شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مبينا نعمت زاده… البطلة الأولمبية التي أشعلت الجدل في إيران بطلب دراسة الطب

مبينا نعمت زاده… البطلة الأولمبية التي أشعلت الجدل في إيران بطلب دراسة الطب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"ما هي أمنيتك؟ أطلب من الرئيس أن يسمح لي بدراسة الطب في جامعة طهران"؛ هذا الطلب كان كفيلاً بأن يشعل الرأي العام في إيران؛ فبعدما أحرزت لاعبة التايكواندو الإيرانية مُبينا نعمت زاده، ثاني ميدالية أولمبية للنساء في تاريخ إيران، طلبت من الرئيس الإيراني أن يسمح لها بدراسة الطب، من دون أن تشارك في اختبار دخول الجامعات الذي يسمّى في إيران بالـ"كُنْكور"، والكلمة مأخوذة من الفرنسية. 

طلب مبينا هذا، أثار حفيظة الشعب الإيراني بشكل كبير، لا سيما شريحة الشباب منه، فأغلبهم عدّوا هذا الطلب غريباً وغير عادل في حال قبوله من قبل المسؤولين، خاصةً أن فرص الدخول إلى جامعات الطب في إيران ضئيلة جداً. ولكن، ما السبب وراء هذا الطلب الغريب من قبل بطلة الأولمبياد الإيرانية؟ 

اللاعبات الإيرانيات في أولمبياد باريس 2024

بدأت الحكايات والهوامش المترتبة على الإيرانيات الحاضرات في أولمبياد باريس 2024، عندما دافعت المجدّفة الإيرانية مهسا جاور، عن تصميم ملابس البعثة الإيرانية، حیث ردّت على الانتقادات التي تعرضت لها هذه الملابس بلهجة لاذعة، ووصفت المنتقدين بـ"غير المتحضّرين"، وطلبت من الناس عدم التدخل في قضايا يجهلونها. وبطبيعة الحال، اعتذرت بعد فترة عن كلامها هذا.

طلبُ مُبينا لدراستها الطبّ دون اختبار، أثار حفيظة الشعب الإيراني بشكل كبير، لا سيما شريحة الشباب منه، فأغلبهم عدّوا هذا الطلب غريباً وغير عادل في حال قبوله من قبل المسؤولين، خاصةً أن فرص الدخول إلى جامعات الطب في إيران ضئيلة جداً

بعد ذلك، رفعت المجدّفة الإيرانية زينب نوروزي، أمام الكاميرات، العلم الفلسطيني بعد خروجها من المنافسة، ولاقى تصرّفها هذا ردود فعل عديدة من قبل الإيرانيين الذين انقسموا بين مؤيدين ورافضين.

ولكن لم يثر الرأي العام في إيران أحداً كما فعلت لاعبة التايكواندو الإيرانية مبينا نعمت زاده، حيث تحدثت في أثناء لقاء تلفزيوني معها بُثّ بعد فوزها بالميدالية البورونزية، عن العهد الذي قطعته مع "إمام العصر" (الإمام الثاني عشر لدى الشيعة الاثني عشرية، وهو الإمام المهدي الغائب وفق معتقد الشيعة)، وتقديم ميداليتها لهذا الإمام وللشعب الإيراني.

القصة أصبحت أكثر تعقيداً عندما طلبت نعمت زاده من السلطات والرئيس الإيراني، إفساح المجال لها للدراسة في "جامعة جيدة"، وقبولها في مجال الطب في جامعة طهران، وذلك من دون أن تشارك في اختبار القبول للجامعات (الكُنكور). وبهذا الطلب أثارت الرأي العام، وواجهت ردود فعل كثيرةً غالبيتها كانت سلبيةً.

ردود فعل واسعة

تزايدت هذه الردود بشكل أكبر على منصات التواصل ووسائل الإعلام، حيث ظهرت وجهات نظر جديدة ومختلفة؛ فبعض مستخدمي منصات التواصل شبهوا طلب نعمت زاده هذا، بمُنَح أبناء الشهداء والمحاربين القدامى وأعضاء "الباسيج" وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، حيث تزيد هذه المنح من فرص قبول حامليها، في الجامعات والمجالات الأكثر شعبيةً.

في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها إيران، يُعدّ الأطباء من الشرائح القليلة التي تعيش حياةً مريحةً، وذلك نظراً إلى دخلهم المرتفع، والذي يكون مبالغاً فيه في أكثر الأحيان.

في هذا الصدد وحول هذه المنح، علّق وزير الصحة الإيراني محمد رضا ظفرقندي، بأنه "لا يتم قبول الكثير من الحاصلين على درجات عالية في اختبار القبول، في تخصص الطب في جامعة طهران للعلوم الطبية، ما يعني أننا نعطي أكثر من الثلثين من فرص القبول للّذين لديهم الحصص".

كما نشر المستشار السياسي عبد الرضا داوري، والذي كان مستشاراً لوزير الداخلية في حكومة الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، على صفحاته الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، أنه "في الوقت الذي يسعى فيه البعض، إلى تخصيص حصة لدراسة الطب لإحدى الفائزات بالميداليات الأولمبية، أعلن وزير الصحة، أن 25% فقط من طلاب الطب في جامعة طهران، يتم قبولهم من دون حصة وعن طريق درجاتهم فحسب، وهذا يعني أن الـ75% الآخرين، يُقبلون من خلال الحصص والمنح المخصصة لهم".

كيس من الميداليات مقابل دراسة طب الأسنان

هذه الردود طالت الرياضيين/ات أيضاً، حيث احتجّت لاعبة "الووشو" الإيرانية، شَهربانو منصوريان، التي لديها الكثير من الميداليات، وذلك في ظل حياتها الصعبة التي صار يعرف قصتها جميع الشعب الإيراني تقريباً، فأشارت إلى حصولها على "كيس من الميداليات"، وقالت ساخرةً إنها مستعدّة للتخلي عن جميع ميدالياتها مقابل قبولها في جامعة طهران ودراسة طب الأسنان هناك.

مبينا نعمت زاده في أولمبياد باريس 2024

وقوبلت تصريحات منصوريان هذه بردّ فعل حاد من قبل نعمت زاده، إذ قالت في لقاء لها أجري على الإنترنت: "للأسف تنتقدني رياضية، لم يكن مجالها الرياضي بمستوى الأولمبياد. وتحدثت في هذا الموضوع الذي لم يكن من شأنها. وهذا أمر محزن، فعليها أن تعلم أنها عندما تهين رياضياً، فمن المؤكد أنها سوف تهان أيضاً".

تسببت هذه المشادة الكلامية بين اللاعبتين في تدخّل رياضيين مشهورين مثل المصارع رسول خادم، ولاعب كمال الأجسام هادي تشوبان، والملاكم أمير علي أكبري، الذين دعوا الجانبين والشعب الإيراني إلى الهدوء والتسامح، كما ذكر البطل الأولمبي والرئيس السابق لاتحاد المصارعة رسول خادم، في جزء من كتاباته: "إنهم أبناؤنا، وعلينا أن نتسامح معهم".

10 ملايين دولار جائزةً لميدالية نعمت زاده

لم تهدأ ردود الفعل والتعليقات السلبية حول هذا الموضوع بعد، حتى صرّح والد مبينا نعمت زاده، عن طلب ابنته من قبل بعض الدول، وقال في مقابلة إن دولاً مختلفةً، منها قطر، قدّمت عروضاً ماليةً مغريةً لابنته لتنافس في الأولمبياد لصالحها، لكنها رفضت العروض بسبب وطنيتها وحبها لإيران.

وأشار إلى أنهم تلقّوا بعض العروض من بلغاريا وأوزبكستان وقطر، موضحاً أن بلداً من هذه البلدان، وعدهم بمنحهم 500 ألف دولار بمجرد دخولهم إليه، هذا إلى جانب 10 ملايين دولار سيقدمونها لهم، إذا تمكنت مبينا من الفوز بميدالية أولمبية.

مبينا نعمت زاده في أولمبياد باريس 2024

وأضاف: "لم نقبل -أي مُبينا- هذا الاقتراح الذي قدّمته لنا دولة قطر، وفي جواب على هذا الاقتراح، قلنا لهم إن عمر هذا العَلم -علم إيران- 4 آلاف سنة، وأنتم كم هو عمر عَلمكم!؟". وعلى الرغم من أنه لا يمكن التحقق من صحة هذا الادعاء، ربما توفّر لنا المقارنة مع جائزة الميدالية الذهبية الأولمبية في بلدان أخرى، تقديراً أفضل للأمر.

نشرت مجلة "فوربس" قائمةً من عشر دول تمنح الجائزة الأعلى لرياضييها الذين يفوزون بالميداليات الأولمبية، وبغض النظر عن عدم ظهور أسماء قطر وبلغاريا وأوزبكستان في هذه القائمة، فإن الدولة التي تمنح أكبر جائزة لبطلها الأولمبي هي هونغ كونغ، إذ تمنحه 768 ألف دولار، وفي المركز الثاني تأتي إسرائيل، بمنحها البطل/ة 268 ألف دولار.

 أعلن وزير الصحة، أن 25% فقط من طلاب الطب في جامعة طهران، يتم قبولهم من دون حصة وعن طريق درجاتهم فحسب، وهذا يعني أن الـ75% الآخرين، يُقبلون من خلال الحصص والمنح المخصصة لهم"

وفي تقرير آخر، يبدو أن سنغافورة تقدّم جائزةً كبرى أيضاً للفائز بميدالية، حيث تهدي الحاصل على الميدالية الذهبية الأولمبية، 744 ألف دولار، وعلى هذا النحو، فإن عرض جائزة نقدية بقيمة "10 ملايين دولار" مقابل الميدالية الأولمبية، يبدو غريباً وبعيداً عن الحقيقة.

طلاب وطالبات الطب في جامعة إيرانية

وبالنظر إلى تزايد هجرة نخبة الرياضيين/ات الإيرانيين/ات، ومع الأخذ في الاعتبار أن نحو نصف أعضاء فريق اللاجئين الأولمبي في باريس كان مؤلفاً من إيرانيين/ات، يبدو أن هذه الحادثة أصبحت أحد اهتمامات المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وربما يعتقد بعضهم أن هذه الجوائز هي أحد أسباب هذه الهجرة، وربما تتسبب في المستقبل في هجرة بطل/ة آخر/أخرى.

وكحلّ لهذه القضية، ومن أجل منع وقوع مثل هذه الأمور، قد يوافق بعض المسؤولين الإيرانيين على طلب مبينا نعمت زاده، حيث أشار المتحدث باسم لجنة التعليم والبحث في البرلمان إحسان عظيمي راد، إلى "إمكانية دخول النخب إلى الجامعة، دون المشاركة في اختبار الدخول".

وحول هذا الموضوع، قال إن "طلب السيدة نعمت زاده هو دراسة الطب، وأعتقد أنها تستطيع دخول هذا المجال، لأنها تُعدّ من النخب، بما أنها فازت بميدالية في الأولمبياد، ويمكنها دخول الجامعة مثل الطلاب الذين يفوزون بميدالات الأولمبياد الدولي للعلوم، ويدخلون الجامعة ويدرسون أي مجال أو تخصص يريدونه".

بغض النظر عن النتيجة الإجمالية للبعثة الإيرانية في أولمبياد باريس 2024، فحلم دراسة الطب للشباب الإيراني، أصبح بمثابة الحل والسبيل الوحيد للنجاح. ففي ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها إيران، يُعدّ الأطباء من الشرائح القليلة التي تعيش حياةً مريحةً، وذلك نظراً إلى دخلهم المرتفع، والذي يكون مبالغاً فيه في أكثر الأحيان.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard