شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هناك توراة أخرى غير التي نعرفها… السامريون يقولون إنهم

هناك توراة أخرى غير التي نعرفها… السامريون يقولون إنهم "شعب الله" الحقيقي ولهم توراتهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والخطاب الديني

السبت 26 أكتوبر 202410:27 ص

يدرس اليهود الكثير من الكتب الدينية، ولكن تُعدّ التوراة أو أسفار موسى الخمسة، الجزء الأهم في الكتابات اليهودية عموماً، وفي التناخ (الكتاب المقدس اليهودي) تحديداً. وتُعرف نسخة التوراة الأكثر شيوعاً بالنص الماسوري، وهي النسخة العبرية الأكثر موثوقيةً للتوراة. ولكنها ليست نسخة التوراة الوحيدة؛ فثمة نسخة أخرى يعود تاريخها إلى الفترة نفسها التي كُتبت فيها النسخة الماسورية. ما هي هذه النسخة وما قصتها؟

تعود النسخة التوراة الأخرى إلى جماعة السامريين أو الإسرائيليين السامريين، وهي جماعة يعود تاريخها العرقي والديني إلى إسرائيل القديمة؛ لأنها عاشت بالتزامن مع الشعب اليهودي القديم. ولطالما ارتبطت هويتها بحالة من الجدل والتخبط، لارتباطها الوثيق بالشعب الإسرائيلي واختلافها معه في العديد من المعتقدات الجوهرية في الوقت نفسه.

يعدّ السامريون أنفسهم شعب الله الحقيقي، وأصحاب التوراة الحقيقية، كما أنهم لا يؤمنون بأي أسفار أخرى غير الأسفار الخمسة لموسى، استناداً إلى ما جاء في سفر التثنية: "وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى الَّذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهاً لِوَجْهٍ" (تث 34: 10).

هذا النص التوراتي أصبح بمثابة حجر الزاوية بالنسبة للعقيدة السامرية، إذ تَعاملَ معه السامريون على نحو حرفيّ، ما قادهم إلى حذف باقي الأسفار النبوية والأدبية من كتابهم المقدس، لإيمانهم بأن الله لم يكلّم أنبياء غير موسى. أما عن كتب التفسير وكتب الصلوات، فلدى السامريين كتبهم الخاصة التي تعتمد فقط على الأسفار الخمسة.

ثمة نسخة أخرى من التوراة يعود تاريخها إلى الفترة نفسها التي كُتبت فيها النسخة الماسورية، وتعود إلى جماعة السامريين أو الإسرائيليين السامريين

ومن المسلّم به أن القدس/أورشليم هي المدينة الأكثر قداسةً في الديانة اليهودية، لاحتوائها على الهيكل الذي بناه سليمان ليكون مركزاً لعبادة الله. ومع ذلك، يرى السامريون أنه قد شُيّد في المكان الخطأ، وأن المكان الصحيح للهيكل هو جبل جرزيم، الواقع بالقرب من شكيم القديمة، على بعد نحو 30 ميلاً شمال القدس، في الضفة الغربية. وتعود أصول هذا الاعتقاد إلى النص السامري للتوراة الذي يحتوي على وصية خاصة بتشييد مذبح على جرزيم من حجارة كبيرة مطلية ومكتوبة عليها كلمات التوراة، عقب الوصايا العشر مباشرةً.

ومن الجدير بالذكر أنه لا وجود لهذه الوصية في النسخة الماسورية من التوراة، وأن وجودها يقتصر فقط على النص السامري. ويذكّرنا هذا بما قالته المرأة السامرية في القصة الشهيرة لمقابلة المسيح والمرأة السامرية في العهد الجديد: "آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ" (يو 4: 20). وهي بذلك تشير إلى الجدل الأهم بين اليهود والسامريين.

ويشترك السامريون مع اليهود في انتظار مجيء المسيح الأول ليجمع بني إسرائيل حوله، ولكنهم يعتقدون أنه سيظهر على جبل جرزيم. كما يتفق اليهود والسامريون في تعريف أنفسهم كأحفاد يعقوب/إسرائيل، وينسبون أصلهم تحديداً إلى السبطين أفرايم ومنسى في الشمال، وهما ذرية يعقوب من ابنه يوسف. أما باقي اليهود، فينسبون أنفسهم إلى مملكة يهوذا في الجنوب. ولذلك، ليس من قبيل الصدفة أن اللقاء بين المسيح والمرأة السامرية يقع بالقرب من القرية التي وهبها يعقوب لابنه يوسف.

توجد العديد من الاختلافات الأخرى بين نسختي التوراة، اليهودية والسامرية، وقد وصل عددها إلى 6،000 اختلاف، حسب المؤرخ بنيامين تيسيديكا، ويمكن تصنيفها بين اختلافات لغوية بسيطة، واختلافات جوهرية تغيّر مضمون النص.

وفي السابق، عدّ الباحثون النسخة السامرية مجرد نسخة لاحقة للنسخة الماسورية، أجرى عليها السامريون بعض التعديلات فحسب.

يعدّ السامريون أنفسهم شعب الله الحقيقي، وأصحاب التوراة الحقيقية، كما أنهم لا يؤمنون بأي أسفار أخرى غير أسفار موسى الخمسة.

ولكن، في القرن التاسع عشر، ومع المخطوطات الجديدة المكتشفة، أعاد الباحثون التفكيرَ في تاريخ النسخة السامرية، لما تحويه من أوجه تشابه متعددة مع الترجمة السبعينية ومخطوطات البحر الميت.

فالترجمة السبعينية، وهي ترجمة يونانية صدرت في القرن الثاني قبل الميلاد، تتفق مع النسخة السامرية في أكثر من 6،000 قاسم مشترك، وبذلك هي أقرب إلى التوراة السامرية، إذا قارنّاها بالنص الماسوري اليهودي.

ويتضح كذلك أن مخطوطات البحر الميت "قمران"، أيضاً تُعدّ أقرب إلى النسخة السامرية، وهي مخطوطات كُتبت قبل العام 100 ق.م، عُثر عليها في خمسينيات القرن الماضي.

واكتشف باحثون قطعةً وسط مخطوطات "قمران" من تثنية 27: 4، تتفق مع النص السامري، ويرجع تاريخها إلى سنة 175 ق.م تقريباً، وقد اجتذب هذا الاكتشاف اهتماماً كبيراً في الدراسات الكتابية، لأنه يذكر جبل جرزيم ووصيةً إلهيةً ببناء هيكل هناك.

هذا الاكتشاف فريد من نوعه ليس فقط لأن النص عُثر عليه مكتوباً بالخط اليهودي الحشموني، الذي لم يستخدمه السامريون مطلقاً عند كتابة التوراة، ولكن أيضاً لأنه عُثر عليه في "قمران" بين النصوص اليهودية، ومع ذلك فهو يتفق مع الأسفار السامرية؛ فحتى إن افترضنا أن سامرياً كتب هذا النص بالخط الحشموني، لا يمكننا أن نعرف كيف وصل النص إلى الطائفة اليهودية في "قمران" التي بطبيعتها كانت معارضةً لفكرة جبل جرزيم السامري.

ظل الجدل قائماً حول أقدمية النصّين، لكن لم يصل العلماء إلى إجابة قاطعة بخصوص النسخة الأقدم للتوراة، لكن ما أجمعوا عليه هو تنوع الكتاب المقدس اليهودي، وإمكانية قبوله للتعددية والجدل، واعتبار النسخ في مجملها اجتهادات متزامنةً لنقل تاريخ الشعب الإسرائيلي وديانته للأجيال اللاحقة.

وبرغم ذلك، احتلت تيمة العداء بين اليهود والسامريين مكانةً ليست بهيّنة في الكتاب المقدس المسيحي، ويتضح حجم هذا العداء من سؤال المرأة السامرية للمسيح: "كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية، لأن اليهود لا يعاملون السامريين" (يو 9:4).

ويرى اليهود الأرثوذكس أن السامريين ليسوا من بني إسرائيل على الإطلاق، ولكنهم جاءوا إلى إسرائيل مع الملك الآشوري عندما غزا إسرائيل (722-720 ق. م)، ونفى شعبها. ولكن، وفقاً للدراسات الجينية، هناك تماثل شديد بين الحمض النووي للسامريين واليهود، وهو ما يثبت خطأ هذه الفرضية، فالكروموسومات السامرية أقرب بشكل كبير إلى تلك الموجودة لدى الجماعات اليهودية منها إلى تلك التي لدى الفلسطينيين. كما أن الاختبارات الدقيقة استطاعت أن تميّز قليلاً بين السامريين والفلسطينيين، ولكنها لم تميّز بين السامريين واليهود.

وفقاً للمؤرخ السامري بينيامين تيسيداكا، بلغ عدد السامريين الإسرائيليين 1،500،000 سامريّ. وقد تعرضوا للاضطهاد والقتل بسبب ممارسة شعائرهم الدينية القديمة على يد اليونانيين، والرومان، والبيزنطيين، والعرب، والصليبيين، والمماليك، والعثمانيين. وبحلول عام 1919، لم يتبقَّ سوى 141 سامرياً. وازداد عدد السامريين اليوم إلى أكثر من 800 شخص، يعيش نصفهم في حولون (جنوبي تل أبيب)، والنصف الآخر في جبل جرزيم في الضفة الغربية.

توجد العديد من الاختلافات بين نسختَي التوراة، اليهودية والسامرية، وقد وصل عددها إلى 6،000 اختلاف، حسب المؤرخ بينيامين تيسيديكا، ويمكن تصنيفها بين اختلافات لغوية بسيطة، واختلافات جوهرية تغيّر مضمون النص

فمن ناحية، عانى السامريون من الاضطهاد في بعض فترات الحكم العربي الإسلامي، بالأخص خلال عصر الدولة العباسية، في عهد الملك الناصر محمّد بن قلاوون. وفي عام 1841، أفتى بعض العلماء في نابلس بقتل السامريين؛ لأنهم ليسوا من أهل الكتاب، وأقرب إلى الوثنيين لعدم إيمانهم بالتوراة. ومن ناحية أخرى، لاقى السامريون رفضاً من اليهود. ودمْج السامريين في إسرائيل حديثاً لم يحدث بهذه السهولة. ففي عام 1970، غيّرت إسرائيل قانون العودة الصادر في عام 1951، ليشمل أطفال الزيجات المختلطة ولكنه لم يعترف بالسامريين كيهود. وقضت المحكمة الحاخامية العليا في منتصف الثمانينيات، بأنه تجب معاملة السامريين كالأمم (من لا ينتمون إلى اليهودية/من ليسوا من شعب الله). وفي عام 1992، أصبح هذا قانوناً رسمياً، لأن السامريين الإسرائيليين لم يولدوا لأمهات يهودية ولا يتّبعون الديانة اليهودية.

وبرغم العدد القليل للطائفة السامرية، وتحديداً النساء السامريات، تعهّد السامريون بالحفاظ على عقيدتهم وثقافتهم. وعلى غرار هذه الأحداث، فضّل السامريون النضال السلمي ورفعوا دعوى قضائيةً ضد وزارة الداخلية الإسرائيلية، واستندت قضيتهم إلى أنهم هم الممثلون الحقيقيون لشعب إسرائيل القديم. وفي النهاية، تم التوصل إلى نوع من التسوية، وألغت المحكمة قرارها لعام 1992، وجنى السامريون فوائد قانون العودة، ومُنحوا الجنسية الإسرائيلية مع الاحتفاظ ببطاقات هويتهم الفلسطينية.

وفي نابلس، يتحدث السامريون اللغتين العربية والعبرية معاً، ويفضّلون التعايش السلمي المحايد وسط الصراعات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. كما يشاركون في الانتخابات الفلسطينية والإسرائيلية، ولديهم مقعد في المجلس التشريعي الفلسطيني، ويتطلعون إلى السلام بين الطرفين ويعدّون أنفسهم حلقة الوصل بينهما. ولم يكن قبولهم في المجلس التشريعي الفلسطيني مجردَ اعتراف بأحقيتهم المشتركة في الوطن، ولكن حسب ما أشار نبيل شعث، وهو مسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية، كان هناك دافع سياسي وراء السماح للأقلية السامرية بالحصول على صوت في الحكومة الفلسطينية، وهو انتزاع الشرعية من إسرائيل باعتبار السامريين هم فقط يهود فلسطين الأصليين.

ويسعى السامريون إلى إرسال ممثلين عنهم إلى الولايات المتحدة ودول أوروبا للتعريف بأنفسهم كطائفة خاصة، تفتخر بالانتماء إلى الثقافتين، العربية والعبرية، معاً، وترى أن التعددية الثقافية ممكنة، إن أراد البشر ذلك.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

لا يزال الماضي يحكمنا ويمنعنا من التقدّم، ولا يزال فقهاء عصرنا ينسخون من أفكارٍ بعضها فاق عمره الألف سنة، من دون التفكير في العلاقة بين النص الديني والواقع المعيش، وهو ما نسعى يومياً إلى تحدّيه، عبر احتضان الأفكار التجديدية الساعية إلى بناء عقد اجتماعي جديد يحدد دور الدين في الحياة ويحرره من السلطة السياسية. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image