يشير مصطلح "إعلام النكسة" بشكل خاص إلى الإعلام المصري خلال حرب الـ 67، وبشكل عام إلى فترة حكم جمال عبد الناصر ما قبل نكسة يونيو. حينما أعلنت "حرب يونيو" سنة 1967 كانت البيانات تأتي من الإذاعة المصرية عن الطائرات التي أسقطها الجيش المصري في الجانب الإسرائيلي.
عبد الناصر.. الهزيمة مفاجأة
أثناء بحث الجماهير في المحطات الأجنبية للاستزادة من أخبار النصر، كان المصريون يفاجأون بأخبار مغايرة تماماً، تتحدث عن هزيمة الجيش المصري، إلا أن هذا الخير لم يتأكد بتسلسل الأنباء الواردة من الجبهة، ولم تعرفه الجماهير المصرية والعربية إلا بخطاب التنحي الذي ألقاه جمال عبد الناصر يوم 9 حزيران/ يونيو 1967.
يشير مصطلح "إعلام النكسة" بشكل خاص إلى الإعلام المصري خلال حرب الـ 67، وبشكل عام إلى فترة حكم جمال عبد الناصر ما قبل نكسة يونيو. حين كانت البيانات تأتي من الإذاعة المصرية عن الطائرات التي أسقطها الجيش المصري في الجانب الإسرائيلي
منذ تلك الأحداث تشكلت فجوة ثقة بين الخطاب الرسمي والجماهير، فكثيراً ما تقابل التصريحات الحكومية بنوع من التهكم والتشكيك. حتى إن بعض الأوساط اليسارية في مصر "تشكّك" في نصر أكتوبر، بوصفه "مجرد تمثيلية"، وذلك بسبب الخلافات التي نشبت مع سياسات الرئيس السادات آنذاك. ورغم أن هذا التشكيك غير معلن، إنما يتم تداوله على نطاق شعبي.
السادات… تجاهل الإرادة الشعبية
ساهمت خطة الخداع التي كانت تقوم بها الأجهزة الأمنية وخطابات السادات في زيادة تلك الفجوة، حينما أعلن أن هذا العام هو عام الحسم، والذي يليه عام الضباب، وأنه بسبب الضباب لن تستطيع مصر الحرب، ما تسبب في مظاهرات الطلبة سنة 1972 ضمن أسباب أخرى. منها تجاهل مطالبات الطلاب بإطلاق الحريات السياسية وإفساح المجال للتعبير عن الرأي. إضافة إلى أن الحكومة المصرية في تلك الفترة كانت تمارس ضغوطًا على المعارضة السياسية، مما زاد من حدة الاحتجاجات الطلابية في فترات اجتياح المد القومي وقوة لحركات الطلابية في العالم.
بعد حرب 1973 ترممت بعض الثقة المفقودة بين الجماهير والقيادة السياسية، لكن سرعان ما انهارت هذه الثقة بعد خطاب السادات الشهير الذي أعلن فيه استعداده للذهاب لإسرائيل والبدء بمباحثات السلام، والتي انتهت بالفعل باتفاقية السلام، وما تبعها من رفض شعبي، لا يزال موجوداً حتى الآن، ويتجدد مع كل اعتداء إسرائيلي على الفلسطينين، والذي وصل إلى ذروته بعد السابع من أكتوبر والحرب على غزة.
مبارك… التنصل من المسؤولية
من الحوادث المفجعة التي لن تنساها مصر حادثة قطار الصعيد الشهيرة، والتي حدثت في عهد حسني مبارك وتحديدًا في 20 شباط/ فبراير 2002 وأدت إلى مقتل 361 شخص حرقًا، واستقالة وزير النقل المصري إبراهيم الدميري.
بعد حرب 1973 ترممت بعض الثقة المفقودة بين الجماهير والقيادة، لكن سرعان ما انهار بعد خطاب السادات الذي أعلن فيه استعداده للذهاب لإسرائيل والبدء بمباحثات السلام.
بعد 7 أشهر من التحقيقات تم تبرئة جميع المتهمين، وجاءت التصريحات الحكومية لتلقي باللوم على ركاب القطار، حيث قال عاطف عبيد رئيس الوزراء آنذاك إن الحادث تم بسبب انفجار موقد غاز كان مع أحد الركاب. ولاقت تلك التصريحات تكذيباً من كثير من المصريين.
الرواية الإسرائيلية وهي تتسلل إلى الخطاب الشعبي
التشكيك الشعبي أيضاً طال بعض الأسماء التي تم تكريس أصحابها كأبطال، كالتقارير التي كذّبت قصص الجواسيس المصريين مثل أشرف مروان، وجمعة الشوان، ورأفت الهجان.
بعض تلك التقارير شكك في الروايات المصرية، مثلما حدث مع قصتي رأفت الهجان وأشرف مروان، حيث قالت العديد من المقالات التي تعود مرجعية بعضها إلى الموساد، بأنه تم القبض على الأول من قبل الموساد الإسرائيلي، في تكرير لما روجت له الصحف الإسرائيلية، بينما تبنت أقلام أخرى الرواية الإسرائيلية في قصة الثاني.
مثال آخر على ترجيح كفة السردية الإسرائيلية هي الشكوك التي روجتها الأخيرة للوم مصر على مذبحة مدرسة "بحر البقر" حين ادّعت تل أبيب أنها كانت تستخدم كمخزن للأسلحة، وهو عذر يشبه الأعذار التي تستخدمها اليوم في قصف أماكن النزوح من مدارس ومستشفيات.
جدلية معبر رفح… من نصدّق؟
منذ بداية الحرب على غزة نشطت أصوات تهاجم مصر على مواقع التواصل الاجتماعي، بادعاء أنها أغلقت معبر رفح ومنعت دخول المساعدات إلى غزة، في الوقت الذي كانت التقارير المصوّرة تبث على القنوات الإخبارية تظهر المساعدات وهي مكدسة عند المعبر. وبرغم وجود الروايتين إلا أن تبني الرواية الإسرائيلية القائلة بأن إقفال المعبر مصري هي التي غلبت.
كثيراً ما شكت الجماهير بالرواية الرسمية بعد ظهور الرواية الإسرائيلية، كتداول ما روّج له الموساد بخصوص الجاسوسين رأفت الهجان وأشرف مروان، أو أن مدرسة بحر البقر كانت تستخدم كمخزن للسلاح، ومؤخراً أن مصر هي التي تمنع مرور المساعدات من معبر رفح
لكن هل ما تقدمه الدولة في مصر هو محل شك وموضوع سخرية، بما في ذلك الإنجازات التي يعترف بها العالم؟ مثال على ذلك حينما جنحت السفينة "إيفرجرين" في قناة السويس، وتوقفت الملاحة لعدة أيام، حينها قام البعض بمهاجمة عمليات الإنقاذ المصرية والتشكيك بكفاءتها، وبعد نجاحها في مقابل فشل المحاولات الأخرى خرجت فكرة مفادها أنه لولا وجود الخبرة الهولندية لم تكن عملية الانقاذ لتنجح.
من جهته يرى رئيس تحرير صحيفة صوت الشعب المصري، والأستاذ في كلية إعلام جامعة القاهرة محمود عبد اللطيف أن اللوم يقع على الصحافة غير المحترفة.
يقول: "في الفترة الأخيرة ظهر بعض الإعلاميين الذين يعمدون إلى إيصال الفكرة بشكل صحيح، فيما يخص معبر رفح مثلاً، فالحكومة المصرية تدعم فلسطين ورأينا المساعدات بأرقام كبيرة تدخل لغزة، بل يمكن القول إن أكبر دولة داعمة لغزة هي مصر".
ويضيف مدير مؤسسة العبد للإعلام والتدريب، ومؤسس الجمعية العالمية للصحافة والإعلام، أن أزمة الثقة بين الإعلام الحكومي والمتلقي تعود لعدة أسباب منها انتشار بعض "العناصر" كما أسماهم، يعملون على إيصال معلومات مغلوطة. ويرى بأن السبب الرئيسي للمشكلة راجع كثير من العاملين في الإعلام ليسوا من أهل الاختصاص.
وفي الإجابة على سؤال "حرب 67" وهل بدأت أزمة الثقة من هناك، يقول: "حرب 67 تختلف عن الوقت الحالي، فنحن اليوم في عصر التكنولوجيا والإنترنت والسوشال ميديا، ولا يمكن أن نقارن عصر لم تكن به تعددية في وسائل الاعلام بعصر (الإعلام على موبايلك)".
الإشاعة أسهل للتصديق
من جهته يرى الخبير النفسي الدكتور محمد الصعيدي، أن الحالة الموصوفة في التقرير هي سلوك بشري عموماً وليس خاصاً بالمصريين، لكن الخوف من تصديق الإعلام قد ينتشر في فترات معينة أكثر من سواها، أو حسب المستوى الثقافي للأشخاص، حين نسمع جملاً من نوع "عنصر المؤامرة" أو "أخاف أن أصدق".
خبير: "الجماهير تميل لتصديق مخاوفها، لذا فالإشاعات أقرب للرواج من الحقيقة".
ويشير إلى وجود مقولة في علم النفس المجتمعي بأن الاشاعة تنتشر أكثر من الحقيقة، لأنها أقرب للواقع عن التخيلات أو المخاوف، لذا فغالباً ما تحاكي الأكاذيب المخاوف المنتشرة.
يقول: "مثلًا، السواد الأعظم من المصريين مقتنعين أن تشرين الأول/ أكتوبر هو نصر عظيم، لكن البعض يخاف من ألا يكون ذلك صحيحًا، وبالتالي؛ عندما يتم ترويج إشاعة أن مصر هُزمت في حرب تلك الحرب حينها سيتم تصديقها من قبل الكثيرين، وذلك تفسير شكلي نفسي بسيط، وعند الحديث عن تلك الظاهرة بشكل مجتمعي فنحن نتحدث (تلاقي المخاوف). أو كما يقال التصديق فعل من أفعال الشجاعة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.