شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الشجرة والماعز، قصة مثيرة عمرها خمسة آلاف عام… ما أهميتها اليوم؟

الشجرة والماعز، قصة مثيرة عمرها خمسة آلاف عام… ما أهميتها اليوم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتاريخ

الثلاثاء 17 سبتمبر 202411:21 ص

"شجرة الأسوري"، أو "شجرة الأسوريك"، عنوان كتاب مؤلف من 800 كلمة ذي وزن مقطعي لفظي شبيه بالقصيدة، ومكتوب بالخط البارثي واللغة البارثية أو البارثية البهلوية، وهو أحد النصوص غير الدينية القليلة المتبقية بهذه اللغة. واللغة البهلوية، هي في الأصل لغة فارسية قديمة، كانت تُستخدم في مقاطعة "بارث" التاريخية في إيران.

كانت اللغة البهلوية سائدةً في مقاطعة بارث، خلال الفترة الساسانية (آخر إمبراطورية إيرانية قبل الإسلام)، وكانت اللغة الرسمية للإمبراطورية الساسانية تُسمّى اللغة البارسيكية، لأنها أساساً انتشرت من مقاطعة بارس (فارس)، ومنذ القرن الثالث الهجري (القرن التاسع للميلاد) فصاعداً، تم تطبيق مصطلح الفارسي أو الفارسية على اللغة الفارسية المتداولة، وتم استخدام مصطلح بَهلَوي للّغة المستخدمة في النصوص الزرادشتية فحسب. بمعنى آخر، فإن كلمة بهلوي، التي تم تطبيقها فقط على اللغة البارثية خلال العصر الساساني، تم استخدامها في الفترة الإسلامية باسم البهلوية أو الفهلوية. اليوم، تُذكر اللغة التي نشأت في مقاطعة بارث، على أنها اللغة البارثية أو البهلوية أو البارثية البهلوية، واللغة الرسمية للإمبراطورية الساسانية تُعرف بالفارسية الوسطى أو البهلوية الساسانية.

يروي النص الرئيس لكتاب "شجرة الأسوريك"، قصة حوار بين شجرة آشورية أي النخلة ومعزاة، حيث تقوم كل منهما بِعَدّ فوائدها، ويؤدي هذا النقاش في النهاية إلى تفوّق الماعز على النخلة

"تذكار زريران" (بالفارسية: يادگار زَریران)، و"شجرة الأسوريك" (بالفارسية: دِرَخت آسوریگ)، كتابان يُعَدّان من النصوص غير الدينية المتبقية من اللغة البهلوية، ويروي النص الرئيس لكتاب "شجرة الأسوريك"، قصة حوار بين شجرة آشورية أي النخلة ومعزاة، حيث تقوم كل منهما بِعَدّ فوائدها، ويؤدي هذا النقاش في النهاية إلى تفوّق الماعز على النخلة.

الماعز والنخلة

كتاب "شجرة الأسوريك"، هو واحد من النصوص القليلة المتبقية من التراث الأدبي لإيران القديمة. والأدب الإيراني القديم يتكون من مجموعة قصص شفهية مكتوبة باللغات المادية والفارسية والسكيثية والأفِستائية، وغالبيتها نُقلت من خلال المصادر الدينية، مثل كتاب "الأفستا". وقد تُرجم نصّ كتاب "شجرة الأسوريك" إلى اللغة الفارسية الحديثة في كتاب "القصص الإيرانية"، للكاتب الإيراني أحمد تميم داري، والنص كالتالي:

"كانت في أرض سورستان (أرض آشور)، شجرة طويلة ذات فرع يابس، وكانت لها أوراق خضراء وفواكه حلوة، وفي أحد الأيام، تشاجرت تلك الشجرة الطويلة مع معزاة، وقالت لها: ‘أنا أفضل منك في أشياء كثيرة، فأنا آتي بثمر جديد كل فترة، ويأكل منه الملك؛ وأنا التي يصنعون من خشبها السفن، ويحيكون من ورقها مكانس وحبالاً يربطونك بها. ظِلّي يستريح تحته الملوك في الصيف، وأغصاني ماكنة تبني الطيور أعشاشها عليها، وأنا التي أبقى خضراء خالدةً إلى يوم القيامة’".

يمكن عدّ الماعز في هذه القصة ممثلةً للديانة الزرادشتية، والنخلة ممثلةً للديانة الآشورية. 

بعدما انتهت النخلة من حديثها، أجابتها الماعز: "أنت التي أوراقك بطول شَعر الشياطين، يجب أن تعلمي أنني أفضل من يستطيع عبادة دين المازديين (الزرداشتيين)، لأنهم يستخدمون حليبي لإطعام الآلهة، وأنا التي يزيّنون موائد الآلهة بلحمها، ويصنعون من جلدها أحزمةً يزيّنونها باللؤلؤ، كما يكتبون العقود على جلدها..."، وخرجت الماعز من هذه المعركة منتصرةً على النخلة.

ربما يمكن عدّ الماعز في هذه القصة ممثلةً للديانة الزرادشتية، والنخلة ممثلةً للديانة الآشورية، ويكون دليل تهوّر الماعز وقسوتها في المحادثة هذه، التفوقَ الاجتماعي لعبادة إله واحد لدى الزرادشتيين، بدلاً من عبادة الآشوريين لآلهة عدة من بينها الشجرة، وهذا الأمر كان السبب الرئيس لتفاخر الماعز على النخلة.

نص قديم من حكاية النخلة والماعز

كما أن هناك وجهة نظر أخرى، تُعدّ فيها النخلة رمزاً للعصر الزراعي، والماعز رمزاً للتطور والتحضر، وربما كانت النخلة رمزاً للسكون، والماعز رمزاً للحركة والديناميكية، خاصةً أن الماعز تقول للنخلة في جزء من هذه القصة: "أنت مثبّتة على الأرض مثل المسمار ولا يمكنك التجول بين الأراضي والأمم مثلي".

أقدم الرسوم المتحركة في التاريخ

تظهر قصة الماعز والنخلة، على أشكال مختلفة عبر تاريخ إيران، فمن بين ما عثر عليه علماء الآثار في المدينة المحترقة، آنية فخارية مرسومة عليها معزاة وشجرة، إذ تضرب الماعزُ الشجرة خمس مرات، وفي كل مرة تأكل أوراقها المتساقطة، ويقال إن هذا الفخار، الذي يُعدّ الآن أول الرسوم المتحركة في التاريخ، هو في الواقع رسم متحرك لقصة شجرة النخلة والماعزب.

الفخار القديم المكتشف في المدينة المحترقة بنقوش النخلة والماعز

عثر علماء الآثار الطليان في عام 1983، على هذا الإناء في المدينة المحترقة، وذلك في أثناء تنقيبهم في مقبرة يصل عمرها إلى خمسة آلاف عام. تمكّن الفنان، الذي استخدم إناء الطين كلوحة للرسم، من رسم معزاة تتحرك نحو الشجرة وتضربها خمس مرات، ثم تتغذى من أوراقها المتساقطة في كل مرة.

وتُعدّ المدينة المحترقة أحد المعالم التاريخية والقديمة للعصر البرونزي، حيث أنها زامنت عصر حضارة جيروفت في سيستان جنوب شرق إيران. ومع اكتشاف آنية الماعز والشجرة في هذه المنطقة، أصبحت العديد من النظريات حول قصة "الشجرة والماعز" تدلّ على أن تاريخ هذه القصة لا يقل عن خمسة آلاف عام.

الحرب بين الزرادشتيين والبابليين الآشوريين

يرى بعض الباحثين أن هذا النوع أو الأسلوب الأدبي من المناظرة، الذي يتمتع بخصائص الأدب الشفهي، قد تعلمه الإيرانيون من بلاد ما بين النهرين القديمة، كما يمكن رؤية أمثلة عليه في النصوص السومرية-الأكدية، حيث تُعدّ الحضارتان السومرية والأكدية أقدم الحضارات الإنسانية التي ظهرت في هذه المنطقة.

كتاب "شجرة الأسوريك"، هو واحد من النصوص القليلة المتبقية من التراث الأدبي لإيران القديمة. يتكوّن الأدب الإيراني القديم من مجموعة قصص شفهية مكتوبة باللغات المادية والفارسية والسكيثية والأفستائية

تأخرت الحضارة البابلية في الظهور مقارنةً بالحضارة السومرية في بلاد ما بين النهرين، حيث كانت سومر أول وأقوى دولة في هذه المنطقة، وجذب ظهور الحضارتين السومرية والعيلامية في بلاد ما بين النهرين، انتباه الساميين الذين كان يعيشون في سوريا وآشور، ما جرّهم تدريجياً إلى منطقة بلاد ما بين النهرين. بعد ذلك غزا الملك الأخميني كوروش، إمبراطورية بابل القوية عام 538 قبل الميلاد، ومن خلال ذلك أصبحت بابل جزءاً من الإمبراطورية الأخمينية. من هذا المنطلق، سمح كوروش لليهود بالدخول إلى هذه الأرض، فانتقل بعضهم إلى إيران، وبهذا تأثرت الحضارة الإيرانية القديمة بشكل قوي بالحضارة البابلية والسومرية.

نقوش النخلة والماعز

وبحسب بعض الباحثين، فإن الصراع بين الماعز وشجرة الأسوريك (النخلة)، يُظهر الصراع بين مجتمعين دينيين مختلفين، إذ تمثل الماعز الديانة الزرادشتية، والنخلة تمثل الديانة الآشورية والبابلية التي لعبت فيها عبادة الأشجار دوراً مهماً، لكن البعض الآخر رأى في هذا الصراع مظهراً من مظاهر الصراع بين حياة الماشية التي يُرمز إليها بالماعز، والحياة القائمة على الزراعة والتي تصوَّر على هيئة نخلة.

يرى المؤرخ الإيراني المعاصر برويز أذكايي أن الماعز رمز لجبال زاغروس، الواقعة غرب ومركز إيران، والنخيل رمز لبلاد ما بين النهرين، ويرمزان معاً إلى التعارض بين نظام الثروة الحيوانية والزراعة، كما يشير إلى أن هذه القصة هي المثال الوحيد لأعمال المناظرة والمحادثة في الأدب الفارسي قبل الإسلام، وهي بمثابة بداية هذا النوع من الأدب في إيران.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image