شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
في ظل الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان... ما هي سبل نجاة المرأة الحامل؟

في ظل الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان... ما هي سبل نجاة المرأة الحامل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الأحد 6 أكتوبر 202409:50 ص

مش ع الهامش

"كادت أختي أن تفقد جنينها في غارة إسرائيلية جنوب لبنان". قبل أسابيع، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، بخبر دخول امرأة حامل إلى أحد المستشفيات في جنوب لبنان، إثر تعرّض حملها للخطر بسبب "الخوف الشديد" من غارات إسرائيلية وقعت بالقرب من منطقة سكنها في بلدة عبا، في قضاء النبطية.

تروي شقيقة المرأة الحامل، رنا (وهو اسم مستعار بناءً على طلب المصدر)، لرصيف22، أن شقيقتها كانت في منزلها القريب جداً من مكان الغارة، وهي في الأشهر الأولى من الحمل، فأحسّت بخوف شديد سبّب لها نزيفاً، ما استدعى دخولها بشكل طارئ إلى المستشفى بعد نقلها في سيارة إسعاف. "أحسّت شقيقتي بالخوف الشديد على جنينها واعتقدت أنها فقدته، إلا أن العناية الإلهية حالت دون وقوع ذلك، ومنذ ذلك اليوم وهي تتناول حُقَناً لتثبيت الحمل بحسب توصية الطبيبة المتابعة لحالتها"، تقول رنا.

عادةً ما تكون النساء "الخاسر الأكبر" في زمن الحروب والصراعات، وفي لبنان والجنوب تحديداً، كأن لهنّ نصيباً لا يستهان به من المعاناة، خصوصاً مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية لنحو العام وتصعيدها منذ 23 أيلول/ سبتمبر المنقضي.

وفق التقديرات الرسمية اللبنانية، تسبّب التصعيد الأخير في نزوح مليون شخص في لبنان، بعضهم نزحوا عدة مرات. يشمل هذا الرقم مئات النساء الحوامل اللواتي اضطررن إلى تغيير منازلهنّ والسكن في أماكن مكتظة وغير مجهزة بالكامل، أو النزوح إلى أماكن ليست فيها مراكز رعاية طبية، وتالياً تغيير الأماكن السابقة التي كنّ سيلجأن إليها لإتمام عملية الولادة بصورة آمنة.

يضاف إلى ذلك التقارير الرسمية حول تعرّض المنازل والبنية التحتية الحيوية إلى أضرار جسيمة، ما ترك عشرات الآلاف من الأشخاص بلا خدمات أساسية.

وتسبّبت الاضطرابات في حرمان أكثر من 200 ألف شخص من المياه النظيفة، وفق تقرير أممي صادر في آب/ أغسطس 2024، ويُعتقد أن هذا الرقم تضاعف بعد التصعيد الأخير. ويترتب على الافتقار إلى المياه النظيفة زيادة خطر تفشي الأمراض، مع احتمال ازدياد الوضع سوءاً إذا لم يتم تحسين الوصول إلى القرى الأكثر تأثّراً. علاوة على تراجع فرص العناية بالنظافة الشخصية خاصةً للحوامل.

"نزحت وأنا حامل في شهري الثامن من عيتا الشعب، إلى صور، ومن صور إلى الغسانية، والآن أسكن في منزل بالقرب من مفرق بلدة العباسية الجنوبية"، تحكي حوراء سرور، التي نزحت أكثر من مرة وهي حامل. تروي لرصيف22 بمرارة: "مررت بالعديد من الصعوبات خلال فترة الحمل، وعلى الأصعدة كافة"

"نزحت وأنا حامل في شهري الثامن من عيتا الشعب (في قضاء بنت جبيل)، إلى صور، ومن صور إلى الغسانية (جنوب لبنان)، والآن أسكن في منزل بالقرب من مفرق بلدة العباسية الجنوبية"، تحكي حوراء سرور، التي نزحت أكثر من مرة قبل أشهر، وهي حامل. تروي لرصيف22 بمرارة: "مررت بالعديد من الصعوبات خلال فترة الحمل، وعلى الأصعدة كافة. في حملي الأوّل تعرضت لحادث أدّى إلى إسقاط الجنين، وعندما حملت للمرة الثانية، طلب مني الطبيب أن أبقى مستلقيةً طوال الوقت وأحصل على الراحة التامة للحفاظ على الحمل، في ظل وضع دقيق جداً خصوصاً مع النزوح والتنقل المستمر، والحالة النفسية الصعبة التي تفاقمت بسبب سقوط شهداء مقربين من العائلة".

غياب حكومي شبه كامل

اشتكى النازحون منذ بداية الأزمة غياب الدولة وخدماتها شبه التام في مختلف المناطق والمراكز التي نزحوا إليها، وتبقى المساعدة الأساسية مقدّمة من مؤسسات المجتمع المدني التي استطاعت تلبية الاحتياجات الأساسية للنازحين/ ات.

سجّلت المناطق الحدودية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وحتى آب/ أغسطس المنصرم، 16 هجوماً إسرائيلياً على مراكز الرعاية الصحية، ومقتل 21 مسعفاً بقصف إسرائيلي، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

وفقاً لشهود عيان تحدّث إليهم رصيف22، فإن الدولة اللبنانية لم تقم بخطة طوارئ متعلقة بالأزمة المستجدة في الجنوب، لذا قامت بعض المؤسسات الخاصة بالعمل على مساعدة النازحين والنساء منهم على نحو خاص، ومنها مؤسسة "عامل" التي تعمل منذ ما قبل اندلاع الأزمة في المنطقة، من خلال تخصيص مشروع بشكل مباشر للنساء الحوامل، جرى خلاله دعمهنّ بجلسات دعم نفسي اجتماعي متخصّصة، وجلسات تدريب على الولادة والرضاعة الطبيعية وغيرهما من الخدمات التوعوية والعلاجية.

من منزل إلى آخر

"عانيت كثيراً في فترة حملي، فأنا في الشهر السابع وسأدخل شهري الثامن قريباً. تنقلنا خلال هذه الفترة بين منازل عدة، ما أثّر بالطبع على الوضع المادي للعائلة"، تقول أمل ديب، السيدة الجنوبية التي تركت منزلها في شيحين واستقرت في منطقة المساكن الشعبية في صور.

عن القلق والتوتر الدائمين وكيف أثّرا بشكل مباشر على حملها، تقول ديب إنها عانت من "مشكلات صحية عديدة كالالتهابات القوية وفقر الدم ونقص الحديد، وهي مسائل تؤثّر عادةً على صحة الجنين، إلا أنني آمل أن ألد بسلامة". أما في ما يتعلق بمدى الاهتمام الحكومي بمسألة النزوح، فتؤكّد أمل: "لم يتواصل معنا أحد لسؤالنا عن أحوالنا ومعاناتنا". وعن التخطيط للولادة، توضح أن زوجها يعمل في السلك العسكري، وتالياً تكاليف الولادة ستكون مؤمّنةً.

الفوسفور الأبيض يزيد المخاطر

لم تقتصر معاناة النساء عند هذا الحدّ، بل أصبح الخوف مضاعفاً بعد بدء إسرائيل باستخدام الفوسفور الأبيض في قصفها المتواصل على جنوب لبنان. في تقرير نشرته هيومن رايتس ووتش، في حزيران/ يونيو المنصرم، جرى توثيق استخدام الفوسفور الأبيض ضد مناطق في جنوب لبنان، وهو ما يعرّض حياة المدنيين للخطر.

تحقّقت المنظمة الحقوقية الدولية من استخدام الفوسفور الأبيض في 17 بلدةً، خلال الفترة بين تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وحزيران/ يونيو 2024. وفي غزّة، التي تعرّضت لاعتداءات إسرائيلية عديدة باستخدام الفوسفور الأبيض، ظهرت نسبة كبيرة من المواليد الذين لديهم تشوّهات خلقية.

والفوسفور الأبيض مادة كيميائية مستخدمة في قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ، يحرّم القانون الدولي استخدامها في الحروب بشكل عشوائي، لأنها تسبّب الوفاة أو الإصابات القاسية التي تؤدي إلى معاناة مدى الحياة.

وفي دراسة نُشرت عام 2012، قام بها فريق من الباحثين الفلسطينيين والإيطاليين في مستشفى الشفاء في قطاع غزّة، حيث تحدث 28% من إجمالي الولادات في القطاع، تبيّن أن هناك "ارتباطاً قوياً بين العيوب الخلقية لدى المواليد وتعرّض الوالدين لهجمات بالفوسفور الأبيض". ففي التسجيل عند الولادة، أعلن 27% من الآباء الذين لديهم أطفال مصابون بعيوب خلقية تعرّضهم للفوسفور الأبيض، بينما أعلن 1.7% فقط من الآباء الذين لديهم أطفال بلا تشوهات خلقية عن تعرّضهم له.

احتياجات ملحّة

وفقاً لشهود عيان تحدّث إليهم رصيف22، فإن الدولة اللبنانية لم تقم بخطة طوارئ متعلقة بالأزمة المستجدة في الجنوب، لذا قامت بعض المؤسسات الخاصة بالعمل على مساعدة النازحين والنساء منهم على نحو خاص، ومنها مؤسسة "عامل" التي تعمل منذ ما قبل اندلاع الأزمة في المنطقة، من خلال تخصيص مشروع بشكل مباشر للنساء الحوامل، جرى خلاله دعمهنّ بجلسات دعم نفسي اجتماعي متخصّصة، وجلسات تدريب على الولادة والرضاعة الطبيعية وغيرهما من الخدمات التوعوية والعلاجية.

​​يؤكد مرتضى مهنا، مدير وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات قضاء صور، في حديث إلى رصيف22، أن الاهتمام بشؤون النازحين والنازحات في قضاء صور يُعدّ كبيراً ويغطي الفئات كافة، كما أن الوحدة تعمل بشكل مستمر لمساعدة النازحين وتلبية احتياجاتهم وهي تنفّذ خطة الطوارئ الرسمية التي وُضعت بشكل رسمي لمحافظة الجنوب بحذافيرها.

تشرح المنسقة الميدانية في برنامج الحماية في مؤسسة عامل لرصيف22، آلاء زريق، طريقة عمل المؤسسة على الأرض، فتقول إن "عامل" تعمل وفقاً لدراسة عامة للاحتياجات المستجدة والمترافقة مع ظروف النزوح، فمن خلال وجود فريق العمل في مراكز الإيواء وعبر الزيارات المنزلية للنازحين يتم وضع سلّم الأولويات والتي غالباً ما تتمحور حول الحاجات الأساسيّة من طعام وشراب، ومأوى، وطبابة.

وعن الاحتياجات التي لم تلبّها أي جهة حتى الآن عند الحوامل في هذه المناطق، تقول زريق: "الخدمات المقدّمة تُعدّ أقلّ من الحاجة الفعلية، خصوصاً مع غياب الدولة عن الساحة. فالجمعيات الإنسانية تدعم ولكن دعمها متواضع، بالإضافة إلى عدم وجود جهات حكومية تقوم بتغطية كاملة لتكاليف الولادة في منطقة صور، خصوصاً أن بعض النساء يحتجن خلال فترة الحمل إلى حُقَن مسيّل خاصةً كلفتها مرتفعة". وتلفت المسؤولة الخدمية إلى أن أكبر تحدٍ يمكن أن يواجه المؤسسة يكون "في حال تشخيص حالة سرطان ثدي أو سرطان عنق رحم، إذ لا توجد جهات تغطّي تكلفة العلاج".

"صحة إنجابية غير سليمة"

وعن التحديات التي تُفرَض على الحامل في هذه الفترة، تقول مسؤولة قسم التمريض في مستشفى النجدة الشعبية في النبطية، سارة سلوم، لرصيف22: "هناك بعض النساء اللواتي لا يستطعن الذهاب إلى الطبيب لإجراء الفحوصات الطبية الدورية اللازمة خلال أشهر الحمل، بسبب الوضع المادي الذي خلّفه النزوح، بالإضافة إلى التخلّي في بعض الأحيان عن الأدوية اللازمة لصحة الجنين. فالأولوية المادية تُعطى لحاجات أخرى كالطعام واللباس والمسكن وغيرها، وتالياً قد تتأثّر صحة الجنين والأم ما يؤدّي إلى صحة إنجابية غير سليمة".

"هناك بعض النساء اللواتي لا يستطعن الذهاب إلى الطبيب لإجراء الفحوصات الطبية الدورية اللازمة خلال أشهر الحمل، بسبب الوضع المادي الذي خلّفه النزوح، بالإضافة إلى التخلّي في بعض الأحيان عن الأدوية اللازمة لصحة الجنين. فالأولوية المادية تُعطى لحاجات أخرى كالطعام واللباس والمسكن"

وفي دراسة نُشرت عام 2012، قام بها فريق من الباحثين الفلسطينيين والإيطاليين في مستشفى الشفاء في قطاع غزّة، حيث تحدث 28% من إجمالي الولادات في القطاع، تبيّن أن هناك "ارتباطاً قوياً بين العيوب الخلقية لدى المواليد وتعرّض الوالدين لهجمات بالفوسفور الأبيض". ففي التسجيل عند الولادة، أعلن 27% من الآباء الذين لديهم أطفال مصابون بعيوب خلقية تعرّضهم للفوسفور الأبيض، بينما أعلن 1.7% فقط من الآباء الذين لديهم أطفال بلا تشوهات خلقية عن تعرّضهم له.

تضيف سلوم أن "الصعوبات تنقسم إلى اجتماعية وأخرى اقتصادية، فالدخول إلى المستشفيات يُعدّ عبئاً مادياً كبيراً يقع على عاتق الأسر، وهذا ما نراه من خلال الحالات اليومية التي تمرّ معنا. بالإضافة إلى ذلك، فقد نزحت العديد من النساء إلى أماكن غير صالحة من ناحية الاكتظاظ السكاني، وتالياً يصبح الهمّ الأكبر تأمين بيئة سكن صالحة لمولود جديد مع تأمين برنامج صحي متكامل له".

سلوم بيّنت أن عدد النساء اللواتي يتلقين مساعدةً ماديةً خصوصاً في ما يتعلق بالولادة في المستشفيات يُعدّ محدوداً جداً حتى الآن. فمراكز الرعاية الطبية لا تتوزّع بشكلٍ متساوٍ على المناطق، خصوصاً أن بعض البلدات لا تزال تشهد توتراً أمنياً مستمراً. ينعكس هذا الأمر على المراكز وقدرتها على تلبية احتياجات السكان بسبب صعوبة التنقل مثلاً. ولأن التكلفة لا تُعدّ رمزيةً لجميع الخدمات، فالحاجة المادية وغياب الخطة الدولية يشكّلان العائق الأكبر أمام برنامج صحي متكامل.

أنظمة صحية متهاوية

ما يفاقم الأوضاع سوءاً أن الأنظمة الصحية في لبنان تزداد تدهوراً مع كل أزمة اقتصادية وأمنية وسياسية إضافية، ومعها تتهاوى فكرة البيئة الصحية المتكاملة للنساء عموماً، وللحوامل والأمهات منهنّ خصوصاً.

وفي هذه الأزمة، عادت أولوية الاهتمام بصحة النساء إلى الواجهة، فمع اليقين بأن صحتهنّ لا تزال تُعدّ من "الكماليات" وتخرج من سلم الأولويات لدى وضع الخطط الحكومية، تزداد الأوضاع تعقيداً في وقت الحرب والأزمات عندما لا يستفيد أحد من أي خدمة مقدّمة من قبل الدولة التي تُعدّ شبه غائبة عن أولويات المواطنين في كل القطاعات.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image