شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ما بين التغيّر المناخي والمبيدات المغشوشة... ماذا حدث للزيتون المصري؟

ما بين التغيّر المناخي والمبيدات المغشوشة... ماذا حدث للزيتون المصري؟

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 10 يناير 202403:11 م

في الخريف من كل عام ينتظر المزارعون المصريون موسم حصاد الزيتون، الذي يبدأ في آب/ أغسطس ويستمر حتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر، إذ يعملون مياومةً في جمع الثمار، لكن عام 2021 خيّب آمالهم في الحصول على ما يكفي قوت يومهم.

"في المعتاد أستعين بقرابة 30 عاملاً في اليوم من أبناء قريتي خلال موسم حصاد الزيتون، لكن في موسم 2021 لم يزد عدد العمال عن 6 يومياً بسبب تدهور الإنتاج"، يحكي عمر ربيع (31 عاماً)، وهو صاحب مصنع ومزارع زيتون في وادي النطرون ومطروح.

الأمر نفسه تكرر مع علي كساب، تاجر ومزارع زيتون، يحكي: "يعمل معي نحو 20 عاملاً على مدى خمسة شهور من كل عام، لكن موسم 2021 لم يستمر أكثر من 40 يوماً وكان معي 8 عمال فقط، نظراً لقلة المحصول"، موضحاً أن إحدى مزارعه على مساحة 20 فداناً فيها زيتون بعمر 9 سنوات، كان إجمالي محصولها ثلاثة أطنان فقط، على الرغم من تكلفة الخدمة الزراعية العالية.

تعرضت مصر لموجات حرارة قطعت احتياجات شجر الزيتون من وحدات البرودة، ما انعكس في حجم إنتاج منخفض.

عمر وعلي ضمن مجموعة من كبار مزارعي الزيتون في منطقتي مطروح ووادي النطرون شمال مصر، تحدثوا إلينا عن محصولهم الذي أتلفته الحرارة في عام 2021، خلال رحلة بحثنا عن تأثير التغير المناخي على إنتاج الزيتون.

يوضح تقرير المجلس الدولي تراجع إنتاج مصر من زيتون المائدة إلى 500 ألف طن عام 2021، بعدما بلغ 650 ألفاً في عامين على التوالي (2019-2020)، كانت مصر تتصدر خلالهما قائمة أكثر الدول إنتاجاً لزيتون المائدة في العالم، متفوقة على إسبانيا رائدة إنتاج الزيتون في العالم، إذ حقق إنتاجها 458 ألف طن عام 2019 و546 ألفاً عام 2020.

وبالرجوع إلى المسؤولين المصريين لتوضيح درجة تأثر محصول الزيتون بالتغير المناخي، حصلنا من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، على بيانات تتضمن مساحة وإنتاج الزيتون في محافظات مصر في الفترة الممتدة من 2011 حتى 2022، لكنها تتناقض إلى حد كبير مع بيانات المجلس الدولي للزيتون، وهو ما دفعنا للبحث عن مصدر ثالث يؤكد رواية أحد الجانبين، وهي منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، وتؤكد بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري، ما جعلنا نستند إليها في هذا التحقيق.

وبفحص وتدقيق بيانات الجهاز الحكومي المصري، وجدنا نقاطاً تستحق التقصي، خصوصاً ما أوضحته بيانات محافظة مطروح، يجاورها مركز وادي النطرون، إذ يتضح تراجع إنتاج الزيتون خلال موسم 2021/2022 بنسبة 61.23% عن العام السابق، لينخفض معدل إنتاج الفدان من 3.4 طن في 2020/2021 إلى 1.3 طن في 2021/2022، بالرغم من زيادة المساحة المزروعة بنسبة 20 في المائة.


يستطرد عمر ربيع: "كان المعدل الطبيعي لإنتاج الفدان عندي 5 أطنان، لكن في 2021 لم يتجاوز إنتاجي نصف طن للفدان، بسبب موجات الحرارة التي منعت التزهير. عندي مصنع تخليل زيتون لم أستطع توفير احتياجاته من المحصول للتشغيل بالرغم من امتلاكي مئتي فدان".

ماذا حدث للزيتون؟

يفسر المهندس إسلام أبو سريع، خبير زراعة الزيتون، ما حدث بعدم استيفاء شجر الزيتون وحدات (أو ساعات) البرودة اللازمة للتزهير في الشتاء، إذ تحتاج شجرة الزيتون ليكون معدل تزهيرها طبيعياً من 200 إلى 350 وحدة برودة حسب صنفها، ما بين فصل الخريف إلى ما قبل التزهير في شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل، على أن تكون هذه الوحدات متصلة، أي لا تقطعها درجات حرارة أعلى من 30 درجة مئوية، وهو عكس ما حدث وقتها. ويوضح: "إذا قطعت موجات من الحرارة ساعات البرودة اللازمة للزهرة، فإن البراعم تُقلب إلى أوراق، فتكون الشجرة في موسم الحصاد ذات نمو خضري عالٍ وثمار قليلة".

يقول علي كساب إن الشجر لديه لم يحصل على أكثر من 160 ساعة برودة، "يعتبر مكانش في طرح، نقدر نقول إنها كانت سنة معدومة الإنتاج".

ويضيف أبو سريع بأن مصر تعرضت لموجات حرارة في خريف 2021 قطعت احتياجات الشجر من وحدات البرودة، وهو ما انعكس في حجم إنتاج منخفض كثيراً عن المعتاد. ويشير إلى عقبة أخرى في طريق الزهور للتكوّن، وهي الرياح الساخنة أو الشرد، وهي تأتي عادة في شهر آذار/ مارس، فتؤدي إلى حرق الزهور وتساقطها.

كان المعدل الطبيعي لإنتاج الفدان عندي 5 أطنان، لكن في 2021 لم يتجاوز إنتاجي نصف طن للفدان، بسبب موجات الحرارة التي منعت التزهير. عندي مصنع تخليل زيتون لم أستطع توفير احتياجاته من المحصول للتشغيل بالرغم من امتلاكي مئتي فدان

وحسب تقرير نشرته هيئة الأرصاد الجوية المصرية في آب/ أغسطس 2021، اتضح أن صيف 2021 هو الأكثر سخونة على مدى السنوات الخمس السابقة، إذ سجلت درجات الحرارة ذاك العام معدلات أعلى من الطبيعية راوحت بين 3-4 درجات مئوية.

 ما بين التغيّر المناخي والمبيدات المغشوشة... ماذا حدث للزيتون المصري؟

ماذا عن عام 2023؟

لم تظهر بيانات إنتاج عام 2023 بعد، إذ تُنشر بيانات إنتاج الزيتون في شباط/ فبراير من العام التالي لموسم الحصاد. لكن وفقاً لبيان خدمة كوبرنيكوس التي ينفذها المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية، فإن صيف عام 2023 هو الأكثر دفئاً على مستوى العالم، وحسب تقارير للبنك الدولي، فإن مصر تتعرض لصدمات التغير المناخي مثل الفيضانات والإجهاد الحراري وتلوث الهواء والتصحر.

ووفق أبو سريع فإن التغير الحالي متباين، أي لا يؤثر على العالم كله في وقت واحد، ففي حين تستقر الأوضاع نسبياً في بعض أراضي مصر، كمنطقتي وادي النطرون والعلمين، تتعرض مناطق كالإسماعلية والفيوم لتأثيرات حادة ناجمة عن التغير المناخي.


مبيدات مغشوشة

خلال وجودنا في منطقة وادي النطرون وحوارنا مع مزارعي الزيتون، أشاروا لمعاناتهم من شراء مبيدات رش للزيتون معدومة التأثير، يحصلون عليها من منافذ البيع المجاورة.

يقول عمر ربيع: "آخر مرة تعرضت فيها لغش المبيدات كان من ستة أشهر، خلال فترة العَقد، لمكافحة دودة البراعم"، ومن ضمن المبيدات التي استخدمها "لمبادا" و"لانيت".

عموماً، تتوقف كفاءة وفاعلية المبيد لمكافحة الآفات على ثلاثة عوامل: استخدام المبيد المناسب للآفة، وجودته، ومعدل تفشي الإصابة، بحسب المهندس الزراعي أحمد عبد السلام.

ويضيف أن أي خلل في العوامل الثلاثة يمكن أن يؤثر سلباً على كمية المحصول، وقد يتفاقم ليصل لانعدام الإنتاج. كما أن الأنواع مثل لمبادا ولانيت تقليدية، وربما تكون اكتسبت الآفات مناعة ضدها، موضحاً أن المبيدات المغشوشة منتشرة في مصر، وهي أكثر العوامل خطورةً على الثمر.

أي خلل في المبيدات يمكن أن يؤثر سلباً على كمية المحصول، وقد يتفاقم ليصل لانعدام الإنتاج.

ويُرجع اللواء مهندس مصطفى هاشم، نائب رئيس المجلس المصري للزيتون، سبب غش المبيدات إلى تقييد حركة الاستيراد، بسبب صعوبة الحصول على العملة الأجنبية، ما دفع الشركات المحلية إلى إنتاج عبوات أدوية مقلدة، وبدون مواد فعّالة. "كان الاعتماد بشكل أساسي على الاستيراد، وحل محله النصابون"، يقول، موضحاً أن هناك بعض الشركات المصرية التي ما زال إنتاجها بالجودة المعتادة وبفاعلية كاملة، لكنها لا تنتج كل الأنواع، ولا تغطي كل احتياجات المزارعين.

زيتون شمال سيناء بين التجريف والتعمير

من خلال متابعة فحص البيانات التي حصلنا عليها من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، تبيّن تراجع كبير في مساحة وإنتاج الزيتون في محافظة شمال سيناء، فبعد أن كانت أكثر المحافظات المصرية إنتاجاً للزيتون في عام 2013/2014 بحجم إنتاج بلغ 136.802طناً (24.1% من إجمالي إنتاج مصر)، وبمساحة 35.395 فداناً (24.4% من إجمالي مساحة الزيتون في مصر)، تراجعت المساحة في 2021/2022 إلى 12,116 فداناً، وانعكس هذا على الإنتاج الذي انخفض إلى 23.876 طناً، أي ما لا يزيد عن 3 بالمئة من إنتاج البلاد.

تطرح البيانات السابقة سؤالاً طبيعياً: ما السبب في هذا التراجع؟


هذه المرة لم يكن التغير المناخي السبب، إذ يُرجع المهندس جمال الدع، القائم بأعمال مديرية الزراعة في شمال سيناء، الأمر إلى التجريف الذي حدث خلال الفترة من 2013 وحتى 2018 أثناء الحرب على جماعات مسلحة موالية لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، إذ أزال الجيش مساحات كبيرة من أشجار الزيتون، نظراً للموقع الاستراتيجي للأراضي وكثافة الأشجار التي كانت تلك الجماعات تتخذها وكراً لها.

ويقدّر المهندس عاطف عبيد مطر، وكيل وزارة الزراعة في شمال سيناء سابقاً، حجم التجريف في سيناء بـ280 ألف فدان، منها نحو 24 ألفاً من الزيتون.

وأوضح الدع بأن مساحات الزيتون بدأت في الارتفاع مرة أخرى من أدنى مستوى لها في 2021 عند 12 ألف فدان (23.8 ألف طن) إلى 14 ألف في 2022، بإنتاج نحو 28 ألف طن، إلا أن المساحات المزروعة حديثاً لم تصل إلى الإنتاجية الكاملة بعد، والتي تتحقق بعد ثماني سنوات من الزراعة.

وتأتي هذه الزراعات الجديدة ضمن خطة الدولة لإعادة إعمار سيناء، من خلال استصلاح وتوفير البنية التحتية اللازمة لزراعة مليون فدان وتوصيل المياه إلى 352 ألف فدان، وفق حديث المهندس عاطف عبيد مطر، كما تشمل الخطة زراعة 10 مليون شجرة زيتون.

 ما بين التغيّر المناخي والمبيدات المغشوشة... ماذا حدث للزيتون المصري؟

100 مليون شجرة زيتون... مبادرة لم تكتمل

في أيار/ مايو 2015، صادق الرئيس عبد الفتاح السيسي على مبادرة وزير الزراعة واستصلاح الأراضي آنذاك، الدكتور صلاح هلال، للوصول بعدد أشجار الزيتون في مصر من 30 إلى 100 مليون شجرة.

وحسب الخطة، كان يُفترض أن تنتهي الوزارة من زراعة 100 مليون شجرة بحلول 2020، على أن تحقق أهدافها والإنتاجية الكاملة بعد 9 سنوات من إطلاقها، أي بحلول عام 2024. وكان من أهدافها زراعة 750 ألف فدان جديد بالزيتون، ورفع إنتاج مصر لتصبح في المركز الثالث عالمياً، وزيادة الصادرات المصرية من زيت الزيتون إلى 9.8 مليار جنيه، وتوفير 980 ألف فرصة عمل للشباب.

قُدمت المبادرة في اجتماع للرئيس السيسي مع أعضاء المجلس المصري للزيتون، وبعدها انتقل الملف لوزارة الزراعة، بحسب حديث مصطفى هاشم، وبدأ العمل بالمبادرة في اليوم التالي لإطلاقها بزراعة 150 فداناً في منطقة سهل القاع في طور سيناء، ووصل عدد الأشجار المزروعة عام 2020 إلى 53 مليوناً، واليوم إلى 60 مليوناً وفق حديث هاشم.

كان يُفترض أن تنتهي الوزارة من زراعة 100 مليون شجرة بحلول 2020، وكان من أهدافها زراعة 750 ألف فدان جديد بالزيتون، ورفع إنتاج مصر لتصبح في المركز الثالث عالمياً، وتوفير 980 ألف فرصة عمل للشباب، لكن حتى اليوم لم يتحقق سوى 11% من المبادرة

وبالرجوع إلى بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، تبيّن أن المساحة الكلية لأشجار الزيتون في مصر عام 2021/2022 بلغت 268.124 فداناً بمجموع 2.6812.400 شجرة، بعدما كانت في 2015 (عام إطلاق المبادرة) 187.944 فداناً (18.794.400 شجرة)، مع احتساب 100 شجرة لكل فدان كما توضح خطة المبادرة وحسب ما أكده المزارعون. ليكون إجمالي ما زرع خلال ست سنوات هو نحو 8 ملايين شجرة، وبهذا يكون تحقق فقط 11% من المبادرة في2021/2022، على الرغم من هدف الانتهاء منها عام 2020.

حاولنا التواصل مرتين مع المتحدث الإعلامي باسم وزارة الزراعة للحصول على رد حول هذه المعلومات، ولتفسير ما يحدث في سوق المبيدات الزراعية، فطلب منا إرسال الأسئلة لمراجعتها أولاً، ولم يصلنا رد حتى تاريخ نشر التحقيق.


أهمية الزيتون في مقاومة التغير المناخي

بيئياً، تلعب شجرة الزيتون دوراً رئيسياً في التصدي لتغير المناخ، إذ تمتص الكربون وتخزنه في التربة، وفقاً لدراسة أجراها المجلس الدولي للزيتون عام 2017.

ووفق تقرير نشره المجلس في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فإن الهكتار الواحد (2.47 فدان) من بستان الزيتون يمتص في المتوسط 4.5 طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، مما يعني أن إنتاج 1 كيلوغرام من زيت الزيتون يمكن أن يزيل ما يصل إلى 10 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

وللتقريب، فإن الطن الواحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتغير المناخي ومنها ثاني أوكسيد الكربون، يعادل نصف ما يستهلكه المنزل وسطياً من كهرباء خلال عام كامل، أو ما تستهلكه سيارة خلال نصف عام.

* يُنشر هذا التقرير بالتعاون مع نوى ميديا


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image