شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
من اللعب في الشارع إلى الفراش… زواج القاصرات في إيران

من اللعب في الشارع إلى الفراش… زواج القاصرات في إيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

إن كانت التسمية "قضية" أم "مشكلة" أم "أزمة" أم جريمة، إلا أن موضوع زواج القاصرات بكل مسمياته وأسبابه وأشكاله، يُعدّ جريمةً غير إنسانية، ولكنها "قانونية" في بعض الأحيان والمناطق، حيث نشهد أن هذه الجريمة تُرتكب في شتى نقاط العالم، على وجه الخصوص في إفريقيا والشرق الأوسط، وفي البلاد الإسلامية والعربية.

فزواج القاصرات ليس إلا جريمة بحق الطفولة البريئة، فالطفلة التي كان تلعب منذ قليل في الشارع برفقة صديقاتها وكانت في الأمس جالسة إلى جانب زميلتها في المدرسة، أصبحت اليوم متزوجة وعليها أن تعيش حياةً حالكة لا تعرف منها أي شيء، كما أنها طُردت من الشلّة التي كانت تنتظرها بالأمس لتنضم إليها.

زواج القاصرات

زواج الأطفال أو زواج القاصرات، هو زواج رسمي أو غير رسمي يتم عبره زواج الصبية قبل بلوغها سن الـ18 عاماً، الحد الأدنى للسن القانوني للزواج في العديد من الدول، خاصةً للفتيات. بشكل عام، يُستخدم مصطلح "زواج القاصرات" للطفلات الإناث اللواتي يتزوجن قسراً من رجال بالغين.

حسب أحدث تقرير لمركز الإحصاء الإيراني، منذ شتاء عام 2022 حتى نهاية خريف عام 2023، تم عقد قران أكثر من سبعة وعشرين ألف حالة زواج لفتيات تحت سن الـ15 عاماً في مختلف مناطق إيران، وذلك برغم أن هذا العدد كان قد تضاءل خلال عام 2017، إلا أنه عاد ليرتفع منذ عام 2019

النقطة المهمة في القصة هي أن معظم الفتيات المتزوجات في سن مبكرة يصبحن أمهات في فترة قصيرة، ووفقاً لآخر تقرير صدر عن منظمة الإحصاء الإيراني، لغاية عام 2020 وُلد ما لا يقل عن 69 ألفاً و103 أطفال لأمهات في الفئة العمرية من 10 إلى 19 عاماً

ووفقاً لأحكام الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل، فإن "الطفل" هو كل من يكون عمره تحت 18 عاماً. يُعدّ زواج الأطفال من القضايا التي تحرم عدداً كبيراً من الأطفال من حقوقهم الشرعية، وبحسب الإحصائيات الدولية فإن أغلب ضحايا هذا الزواج هن الفتيات القُصّر، حيث يأتي في بيانات لمنظمة اليونسكو، بأن ما يقارب 21% من الفتيات يتزوجن قبل بلوغهن سن الـ18. كما ذكرت هذه المنظمة في الإحصائيات التي نشرتها في 11 آذار/مارس 2020 أن 670 مليون فتاة وامرأة خضعن للزواج المبكر في طفولتهن، ويمضي هذا التقرير إلى القول بأن 37% من حالات زواج الشابات في إفريقيا تمت قبل سن الـ18 عاماً، وهو ما يظهر أن زواج القاصرات يكون أكثر في البلدان الإفريقية، فالنسبة في نيجيريا تبلغ 76%، وفي جمهورية إفريقيا الوسطى 68%، وفي تشاد 67%..

ومثل الفتيات، يمكن للفتيان أن يقعوا ضحايا لهذا الزواج، حيث تشير الإحصائيات ووسائل الإعلام إلى الآثار السلبية للزواج المبكر على الأطفال والصبيان، الذين يتزوجون وهم أطفال ويُحرمون من حقوقهم الأساسية. وبحسب اليونسكو، خلال عام 2019 فقط، قد تزوج في جميع العالم ما يقارب من 115 مليون صبي دون سن الـ18.

في إيران

وكذلك هو الحال في إيران، ففي هذا البلد، الطفل هو الشخص الذي لم يبلغ سن الرشد، وتم تحديد سن البلوغ في إيران بـ9 سنوات قمرية كاملة للفتيات، و15 سنةً قمريةً كاملةً للصبيان، وذلك حسب ملاحظة جاءت في المادة 1210 من القانون المدني الإيراني. وباللغة البسيطة، زواج الفتاة التي يتراوح عمرها بين 10 و14 عاماً، بالرجل الذي يتراوح عمره بين 25 و35 عاماً أو أكثر، يُسمى زواج الأطفال، ويمكننا عدّه زواج الأطفال تحت شروط معينة.

وحسب أحدث تقرير لمركز الإحصاء الإيراني، منذ شتاء عام 2022 حتى نهاية خريف عام 2023، تم عقد قران أكثر من سبعة وعشرين ألف حالة زواج لفتيات تحت سن 15 عاماً في مختلف مناطق إيران، وذلك برغم أن هذا العدد كان قد تضاءل خلال عام 2017، إلا أنه عاد ليرتفع منذ عام 2019.

زواج القاصرات

تأتي تلك الاحصائيات في وقت أن نائبة الرئيس الإيراني في شؤون المرأة والأسرة إنسية خزعلي، تشير إلى انخفاض معدل زواج الفتيات تحت سن 15 سنة إلى 20‎%‎ في عام 2023 مقارنة بالعام السابق، حيث تزوجت 5169 فتاة تحت سن 15 فحسب.

وحول تزايد هذه الظاهرة في مختلف مناطق إيران، تقول خزعلي إن "65% من الزيجات التي تضم الفتيات التي تقل أعمارهن عن 15 سنة عادة تكون للفتيات ما تحت 14 عام، وما يقارب 35% تكون للصبيات ما تحت سن 13 عام، وأكبر عدد من زواج القاصرات يكون ما بين عمر العاشرة حتى الرابعة عشرة، يحدث في محافظات خراسان الرضوي (شمال شرق إيران) في 6759 حالة، وتأتي في المركز الثاني محافظة آذربايجان الشرقية (شمال غرب) بـ3348 حالة، وسيستان وبلوشستان (جنوب شرق) هي الثالثة بـ2355، وأقل عدد يعود إلى مقاطعتي إيلام (غرب) وسمنان (شمال شرق)".

كما يشرح أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة العلامة الطباطبائي في طهران منصور فتحي كيفية تأثير الفقر على مثل هذه الزيجات، أذ يقول إن معظم المنظمات تدعي أنها تعمل على تمكين المهمشين، لكنها تقوم بتقديم القروض فحسب، وذلك بالطريقة الخاطئة أيضاً… ويُحرم معظم أطفال المناطق المهمشة في إيران من التعليم بسبب نفس مزيج الفقر، وفي الواقع، فإن عدد الأطفال العاملين والأطفال المتزوجين مرتفع في هذه المناطق".

النقطة المهمة في القصة هي أن معظم الفتيات المتزوجات في سن مبكرة يصبحن أمهات في فترة قصيرة، ووفقاً لآخر تقرير صدر عن منظمة الإحصاء الإيراني، لغاية عام 2020 وُلد ما لا يقل عن 69 ألفاً و103 أطفال لأمهات في الفئة العمرية من 10 إلى 19 عاماً، كذلك وُلد 1،474 طفلاً آخر، لأمهات تتراوح أعمارهن بين 10 و14 عاماً.

أسباب حدوث هذه الجريمة وتداعياتها

كل ذلك يأتي إلى جانب قائمة طويلة من الأضرار الجسمية والنفسية التي يتسبب فيها زواج القاصرات، والذي في الغالب يكون قسرياً، حيث يجب التحدث باستمرار عن هذه الأضرار بهدف توعية الناس، لأن وعي المجتمع يؤدي إلى انخفاض الظواهر الاجتماعية الخطأ، ومن المؤكد أنه إذا لم يتم إيقاف ظاهرة زواج القاصرات/ين، سنشهد زيادةً في الأزمات الاجتماعية كـ"الطلاق" و"الفتيات الأرامل" و"إساءة معاملة الأطفال في المجتمع".

في معظم الحالات، عندما تدعم الأسر هذا الزواج، يكون ذلك بسبب الفقر، حيث يصعب على الأب توفير الحد الأدنى من الرفاهية، بل يصعب عليه سد جوع أطفاله. كما أن هناك أسباباً أخرى كدخول بعض الأطفال مرحلة البلوغ الجنسي ورغبتهم في الاستجابة لهذه الحاجة، لكن يجب أن يعلم الوالدان أن الزواج في سن مبكرة، وبسبب جهل الطفل لطبيعة الحياة المشتركة، يجعل الزوجين غير قادرين على فهم احتياجات بعضهما بعضاً أو التعرف عليها أو الاستجابة لها بشكل مناسب. وبناءً على ذلك، فإنهما قد يتعرضان للكثير من الضغوط النفسية والعاطفية بسبب هذا الجهل، والتي في بعض الأحيان لا يمكن التخلص منها على الإطلاق.

أكبر عدد من زواج القاصرات ما بين عمر العاشرة حتى الرابعة عشرة، يحدث في محافظات خراسان الرضوي بـ"6759" حالة، وتأتي في المركز الثاني محافظة آذربيجان الشرقية بـ"3348" حالة، وسيستان وبلوشستان هي الثالثة بـ"2355"

يُعدّ الحفاظ على شرف العائلة وسمعتها سبباً آخر في زيادة زواج الأطفال في إيران، بشكل عام، حيث يُعدّ الزواج المبكر في هذا المجتمع وسيلةً لحماية الفتيات من ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، لأن غشاء البكارة أو عذرية الفتاة مهمان جداً عند بعض الأسر.

زواج القاصرات

ومن النتائج السلبية الأخرى لزواج الأطفال هي الأضرار الجنسية التي يعاني منها الأطفال. وخلال هذا الزواج، قد يتعرضون لممارسة الجنس القسري، وبالنسبة لمن لم يصل بعد إلى مرحلة النضج الجسدي والجنسي الكافي، فإن هذه المسألة قد تلحق به ضرراً بالغاً نفسياً وجسدياً، لأن الفتيات في سن مبكرة أكثر عرضةً للإصابة بسبب ضعف أجسامهن.

وفي المجمل النتائج السلبية لزواج الأطفال تكون كالتالي: الإصابة باضطرابات عقلية واكتئاب وقلق، وعدم انتظام الدورة الشهرية، وعدم استقرار الشخصية وازدياد ظاهرة الطلاق، والانفصال عن البيئة الحميمة من الأهل والأصدقاء، وظهور ظاهرة "الأرامل القاصرات"، وزيادة العنف المنزلي وإساءة معاملة الأطفال، وعدم وجود هوية واضحة، والنمو المفرط للسكان المهمشين في المناطق النائية للمدينة نتيجةً للإنجاب المبكر من قبل الزوجات القاصرات، والإقبال على العمل في الجنس وارتفاع عدد الأطفال غير الشرعيين، والحرمان من التعليم، والهروب من المنازل والانتحار، ونتائج سلبية عديدة أخرى.

وسط هذه النتائج السلبية ومشكلات المجتمع ووجود ظاهرات لاإنسانية كالزواج القسري وغير القسري للقاصرات، فلا يكون غير الأطفال ضحيةً لهذه الجرائم، ويبقى الطفل، الضحية الأولى والأخيرة لجميع قرارات الكبار، فالطفل هو الفريسة الأكبر للعادات والتقاليد والظواهر والسياسات والحروب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard