شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
البن زراعة جديدة في مصر... هل يُكتب لها النجاح؟

البن زراعة جديدة في مصر... هل يُكتب لها النجاح؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الاثنين 26 أغسطس 202409:22 ص

تذوّق محمد عبد الحميد رشفات من قهوته الصباحية التي أثارت بداخله شعوراً بالسعادة والفخر، فهذا الكوب تم تحضيره من باكورة إنتاجه من البن الذي زرعه في مشتله الخاص بمحافظة المنوفية المصرية قبل 3 سنوات، وبدأ في حصاد ثماره منذ أربعة أشهر.

يقول عبد الحميد، وهو موظف بنكي وصاحب مشتل "أبو علي" لبيع الزراعات المصرية والاستوائية، في حديث مع رصيف22: "قررت زراعة البن لأنني أحب التحديات، فهي زراعة صعبة وتحتاج خبرة كبيرة لإنجاحها، لذا اشتريت بذوراً للمرة الأولى من مركز بحوث القناطر الخيرية التابع لوزارة الزراعة، وبدأت بزراعتها، وجمعت بالفعل أول محصول لي من ثمار البن".

تعود زيادة الاهتمام بزراعة البن في مصر إلى ارتفاع سعره.

عملية زراعة البن في مصر تحتاج ظروفاً خاصة لإنجاحها وفق عيد الحميد، فيوضح: "لكي ينجح إنبات البذرة، لا بد أن تكون الحبة طازجة لم يمر أكثر من أسبوع على قطفها من الشجر بلونها الأحمر، ثم توضع في إناء كبير فيه ماء، والحبة التي تطفو فوق سطح الماء يتم التخلص منها، وبقية الحبات توضع في التربة في نفق من البلاستيك ليوفر لها الدفء اللازم للإنبات، وتستغرق هذه العملية من 50 إلى 60 يوماً".

كلمة السر في نجاح زراعة البن في مصر مؤخراً وفق عبد الحميد هي في توافر الخبرة اللازمة والطقس الملائم للنبات، ويستطرد: "شمس مصر الحارقة كانت تحرق النبات، لذا بدأنا مؤخراً بزراعته تحت ظل شجر يفوقه طولاً، فزرعته تحت شجر المانجو، وهو اتجاه جديد لأصحاب مزارع المانجو خاصة في الإسماعيلية".

ويشير إلى أن الشجرة الواحدة تنتج من 15 إلى 20 كيلوغراماً من البن، وتحتاج ثلاث سنوات من مرحلة البذرة وحتى حصاده الأول.

بعد نجاح التجربة الأولى لعبد الحميد، اشترى 40 ألف شجرة بن من مركز بحوث القناطر الخيرية التابع لوزارة الزراعة، وزرعها في مشتله، وخلال شهرين سيجمع ثمارها.

ومع رواج اهتمام المصريين بزراعة البن يبيع عبد الحميد شتلاته، ويبدأ سعرها من 30 جنيهاً مصرياً (أقل من دولار) حسب طول الشتلة، ويتوقع إمكانية تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي من البن خلال 10 سنوات، إذا ظل اهتمام المواطنين بزراعته كما هو الآن. وتستهلك مصر نحو 70 ألف طن من البن المستورد سنوياً.

 البن زراعة جديدة في مصر... هل يُكتب لها النجاح؟من تجارب زراعة البن في مصر

باكورة إنتاج البنفي مزرعة محمد عبد الحميد

"التكلفة لا تُقارن بالأرباح"

يرجع أمير محمود خليل، وهو صاحب "مشاتل الياسمين" في محافظة الغربية وقد بدأ في زراعة البن قبل عامين، زيادة الاهتمام بزراعة البن إلى ارتفاع سعره، وتولد رغبة لدى كثير من المصريين بتوفير شجرة البن في حديقتهم الخاصة، بالإضافة إلى اهتمام المواطنين المتأثرين بانتشار مجموعات المشاتل والزراعات النادرة إلى اقتنائه في منازلهم.

يطبق خليل تعليمات زراعة البن والتي لخصها الاستاذ علي الدجوي في موسوعة زراعة وإنتاج نباتات الفاكهة، وأهمها توفير جو رطب تحت شبكة تظليل أو في ظل أشجار كبيرة مثل المانجو وغيرها، وتفضل شجرة البن التربة الخفيفة الرملية، وتغطى التربة بأوراق الأشجار لزيادة احتفاظها بالرطوبة داخلها وزيادة المادة العضوية المتحللة فيها.

ويتجه أمير وفق حديثه مع رصيف22 في الفترة المقبلة إلى تجربة زراعة شتلات البن في الأراضي الجديدة بمحافظتي المنيا والواحات، قائلاً: "هناك أنواع كثيرة من البذور نستوردها من الخارج مثل البرازيلي والفيتنامي والحبشي والكولومبي، لكن أفضّل ما هو مصدره من إندونيسيا، وأسعى إلى زراعته على مساحات واسعة".

وارتفعت أسعار البن في مصر خلال الربع الأول من العام الجاري ارتفاعاً غير مسبوق وفق تصريحات إعلامية لمحمد عبد المقصود سكرتير شعبة البن في الغرفة التجارية، وذلك بسبب أزمة الدولار، فيراوح سعر كيلو البن ما بين 450 إلى 800 جنيه (10 إلى 17 دولاراً).

كلمة السر في نجاح زراعة البن في مصر مؤخراً هي في توافر الخبرة اللازمة والطقس الملائم للنبات، وقد كانت شمس مصر الحارقة تحرق النبات، لذا بدأ المزارعون مؤخراً بزراعته تحت ظل شجر يفوقه طولاً، مثل أشجار المانجو

أحمد الحجاوي صاحب مزارع للنباتات الاستوائية، بدأ في زراعة البن منذ 6 سنوات على مساحة 3 أفدنة في محافظتي الإسماعيلية والشرقية، ويرى بأن تكلفة زراعة البن لا تُقارن بالأرباح التي يحققها.

ويوضح في حديثه لرصيف22: "تقتصر تكلفة زراعة البن على شراء الأسمدة مثل البوتاسيوم وحمض الستريك وملح الليمون، وتصل تكلفتها في العام الكامل إلى 50 ألف جنيه (1000 دولار تقريباً)، ولا يحتاج صاحب مزرعة البن إلى شراء البذور إلا مرة واحدة في بداية المشروع. اشتريتها منذ 6 سنوات من اليمن وإندونيسيا، ولو احتجت لشرائها من مصر حالياً فقد تكلف 50 ألف جنيه للفدان".

أما عن أرباح زراعة البن فيقول: "تنتج الشجرة الواحدة في المتوسط من 5 إلى 10 كيلوغرامات، والفدان ينتج 2500 كيلوغراماً من البن إذا كان عمر الأشجار أكثر من 5 سنوات، ولكن في السنوات الثلاث الأولى يكون إنتاجها ضعيفاً، ومع ذلك تحقق أرباحاً كبيرة، سواء من بيع الشتلات أو أرباح بين البذور نفسها للمطاحن".

تجارب جديدة

يرى أحمد الغريب أستاذ البيئة في كلية الزراعة جامعة الأزهر في حديثه مع رصيف22، أنه مع تغيرات المناخ وارتفاع متوسط درجات الحرارة في مصر، يمكن زراعة العديد من النباتات الاستوائية، ويوضح: "المناخ الاستوائي حار ممطر ومناخ مصر حار جاف، ولكن بعض المزارعين استطاعوا تعويض الأمر بأنظمة الري الحديثة ومنها نظام الري المطري، وهو عبارة عن خراطيم تركب في سقف المزرعة على مستوى عالٍ، يخرج منها رذاذ يحسن الجو ويعطى النبات احتياجه من المياه".

بدوره يشير يحيى متولي أستاذ الاقتصاد الزراعي في المركز القومي للبحوث، إلى أن المردود الاقتصادي لزراعة البن في مصر لتقليل الفاتورة الاستيرادية يعتمد على عدة عوامل، ولا يمكن الجزم بجدواه الاقتصادية الآن، ونحتاج إلى سنوات من تجارب زراعته في مساحات صغيرة لتحديد تكاليف إنتاجه، ولا بد أن تكون أقل من تكاليف استيراده لتحقيق الهدف المرجو منه.

 البن زراعة جديدة في مصر... هل يُكتب لها النجاح؟من تجارب زراعة البن في مصر

محمد عبد الحميد مع أشجار البن التي يزرعها

وتتعلق تكلفة الإنتاج المحلي للبن وفق حديث متولي لرصيف22 بعدة عوامل، ومنها تكلفة توفير البذور، وتوفير التربة الزراعية المناسبة، والإرشاد الزراعي للمزارعين لتعريفهم بخطوات زراعته، وكل هذه الخطوات تحدد تكلفتها، وتقارن بفاتورة استيراده من الخارج، فإذا كانت أقل يتم التوسع في زراعته نظراً لاهميته الاقتصادية، وفي الحالة الاخرى يكون من الأفضل اقتصادياً استمرار استيراده.

وقد بدأت تجارب وزارة الزراعة المصرية لزراعة البن منذ 40 عاماً، ولكنها لم تأتي بنتائج ملموسة وفق تصريحات لرئيس مركز البحوث الزراعية في مصر عادل عبد العظيم، وأرجع نجاح التجربة الأخيرة التي بدأت قبل عامين إلى التغيرات المناخية التي أثرت على مناخ مصر فساعدت على إثمار شجر البن. وتعكف الوزارة الآن على تحليل صفات الجودة ودراسة الجدوى الاقتصادية للتجربة قبل اتخاذ خطوات اعتمادها وتسجيلها وإعلانها.

روشتة نجاح زراعة البن في مصر

يضع أحمد الغريب يضع روشتة لإنجاح زراعة البن في مصر، ويقول: "ما زلنا في حاجة إلى مزيد من الدراسات في هذا الصدد، فلا بد من اختيار أنسب أنواع الأراضي، ودراسة الظروف البيئة بعد التغيرات المناخية وتحديد أفضل المناطق لهذه الزراعة".

ويوضح أن العمل المشترك بين وزارتي الزراعة والبيئة في مصر سيساعد في نجاح زراعته لإجراء البحوث والدراسات اللازمة، واختيار أنسب البيئات لزراعة هذه الأشجار.

تتعلق تكلفة الإنتاج المحلي للبن بعدة عوامل، ومنها تكلفة توفير البذور، وتوفير التربة الزراعية المناسبة، والإرشاد الزراعي للمزارعين لتعريفهم بخطوات زراعته، وكل هذه الخطوات تحدد تكلفتها، وتقارن بفاتورة استيراده من الخارج

بدوره، يقول أحمد الحجاوي: "لا يوجد سبب فعلي وراء عدم الاهتمام بملف تطوير زراعة البن في مصر حتى الآن، فمصر قادرة على إنتاج أفضل أنواع البن في العالم خاصة مع مساحاتها المترامية وتنوع مناخها من محافظة لأخرى".

ويضيف: "كل ما نحتاجه هو دراسة الخريطة الزراعية لمصر لنحدد أفضل المحافظات من حيث حالة المناخ التي من الممكن أن تنتج بناً بجودة عالية. جذور شجر البن لا تمتد لأكثر من متر واحد تحت الأرض، لذا لا نحتاج إلى أراضٍ مخصصة له، بل يمكن أن نزرعه وسط الأشجار ونستغل الأراضي الزراعية الموجودة حالياً".

ويرى أن مصر في حاجة إلى الاهتمام بزارعة البن لأنه البديل الأفضل من المستورد، ويوضح: "الكل يعلم بأن معظم البن الموجود في مصر ذو جودة رديئة، ومخلوط بالفول السوداني ونوى البلح، وإذا كان بناً جيداً فتخزينه في السفن لاستيراده يقلل من جودته، ولكن البن المزروع في مصر سيكون طازجاً مما يحسن مذاقه، وجربنا بالفعل طحنه بأكثر من طريقة ومذاقه جيد جداً".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image