شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
هكذا يناور نتنياهو للهروب من مذكرات اعتقال المحكمة الدولية... فهل ينجح؟

هكذا يناور نتنياهو للهروب من مذكرات اعتقال المحكمة الدولية... فهل ينجح؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مثّل هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ضربة قوية للعقيدة الأمنية العسكرية الإسرائيلية، أحدثت ارتدادات داخلية في المجتمع الإسرائيلي على صعيد النخب السياسية والمؤسسات الأمنية والعسكرية وعلى الرأي العام الإسرائيلي.

ولكن مع استمرار الإخفاقات العسكرية في إحقاق "أهداف الحرب على غزة" التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وعدم القدرة على استعادة الأسرى الإسرائيليين، تعالت الأصوات داخل المجتمع الإسرائيلي حول ضرورة تشكيل لجنة تحقيق لبحث أسباب هذا الإخفاق الكبير.

لكن هذه المطالبات ووجهت برفض قوي من نتنياهو ، ولم يتم تشكيل أي لجنة تحقيق لبحث أسباب تلك الإخفاقات.

وفي تموز/ يوليو 2024، أكد بنيامين نتنياهو في خطاب أمام الكنيست رفضه المطلق للدعوات التي تطالب بإنشاء لجنة تحقيق حكومية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قائلا "أولاً أريد هزيمة حماس"، فيما وصفها محللون أنها محاولة جلية لتجنب إنشاء لجنة تحقيق مستقلة لا يقوم بتعيينها بنفسه، ولا تتألف من أفراد من المرجح أن يحققوا رغبته في تحميل المؤسسة الأمنية والعسكرية كامل المسؤولية عن أعظم كارثة حلت في تاريخ دولة إسرائيل.

تحول مفاجئ في موقف نتنياهو

في تحول مفاجئ في الموقف، طلب وزير العدل في الحكومة الإسرائيلية ياريف ليفين- بناءً على توصية من بنيامين نتنياهو- من المستشارة القضائي للحكومة غالي بهاراف ميارا، فتح تحقيق جنائي مع رئيس الوزراء ووزير الدفاع بخصوص حرب غزة.

وجاء في تقرير لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن التوصية سعت إلى الالتفاف على تحرك المحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت خلال الفترة المقبلة. إذ تهدف خطوة نتنياهو إلى فتح تحقيق في الحرب الجارية، ومن ثم إغلاقه، وتقديم تقرير إلى المحكمة الجنائية الدولية مفاده أنه تم التحقيق بالتهم من قبل إسرائيل، وبالتالي لا يتطلب الأمر تدخل المحكمة، استناداً إلى العلاقة التكاملية بين القضاء الوطني للدول والقضاء الدولي، كما نص عليه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وأوردت القناة 12 الإسرائيلية أن المستشارة القضائي للحكومة الإسرائيلية، غالي بهاراف ميارا، رفضت هذا الطلب بسبب انتفاء الأسس القانونية الكافية لفتح التحقيق، كونه تحقيقاً صوريّاً وشكليّاً لفحص الاتهامات الموجهة ضد المسؤولين الإسرائيليين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في قطاع غزة. معتبرةً إياه "خدعة صارخة ولن يرضي المحكمة الجنائية الدولية. ومن المرجح أن يلحق ضرراً أكثر بصورة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية لأن المتهم لا يمكنه تعيين المحقق".

تهدف خطوة نتنياهو إلى فتح تحقيق في الحرب الجارية، ومن ثم إغلاقه، وتقديم تقرير إلى المحكمة الجنائية الدولية مفاده أنه تم التحقيق بالتهم من قبل إسرائيل، وبالتالي لا يتطلب الأمر تدخل المحكمة

وجاء طلب وزير العدل ليفين، وهو حليف ومقرب جداً من لنتنياهو في حزب الليكود، بعد أن حث المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان المحكمة هذا الأسبوع على إصدار أوامر الاعتقال التي طلبها في أيار/ مايو 2024 ضد رئيس الوزراء ووزير الأمن والعديد من كبار شخصيات حماس "بأقصى قدر من السرعة".

وفي حال إصدار مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت، من المحتمل اعتقالهما لدى وصولهما إلى أي دولة من الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي، والتي يبلغ عددها 124 دولة. علماً بأن حالات سابقة سُجلت لدول لم تعتقل من صدر بحقهم مذكرات اعتقال من المحكمة. 

ماذا تقترح المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية؟

تطالب المستشارة القضائية للحكومة بإقامة لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاضي محكمة عليا سابق، لتفحص أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والأداء الحكومي، وأداء المخابرات والجيش، وصولاً إلى مجريات الحرب وإدارتها. بحيث يكون لدى هذه اللجنة صلاحيات كتوصيات بتقديم المتهمين إلى القضاء ومحاكمتهم"، يقول لرصيف22، إمطانس شحادة، مدير برنامج الدراسات عن إسرائيل في مركز مدى الكرمل في حيفا.

ويردف: "لكن بنيامين نتنياهو يرفض ذلك، لأن مثل تلك اللجنة سوف تفحص أداء الوزراء وأداء الحكومة والسلك السياسي، وليس المؤسسات الأمنية فحسب. ويصر على أن يقتصر التحقيق على أحداث ما بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 كونه سيرتبط بتحقيق المحكمة الدولية".

ويشير شحادة إلى أن المستشارة القضائية للحكومة ترى أن لجنة التحقيق الرسمية قادرة على التأثير بشكل إيجابي على قرار محكمة الجنايات الدولي، وبالتالي عدم إصدار أوامر لاعتقال نتنياهو وغالانت.

قدمت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية نصيحة لبنيامين نتنياهو بشكيل لجنة تحقيق مستقلة من أجل النظر في الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي في قطاع غزة، لأن تحقيقاً كهذا سيلبي "نقطة ضعف" في لمحكمة الجنائية الدولية، وهي قضية "التكاملية ما بين القضاء الوطني والقضاء الدولي".

ففي حال تشكيل لجنة تحقيق مستقلة والبدء بعمليات البحث والتحري وفحص الأدلة والإعلان عنها بشكل رسمي، فان العدالة الدولية لا تتدخل. ويتم قطع الطريق على المحكمة الجنائية الدولية لإصدار أي مذكرات تحقيق ضد نتنياهو وغالانت.

لكن بنيامين نتنياهو رفض النصيحة. فموافقته ستعني التحقيق معه شخصياً، وهو يعول على الضغط السياسي على المحكمة والدول الحليفة التي ينتمي إليها قضاة المحكمة الجنائية الدولية لمنع إصدار مذكرات التوقيف. علماً بأن 64 دولة من الدول الأعضاء في المحكمة أيدت إصدار المذكرات، بينما عارضتها 26 دولة. لكن القرار بإصدارها يعود إلى قضاة المحكمة وليس إلى الدول الأعضاء.

التهرب من الملاحقة

يرى المحاضر في دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية في جامعة رتغرز بولاية نيوجيرسي الأمريكية، عبد الحميد صيام، في حديثه لرصيف22 "أنه استناداً إلى النظام الداخلي لمحكمة الجنايات الدولية، هناك مسألة هامة وقد تكون خطيرة وهي التكامل في القضاء".

ويضيف شارحاً: "ذلك يعني أن الدولة التي ارتكب أفراد منها جرائم حرب، ولديها نظام عدالة مستقل تماماً، تستطيع أن تحقق في تلك الجرائم وأن تصدر أحكاماً ضدهم وتنفذها".

في هذه الحالة، من الممكن ألا تتدخل المحكمة الجنائية الدولية. وهنا تكمن الخطورة، بحسب صيام، لأن "إسرائيل قد تلتف على المحكمة الدولية. هكذا فعلت حين أقامت لجنة كهانا التي حققت في مجازر صبرا وشاتيلا وأدانت شارون بشكل غير مباشر وطلبت من الحكومة إعفاءه من منصب وزير الدفاع"، يقول.

ويتابع: "صحيح أن ذلك تم قبل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية. لكن إسرائيل قد تستخدم هذا الأسلوب لأنها تدعي أمام العالم أن لديها قضاء مستقلاً وفصلاً تاماً للسلطات".

إن حدث وتراجعت المحكمة، فسوف تُعتبر فضحية كبرى في مجال القانون الدولي تُقوض القانون وإجراءاته بشكل كبير

"تاريخياً، استندت إسرائيل إلى مبدأ التكاملية وفقا للنظام الأساسي للمحكمة، فقد قدمت بعض جنودها وضباطها إلى محاكم صورية وحكمت عليهم أحكاماً شكلية. إضافة إلى ذلك، يخضع التحقيق لمبدأ المقبولية. إذ تستطيع إسرائيل كدولة أو المتهمون أنفسهم تقديم طلب بعدم المقبولية في الدعوى، استناداً إلى مبررات تحقيقها الفعلي في الدعوى محلياً، وفقاً للمادة (82) من النظام الأساسي للمحكمة"، يضيف صيام.

ويقول: "ومن أهم المعوقات الأخرى التي يمكن الاستناد إليها لوقف التحقيق هو ما جاء في المادة (16) من النظام الأساسي للمحكمة، والذي منح مجلس الأمن الدولي الحق في أن يطلب من المحكمة، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بأن لا تبدأ في المحاكمة أو ألا تواصل المضي في التحقيق أو المقاضاة لمدة اثني عشر شهراً".

كما يجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط نفسها، وبناءً عليه، لا تستطيع المحكمة السير في أيّ شكوى أو مقاضاة، بل تجميد ذلك لفترة 12 شهراً قابلة للتجديد.

يقول منير نسيبة، أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس، لرصيف22: "إن اختصاص المحكمة ينحصر في الجرائم التي تقع ضمن ولايتها القضائية، وهي جرائم الحرب والإبادة الجماعية والعدوان والجرائم ضد الإنسانية، وهو اختصاص تكميلي".

ويردف شارحاً أن هذا الاختصاص يعني أن دور المحكمة يأتي في حالتين، الأولى فشل الدولة التي في محاكمة الأفراد المسؤولين عن الجرائم ضمن نطاق قضائها الوطني. والثانية عدم الرغبة والنية لدى تلك الدولة في محاكمة هؤلاء الأفراد.

"بالنسبة لإسرائيل، فليس لديها الرغبة في المحاكمة. والمستشارة القضائية للحكومة لا تريد أن تقوم بمحاولة فاشلة وسخيفة في فتح تحقيق غير جدي. وإذا أرادت إسرائيل أن تقوم بتحقيق جدي، فهذا لا يعني فقط اعتقال نتنياهو وغالانت، بل أيضاً محاكمة مجموعة كبيرة من العسكريين المسؤولين عن الإبادة الجماعية في قطاع غزة"، يقول نسيبة.

ضغوط أمريكية وإسرائيلية على المحكمة

يعتقد صيام أن ثمة العديد من الضغوط الإسرائيلية والأمريكية التي تتعرض لها المحكمة الجنائية الدولية. منها ما يُمارس على المدعي العام للمحكمة كريم خان، ومنها ما يُمارس على قضاة المحكمة المنوط بهم إصدار القرار عبر الضغط على حكومات الدول التي ينتمون إليها.

"هناك ثلاث قاضيات عليهن إصدار مذكرة الاعتقال، ويتعرضن لضغوط كبيرة من قبل حكومات بلادهن. صحيح أنهن يتمتعن باستقلالية في عملهن، لكن عملية تعيين القضاة في المحكمة تتم على أساس جغرافي من الدول الأعضاء في المحكمة"، يقول صيام.

ويضيف: "وهناك ضغوط من الجمعية العامة للدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية والتي يبلغ عددها 124 دولة، يكون التأثير في مجموعات دول الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الأفريقي أو دول أمريكا اللاتينية مثلاً. فقد صرح كريم خان عندما أصبح مدعي عام المحكمة بأن أولوياته هي القضايا التي يحولها مجلس الأمن للمحكمة".

يؤكد صيام أن هناك قضيتين محولتين من مجلس الأمن، هما قضية ليبيا وقضية السودان. وربما وُضعت قضية فلسطين على الرف، بسبب الضغوط على المحكمة، على الرغم من أن التحقيق في ملفاتها بدأ قبل قدوم خان.

هناك ثلاث قاضيات عليهن إصدار مذكرة الاعتقال، ويتعرضن لضغوط كبيرة من قبل حكومات بلادهن. صحيح أنهن يتمتعن باستقلالية في عملهن، لكن عملية تعيين القضاة في المحكمة تتم على أساس جغرافي

يقول شحادة "من المعلوم أن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وليست موقعة على اتفاقية العام 1998. لكنها تقوم بالضغط على المحكمة من خلال ضغوط سياسية على الدول الأعضاء في المحكمة وعلى حلفائها في المحكمة، سيما الدول التي تمول جزءاً كبيراً من ميزانية المحكمة مثل ألمانيا وبريطانيا".

ويردف: "تضغط إسرائيل أيضاً على المدعي العام نفسه؛ كريم خان. إذ ذكرت بعض التقارير الصحافية أن هناك بعض عمليات التنصت على مكالمات خان، ولكن التأثير المباشر لتلك الضغوط قد يكون محدوداً. وتطلق إسرائيل اتهامات ضد المحكمة وقضاتها وتتهمهم باللاسامية وبالعنصرية وهذا يشكل ضغطاً معنوياً عليهم".

وتتعرض المحكمة الجنائية الدولية، تاريخياً، لمثل هذه الضغوط تجاه آلية التعامل مع الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين، وأهمها القضية المرفوعة أمامها في الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في حرب عام 2014 في قطاع غزة.

لكن المحكمة لم تخطُ بأي فعل قانوني ضد قادة وجنرالات إسرائيل. وذلك يعود للضغوط التي تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية على بعض الدول الأعضاء في المحكمة.

فالقضاة الثلاثة ينتمون إلى دول تتمتع بعلاقات جيدة من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وهي المكسيك، ورومانيا ، وبنين. وتستطيع إسرائيل والولايات المتحدة الضغط على حكومات تلك الدول من أجل منع إصدار مذكرات التوقيف.

ويؤكد نسيبة أن المحكمة الجنائية الدولية تعرضت للعديد من التهديدات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ففرضت الأخيرة على المحكمة عقوبات قبل عدة سنوات فيما يتعلق بالتمويل والتعاون الفني والإداري ومنع منح قضاتها تأشيرات دخول للولايات المتحدة الأمريكية.

ولعلها في هذه المرة، رغم كل التهديدات، قررت المحكمة الجنائية الدولية الاستمرار في التحقيق. ويشكك نسيبة في أن الضغوط سوف تثني المحكمة عن القيام بواجباتها في العدالة الناجزة، قائلاً: "إن حدث وتراجعت المحكمة، فسوف تُعتبر فضحية كبرى في مجال القانون الدولي تُقوض القانون وإجراءاته بشكل كبير".

ويختم: "هناك مصالح وتوازنات أخرى في العالم، عدا قضايا الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. لذلك، فإن تلك التهديدات لن تفلح في إعاقة سير العدالة الدولية، وفي النهاية ستصدر مذكرات التوقيف بحق نتنياهو وغالانت".

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard