شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
سؤال المستقبل... هل أطفالنا

سؤال المستقبل... هل أطفالنا "أجحش" منا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والطفولة

الاثنين 2 سبتمبر 202411:19 ص

انتشر منذ فترة على تيك توك وباقي مواقع التواصل الاجتماعي، "فيلتر الشيخوخة"، الذي تعطيه صورتك الحالية فيقوم بصنع صورة تنبؤية عن ملامحك عندما تكبر في السنّ وتشيخ. تم استخدام الفيلتر هذا أكثر من 11 مليار مرة، في كوكب عدد سكانه أقل من ثمانية مليارات، نصفهم لا يملك أجهزة موبايل أو إنترنت، كالأطفال والفقراء، إضافة لعجائز ليسوا بحاجة لأن يعرفوا شكل شيخوخة هم يعيشونها أصلاً. هذا يعطيك صورة عن الهوس بالنهايات رغم عدم تبدّل أي معطى في البدايات.

هوس النهاية طارد مخيلة البشر منذ وقت طويل، وباعتبار الفكرة محفّزة للغاية وأداة للتفعيل أو للتعبئة، أعاد البشر إنتاجها عبر كثير من الحكايات، كان أهمّها المأتى الديني الذي أصبحت لبّه، لإنتاج تصوّر عن نهاية العالم الذي لا نعرفه جيداً لنذهب إلى العالم الذي يعرفه الرب ورسله وأنبياؤه فقط. وهنا تستطيع أن تراجع كل ما قيل عن يوم القيامة والحساب وعذاب القبر.

أحد الظرفاء وضع صورة الكرة الأرضية في فيلتر الشيخوخة هذا. توقف التطبيق لعدة ثوان، ثم أعطى صورة كبيرة من "الخراء الجامد"، مع الاعتذار من الجملة لمن لديه أمل في غد أفضل.

بعض المفكّرين الجيدين، يتساءلون عن السبب الحقيقي خلف وصول حمقى، مثل سوناك ومن قبله بوريسون وماكرون وبايدن وترامب، إلى سدّة الحكم في بلادهم، طبعاً هم لم يتعرّفوا على النماذج العربية التي "ترفع الرأس"، فقط راجع آخر قمّتين عربيتين، إذا كانت معدتك قوية كفاية للتحمّل

السؤال إياه

سنفكّر بالسؤال السابق قليلاً، ثم نجيب بسرعة: "لا بالتأكيد"، وفي أذهاننا صورتهم وهم يتلاعبون بأصابع لا تكاد ترى على أزرار الكيبورد وشاشات التلفون، أو يرطنون بلغات لا نكاد نحسن التلفّظ بحروفها ويعزفون ويستمعون لموسيقى لا نطيقها، ويشاهدون فيديوهات علمية (حقاً؟) عن العالم وما يجري فيه.

قال صديقي لابنه ذي السنوات العشر، بعد أن فشل بتقدير المسافة بين السرير والأرض، فسقط على فمه فاقداً سنّين: "برافو يابغل"، ثم التفت إلي قائلاً: "مفكّر حاله سوبرمان".

ليست الحكاية فقط سيطرة هوس الصورة من خلال مواقع الإنترنت، والنجاح الذي يعني مزيداً من الأموال فقط، لكن السؤال فعلياً مطروح وإجابته القياسية تقول بدقة: "نعم، أطفالنا أغبى منا بكثير، وأحفادنا سيكونون أغبى من آبائهم". ربما يعترض البعض، بدليل أن أبناءهم أكثر نجاحاً منهم في الحياة العملية. لكن كما تقول الدراسات والتدليل المنطقي: النجاح ليس ذكاء، وربما العكس، فأكثر نجاحاً يعني أكثر انسجاماً مع واقع غبي، وبالتالي أكثر غباء، للأسف.

السؤال مطروح أكثر في الصحافة الغربية. ربما لأن البعض من المفكّرين الجيدين، ممن هالهم ما يجري في بلدانهم، يتساءلون عن السبب الحقيقي خلف وصول حمقى، مثل سوناك ومن قبله بوريسون وماكرون وبايدن وترامب، إلى سدّة الحكم في بلادهم، طبعاً هم لم يتعرّفوا على النماذج العربية التي "ترفع الرأس"، فقط راجع آخر قمّتين عربيتين، إذا كانت معدتك قوية كفاية للتحمّل.

أن تكون "جحشاً" ليس أمراً سيئاً، فمن الممكن أن تصبح رئيس جمهورية مع ذلك

تظهر دراسة نرويجية أن معدل الذكاء IQ آخذ بالانخفاض بعد قرن من الارتفاع المتدرّج، وتعزي الأمر لمجموعة من العوامل الاجتماعية غير الوراثية، كتدهور النظام التعليمي وقيم الأسرة والتربية، كما الهوس بمواقع التواصل وما تعمّمه من نماذج "ناجحة" وتافهة بآن معاً، كما لا تنسى الدراسة أن تضيف توافد المهاجرين من بلدان لا نظام تعليمي فيها! فالمهاجرون يزيدون نسب الغباء الأوربي، وغباء المهاجرين ذو طبيعة معدية! 

وتتساءل الدراسة: ماذا لو وجد أحد أطفالنا نفسه وحيداً في غابة، هل سيتصرف كما تصرّف "روبنسون كروزو"؟ هل قرأ أصلاً رواية "كروزو" أو حتى شاهدها فيلماً، أم سيسرع للبحث عن إجابة على جوجل، أو يطرح تساؤلاً عما يفعله في أحد مواقع التواصل الاجتماعي؟".

الطبيعة ونظام الاصطفاء الطبيعي الذي تقوم على أساسه نظرية التطوّر يفترض أن البقاء للأصلح، وليس للأذكى أو الأكثر حساسية، الأكثر شاعرية أو الأدق نظرة جمالية، قد ينطبق في بعض الأحيان تفضيل "الأذكى" مع "الأصلح" لكن للأسف ليس بنسبة مشجّعة تجعلنا نركن إليها. البقاء للأفضل يعني البقاء للأكثر مقاومة على صعيد الحياة والمشاعر واختيار أسباب البقاء. وكما يتضح من جميع الكوارث التي تجتاح عالم السياسة والاقتصاد والفنّ، أن الأجدر بالبقاء والأكثر قدرة على مقاومة سوء العالم، كما تظهره السياسات الدولية وعقود من تخطيط المدن والاقتصادات، هو الأكثر غباء فقط.

لكن هناك سؤال جدي آخر: لماذا قد يجد أحد أبنائنا نفسه في موقع روبنسون كروزو؟ فالافتراض هذا قائم على أوضاع قد لا تتكرّر في أيامنا هذه، فهل من المفروض أن نطالبهم بأن يمتلكوا مهارات يدوية، كإشعال النار باستخدام عودين يابسين، أو صيد السمك بالرمح، أو مصارعة الدببة البنية؟

تجيب الدراسة بأن ليس هذا المطلوب، وإنما القدرة على ابتكار حلول في أوضاع مستجدّة وغير مكرّرة، ففي قصة تتحدث عن مجموعة من العباقرة، اكتشفوا في مطعم أن الملح في علبة البهار والبهار في علبة الملح على الطاولة، واستمرّت نقاشاتهم مطولاً حتى توصلوا لأفضل طريقة يمكن فيها أن يصلحوا فيها المشكلة، وكانت تتضمّن قشة وصحناً، حتى جاءت النادلة، وقامت باستبدال غطائي العلبتين ببساطة. هذه القصة تعرّف بدقة الذكاء: إنه ليس ما نعرفه. إنه بالضبط ما نفعله حين نفتقد للمعرفة.

كما يتضح من جميع الكوارث التي تجتاح عالم السياسة والاقتصاد والفنّ، أن الأجدر بالبقاء والأكثر قدرة على مقاومة سوء العالم، كما تظهره السياسات الدولية وعقود من تخطيط المدن والاقتصادات، هو الأكثر غباء فقط

في فيلم "don’t look up" (يمكن تناول العديد من المثالب في الفيلم، كسيطرة الكليشيهات السينمائية والأفكار البصرية الجاهزة) الذي عُرض من فترة قصيرة على نتفليكس، (إصدار 2021، إخراج آدم مكاي)، يتم الحديث عن هذا الموضوع بالذات: الغباء المعمّم الذي يسيطر على حياتنا، والذي جاءت حقبة ترامب لتُظهر الجانب السياسي منه، بينما يظهر لنا الفيلم أن الغباء "الديمقراطي" الموزّع بالتساوي على كل تفاصيل الحياة، والذي يضمن استمراره وديمومته تحالفُ السياسة مع الاقتصاد، يحرّك العالم على النحو الذي يرضيه، على النحو الذي لا نشعر أبداً به أننا أغبياء وأن قلة المعرفة أمر مغفور، بل ومحبّب إذا أردنا الاستمرار في نمط الحياة الذي نعرفه واعتدنا عليه، وأن تكون "جحشاً" ليس أمراً سيئاً، فمن الممكن أن تصبح رئيس جمهورية مع ذلك.

ليست التفاهة من تقود العالم يا آلان دونو، بل التفاهة المصنوعة من الغباء الطازج أيضاً

ماذا عن العالم العربي؟

نحن في نفس المكان لكن وصلنا إليه بطريقة مختلفة، فالمعرفة لا تقلّ في عالمنا إنما الجهل هو من يرتفع. فحسب تقديرات الأمم المتحدة، 25% من سكان العالم العربي أمّيون. لا ضرورة لأن نتعمّق أكثر في الدراسات، ونقول إن فقدان الإيديولوجيات الكبرى، الرأسماليات الغربية والهوس بالحروب والطغيان وسيطرة التفاهة على العالم هي السبب، أعني إذا أردتم أدلّة على منسوب الغباء المتعاظم، فقط لنتذكّر أسماء الرؤساء العرب قبل عقدين من الزمن (وأغلبهم ورّثوا أبناءهم كراسيهم، ومن لم يفعل جاء مكانه قائد من الجيل الأحدث، أي من جيل أبنائه). لنتذكر قادة العالم العربي، أولئك الديكتاتوريون الذين لا يشق لهم غبار.

نعم كانوا ديكتاتوريين ومجرمين وسلطويين وأسّسوا لخراب كبير أتى لاحقاً، لكننا نتكلم عن جزئية محدّدة: الذكاء. على الأقل كانوا يجيدون التحدّث باللغة العربية، وانتزعوا مكانتهم في عالم متجبّر، بالحديد والنار والمؤامرات والعمالة والخيانة وتسخير الإيديولوجيا والدين، وكلّ ما يمكن استخدامه، أي بالذكاء. كانت الكاريزما الخاصة بهم واضحة، سواء آمنت بهم أم لم تؤمن، أحببتهم أم كرهتهم، عارضتهم أم واليتهم، لكنك لا تستطيع على الإطلاق إنكار ذكائهم، فالذكاء مسألة كمية، عددية، لا تتعلّق أبداً بالأخلاق أو بالصالح والجميل، لا يعني هذا أني (الاستطراد يخصّ بعض عتاة توزيع شهادات التشبيح والثورية) أحنّ إلى ديكتاتوريينا السابقين، (أو ربما أفعل، فعندما ينحصر الخيار بين السيئ والأشد سوءاً لا تستطيع إلا أن تحنّ، راجع البلدان التي نجحت فيها ثورات الربيع العربي باستبدال الرئيس واحمد ربّك أنك على قيد الحياة) وعليه، عُدْ مرة أخرى للقمة العربية الأخيرة أو التي سبقتها، لترى الأمّعات الذين حلّوا محلّ ديكتاتوريينا السابقين: من يتأتئ بالعربية فلا يعرف حرف الجرّ من حرف الطاولة، من يقهقه ليستجمع أفكاره ويفهم السؤال البسيط الذي قيل له، من يتحدّث نصف ساعة بدون أن يقول شيئاً على الإطلاق، من يهزّ برأسه كالضبّ، من يغفو لأنه لا يستطيع البقاء مركّزاً أكثر من نصف ساعة (هكذا من المصنع)، من يتبجّح بجهله وتبعيته... هؤلاء من أفنينا أعمارنا لنراهم قادة لأوطاننا؟ هؤلاء من سنفديهم بالروح والدم إذا هجم عدوّ؟ سحقاً للحياة السافلة.

ليست التفاهة من تقود العالم يا آلان دونو، بل التفاهة المصنوعة من الغباء الطازج أيضاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image