لا يكاد وزير الداخلية المكلّف في حكومة الوحدة الليبية ، عماد الطرابلسي، يفيق من أزمة حتى يدخل في الثانية، بعد مرور أقل من ستة أشهر فقط، على توليه مهام منصبه في الحكومة التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتمارس عملها في العاصمة طرابلس.
لكن الطرابلسي يواجه على ما يبدو، معركةً مصيريةً قد تحدد مصيره في المشهد السياسي والأمني الليبي الملتبس، بعدما خرجت إلى العلن خلافاته مع رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، العقيد محمد الخوجة، الذي دفع بقوات تابعة له في اتجاه مقر وزارة الداخلية، حيث مكتب الطرابلسي، استعداداً لشنّ هجوم عليه.
وطبقاً لما نشرته وسائل إعلام محلية، فقد حشد الخوجة قوةً من جهاز الهجرة غير الشرعية للهجوم على مقر وزارة الداخلية الواقع بالقرب من طريق المطار في العاصمة طرابلس، في أثناء وجود الطرابلسي في داخله.
وعزز هذه التكهنات، بيان مريب لوزارة الداخلية نشرته عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي، مرفقاً بمجموعة صور لخروج الطرابلسي من مكتبه، عقب انتهاء اجتماعه مع عدد من القيادات الأمنية، من دون أن تكشف فحوى الاجتماع.
وتحدثت مصادر محلية عن تدخّل قائد ما يُعرف باسم جهاز دعم الاستقرار التابع لحكومة الدبيبة، عبد الغني الككلي، للتوسط من أجل حل الخلاف بين الطرابلسي والخوجة .
هل يقود الصراع على عقود التموين المقدّرة بمئات الملايين سنوياً، إلى تغيير جذري في المشهد الامني الليبي؟
اصطدام بميلشيات طرابلس
وقال صحافيون ليبيون، إن سبب الخلاف هو سحب الطرابلسي صلاحيات من جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بقيادة الخوجة، ومنحها في المقابل لقائد ما يُسمى بجهاز حرس الحدود، محمد المرحاني.
وكان الطرابلسي قد طالب خلال اجتماع عقده مع الخوجة والمرحاني في العاصمة طرابلس، بالتعاون الأمني بين الجهازين في ما يتعلق بتأمين الحدود ومنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الأراضي الليبية ومكافحة عمليات الإتجار بالبشر ومنع عمليات التهريب، كلاً حسب الاختصاصات المسندة إليه.
وقال محمود المصراتي (رئيس تحرير صحيفة اخبار الحدث) إن الخلاف يتعلق بعقود التموين المقدّرة بمئات الملايين سنوياً، سواء لجهاز الهجرة أو لمراكز إيواء المهاجرين، مشيراً إلى وجود فساد بين شركات التموين والجهاز الذي اتهمه بالخروج إلى أعالي البحار وسحب المهاجرين وإعادتهم إلى طرابلس وتكديسهم في المراكز حتى تتكدس معهم فواتير التموين الوهمية.
ونُفّذ في المقابل، استنفار في محيط مقر الداخلية بالقرب من طريق المطار ومصنع التبغ، ردّاً على مرور أرتال مسلحة تابعة لجهاز الخوجة إلى مقر الوزارة، عبر طريق السكة في طرابلس.
وتم إغلاق المسافة من باب العزيزية وجزيرة سوق الثلاثاء، في اتجاه طريق المطار، من قبل قوات الأمن العام الموالية للطرابلسي، رئيسها السابق.
ورأى الناشط الليبي محمد قشوط، أن الحشود في الشوارع، الناتجة عن خلافات بين مليشيات تابعة شكلياً لوزارة الداخلية، ما هي إلا نتيجة خلاف في وزارة الداخلية في حكومة عائلة الدبيبة، عادّاً أن هذا هو حال الدولة عندما تتغلغل في أركان مؤسساتها الميليشيات وتعبث بها.
وقارن بين تكليف الدبيبة للطرابلسي، وضع خطة تأمين طرابلس، وحشده ميليشيا تابعةً له للاستعداد لمواجهة مع جهاز الهجرة غير شرعية التابع له، لافتاً إلى أن المشهد يعكس "فوضى الميليشيات عندما تصبح موجودةً داخل سلطة الدولة".
لكن المدهش والمضحك في الأمر حقاً، هو أن الطرابلسي كان حاضراً في اجتماع عقده رئيس أركان قوات حكومة الوحدة في طرابلس، محمد الحداد، مع رئيس أركان قواتها البرية، ورئيس جهاز الأمن الداخلي، ناقش "العمل بصورة تكاملية بين كافة جهات الدولة، لتحقيق الآثار الإيجابية على أمن الوطن والمواطن".
قصة القبض علي وزير الداخلية الليبي في فرنسا بتهمة حيازة نحو نصف مليون يورو
قصة توقيف الطرابلسي في باريس
في الثالث من الشهر الجاري، أوقفت سلطات الجمارك الفرنسية، الطرابلسي، خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة الفرنسية باريس، واعتقلته ساعات عدة، في مطار شارل ديغول، بتهمة حيازة نحو نصف مليون يورو، قبل أن تطلق سراحه بعد تحقيق تدخّلت فيه حكومة الدبيبة بشكل غير معلن، وزعم خلاله بأن المبلغ كان لغرض قضاء إجازة عائلية في باريس.
لكن الطرابلسي ادّعى بعدها بأن المبلغ الذي كان معه في باريس، تمثّل فقط في 20 ألف يورو، ونصفه أرسله معه صديق إلى جريح من الزنتان يُعالَج في فرنسا.
المدهش أن الدبيبة، لم يقبل برواية وزير الداخلية في حكومته، وسخر منها في اجتماع رسمي للحكومة فور عودة الطرابلسي من فرنسا، ورأى أن 20 ألف يورو، مبلغ كبير لكي يحمله كوزير.
اتهام الطرابلسي في إيطاليا
ودفع توقيف الطرابلسي في فرنسا، النائب اليساري في البرلمان الإيطالي ماركو غريمالدي، إلى مساءلة وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوزي، عن مبررات تعامل إيطاليا ودّياً مع الطرابلسي، برغم أنه مجرد مهرّب ليبي.
وطبقاً لوسائل إعلام إيطالية، فقد ارتبط الطرابلسي بالإتجار بالمهاجرين قبل أن يصبح وزيراً، ووصفته منظمة العفو الدولية، بأنه أحد أسوأ منتهكي حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
واختار الدبيبة، الطرابلسي، وزيراً للداخلية في حكومة الوحدة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بعد أقل من شهر من ترشيحه نائباً للوزير، مكافأةً له على دوره في التصدي لهجوم فاشل شنّته ميلشيات تابعة لرئيس حكومة الاستقرار الموازية والمدعومة من البرلمان الليبي، فتحي باشاغا، بهدف السيطرة على العاصمة طرابلس، والإطاحة بحكومة الدبيبة، في إطار الصراع المحتدم على السلطة والشرعية بين الحكومتين.
وعُدّ تعيين الطرابلسي، دليلاً قاطعاً على أن الأجهزة الأمنية في طرابلس، أصبحت فعلياً ورسمياً في قبضة التشكيلات المسلحة.
وورد اسم الطرابلسي، أيضاً، في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان لعام 2018، كما وصفته لجنة من خبراء الأمم المتحدة بأنه رجل ميليشيا، و"متلقّي أموال تم الحصول عليها بشكل غير قانوني"، إذ كان يسيطر على مجموعة مسلحة تسمّى "قوات العمليات الخاصة"، تفرض نحو 5،000 دينار (3،600 دولار) على كل ناقلة تمرّ عبر نقاط التفتيش التابعة لها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...