شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
تجفيف الطماطم.. حل للتغلب على التغير المناخي وفقد المحصول

تجفيف الطماطم.. حل للتغلب على التغير المناخي وفقد المحصول

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والبيئة

الأحد 25 فبراير 202403:25 م

تعتمر إسراء عز قبعة كبيرة وتضع قناعاً طبياً على وجهها للوقاية من شمس قاسية في نهار يوم حار في شتاء الأقصر، بينما تقف لتشرف على أربع سيدات يعملن بجهد لفرز قطع من الطماطم التي نشرت للتجفيف في قرية القرنة.

يرفع التغير المناخي من التحديات التي يواجهها المزارعون، ويزيد من صعوبة زراعة المحاصيل التي تتعرض شتلاتها للتلف حال ارتفاع الحرارة كالطماطم، التي لا تؤتي ثمارها إذا كان الجو حاراً جداً في وقت مبكر من نموها، ولكن في المقابل، يساهم الجو الحار نفسه في الإسراع من عملية تجفيف الطماطم، والتي باتت صناعة تحويلية متسارعة الانتشار في جنوب مصر وذات سوق يتنامى خارجها.

تعمل إسراء عز مشرفة زراعية بمنشر لتجفيف الطماطم بمركز القرنة بالأقصر، تقول لرصيف22: "صناعة تجفيف الطماطم أصبحت حلاً لتجنب التلف السريع الذي يصيب الثمار، وبدأت في الانتشار في جنوب مصر بسبب أن الطقس بات حارًا في معظم أيام الشتاء، خاصة في محافظة الأقصر التي انتشر بها نشاط شركات إنتاج وتصدير الطماطم المجففة".

تبيّن لنا إسراء بالتفصيل مراحل العمل في منشر التجفيف الذي تشارك في الإشراف على العمل به. تقول: "لا بد من التعاقد أولاً مع موزعي الطماطم من المزارع، وبعد استلام الشحنة تُفرَز بشكل أولي لمراجعة الحالة العامة للثمار ويستبعد ما يظهر عليه التلف أو اختلاف في القوام ويخصم من التاجر فارق استبعاد الفرز، ثم تبدأ مرحلة الغسيل في أحواض بالقرب من مصدر ماء نظيف جاري ثم التقطيع، وهنا يبدأ مرحلة العمل النسائي حيث تعمل العاملات على تقطيع الطماطم بشكل طولي متساوي ، ونشره على المنشر وتوزيع كمية محسوبة من الملح والكبريت ليبدأ التجفيف".

يرفع التغير المناخي من التحديات التي يواجهها المزارعون، ويزيد من صعوبة زراعة المحاصيل التي تتعرض شتلاتها للتلف حال ارتفاع الحرارة كالطماطم، التي لا تؤتي ثمارها إذا كان الجو حاراً جداً في وقت مبكر من نموها، ولكن في المقابل، يساهم الجو الحار نفسه في الإسراع من عملية تجفيف الطماطم، والتي باتت صناعة تحويلية متسارعة الانتشار في جنوب مصر وذات سوق يتنامى خارجها

تحصل العاملة على ستة جنيهات لتقطيع عبوة الطماطم وتسمى "برنيكة"، ويمكن أن يصل الإنتاج اليومي ما بين 30 إلى 40 برنيكة خلال اليوم، أي تحصل العاملة على ما بين 180 و 240 جنيها يومياً (أي أقل من 8 دولارات بالسعر الرسمي ونحو 3 دولارات بسعر السوق الموازية) وذلك خلال يوم عمل يبدأ من السادسة صباحاً حتى غروب الشمس.

 تطول مدة التجفيف من 4 إلى 15 يوماً بحسب درجة الحرارة، ففي الشتاء تحتاج الطماطم إلى 12-15 يوماً، وصيفاً 4-6 أيام، وتختلف المدة بحسب نسبة الرطوبة في الجو.

  وتشير إسراء إلى بدء تجربة التجفيف خلال فصل الصيف بالأقصر العام الماضي مع ارتفاع إنتاج العروات الصيفية، لكونه أسرع في الإنتاج مع جو الحار بمدينة الأقصر.  

 بانتهاء عملية التقطيع تبدأ مرحلة التجفيف وبدء الفرز المبدئي في المنشر، حيث تعمل عاملات أكثر خبرة على فرز الطماطم واستبعاد المصابة منها بضربات الشمس أو الفطريات، ليعاد استخدامها كعلف للحيوانات، أو تباع كفرز ثاني، تنقل بعدها إلى نقاط الفرز النهائي والتعبئة، والتحضير للبيع في الأسواق والتصدير.  

تفرق إسراء بين مراحل العمل والحاجة إلى الرجال والسيدات، إذ يتولى الرجال المهام التي تحتاج إلى جهد بدني مثل نقل وغسيل الطماطم، بينما تتخصص النساء في المراحل التي تحتاج إلى دقة وتركيز مثل التقطيع والفرز.

حسب الـ"فاو"، تعد مصر من أكبر دول العالم إنتاجاً للطماطم، إلا أن أكثر من 50٪ من هذه الطماطم يفقد في مراحل الحصاد والإنتاج وخلال عمليات البيع بالتجزئة والجملة، إلى جانب خسارة كبيرة على مستوى جودة المنتج، لذلك فإن وحدات تجفيف الطماطم تعد أحد الحلول التقنية لتقليل الفاقد في هذا المحصول الاستراتيجي

خلال جولة رصيف22 بمنشر قرية القرنة، قالت إسراء "جئتم في يوم العمل فيه بسيط حيث نعمل على منشر واحد من بين ثمانية بسبب الرياح الترابية التي نتوقعها خلال الأسبوع، حيث تتأثر فترات التجفيف بأيام الرياح الترابية خاصة مع شهر أمشير، لأن الأتربة تزيد من الشوائب التي قد ترفض بسببها الشحنة".

ترتيب خطوات الإنتاج التي ذكرتها إسراء يدعمها دليل إرشادي أطلقه مكتب القاهرة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة " فاو" أعده الباحث بهاء إسماعيل استشاري القيمة المضافة بالمنظمة عام 2020.


إذ يحدد الدليل تجفيف الطماطم عن طريق الشمس كمصدر الحرارة في المناطق التي تتوافر فيها درجات الحرارة العالية والرطوبة الجوية المنخفضة، ويندر فيها هطول الأمطار ونشاط الرياح المثيرة للأتربة خلال فترة التجفيف، كما يضم الدليل اشتراطات للأرض المقام عليها المشروع وخطوات إنشائه ومراحل عمله.

ويصنف الدليل الإرشادي صناعة تجفيف الطماطم باعتبارها حلاً ضرورياً للاستفادة من محصولها خاصة في مناطق الإنتاج البعيدة عن الأسواق الرئيسية والمصانع، حيث يوفر التجفيف مع ما يمتاز به من سهولة التنفيذ ضمانًا للاستفادة القصوى من المحصول خاصة مع انخفاض تكلفته الاقتصادية.

مصدر مضمون للعملة الصعبة

يتناسب إنتاج الطماطم المجففة مع ظروف مصر الجوية في الشتاء في محافظتي الأقصر وأسوان، وفي الصيف في منطقة الدلتا، ولذا يمكن أن تصل فترة الإنتاج (التجفيف) في مصر إلى 8 أشهر في السنة وهي أطول فترة إنتاجية الطماطم المجففة في العالم، بحسب الدليل.

يعتبر الباحث بهاء إسماعيل، الاستشاري في منظمة الاغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" وواضع الدليل الإرشادي لتجفيف الطماطم أن "الطماطم المجففة مصدر هام للعملات الأجنبية نظراً للطلب المتزايد عليها من الأسواق العالمية وأهمها إيطاليا وألمانيا وأمريكا والبرازيل، إلى جانب القيمة المضافة في توفير العمالة حيث يصل الموسم إلى 45 يومية عمل؛ 30 يومية عمل للتقطيع + 12 إلى 15 يومية عمل للجمع والفرز والتعبئة.

بحسب إحصاء منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة" فاو" الصادر في سبتمبر/ أيلول 2023، تقدمت مصر إلى المركز الثالث في إنتاج الطماطم وبلغ إنتاجها 2500 طن في نهاية عام 2023.

التغير المناخي عدو زراعة الطماطم وصديق مخلص لتجفيفها

بحسب دراسة نشرتها مجلة " نيتشر" العلمية المتخصصة، هناك توقعات بتراجع إنتاج محصول الطماطم في إيطاليا وأمريكا إلى نصف الإنتاج الحالي عام 2050 بسبب ارتفاع درجات الحرارة، كما تتوقع الدراسة تراجعًا بنسبة 6% في إنتاج الطماطم المصنعة، نتيجة لانخفاض المحصول بالأساس.

وتفرق إسراء عز بين تأثير التغيير المناخي على  المحاصيل الزراعية وعملها في تجفيف الطماطم، وتقول "بالتأكيد الاحتباس الحراري يؤثر على كميات المحصول، لكن في التجفيف الحرارة المرتفعة تساعد على تسريع عملنا، ولا يتأثر العمل كثيراً بانخفاض إنتاجية المحاصيل لأننا نتفق على كمية ثابتة يوفرها المزارعون بغض النظر عن إنتاج الأرض".  

وتوقعت دراسة للباحثة فاطمة محمد الحسيني انخفاضًا يبلغ 13% في إنتاج محصول الطماطم ومحاصيل زراعية أخرى - عدا القطن- بسبب التغير المناخي، ونشرت الدراسة بمجلة جامعة الإسكندرية للتبادل العلمي في سبتمبر/ أيلول 2023.

وحددت الدراسة أن تأثير التغيرات المناخية تتمثل في زيادة حالات الجفاف، وموجات الطقس الحار، وندرة الموارد الطبيعية للمياه وتغذية التربية، مما يشكل تحديات اجتماعية واقتصادية تواجه قطاع الزراعة في مصر خاصة مع تذبذب سقوط الأمطار.

وتعتمد زراعة الطماطم في مصر على نظام "عروات الزراعة" حيث تقسم دورات زراعة المحاصيل إلى "عروات" متداخلة طوال العام، تبدأ بالعروة الشتوية وهي الأعلى إنتاجية والأوسع في مساحة الزراعة، وتزرع شتلاتها في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول، وتنتج ثمارها في يناير/ كانون الثاني، وفبراير/ شباط، ومارس/ آذار، وتأثرت هذه العروة بشكل سلبي لارتفاع درجات الحرارة. وتزرع شتلات العروة الصيفية في فبراير ومارس وابريل ومايو، وتنتج ثمارها من يونيو/ حزيران حتى أغسطس/ آب، وتتبقى العروة النيلي والتي تكتسب اسمها من تزامنها مع الموعد السنوي لفيضان النيل في مصر، إذ تزرع شتلاتها في يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز وتنتج ثمارها في أكتوبر/ تشرين الأول، ونوفمبر/ تشرين الثاني، وديسمبر/ كانون الأول.

وخلصت الدراسة لانخفاض إنتاجية الفدان من الطماطم في محافظات الوجه البحري ومحافظات الحدود. وحددت أن نسبة 77 % من التغيرات السلبية في محصول محصول الطماطم ترجع إلى التغير المناخي.  

ويرجع المهندس عبد الكريم دياب المدير المسئول عن محطة الشهيد ماجد صالح الزراعية بمركز إسنا في الأقصر (جنوبي مصر)، تراجع الإنتاج للتغير المناخي وتأخر التوصل إلى أصناف تتحمل موجات الحرارة الشديدة والبرد أيضًا، وقال لرصيف22: "هناك تجارب لأصناف جديدة في مصر ولكنها لم تثبت كفاءة في زيادة الإنتاج، وما زال يعتمد على ثلاث أصناف أساسية لصناعة التجفيف، وننتظر دراسات لإنتاج سلالات مقاومة للحرارة والتقلبات الجوية، والتجارب جديدة لم تؤكد قدرتها على تحمل ارتفاع الحرارة في الشتاء أو موجات البرد في الربيع".

يقول عبد الكريم إن بداية العمل بتجفيف الطماطم في الأقصر كان عام 2008 بشركات تركية استمرت حتى 2011، بعدما بدأ المصريون تعلم الصناعة بفضل دورات تدريبية خصصتها منظمة الفاو، "لكن الانتشار الفعلي يمكن أن نقيسه من عام 2016 بجهود شخصية ثم دخلت شركات مؤسسية في المجال، لتصبح محافظة الأقصر رائدة في الفواكه والخضراوات المجففة وخاصة الطماطم، بمراكز إسنا والقرنة وأرمنت".

صناعة بسيطة سريعة الانتشار

بدأت محطات تجفيف الطماطم في مصر في الانتشار ضمن مشروع "تقليل الفاقد والهدر في الغذاء وتطوير سلسلة القيمة لضمان الأمن الغذائي في مصر وتونس" لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة " فاو"، بالتعاون مع وزارة الزراعة المصرية التي تسلمت في العام 2018 مناشر للتجفيف بمنطقة النوبارية شمال مصر.

ويعتمد المشروع على نهج سلسلة القيمة الغذائية للحد من فقد وهدر الغذاء من خلال تحسين الكفاءة الاقتصادية والبيئية للقطاعات الزراعية الغذائية، خاصة محصول الطماطم في محافظة الشرقية ومنطقة النوبارية، بتوفير حزمة من الدعم التقني والتسويقي لقدرات جمعيات المزارعين.

وبحسب بيان "فاو"، تعد مصر من أكبر دول العالم إنتاجاً للطماطم، إلا أن أكثر من 50٪ من هذه الطماطم يفقد في مراحل الحصاد والإنتاج وخلال عمليات البيع بالتجزئة والجملة، إلى جانب خسارة كبيرة على مستوى جودة المنتج، لذلك فإن وحدات تجفيف الطماطم تعد أحد الحلول التقنية لتقليل الفاقد في هذا المحصول الاستراتيجي.

يشير دياب إلى جهود منظمة الفاو في التوسع في صناعة تجفيف الطماطم بإطلاق دورات تدريبية للمزارعين والمشتغلين بالصناعة وإطلاق مشروع النوبارية، ولكنه توقف بسبب التغيرات المناخية وزيادة رطوبة الجو هناك التي تؤثر على جودة إنتاج الطماطم، وبات المشروع يكتفي بتجفيف محصول العنب.

ويضيف دياب "مصر أصبحت رائدة في صناعة تجفيف الطماطم ويصل الإنتاج إلى إيطاليا والبرازيل وأمريكا كسوق جديد، ويبدو أن تأثير التغير المناخي في إيطاليا جعل الأقصر وجهة جديدة للاستثمار في الطماطم، لتنشئ شركة مصر إيطاليا، صاحبة الاستثمار الأكبر في المحافظة مناشرها لتجفيف الطماطم".

فيما يؤكد عبد الكريم: "يجب أن نفرق بين الطماطم كمحصول زراعي، وصناعة تجفيفها، من حيث استيعابهما لحجم العمالة اليومي، حيث يحتاج منشر تجفيف الطماطم إلى 400 عامل في اليوم الواحد في بعض الأحيان وهو أكثر من ضعفي عدد العاملين بالأرض الزراعية"، وهو ما يعتبره ميزة في التجفيف كصناعة ساهمت في تقليص فجوة البطالة في المحافظة ورفع المستوى الاقتصادي للعاملات، وأيضاً تحقيق التوازن بين تكلفة الإنتاج الصناعي وما تحتاجه صناعات الصلصة في مصر وسعر السوق بالنسبة للتجار والتصدير.

-----------------------------------

تصوير محمد عوض 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard