شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الدولار والبورصة و

الدولار والبورصة و"الأموال الساخنة"… ماذا يحدث في اقتصاد مصر اليوم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الثلاثاء 6 أغسطس 202401:48 م

ارتفاع جديد في سعر الدولار مقابل الجنيه، خسائر بالجملة في البورصة، مصحوبة بأخبار متناثرة عن "خروج" أموال كثيرة من مصر…

اجتمعت العناصر الثلاثة، أمس الاثنين، 5 آب/ أغسطس 2024، لتخلق حالة من القلق تقترب من الذعر، بين قطاع واسع من المصريين. قلق مصدره الأساسي ليس ما يحدث اليوم بل عدم فهم ما الذي يحدث أو فهم لماذا يحدث؟ وهل هناك خطة ما أو تصور واضح لكيفية تفاديه؟ أم أن الأمور خارج السيطرة؟ أسئلة منطقية ومشروعة يحاول هذا المقال التعامل معها وتبسيطها للقارئ العادي.

الوضع في مصر أكثر تعقيداً وخطورة... السؤال الأهم حالياً: لماذا نحن في خطر؟ وهل كانت هناك مسارات أخرى تحمينا - ولو بشكل نسبي - مما يحدث الآن؟

الفيدرالي الأمريكي يطلق صافرة البداية

بداية الأزمة، التي شملت مصر ضمن دول أخرى، كانت مع قرار البنك الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) تثبيت سعر الفائدة عند 5.5% نظراً لأزمة ارتفاع التضخّم الذي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي اليوم. للسيطرة على ذلك التضخّم، لجأ الفيدرالي الأمريكي إلى قرار رفع الفائدة البنكية، وهو ما ضمن له أمرين، الأول أن "يسحب" السيولة من السوق في محاولة للسيطرة على التضخّم، والثاني أن يجذب المستثمرين الأجانب "خصوصاً الأموال الساخنة" إلى شراء سندات.

بالطبع هناك أصوات معارضة في أمريكا لذلك القرار، إذ يراه خبراء اقتصاديون  معوّقاً أساسيّاً للنمو في الولايات المتحدة. فحين يرفع سعر الفائدة، ترتفع كلفة الاقتراض من البنوك على المستثمرين (فوائد عالية تعني أنه سوف يرفع سعر منتجه ليعوض الفارق) وهذا بشكل عام يكون تأثيره سلبياً على الاستثمار والنمو.

في ظل تلك الظروف، علّق كثيرون الآمال على أنه في اجتماع الفيدرالي الأمريكي في أيلول/ سبتمبر المقبل، سيتم إصدار قرار بتقليل سعر الفائدة كما هو متوقع.

من يدفع ثمن البطالة في أمريكا؟

للأسف، تبخّرت الآمال التي اعترت الأسواق بخفض الفيدرالي سعر الفائدة، وذلك  مع التقرير الصادم لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي والذي كشف فيه ارتفاع نسبة البطالة لتصل إلى 4.3%، رغم أنه كان من المتوقع أن تقف عند 4.1%، وهو ما دفع رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي جيروم باول إلى القول إن حدوث ذلك التباطؤ في سوق العمل أمر مقلق للغاية.
خطورة هذا التقرير - علينا بالأساس - ليس في كشفه وجود أزمة بطالة في أمريكا، هذا أمر بالطبع لن يقلق سكان محافظة أسيوط الجنوبية في مصر، لكن ما يعنينا هنا أن هذا التقرير يوضح أن البنك الفيدرالي الأمريكي لن يتخذ القرار "المأمول" في أيلول/ سبتمبر المقبل، بخفض سعر الفائدة، وعليه فستظل "الأموال الساخنة" تذهب إليه وتغادر أسواق العالم المالية. 

على ضفاف الأزمة، أثار ذلك التقرير مخاوف لدى المستثمرين من أن يكون الاقتصاد الأمريكي على مشارف الدخول في حالة ركود، وهو ما دفع الكثيرين منهم إلى التخلص من أسهمهم والفرار إلى السندات الحكومية (أذون خزانة وخلافه). 

هذه المخاوف والتدافع نحو بيع الأسهم بسرعة، أدّى إلى حدوث الهزّات العنيفة التي شاهدناها في البورصات العالمية حيث أن الجميع يرغب في البيع في الوقت نفسه، ما يؤثّر على السعر بشدة.

أزمة مصر أعقد وأخطر

على الصعيد المحلي، وهذا هو ما يهمنا بالأساس، فإن الوضع في مصر أكثر تعقيداً وخطورة من مجرد الـ124 مليار جنيه التي خسرتها البورصة المصرية خلال يومين، وكذلك من سعر الدولار الذي بدأ في الارتفاع من جديد وسط مخاوف من أن تلوح السوق السوداء في الأفق من جديد. 
هذه بالطبع أزمات حقيقية نشأت عنها مخاوف مشروعة اجتاحت الشارع المصري وأصابته بالقلق التام والشلل النصفي خلال الـ48  ساعة الأخيرة.

لكن يبقى السؤال الأهم حالياً: "لماذا" نحن في خطر؟ وهل كانت هناك مسارات أخرى يُفضل أن نسير فيها أو خطوات يمكن اتّباعها لتحمينا - ولو بشكل نسبي - مما يحدث الآن؟

هل تتحوّل "الأموال الساخنة"، التي بدت كطوق نجاة لمصر، بين عشية وضحاها إلى حبل مشنقة تحيط برقاب الاقتصاد المصري؟

الأموال الساخنة طوق النجاة أم حبل المشنقة؟

في الفترة الأخيرة، نجحت مصر في جذب قرابة 35 مليار دولار من "الأموال الساخنة"، وهو ما أدى إلى ارتفاع رصيد العملات الأجنبية إلى الموجب (أي أن يكون هناك فائض) بدل السالب (أي العجز) لأول مرة منذ أكثر من عامين.

وقد تزامن ذلك مع حصول مصر على 14 مليار دولار كدفعة أولى من مشروع رأس الحكمة وهو ما أعطى شعوراً عاماً بالاستقرار والطمأنينة في الشارع المصري. وانعكس أيضاً بشكل مباشر على سعر الدولار الذي لم تحدث له قفزات جديدة صادمة. 

لكن هذه "الأموال الساخنة"، التي بدت كطوق نجاة لمصر، قد تتحوّل بين عشية وضحاها إلى حبل مشنقة تحيط برقاب الاقتصاد المصري.

ما هي الأموال الساخنة؟

الأموال الساخنة باختصار شديد، هي نوع من الاستثمار القصير الأجل في أدوات الدين الحكومي مثل أذون الخزانة، بتعبير أكثر دقة: يستطيع المستثمر أن يشتري أذون خزانة بفوائد 25% مثلاً، وبعد ثلاثة أشهر أو على حسب المدة المتفق عليها، يأخذ أمواله وعليها أرباحه.

الأموال الساخنة ليست جريمة، وليست خطأً تاماً، بالعكس هي وسيلة استثمارية جيدة قد تحل أزمات آنية وتدعم الاقتصاد في المشاريع الإنتاجية، والعالم كله يتعامل بها. لكن خطأ البنك المركزي المصري الفادح هو أنه استخدم تلك الأموال كلها في سداد نفقات وديون سابقة وليس في مشاريع إنتاجية تُدر عائداً.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأموال الساخنة ليست جريمة، وليست خطأً تاماً، بالعكس هي وسيلة استثمارية جيدة قد تحل أزمات آنية وتدعم الاقتصاد في المشاريع الإنتاجية، والعالم كله يتعامل بها. لكن خطأ البنك المركزي المصري الفادح هو أنه استخدم تلك الأموال كلها في سداد نفقات وديون سابقة وليس في مشاريع إنتاجية تُدر عائداً، وبالتالي أصبح على مصر أن تسدد تلك "الديون" للمستثمرين من أصل هذه الأموال لا من أرباحها. 

السؤال الآخر المهم هنا: هل كانت هناك إجراءات أخرى يمكن أن تؤمّن الاقتصاد المصري ضد المخاطر حال حدوث خروج تلك "الأموال الساخنة" كما يحدث الآن؟ الإجابة نعم… كان على البنك المركزي أن يجّنب جزءاً معقولاً من تلك الأموال الساخنة - خبراء يقدرونه بالنصف - في صندوق استثماري "جانبي" بعيد تماماً عن الموازنة العامة، بحيث لو حدثت أية أزمة عالمية، كتلك التي تسبب فيها قرار الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة لديه، لا يتأثر الاقتصاد المصري كثيراً بخروج كل تلك الأموال مرة واحدة، فيحدث شلل متبوع بانهيار تام لا قدر الله. 

لكن للأسف لم يتخذ المركزي المصري هذه الخطوة، ولا الحكومة وظّفت تلك الأموال في مشاريع ربحية توفر عائداً يمكن الارتكان إليه. وها نحن في مأزق لا نحسد عليه، فماذا نحن فاعلون؟ هذا هو السؤال الذي لا نعلم الإجابةً عنه.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard