برغم تصريحات سابقة بشأن تعذّر ذلك، وافق السودان على تسليم الرئيس السابق المعزول عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبتها قواته في دارفور.
وفي أول رد فعل على القرار، صرح محامي البشير، محمد الحسن الأمين، لرويترز، في 11 شباط/فبراير، بأن موكله "يرفض أي تعامل مع المحكمة الجنائية الدولية"، معتبراً أنها "محكمة سياسية".
وأضاف الأمين: "نرفض دخول المحكمة الجنائية الدولية في هذا الأمر، فهي محكمة سياسية وليست عدلية. كما نرفض ‘تدويل العدالة‘ ونعتقد أن القضاء السوداني لديه القدرة على النظر في هذه الاتهامات".
والبشير "من أقدم الهاربين من المحكمة الجنائية الدولية"، وفق منظمة العفو الدولية، إذ صدرت بحقه مذكرتا اعتقال في 4 آذار/مارس عام 2009، وفي 12 تموز/يوليو عام 2010.
وقد وجهت المحكمة إليه خمس تهم بارتكاب جرائم حرب، وتهمتين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وثلاثاً بالإبادة الجماعية في دارفور جراء الأحداث الدموية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين، تحديداً 300 ألف بحسب الأمم المتحدة، بين عامي 2003 و2008.
"لا لتدويل العدالة"… البشير غاضب من قرار تسليمه وآخرين إلى المحكمة الجنائية الدولية على خلفية الجرائم التي ارتكبتها قواته في دارفور
"لا سلام شاملاً قبل تحقيق العدالة"
أعلن عن القرار السوداني عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد حسن التعايشي من عاصمة جنوب السودان، جوبا، حيث تجري مفاوضات بين الحكومة السودانية ومسلحين من دارفور (قيادات مسار دارفور).
وعقب اجتماع نوقشت فيه مسألتا "العدالة والمصالحة" و"الأراضي والحواكير"، بحسب وكالة السودان للأنباء (سونا)، اتفق الجانبان على أربع آليات رئيسية لتحقيق العدالة في دارفور. أولاها "تسليم من صدرت في حقهم أوامر ضبط إلى المحكمة الجنائية الدولية" من دون تسمية البشير. غير أن المتحدث باسم الحكومة ووزير الإعلام السوداني، فيصل محمد صالح، أكد لفرانس برس: "البشير وآخرون سيمثلون أمام المحكمة الجنائية الدولية. هذا قرار الحكومة وموقفها".
واُتُّفق أيضاً على "إنشاء محكمة خاصة بجرائم دارفور يكون منوطاً بها تحقيق وإجراء محاكمات في القضايا، بما في ذلك قضايا المحكمة الجنائية الدولية. وكذلك إتباع سير العدالة التقليدية، وأخيراً القضايا ذات العلاقة بالعدالة والمصالحة".
ولفت العياشي إلى أنه " لا يمكن تحقيق العدالة إلا بمداواة الجراح بالعدالة نفسها. لا مجال للهروب من المواجهة بسبب وقوع جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت في حق أبرياء في دارفور ومناطق أخرى".
واعتبر العياشي مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية "نتاج مبدأ أساسي مرتبط بالعدالة، وهو أحد شعارات الثورة وقرينة مبدأ عدم الإفلات من العقاب"، لافتاً إلى وجود "اقتناع تام بأنه لا يمكن الوصول إلى سلام شامل من دون تحقيق العدالة".
حسب الاتفاق، لن يسلم البشير وحده بل أيضاً وزير دفاعه الأسبق عبد الرحيم محمد حسين وأحد أبرز مساعديه ووزير داخليته الأسبق أحمد محمد هارون وأحد زعماء الميليشيات المحلية ويدعى علي كوشيب. وهم الأشخاص الصادرة بحقهم أيضاً مذكرات توقيف دولية بتهم ارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب من "الجنائية الدولية".
وأوضحت شبكة "سي أن أن" نقلاً عن مصدر سوداني رفيع أن كوشيب "هارب خارج البلاد حالياً".
في سياق متصل، أشار كبير المفاوضين عن دارفور نمري محمد عبد إلى أن "توقيت تسليم المطلوبين سيتقرر في المفاوضات النهائية".
ولا تألو الحكومة السودانية الحالية جهداً لإحلال السلام مع متمردي دارفور ومناطق أخرى مهمشة حاربت حكومات البشير سنوات طويلة. وكان تسليم البشير ومحاكمته محاكمة "نزيهة" من أبرز شروط مسلحي الإقليم.
لأن السلام لا يتحقق إلا بإحقاق العدالة… الحكومة السودانية تتفق مع مسلحي دارفور على تسليم البشير وجميع المطلوبين في جرائم ضد الإنسانية إلى "الجنائية الدولية" بعد رفض متكرر. لماذا الآن؟
رفض متكرر
وفور عزل البشير، ناشدت منظمات حقوقية دولية المجلس العسكري، الحاكم آنذاك، سرعة تسليم البشير إلى "الجنائية الدولية"، غير أن الرفض كان الجواب المتكرر.
فقال رئيس اللجنة العسكرية السياسية في المجلس عمر زين العابدين، في 12 نيسان/أبريل الماضي، "نحن كمجلس عسكري لن نسلّم الرئيس في فترتنا إلى الخارج"، مستطرداً "نحن عساكر، نحاكمه بحسب قيمنا. نحاكمه، لكن لا نسلمه".
وفي مقابلة مصورة، بثت في تموز/يوليو الماضي، جدد رئيس المجلس العسكري، آنذاك، والمجلس السيادي الحاكم حالياً، عبد الفتاح البرهان، لبي بي سي عربية، تأكيده عدم تسليم البشير.
وأوضح البرهان حينذاك: "السلطات العدلية السودانية لديها القدرة التي تمكننا من محاسبة كل شخص داخل السودان. لن نسلم البشير، والمحكمة الجنائية الدولية نفسها أشارت إلى إمكانية المحاكمة داخلياً. هي تقول إن لم يحاكم داخلياً ينقل إلى المحاكمة في الخارج".
وكان البشير (76 عاماً) قد قبع في سجن كوبر الشهير في العاصمة الخرطوم منذ عزله حتى صدور حكم، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، يدينه باتهامات فساد مالي و"ثراء حرام"، ويقضي ببقائه عامين في "مركز إصلاح اجتماعي". ويحظر القانون المحلي سجن من تزيد أعمارهم على 70 عاماً.
وفي انتظار البشير محاكمة أخرى باتهامات تتعلق بإصدار أوامر قتل المتظاهرين المناوئين له، خلال الحراك الشعبي الذي انطلق في كانون الأول/ديسمبر عام 2018 وأطاحه في نيسان/أبريل الماضي بعد ثلاثة عقود أمضاها في حكم البلاد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...