شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"حليبي لم يعد كافياً"... أمهات يُعانين من اشتداد التوترات في جنوب لبنان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 8 ديسمبر 202310:44 ص


لم يكن خيار الاستعانة بحليب مصنّع لتغذية الطفلة إيلين، البالغة من العمر 5 أشهر، وارداً لدى والدتها سوزان (اسم مستعار) قبل اندلاع الاشتباكات على الحدود الجنوبية اللبنانية، فقد سمعت مراراً عن فوائد الرضاعة الطبيعية للأطفال الرضّع، إلاّ أنّ التوترات النفسيّة التي مرّت بها الأمّ، منذ نزوحها من بلدة البستان الحدودية، حالت دون رغبتها.

صعوبة الرضاعة الطبيعية

تتحدّث سوزان عن صعوبات النزوح: "من يغادر منزله لا يعرف الراحة، ولكن كان لا بدّ من النزوح إلى منطقة آمنة نتيجة القصف المستمرّ بالقرب من المنزل. توجّهنا بدايةً إلى صيدا، ثمّ انتقلنا إلى برجا، وأخيراً إلى منزل في برج رحال، يضمّ عائلات عدة هربت من القصف".

وتضيف لرصيف22: "كان إرضاع ابنتي بشكل طبيعي يسري على ما يُرام، إلا أنّني بسبب التوتر الذي أعيشه لم أعد قادرة على إشباعها، ووجدت نفسي مرغمة على إعطائها حليباً صناعياً إلى جانب حليب ثديَي الذي لم يعد كافياً وحده".

تُعبّر الأمّ عن شعورها بالحزن حيال عدم قدرتها على الاكتفاء بالرضاعة الطبيعية حتّى عمر السنتين، وتُضيف: "أردتُ أن أشبعها أكثر، لذلك حاولتُ أن آخذ بنصيحة أمّي من أجل زيادة كمية الحليب عبر تناول البيض مع الثوم، بالإضافة إلى الحلاوة الطحينية، لكن الأمر لم ينجح".

"كان إرضاع ابنتي بشكل طبيعي يسري على ما يُرام، إلا أنّني بسبب التوتر الذي أعيشه لم أعد قادرة على إشباعها، ووجدت نفسي مرغمة على إعطائها حليباً صناعياً إلى جانب حليب ثديَي الذي لم يعد كافياً وحده"

واللافت أن ارتفاع سعر حليب الأطفال، وسط انهيار القدرة الشرائية للمواطنين/ات، شكّل عبئاً إضافياً على العائلة: "زوجي توقّف عن العمل منذ نزوحنا، وكلّ ما نمتلكه من أموال نصرفه الآن على الحليب والحفاضات. تمنيتُ لو كان باستطاعتي أن أقتني لها الألعاب كغيرها من الأطفال، لكنّ الأولوية الآن للحليب، لذلك أقصى ما يمكنني أن أفعله هو إعطاؤها كاسة بلاستيكية لتلعب بها".

الرضاعة الطبيعية في الأزمات

عادةً ما تتأثر الرضاعة الطبيعية في حالات الأزمات، كالحروب والتوترات الأمنية والنزوح، دون أن يؤخذ الأمر على محمل الاهتمام، بالرغم من أن تأثّر الممارسات الأساسية لتغذية الرضع سينعكس على صحّتهم بشكل مباشر.

تُوفّر الرضاعة الطبيعية الحماية للأطفال الرضّع أثناء حالات الأزمات، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسف، ما يستدعي ضرورة توفير البيئة التي تشجّع المرأة على الرضاعة الطبيعية.

في هذا الصدد، تُشير رئيسة جمعية "لاكتيكا" لحماية الرضاعة الطبيعية في لبنان، مايا هزيم، إلى أنّه من الضروري الالتفات إلى الأمهات المرضعات أثناء الأزمات وتقديم الدعم اللازم لهنّ، شارحةً: "أولاً، يُعدّ توفير الأمان للطفل أمراً أساسياً في تلك الحالات، ولا يمكن أن يشعر الطفل بالأمان إلا عندما يكون بين أحضان والدته، إضافةً إلى أن الرضاعة الطبيعية يمكن أن تلعب دوراً في مضاعفة شعوره بالأمان".

وتستكمل حديثها لرصيف22: "ثانياً، إن نسبة انتشار الأمراض خلال الحروب والنزوح ترتفع بسبب عدم توفر الأدوية، التشرّد، الانتقال من مكان إلى آخر، عدم إمكانية التواصل مع الأطباء، إلا أن الرضاعة الطبيعية يمكن أن تشكّل الطريقة المثلى لتفادي إصابة الرضيع بالأمراض، لأن حليب الأم هو بمثابة مناعة ولقاح آمن للطفل".

يمكن أن يُعيق غياب المياه الصالحة للشرب عملية تحضير الحليب الصناعي، وفقاً لمايا هزيم، لأنّ تعقيم المياه ضروري، لذلك يمكن تفادي تلك المشاكل بالرضاعة الطبيعيّة والتركيز على مساعدة الأّم والطفل للحصول على التغذية.

وعليه، تعتبر هزيم أنه يجب ألا ننظر إلى مسألة الرضاعة على أنها ثانوية في ظل الأوضاع المتوترة، وعلى الحكومة أن تستعيد دورها في هذا الإطار، خصوصاً أن لديها دوراً أساسياً في نشر التوعية والتثقيف على كل الأراضي اللبنانية.

"قرّرت التوقف عن إرضاع طفلي"

بخلاف سوزان التي ما زالت تُحاول إرضاع ابنتها إلى جانب الحليب الصناعي، قرّرت مهى (28 عاماً) التوقف نهائياً عن إرضاع طفلها كريم، البالغ من العمر سبعة أشهر، وقد اتّخذت هذا القرار بعد نزوحها مع أطفالها الثلاثة من قرية كفرشوبا الجنوبية إلى مدينة بيروت، حيث يسكُن أقاربها.

تقول في حديثها إلى رصيف22: "العامل الأول الذي شجّعني على القيام بتلك الخطوة هو تأثّر كمية حليب الثدي بحالتي النفسية والجسدية، فمنذ اندلاع الأزمة لم أعد أحصل على الغذاء الجيد بسبب انسداد شهيتي، كما عانيت من الخوف والتوتر، خصوصاً أن زوجي بعيد عنّي، لم أعد أشعر بالأمان، وكلّ ذلك يؤثر على إدرار الحليب".

وتُضيف: "أما العامل الثاني، فهو الخوف من تطور الأزمة إلى حرب شاملة. أرى أنه على طفلتي أن تكون مستعدة لتناول الحليب المصنّع، لأنه حلّ أفضل في حالات الزحمة خلال النزوح والهروب من الحرب".

وتستدرك مهى حديثها بالقول: "الواحد ما الو خلق ع حاله، كيف سيُطعم ابنه؟".

وبرغم اقتناعها بالحاجة إلى الحليب الصناعي في تلك الظروف، إلاّ أن ثمن علبة الحليب بنظرها باهظ جداً: "علبة الحليب الأقل كلفة تبلغ عشرة دولار، وأنا أحتاج إلى علبتين على الأقل في الأسبوع، الأمر يشكّل عبئاً إضافياً، إلا أنه لا خيار أمامي سوى شراء الحليب كي أتمكن من إشباع طفلي".

مفاهيم خاطئة

تحذّر أخصائية التغذية والرضاعة الطبيعية سلام سالم، من انتشار الكثير من المفاهيم الخاطئة حول الرضاعة الطبيعية، والتي يمكن للأمهات النازحات، أو اللواتي يعشن ضمن بيئة متوتّرة، أن يتأثرن بها نتيجة انعدام الأمن والاستقرار.

"تعتقد الأمّ أن تعرّضها للحزن أو القلق أو الصدمة سيؤثر على إنتاج الحليب، إلاّ أنّ هذا الاعتقاد خاطئ، فالحالة النفسية من شأنها أن تؤثر فقط على سرعة تدفّق الحليب، أما الحليب فهو موجود". تقول سلام في حديثها إلى رصيف22، وتنصح الأم في تلك الحالة أن تتّبع بعض الاستراتيجيات لتحفّز إدرار الحليب، كزيادة التلامس الجسدي مع الطفل لتعزيز إفراز الحليب، القيام بتمارين التنفس، التخلي عن الأفكار السلبية أثناء الرضاعة واستبدالها بأفكار إيجابية والجلوس في مكان هادئ.

أمّا عن الاعتقاد السائد بأنّ الحزن والاكتئاب والتوتر يمكن أن ينتقلوا إلى الرضيع/ة عبر حليب الأمّ، فهو أيضاً خاطئ، وفق قولها: "هناك من يعتقد أن حليب الأم التي تشعر بالحزن قد يسمّم الطفل، ولكن على الأم أن تكون مُدركة أنه حتى لو كانت في حالة نفسية سيئة فلن تؤثر على طفلها إذا قامت بإرضاعه".

"تعتقد الأمّ أن تعرّضها للحزن أو القلق أو الصدمة سيؤثر على إنتاج الحليب، إلاّ أنّ هذا الاعتقاد خاطئ، فالحالة النفسية من شأنها أن تؤثر فقط على سرعة تدفّق الحليب، أما الحليب فهو موجود"

وبالرغم من أهمية انتباه الأم إلى نظامها الغذائي وشرب كميات كافية من المياه، إلا أنّ سوء التغذية لن يؤثر بشكل كبير على إنتاج الحليب ولن يُعيقها عن عملية الرضاعة الطبيعية، وفقاً لسلام.

من هنا، تعتبر أخصائية الرضاعة، أن عدم المعرفة هو العامل الأول الذي يمكن أن يؤثر على الرضاعة الطبيعية، بما في ذلك معرفة علامات الشبع لدى الطفل، لأنّ الكثير من الأمهات المرضعات يعتقدن خاطئات أنهنّ غير قادرات على إشباع اطفالهنّ. أمّا العامل الثاني، فهو عدم حصولها على الدعم الكافي من المحيط، وتوجيه اللوم إلى الأم باعتبار حليبها غير كاف لإشباع الرضيع.

اهميّة الرضاعة الطبيعية

تُشير دراسة نُشرت في مجلة "لانسيت" الطبية، إلى أن الرضاعة الطبيعية يمكن أن تنقذ حياة 800 ألف طفل سنوياً حول العالم، بسبب التأثيرات الوقائية الطبيعية لحليب الثدي.

بدورها، تشجّع الأخصائية سلام الأمهات النازحات على الرضاعة الطبيعية، لما تحمله من فوائد كثيرة بالنسبة للأطفال، فهم يصبحون أقل عرضة للإصابة بالتهاب الأذنين، التهاب المجرى التنفسي، التهاب الأمعاء، وأقل عرضة للإصابة بأمراض مزمنة في المستقبل.

 "على الأم أن تحاول الاعتماد على حليبها، خصوصاً أن التوقف عن الإرضاع سيخفّف من إنتاج الحليب، والحليب الصناعي لا يتمّ تقديمه عادة طيلة فترة الأزمة، لذلك ستجد صعوبة في تأمين نوع الحليب نفسه وصعوبة في دفع ثمنه بسبب الغلاء"

كذلك بالنسبة للمرأة، توضّح سلام أن الأم المرضعة هي أقل عرضة للإصابة بسرطان الثدي وسرطان الرحم، والإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، والتعرض لنزيف ما بعد الولادة، كما أن الأم المرضعة تحرق 50 سعرة حرارية إضافية، لذلك يمكنها أن تخسر وزناً بشكل أسرع من الأم غير المرضعة، فضلاً عن أن الرضاعة الطبيعية يمكن أن تُشكّل وسيلة لمنع الحمل تحمي بنسبة 98% في حال غياب الدورة الشهرية.

تحذيرات أساسية

انطلاقاً من فوائد الرضاعة الطبيعية، تُشدّد رئيسة جمعية "لاكتيكا"، مايا هزيم، على أهميّة تحفيز الأمهات على الرضاعة، وتشجيعهنّ وإعطائهنّ الدعم المعنوي في ظلّ التوترات التي تعيشها البلاد.

وتحذّر هزيم الأمهات النازحات من قبول مساعدات الحليب التي يتمّ تقديمها بشكل عشوائي: "على الأم أن تحاول الاعتماد على حليبها، خصوصاً أن التوقف عن الإرضاع سيخفّف من إنتاج الحليب، والحليب الصناعي لا يتمّ تقديمه عادة طيلة فترة الأزمة، لذلك ستجد صعوبة في تأمين نوع الحليب نفسه وصعوبة في دفع ثمنه بسبب الغلاء".

وتُكمل: "في حال الاعتماد على الحليب الصناعي، يجب عدم أخذ الحليب من مصادر غير موثوقة وبدون استشارة الطبيب/ة، ولضرورة الانتباه إلى تاريخ صلاحية علب الحليب، والانتباه لوجوب أن تكون غير مفتوحة".

هذا وتوصي مايا هزيم بأهمية تعلّم الطريقة الصحيحة لتحضير الحليب الصناعي في حال اضطرت الأم النازحة لاستخدامه، مع الالتفات إلى لزوم تعقيم المياه وزجاجة الرضاعة الصناعية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard