغرام/ لتر، وهي نسبة مرتفعة جداً، وبالتالي قد يؤدي التعرض لهذه البقايا من المبيدات في مياه الشرب بمرور الوقت إلى مخاطر صحية كبيرة، بما في ذلك الإصابة بالسرطان، وتلف الأعصاب، واضطراب الغدد الصماء.
هذا عدا تلوّث الأنهار والمحيطات الناتج عن وجود كميات كبيرة من هذه المبيدات نتيجة التسرّب من التربة الملوّثة بالمبيد. يعني ذلك أن كل تربة ملوّثة ستقتل مئات الكائنات الحية التي تقطنها، وبالتالي دمار كلي للتربة نتيجة الاستخدام العشوائي للمبيدات.
تشكّل المبيدات الحشرية مخاطر كبيرة على جودة الهواء بسبب احتمال الانجراف والتطاير وتكوين مركّبات سامة في الغلاف الجوي، فعندما تدخل المبيدات إلى الغلاف الجوي، يمكن أن تتفاعل مع مواد كيميائية أخرى محمولة في الهواء لتكوين ملوّثات ثانوية، ما يتسبب في تدهور جودة الهواء
آثار صحية خطيرة على الإنسان
ولمعرفة الآثار الصحية للمبيدات على الإنسان، لا سيما المبيدات الحشرية التي تستخدم عادة في المنازل للتخلص من أنواع الحشرات، تقول دكتورة الكيمياء المتخصصة في علوم المبيدات في الجامعة اللبنانية، إيناس عبد الملك، لرصيف22، إن المبيدات الحشرية تحتوي على جزء من المبيدات، وهناك مبيدات للفطريات ومبيدات للأعشاب الضارة، وحسب إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تنقسم المبيدات إلى عدة أقسام حسب درجة خطورتها على الصحة، وبعضها أصلاً مسرطن، وبالتالي يجب أخذ الحيطة والحذر قبل استخدامها، كما أن نوعاً منها قد يسبّب على المدى البعيد أمراضاً عصبية، ومنها ما هو أقل خطورة لكن بإمكانه أيضاً الدخول إلى الجسم مع إمكانية التخلص منه في ما بعد عن طريق البول أو التعرّق حلال ممارسة الرياضة مثلاً.
وتستدرك عبد الملك بأنه على أي شخص تعرّض بشكل مباشر لأي نوع من أنواع المبيدات، التوجه فوراً لإجراء فحص الدم وفحص مادة الكلورديكون. والغرض الرئيسي من اختبار الكلورديكون هو قياس نسبة التعرض لهذا المبيد السام، بهدف أخذ الإجراءات الطبية اللازمة. لذلك لجأت العديد من الدول وعلى رأسها الدول الأوروبية إلى استبدال المبيدات الكيميائية السامة بأخرى بيولوجية لديها مخاطر أقل سواء على الصحة أو على البيئة، وفق الأكاديمية اللبنانية.
وبشأن التفسير العلمي لحادثة الشابة اللبنانية التي توفيت عقب رش بيتها بالمبيد، تقترح عبد الملك أنها استنشقت كمية كبيرة من المبيد وهو ما سبّب لها مشكلة تنفّسية فورية أدت إلى الموت "اختناقاً"، أو حتّى استنشاق كمية صغيرة، ولكن دون الأخذ بعين الاعتبار الخطورة الكبيرة للمبيد المستخدم، ما سبب الوفاة. وبالتالي، السبب الأول للموت برأيها كان عدم الأخذ بعين الاعتبار محظورات استخدام المادة التي تم رشّها والخطوات المتبعة أثناء استخدامها وبعدها، أو أصلاً عدم المعرفة بطبيعة المادة المستخدمة وخطورتها.
ومن أهم النصائح التي توجّهها عبد الملك، عبر رصيف22، للأشخاص المقبلين على رش بيوتهم بالمبيدات الحشرية، أولاً: الاطلاع على نشرة المادة المستخدمة، للأخذ بعين الاعتبار مدى خطورتها والكمية المسموح التعرض لها لأي كائن حي، وطريقة ومحاذير استخدامها. ثانياً: معرفة هل لدى الشخص حساسية لأي من المواد المستخدمة، لتفادي التفاعل الكيميائي بين جسد الشخص والمبيد. ثالثاً: ترك المنزل بعد رش المبيد لمدة لا تقل عن 24 ساعة احتياطاً. رابعاً: التأكّد من التهوية الجيدة لكل الأثاث الذي تعرّض لعملية "الرش"، وتعويضه لأشعة الشمس، والغسل بالماء والصابون جيداً للتخلّص النهائي من أثار المبيد المختزنة أو المتحلّلة. وختمت الدكتورة نصائحها بجملة: "الوقاية خير من قنطار علاج".
الالتزام بالإرشادات… مسؤولية من؟
وخلال حديثه إلى رصيف22، يقول صاحب شركة إحدى الشركات اللبنانية لرش المبيدات الحشرية في المنازل، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن شركته ملتزمة توصيات وزارة الصحة بشأن الأنواع والكميات المسموح استخدامها من المبيدات داخل المنازل.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض أنواع المبيدات مسموح بها للاستخدام الزراعي وممنوعة من الاستخدام داخل المنازل والأماكن المغلقة بناء على توصيات وزارة الصحة اللبنانية. فمثلاً فوسفيد الألمنيوم، المركب الكيميائي الذي يُستخدم بشكل شائع كمبيد حشري زراعي قاتل للقوارض، خاصة خلال تخزين الحبوب والمنتجات الغذائية، يعتبر ساماً جداً لأنه عندما يتفاعل مع الرطوبة يطلق غاز الفوسفين السام جداً والقاتل، وبالتالي هو صالح للاستخدام الزراعي وغير صالح للاستخدام داخل المنازل.
جاء لبنان في المرتبة الثانية بعد مصر على مؤشر خطر بقايا المياه المرتفع للمبيدات الحشرية. كما تم الكشف عن خمسة عشر مبيداً عضوياً كلورياً في مياه الشرب في لبنان بمستويات مرتفعة جداً، ما قد يؤدي بمرور الوقت إلى مخاطر صحية كبيرة، بينها الإصابة بالسرطان، وتلف الأعصاب، واضطراب الغدد الصماء
ويضيف صاحب شركة المبيدات الحشرية: "نلتزم في عملنا حرفياً بالتعليمات الموجودة على عبوة المواد المستخدمة، وبالكمية المسموح بها داخل المنازل"، مدللاً على ذلك بأن مادة ألفاميكس التي تحتوي على 5% ديلتاميترين مثلاً، وهي دواء فعال جداً وآمن للاستخدام داخل المنازل لقتل الحشرات الضارة مثل الذباب والبعوض والصراصير والعث، تستخدم الشركة نحو 2.5 ملليتر منها لكل لتر مياه، ما يجعل شركته ملتزمة الكمية المسموح بها والمحددة من قبل وزارة الصحة اللبنانية.
ولكن، في المقابل، مبيد مثل "تايغر"، والذي يحتوي على 10% ألفا سايبرمثرين، يستخدم خارج المنازل حصراً. علماً أن هذا الدواء غير خطير على الإنسان والحيوان بالمطلق ولكن نظراً للنسبة الفعالة المرتفعة فيه من المادة القاتلة للحشرات، يكون استخدامه خارج المنازل احترازاً لأي عملية تفاعلية كيميائية.
يختم صاحب الشركة كلامه بأن شركته تعطي الزبون سلسلة من الإرشادات التي يجب أن يتقيد بها خلال عملية رش المبيد وبعدها، أبرزها: عدم دخول المنزل قبل انقضاء مدة 24 ساعة من رش المبيد الحشري، وتحديداً كبار السن والحوامل والأطفال دون الأربع سنوات، وخاصة عندما يكون المبيد للحشرات كالذباب والصراصير. لكن عندما يكون المبيد خاصاً للبق مثلاً، تستخدم الشركة عيارات أعلى، وبالتالي يعطى إرشادات إضافية للسلامة أبرزها مغادرة المنزل لمدة 48 ساعة بدلاً من 24 ساعة.
ختاماً، تشكّل المبيدات حتماً مخاطر بيئية على المدى البعيد، ومخاطر فورية ومباشرة على الإنسان، لكن كل هذه المخاطر يمكن تجنبها بالوعي والالتزام بالإرشادات الصحية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 18 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع