ثمة طرق احتيال يستخدمها الطلاب والطالبات لدخول جامعات الطب الحكومية، ومن أغربها التي شغلت الرأي العام الإيراني خلال السنوات الأخيرة، هو الزواج المزيف مع معاقي الحرب أو من عضو في إحدى عوائل الشهداء.
تقول فتاة إيرانية من الأهواز (جنوب غرب إيران) وهي طالبة السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية لرصيف22: "سأتزوج لأضمن دخولي إلى كلية الطب"، كما شرح والداها متابعتهما لاختيار الزوج ودفع التكلفة له والتي ستكون حوالى 3 آلاف دولار، ومن ثم الحصول على الطلاق بعد أن تصبح ابنتهما طالبة طب.
مما شجع هذه الأسرة على خوض غمار هذا التحدي هو نجاح صديقات ابنتهم اللواتي أصبحن اليوم طالبات طب في جامعات حكومية ممتازة. فلا بد أن تتزوج الفتاة التي لا يتجاوز عمرها الـ18 عاماً من رجل أصيب وأعيق في الحرب، وحينها سيشملها قانون حصص مخصصة في امتحان دخول الجامعة، والذي يرفع نسبة النجاح إلى مئة في المئة.
حين سألتهما عن موقفهما تجاه رفض الزوج تطليق ابنتهما، وهي ستكون زوجته قانونياً، أكدا أنهما سيمارسان ضغوطاً ليجبروه بأن يقبل بطلاق طبيبة المستقبل. الطلاق الذي كان عاراً في مجتمع محافظ كمجتمعهما، بات سبيل نجاة للبعض.
المحاصصة
أثناء الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن المنصرم، تم إضافة مادة جديدة لقانون امتحان دخول الجامعات، والمسمى بـ"كُنْكُور" في إيران، تمنح من خلالها معاقي الحرب والأسرى وعوائلهم وأسر الضحايا، نسبةً مئوية متفاوتة حسب سنوات الحضور في جبهات القتال أو نسبة الإعاقة، وذلك لكسب فرصة دخول الجامعات الحكومية، وهو ما يساهم هؤلاء عادة في نيل كرسي في أي جامعة يختارونها دون مشقة التحضير للامتحان الصعب.
تقول طالبة إيرانية في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية لرصيف22: "سأتزوج لأضمن دخولي إلى كلية الطب"، كما شرح والداها متابعتهما لاختيار الزوج ودفع التكلفة له، ومن ثم الحصول على الطلاق بعد أن تصبح ابنتهما طالبة طب
يشكل امتحان النجاح لدخول الجامعات الحكومية المرموقة الشغلَ الشاغل للطلاب، فمفردة "كُنْكُور" تحفر عميقاً في الوجدان الدراسي مع دخول التلامذة المرحلةَ الثانوية. والرعب الذي يسببه النجاح في هذا الامتحان، يخلق انهيارات ليست بقليلة تحدث في كل عام حتى وصلت إلى حدود الانتحار في بعض الأحيان.
لكن فرصة الحصص المخصصة لهذه الجماعة من قبل وزارة التعليم العالي شكلت نافذة أمام البعض، خاصة الفتيات اللاتي يحلمن بأن يصبحن طبيبات في منافسة ضيقة بين مئات الآلاف.
زوجة الشهيد لا تريد أن تتطلق!
نشرت وسائل إعلام محلية في سنة 2019 أنباء عن نجاح أربع فتيات في جامعة العلوم الطبية بعد زواجهن المزيف من معاقي حرب بنسبة إعاقة 25 بالمئة، بعد دفع كل واحدة منهن 100 مليون تومان (8 آلاف دولار). ونجحت شابة أخرى في محافظة شيراز جنوب البلاد بالامتحان مقابل دفعها 15 مليون تومان للزواج المزيف من معاق في الحرب الإيرانية العراقية التي كانت دائرة في ثمانينيات القرن الماضي.
تداول رواد منصات التواصل الاجتماعي قضية أخرى مفادها أن زوجة شهيد في الحرب بالغة 61 عاماً قد تزوجت من شاب يبلغ 27 عاماً من أجل أن يستخدم حصتها للقبول في فرع الطب. ومما أثار استغراب وسخرية الإيرانيين هو عدم موافقتها على الطلاق من الشاب بعد نجاحه في كلية الطب.
وكشفت بعض المصادر عن نجاح نحو 22 طالب/ة في امتحان الكنكور عبر الزواج المزيف خلال سنتي 2019 و2020، وحينها أعلنت وزارة العلوم عن ممانعة دخولهم/ن الجامعات، ورفض قبولهم/ن، كما وعدت بالسعي الحثيث للحد من تكرار هذه الظاهرة خلال الامتحانات القادمة، بيد أن البعض أكد على أن الكثير من هذه الحالات حدثت وما زالت تحدث بعيداً عن أضواء الإعلام والحكومة.
وبعد الطلاق من هؤلاء المعاقين يمكن لهذه الفتيات أن يحصلن على سجل وطني جديد دون ذكر اسم الزوج السابق، من مؤسسة سجل الأحوال بعد أن يتم إثبات عدم ممارسة علاقات جنسية مع هذا الزوج من خلال إجراء فحوصات طبية.
وإضافة إلى عوائل الضحايا في الحرب العراقية الإيرانية، ثمة معاقون وأسر ضحايا بعد التواجد العسكري الإيراني في سوريا والعراق خلال الأعوام الماضية، خاصة في الحرب ضد داعش، أضيفوا لقائمة المرشحين للزواج المزيف مقابل تكاليف مغرية يحصلون عليها في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.
منافسة غير عادلة
يصرّ القانون ويؤكد على العدالة في تقسيم الدخول إلى الجامعات الحكومية. وأنا أراجع القوانين المتعلقة بحصة دخول الجامعات الحكومية، لاحظت أن مفردة "العدالة" تلعب دوراً محسوساً في النص القانوني، وأن ثمة أرقاماً كثيرةً في القانون وهوامشه، لا أفهمها، فقد أُضيف مؤخراً إلى القانون "المؤثرون"، ما تعني الذين آثروا الجهاد على أرواحهم وحياتهم.
كشفت بعض المصادر عن نجاح نحو 22 طالب/ة في امتحان دخول الجامعة عبر الزواج المزيف خلال سنتي 2019 و2020، وحينها أعلنت وزارة العلوم عن ممانعة دخولهم/ن الجامعات، بيد أن البعض أكد على أن الكثير من هذه الحالات حدثت وما زالت تحدث
طالب الكثير من الطلاب والطالبات، بالإضافة إلى المحامين والقانونيين والأكاديميين خلال الأعوام المنصرمة، بحذف المحاصصة التي ينص عليها قانون امتحان الكنكور لصالح مؤسسة الشهداء والمعاقين وكذلك أبناء أعضاء هيئة التعليم في الجامعات وغير ذلك، لكن هذه المحاولات لم تفلح حتى اليوم.
وما زال ملايين الطلاب والطالبات يدخلون حلبة منافسة غير عادلة مع أصحاب المحاصصة، إذ طالما حدث أن خسرت طالبة أو طالب كرسياً رغم درجاتهم العالية بسبب تفوق هؤلاء بنسبهم القانونية، التي هي غير قانونية في رأي الكثير.
تنفيذ امتحان الكنكور يتم عبر مؤسسة ضخمة وواسعة تسمى "سَنْجِش" (الاختبار في الفارسية)، وهناك آلاف المؤسسات الأهلية التي تعمل في مجال تأهيل الطلاب للنجاح في الامتحان، تتجاوز عوائدها ملايين الدولارات.
هل سيحذف الامتحان هذا العام؟
وبرغم التدابير الأمنية المشددة التي تتخذها الحكومة، ومنها قطع شبكة الإنترنت في عموم البلاد في يوم الاختبار، إلا أنها فشلت في الحد من عدم تسريب أسئلة الكنكور في كل عام وهو ما يزيد من غضب الممتحنين.
ومع الضرر النفسي والاجتماعي الذي ألحقه بالمجتمع، واعتباره طريقةً الفاشلة في أنظمة التعليم العالمية، حظي الامتحان خلال العقدين الأخيرين بانتقادات متعددة حتى من قبل مسؤولين كبار منهم وزير التربية والتعليم السابق. وبعد سنوات من الفشل في حذف امتحان لدخول الجامعات، تبقى عيون المجتمع تترقب حذفه في عام 2023، وفقاً لإعلان الحكومة مسبقاً، ليتخلص المراهقون والمراهقات من هول هذا الغول والمحاصصة التي هي بمثابة ضغظ مضاعف بالنسبة لهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...