"الزواج الأبيض" وصف لنوع من العلاقة الزوجية التي لا يتم فيها تسجيل الزواج رسمياً، بحيث يبدأ الزوجان حياتهما معاً دون إجراء حفل أو تسجيل زواج رسمي. هذا النوع من الزواج محظور أو يخضع للتمييز القانوني في بعض الثقافات والمجتمعات، بينما قد يكون مقبولاً في مجتمعات أخرى.
في معظم البلدان، ليست للزواج الأبيض أي شرعية قانونية، وعادةً ما يُحرم الأزواج في هذه الحالة من الحقوق والالتزامات القانونية. وفي بعض الحالات، قد يرتبط هذا النوع من العلاقات بالإقصاء الاجتماعي، وعدم الاعتراف القانوني، كما هو الحال في إيران، التي يُعدّ الزواج الأبيض فيها ظاهرةً جديدةً، حيث نرى أزواجاً يعيشون معاً في إطار هذا الزواج، في ظل وجود ثقافة معيّنة وتشديدات دينية تمنعه. وهذا المنع، هو السبب الرئيسي لعدم قبوله على نطاق واسع. كما أن الزواج الأبيض محظور في إيران، وقد يواجه الأشخاص الذين لديهم هذا النوع من العلاقات، مشكلات وأحكاماً قانونيةً مختلفةً.
أحكام تطال هؤلاء الأشخاص
في إيران، يجب أن يكون الزواج وفق مبادئ الشريعة والقانون، وإذا كان الزوجان يعيشان مع بعضهما البعض على أساس الزواج الأبيض، فيمكن معاقبتهما بسبب وجود علاقة غير مشروعة بينهما. وتختلف عقوبة هذا الزواج باختلاف درجة العلاقة غير المشروعة، إذ قد تشمل هذه العقوبة الحدّ والتعزير، وتثبت هذه العقوبة بحسب جواز إطلاق وصف "الزنا" على هذه العلاقة أو عدم جوازه، فهذه المسألة تؤثر بشكل كبير على نوعية العقوبة.
تغيرت العلاقات الجنسية وأسلوب الزواج كثيراً في العالم، خاصةً خلال العقود القليلة الماضية، حيث أدت التطورات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية إلى تغيير المواقف والنظرة إلى العلاقات الجنسية وأساليب الزواج
وتُعرّف المادة 221 من قانون العقوبات الإسلامي، بموجب قانون إيران، الزنا بأنه مواقعة بين رجل وامرأة لا توجد بينهما علاقة زوجية، وإذا ثبت وجود مثل هذه العلاقة بين شخصين، فيمكن التحقيق فيها على أنها زنا، وتتم معاقبة الطرفين، إذ في الشريعة الإسلامية والقانون في إيران، لا يُقبل الزواج الأبيض كعلاقة زوجية، ولذلك يمكن عدّه زنا، وتالياً في حال إثبات هذه العلاقة، قد يؤدي ذلك إلى عقوبة شديدة كـ"الرجم"، بالإضافة إلى أحكام أخرى تتنوع بين الجلد والسجن والغرامات المالية.
كيفية الزواج الأبيض في إيران
تغيرت العلاقات الجنسية وأسلوب الزواج كثيراً في العالم، خاصةً خلال العقود القليلة الماضية، حيث أدت التطورات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية إلى تغيير المواقف والنظرة إلى العلاقات الجنسية وأساليب الزواج. في العديد من البلدان، يهتم الناس أكثر باستقلالهم وحريتهم الشخصية، وهذا ما جعل ممارسة الجنس قبل الزواج أكثر شعبيةً، وقد يرجع ذلك إلى أسباب مثل تأخّر الزواج، وزيادة انتشار وسائل منع الحمل، والتغيرات في المواقف تجاه الجنس والزواج.
يمكن ملاحظة هذا الأمر في إيران، حيث ممارسة الجنس قبل الزواج آخذة في الازدياد، ويمكن أن يُعزى ذلك إلى عوامل مثل التغيرات الثقافية، والانتقال إلى التحضر، والتغيرات في المواقف تجاه نوع الجنس والأسرة. وبالطبع تجدر الإشارة إلى أن هذا الموضوع لا يزال من المحرمات وغير مقبول في المجتمع الإيراني، وقد يتجنب الناس العلاقات الجنسية قبل الزواج لأسباب ثقافية واجتماعية وعائلية.
في إيران، يجب أن يكون الزواج وفق مبادئ الشريعة والقانون، وإذا كان الزوجان يعيشان مع بعضهما بعضاً على أساس الزواج الأبيض، فيمكن معاقبتهما بسبب وجود علاقة غير مشروعة بينهما.
وفي ما يتعلق بمفهوم الزواج الأبيض المستخدَم في إيران، ينبغي القول إن هذا التعبير له معنيان: الأول يشير إلى الحالة التي يعيش فيها شخصان معاً دون زواج شرعي وإجراءات قانونية، ولكن من دون إقامة أي علاقات جنسية، وهذا النوع من الزواج يخالف الشريعة والدين الإسلاميين ولا يتوافق مع ثقافة المجتمع والقانون الإيرانيين.
والمفهوم الثاني للزواج الأبيض، هو أن يعيش الزوجان معاً لتلبية احتياجاتهما العاطفية والجنسية، وفي هذه الحالة، لا يهتم الأشخاص بالزواج الرسمي، بل يكتفون بتغطية الجوانب العاطفية والجنسية للعلاقة تحت غطاء المعاشرة فحسب. للتعرف أكثر على نوعية هذا الزواج في إيران وكيفيته، تحدّث إلينا زوجان إيرانيان في الثلاثينات من العمر، رفضا الكشف عن اسميهما، وهما يُعدّان مثقفين ومتعلمين ومن الطبقة المتوسطة، ويعلمان أن تقريراً سيُكتَب عن نمط حياتهما، تحت اسم "الزواج الأبيض" أو "المعاشرة".
عندما طلبنا منهما تعريف كيفية حياتهما، قالت الزوجة في البداية: "أسلوب الحياة هذا يختلف عما هو معروف وموجود في كل مكان (في المجتمع الإيراني)، وليس من المفترض أن نفعل الأشياء التي يفعلها الآخرون. إذ لا يوجد فيه أي ذكر للعادات والنفقات الإضافية الموجودة في كل زواج رسمي. بجانب ذلك، يجب علينا قدر الإمكان ألا نظهر طبيعة علاقتنا، لأن مجتمعنا لا يحب هذا الأسلوب".
سألناها: لماذا اخترتِ أسلوب الحياة هذا مع أن المجتمع لا يعترف به، ويدفعكما إلى إخفائه وتحمّل هذه المشقّة؟ فأجابت: "كل حياةٍ تكون صعبةً! كل شخص لديه صعوباته الخاصة. وكذلك نحن. وهذه الحياة ليست غريبةً بالنسبة لنا، ولكنها غريبة بالنسبة للآخرين، لذا يجب علينا إخفاؤها، وبصراحة هذا هو الجزء الأصعب. فلو كنا مثل الآخرين، لتزوجنا ثم عشنا تحت سقف واحد، وما كنا بحاجة إلى السرّية. ولكن الآن بعض أصدقائنا ومعارفنا يعرفون بالأمر، وكثرٌ منهم لا يعرفون به، وغالباً ما نكون حذرين من أن يعرف الآخرون بأمرنا، وفي بعض الأحيان نشعر بالارتياح مع أصدقائنا، لكن لا ينبغي أن يكتشف الزملاء طبيعة علاقتنا، وكذلك الحال مع أفراد أسرنا".
ومن دون أي سؤال قال الرجل: "لكن هناك أشياءً أهم من هذا تجبرنا على العيش هكذا... فبالنظر إلى إحصائيات الطلاق التي تتزايد يوماً بعد يوم، نحن لا نريد أن نكون في عدادها. ولكيلا يحدث ذلك معنا في حال زواجنا بشكل رسمي، علينا أن نتعرف إلى بعضنا البعض أولاً، ثم إذا تعرفنا إلى بعضنا البعض بشكل جيد ووجدنا أننا مناسبين للحياة المشتركة، فربما نجعل زواجنا رسمياً. وهذا أفضل من أن ندخل في علاقة دائمة مثل كثير من الأشخاص الذين لم يسبق لهم أن تعرفوا إلى بعضهم ثم انفصلوا بصعوبة في آخر المطاف. نحن اتفقنا على أن نستمر ما دام بيننا حب واحترام".
وحول ذلك سألنا الرجل: في تقديرك كم سنةً تحتاجان لكي تتعرفا إلى بعضكما؟ وهل المعرفة لا تحصل إلا بالعيش معاً؟ فأجاب: "تختلف المدة لكل شخص أو ثنائي، فعلى سبيل المثال نحن الآن وبعد ثلاث سنوات تعرفنا إلى بعضنا البعض تقريباً، ولكن ماذا سيحدث إذا سجّلنا زواجنا، غير أن نضع لأنفسنا قواعد معقدةً؟! نحن سعيدان في حياتنا الآن، لكن من الممكن أن نواجه مشكلةً ما وننفصل".
وسألناهما هل هذا هو السبب الأهم الذي يجعلكما تختاران هذا النوع من الحياة؟ هل أنتما قلقان فحسب من أنكما قد لا تكونان مناسبين لبعضكما البعض، ويمكن أن تنفصلا بسهولة؟ وماذا عن سائر المشكلات؛ على سبيل المثال، لم تواجها المشكلات المالية التي يواجهها الأزواج في بداية حياتهم؟ مرر الرجل يده على شعره واتّكأ على الكرسي وقال: "لدينا أصدقاء قرروا، بسبب المشكلات الاقتصادية، أن يعيشوا معاً دون زواج أو أي علاقة عاطفية. مجرد زمالة في السكن، إذ انفصلوا عن أسرهم وعاشوا مع بعضهم البعض، لتوفير المصاريف، فالأزمات المالية لا تضغط على الأزواج فحسب".
بعيداً عن القوانين والثقافة والعادات والتقاليد الإيرانية التي تُحرّم وتحظر مثل هذه العلاقات، يظل الشاب/ة الإيراني/ة يواجه/تواجه مشكلة تلبية احتياجاته/ا الجنسية، إذ يعيش/تعيش في بلد لا يقدّم أي حلول لمن يريد الاهتمام بغريزته سوى الزواج الشرعي والقانوني الرسمي
أخيراً سألناهما: هل تعتقدان أنكما تستطيعان أن تقترحا على الآخرين أن يعيشوا هكذا؟ فأجابت المرأة: "بصراحة لا أعرف! ففي إيران يكون هذا الزواج بمثابة نوع من السباحة ضد التيار، إذ له صعوباته الخاصة، وهذا القرار يعتمد على ظروف كل شخص، والشيء الوحيد الذي أعرفه هو أنني أتمتع باستقلال مالي وشخصي، كما أنني متأكدة من مشاعر شريكي تجاهي. لكن في المقابل كانت لدي صديقات اعتقدن أن العلاقة هذه ستؤدي إلى الزواج من شركائهنّ، ولذلك دخلن في علاقة تحت إطار الزواج الأبيض، لكنها انتهت، وفي النهاية تركوهنّ وتم طردهنّ، بعدما أصبحن معتمدات عاطفياً واقتصادياً على شركائهن. ولتتأزم حياتهنّ أكثر، لم تقبلهنّ أسرهنّ بعد ما جلبن العار لها حسب التقاليد الإيرانية، والآن لا أعرف ماذا واجهن وما هي ظروفهنّ".
بعيداً عن القوانين والثقافة والعادات والتقاليد الإيرانية التي تُحرّم وتحظر مثل هذه العلاقات، يظل الشاب/ة الإيراني/ة يواجه/تواجه مشكلة تلبية احتياجاته/ا الجنسية، إذ يعيش/تعيش في بلد لا يقدّم أي حلول لمن يريد الاهتمام بغريزته سوى الزواج الشرعي والقانوني الرسمي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه