"تحريض على العنف، الخوض في الأعراض، انتهاك الخصوصية، استخدام لغة السباب، إشاعة مفاهيم الدجل والشعوذة، الميل إلى الإثارة"، بهذه العبارات وصف الخبير الإعلامي الدكتور ياسر عبد العزيز المشهد الإعلامي الحالي في مصر.
وأرجع عبد العزيز، في حديث إلى رصيف22، وجود هذه الإشكاليات في المشهد الإعلامي إلى عدد من الأسباب، أولها أن "الإعلام في مصر يعمل بدون تنظيم، فلا توجد صيغة قانونية واضحة وملزمة لتنظيم المجال الإعلامي"؛ وثانيها "أخذ وسائل الإعلام الخاص، بسبب غياب التنظيم، الممارسة الإعلامية إلى الحضيض إذ أصبحنا نشاهد جرائم إعلامية وجنائية متكاملة الأركان على الشاشات"؛ وثالثها أن "الإعلام يعاني من غياب التنوع والتعدد وهنالك غلبة للصوت الواحد والحس التعبوي"؛ ورابعها "أن الإعلام العام (الحكومي) يعاني من الترهل والفساد وأخفق في تحمّل مسؤولياته، ما أعطى الفرصة للإعلام الخاص كي ينفرد بالساحة ويمارس فيها هذه المخالفات المهنية".
وقائع كثيرة يصفها البعض بالـ"آفات" تكررت في الممارسات الإعلامية، خاصة في برامج "التوك شو" الرئيسية على غالبية القنوات الفضائية المصرية خلال الأشهر الماضية، وعصفت بمهنية الإعلام المصري:
1ـ الدجل والشعوذة
حرص العديد من برامج "التوك شو" على استضافة شخصيات تمارس الدجل والشعوذة على الهواء بدعوى تخصصها في علم الفلك.
على سبيل المثال، استضافت الإعلامية رانيا محمود ياسين، في برنامجها "صباح العاصمة" الذي تقدمه على قناة "العاصمة"، شخصاً يُدعى أحمد شاهين وصف نفسه بعالم الفلك وادّعى قدرته على "تحضير أرواح" الموتى والتحدث إليها ونقل رسائلها إلى المشاهدين، كما زعم أنه يستطيع التنبؤ بما يحدث في المستقبل لأشخاص بعينهم.
وخلال الحلقة التي أذيعت قبل نحو أسبوعين، زعم شاهين أنه استحضر روح الرئيس الراحل أنور السادات، بعد أن تمتم وهمهم بكلمات غير مفهمومة، ونقل منه رسالة إلى الشعب المصري. كما توقع اغتيال الرئيس عبد الفتاح السيسي.
2ـ لغة البذاءة
يُعرف مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك وأحد ضيوف البرامج الدائمين، بالهجوم على خصومه بألفاظ بذيئة. وفي أحدث هجوم له شتم الفنان الشاب أحمد مالك صاحب فيديو الواقي الذكري الذي سخر فيه من الشرطة في ذكرى ثورة 25 يناير.
وكان مالك ظهر في فيديو انتشر قبل نحو أسبوعين على مواقع التواصل الاجتماعي يحتفل فيه مع عدد من أفراد الشرطة في ميدان التحرير بأوقية ذكرية منفوخة كالبالونات، الأمر الذي اعتبرته وزارة الداخلية مسيئاً.
وخلال لقاء به في برنامج "انفراد" الذي تبثه فضائية العاصمة، نهاية يناير الماضي، قال منصور عن مالك: "هو شاف ده (الواقي الذكري) مع أبوه؟ مع واحدة صاحبة أبوه عشان أمه متظبطش أبوه؟ عرفه من اين؟".
ولم يكتف منصور بذلك، فتحدث عن القلم الذي كتب به مالك على الواقي الذكري بعد نفخه كالبالون وقال: "أنا لو من الشرطة.. عليّ الطلاق أدخّل القلم في أيّ حتة في جسمه.. أقسم بالله عشان يتربى"، في تلميح إلى موضع حساس في جسده.
وهاجم منصور أيضاً، في البرنامج نفسه، الإعلامي يوسف الحسيني وهدّده بالضرب بالحذاء، بسبب رغبة الأخير في قبول اعتذار الممثل أحمد مالك. وقال له: "عايز أضربك بالجزمة يا يوسف على دماغك و50 قلم على قفاك وبعدين أعتذر لأمك تحية".
3ـ السب والقذف
خلال السباق البرلماني الذي انتهى نهاية العام الماضي في مصر، وصف الصحافي والنائب عبد الرحيم علي المرشح السابق إلى البرلمان عمرو الشوبكي بأنه "تافه وسافل ومنحط ووضيع وأنا مسؤول عن كلامي".
وقال علي، خلال مداخلة هاتفية على قناة "صدى البلد"، إن انتخاب الشوبكي و"أمثاله" عار على دائرة الدقي والعجوزة وعلى الشعب المصري. كما اتهمه بتلقي أموال من السفارة الأميركية مقابل إهانة بلده.
4ـ الفضائحية غير المبرّرة
أقدم الإعلامي أحمد موسى، قبل فترة، على عرض صور قال إنها تتضمن مشاهد جنسية فاضحة للمخرج والنائب خالد يوسف برفقة "إحدى الساقطات"، وذلك في برنامجه "على مسؤوليتي"، على قناة "صدى البلد".
موسى الذي ادّعى أنه يمتلك عدداً لا حصر له من الصور الفاضحة للنائب خالد يوسف قال إنه سيكتفي بعرض اثنتين فقط منها دون أن يقدم مبرراً مهنياً لعرضها، ولتدخله في خصوصيات الفنان.
5ـ انتهاك الخصوصيات
أقدمت الإعلامية ريهام سعيد، مقدمة برنامج "صبايا الخير" على فضائية النهار، على عرض صور شخصية لفتاة تدعى سمية طارق عُرفت في مصر بـ"فتاة المول"، بعد تداول فيديو تتعرض فيه للضرب من قبل شاب أمام مجمع تجاري في القاهرة.
واتهمت الفتاة التي ظهرت في البرنامج ريهام سعيد بسرقة صورها الشخصية من هاتفها المحمول الذي تركته في الأمانات أثناء تصوير حلقة البرنامج في أكتوبر الماضي، ثم عرضتها على الهواء.
وأطلق عرض هذه الصور حملة قوية على مواقع التواصل الاجتماعي ضد البرنامج، طالبت بمقاطعة قنوات شبكة النهار، فاتخذت القناة قراراً بوقف البرنامج لتهدئة الرأي العام.
6ـ تصفية حسابات
تبادل الإعلامي عمرو أديب والصحافي خالد صلاح، رئيس تحرير صحيفة اليوم السابع، الاتهامات وتطاول أحدهما على الآخر في مداخلة لصلاح مع برنامج "القاهرة اليوم" الذي يقدمه أديب على قناة اليوم.
حدث ذلك في أواخر نوفمبر الماضي عقب نشر خالد صلاح خبراً في موقع "اليوم السابع" ينتقد ما وصفه بالقصور الأمني في تأمين فندق القضاة في العريش في شمال سيناء بعد تعرضه لهجوم مسلح.
صلاح الذي تعرض لهجوم حاد وقاطعه مراراً مقدم البرنامج، لم يكد يفرغ من المداخلة حتى فاجأ الجمهور، بتقرير نشر على موقعه هاجم فيه أديب واتهمه بمهاجمته خلال المداخلة لكونه مديناً للموقع بمبلغ 750 ألف جنيه ولا يرغب في سدادها، وليس لأي سبب آخر.
7ـ عنف بدني
وصلت الخلافات بين الإعلاميين في بعض الحالات إلى حدّ الاشتباك بالأيدي، كما حدث قبل نحو ستة أشهر بين مراسلي قناتي صدى البلد والحياة.
فقد اعتدى مهيب عبد الهادي، المذيع في "الحياة"، على ماجد غراب، مراسل "صدى البلد" على الهواء، وذلك أثناء لقاء مع المدير الفني للأهلي فتحي مبروك. فحين حاول غراب أخذ تصريحات صحافية من مبروك، أثناء حديثه مع عبد الهادي، غضب الأخير ودفع زميله بعيداً.
8ـ التحريض على القتل
دعا الإعلامي أحمد موسى، في برنامجه "على مسؤوليتي"، قوات الأمن والجيش إلى القتل لمجرد الشبهة في سيناء حيث يخوض الجيش معركة مع الإرهابيين. وقال موسى في فيديو بُثّ قبل عام: "أنا كمان عايز بركة فيه دم، دم بالعشرات، دم بالمئات، مش عايز حد يقبض على حد... الأمريكان لما بيشتبهوا في حد بيقتلوه".
الوضع مستمر
وقال ياسر عبد العزيز إن "هذه المخالفات أو الإشكاليات ترتب عليها أن الإعلام لم يعد قادراً على التمتع بالمصداقية". ورشّح استمرار هذا الوضع لفترة طويلة وذلك لـ"عدم رغبة الدولة في أن تمضي قدماً في طريق الإصلاح".
وأوضح أن اللجنة الوطنية لإعداد التشريعات الإعلامية، وهي لجنة مشكّلة من المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحافيين ونقابة الإعلاميين تحت التأسيس واتحاد الإذاعة والتلفزيون، أنجزت مشروع قانون موحد لتنظيم الإعلام، "لكن يبدو أن الحكومة لا ترغب في الأخذ به ولديها رغبة في إنشاء هيئة تتحول إلى كيان بيروقراطي".
ودعا عبد العزيز إلى إرساء نظام إعلامي متكامل يمنح الحريات الإعلامية ويجعل الأداء الإعلامي خاضعاً للتقييم ويلزم الدولة بإنزال العقوبات في حق المتجاوزين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.