شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أحلام

أحلام "مونيكا" في مواجهة السلفية المسيحية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الاثنين 23 سبتمبر 202410:18 ص

انتشر بين أوساط المسيحيين في مصر مؤخراً على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، فيديو قصير مقتطع من لقاء البابا تواضروس مع بطلات فيلم "رفعت عيني للسما" أثناء تكريمهن الشهرالماضي، بعد فوز الفيلم بجائزة العين الذهبية بمهرجان "كان" السينمائي الأخير.

المقطع المنتشر عبارة عن حوار قصير بين البابا ومونيكا، إحدى بطلات الفيلم، وهي تتكلم فيه عن حبّها للمسرح والغناء وأحلامها الفنية، وأنها تحلم أن تصبح مثل المطربة "أصالة" التي تحبها.

تظهر مونيكا في الفيديو بابتسامة بريئة، وجاءت ردودها على أسئلة البابا عفوية وبتلقائية شديدة، دون تفكير بما قد يسبّب كلامها، رغم بساطته، من هلع في نفوس تيار كبير في المجتمع المسيحي المصري، يحتقر الفن والفنانين، ويكره التجديد ويخاف منه. تيار تربّى أصحابه على السمع والطاعة فقط، ينفّذون مقولة "ابن الطاعة تحلّ عليه البركة"، ولا يعلمون أنها ليست آية من الإنجيل المتمسكين بتعاليمه الحرفية، كالقابض على الجمر.

هجوم بعض المسيحيين على مونيكا وأحلامها ليس مفاجأة، لا على المستوى الشخصي للفتاة التي تعرّضت لنفس الهجوم وأعنف من الدوائر الأقرب منها لنفس الأسباب، أو على المستوى العام/ من خلال تعليقات البعض على أحد المقاطع جاء عنوانه هكذا: "عفواً يا آباء هذا ليس دور الكنيسة على الإطلاق، بكل الحب والاحترام نقول هذا ليس دورنا الكنسي، أن تصبح بعض الأنشطة الكنسية الباب الخلفي للوصول هذه الأمور".

المقطع المنتشر عبارة عن حوار قصير بين البابا ومونيكا، إحدى بطلات الفيلم، وهي تتكلم فيه عن حبّها للمسرح والغناء وأحلامها الفنية، وأنها تحلم أن تصبح مثل المطربة "أصالة" التي تحبها

وأسفل مقاطع مشابهة تتبارى التعليقات في توجيه السهام للفتاة وأهلها، وحتى على كهنة الكنيسة أنفسهم، عندما حاول أحد الكهنة الدفاع عن الفتاة واعتبارها "أول مرة تغلط"، لكن المعلّقين أثبتوا أنهم ملكيون أكثر من الملك.

فبعض أتباع الطائفة الأرثوذكسية في مصر، والتي تنتمي لها مونيكا ويترأسها البابا تواضروس، خصوصاً من قام بالتعليق على مواقع التواصل، يميلون إلى الأصولية في أفكارهم ومعتقداتهم ورؤيتهم للعالم. وهناك مجموعة منهم وصلت للهجوم على رأس الكنيسة شخصياً بسبب محاولات التجديد التي يقوم بها وتقاربه مع الطوائف المسيحية الأخرى. ويعتبرون البابا نفسه لا يطبق تعاليم الكتاب والآباء الأوائل في بعض المواقف، ويرفضون الموسيقى والغناء خارج "كورال الكنيسة" الذي يقدّم الترانيم والألحان القبطية فقط. ولا فن وتمثيل إلا من خلال "المسرح الكنسي" الذي يقدّم سير القديسين والآباء، وممنوعة ترانيم البروتستانت أو الكتب لطوائف أخرى غير الأرثوذكس، على سبيل المثال. ويفتخر هؤلاء بهذه الأفكار ويناهضون أي محاولة للتجديد، وأكثرهم تشدّداً جماعة يطلق عليها حماة الإيمان، لا يختلفون كثيراً عن الجماعات السلفية الإسلامية في أفكارهم الأصولية للدين والمجتمع.

في مقال له عن السلفية المسيحية، يقول الباحث إسحق إبراهيم "إن السلفية المسيحية أكبر من مجرّد تطرّف فكري عند البعض. لأنها تمثل تياراً معتبراً شبه منظّم داخل الكنيسة والأقباط". ويشير إلى وجود سلفية مسيحية تشترك مع نظيرتها الإسلامية في رؤيتها المحافظة، ومحاولة فرضها عنوة، ومنع الاتجاهات والآراء الدينية المخالفة لها. كلاهما يعتبر نفسه مالك التوكيل الحصري للحديث عن الدين وتفسيره. ويؤمن السلفيون المسيحيون بالتفسير الحرفي للكتاب المقدس، ويقدسون الرسل وآباء الكنيسة حتى الذين فارقوا الحياة منذ بضع سنوات، يعاملون أقوالهم وكأنها نصوص دينية لا تمس، فالنص أهم من الإنسان وحياته وراحته.

وبالنظر إلى "فيديو مونيكا" ومحاولة تحليل ما جاء فيه، فالبنت قالت: "إنها ابنة الكنيسة وتحب المسرح الكنسي والترانيم"، رغم ذلك لم يشفع لها قولها هذا وإيمانها الواضح، فبمجرد ذكرها لاسم مطربة تعتبرها مثلها الأعلى، حتى لاحظت، كما غيري، الدهشة التي ظهرت على ملامح البابا تواضروس من تلقائية مونيكا.

ظهر ذلك في سؤاله لها مستغرباً عن دور أهلها ورأيهم في ما تفعله، وهو ما قد يُفهم في سياق: "فين أهل البنت دي؟"، وأين دور الكنيسة في حمايتها من هذه الأفكار وتقويمها، وهو ما يواجهه كل شاب أو شابة يحاول اختيار طريق حياة مختلفاً عن السياق العام للجماعة المسيحية، أو حتى  في محاولة النقاش في أمور فلسفية تخصّ الدين والله، أو مناقشة السلطات الممنوحة لرجال الدين للسيطرة على عقول هؤلاء مبكراً.

بديهي أن تعاني من هذه الوصاية الفتيات والنساء أكثر من الفئات الأخرى في المجتمع المسيحي، وكما أن هناك شيوخاً يتحدّثون عن المرأة أكثر من الدين، ولا همّ لهم ليل نهار سوى مهاجمتها والحطّ من قدرها، هناك أيضاً قساوسة انتشر عنهم الحديث عن ملابس السيدات في الأفراح المسيحية والأعياد

وبديهي أن تعاني من هذه الوصاية الفتيات والنساء أكثر من الفئات الأخرى في المجتمع المسيحي، وكما أن هناك شيوخاً يتحدّثون عن المرأة أكثر من الدين، ولا همّ لهم ليل نهار سوى مهاجمتها والحطّ من قدرها، هناك أيضاً قساوسة أرثوذوكس انتشر عنهم الحديث عن ملابس السيدات في الأفراح المسيحية والأعياد، والتحكّم حتى في الأسرار الكنسية المقدّسة، بمعاقبة المخالفات بالحرمان من التناول لكل فتاة أو امرأة لا ترتدي ملابس بأكمام كاملة في الكنيسة.

وبالنسبة لمونيكا وباقي زميلاتها، عضوات فريق "بانوراما برشا"، وبحكم معرفتي بهن والعمل معهن لعدة سنوات في بداية مشوارهن، فقد كنت شاهداً على سوء معاملة بعض رجال الدين في القرية لكل فتاة تفكّر في المشاركة بالفريق والتمثيل في الشارع كما يفعلن. واعتبارهن فتيات "قليلات الرباية"، والتحريض المجتمعي غير العلني  ضدّ هؤلاء الفتيات، وبطريقة صريحة عند مخاطبة أولياء أمورهن، الذين قام أغلبهم بمنع بناته من المشاركة في التمثيل والغناء مع الفريق، ما جعل الفريق يشعر طوال الوقت أنه منبوذ من الكنيسة والأهالي التي تمتليء عقولهم بأفكار رجعية عن الفن والفنانين، لا بسبب القبلية فقط، ولكن بسبب رجال الدين الذين يتدخّلون في كل تفصيلة في حياتهم هنا في القرى، قبل أن يتغيّر كل ذلك إلى النقيض تماماً، مع وصول البنات إلى منصّات التتويج العالمية، وتكريمهن من جهات رسمية وشهرتهن الإعلامية، حيث تسابقت الكنائس على استضافتهن كنماذج مشرّفة لأبناء الكنيسة يجب أن نفتخر بهن.

ولا أجد مبرّراً أن تقوم الكنيسة والمطرانية والكاتدرائية في تكريم الفريق سوى أنه محاولة بائسة لاستغلال نجاح هؤلاء البنات الصعيديات المكافحات، اللواتي لم يقف أحد بجوارهن من قبل، وذلك للتأكيد على احترام السلطة الدينية والمجتمع المسيحي للفن والفنانين، وهو ما ينافي الحقيقة. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard