شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لماذا الخوف من فيلم

لماذا الخوف من فيلم "الملحد"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

كان من المفترض إطلاق فيلم "الملحد"، للمخرج محمد العدل، في 14 آب/أغسطس الجاري، في صالات العرض، ولكن فجأةً تقرر تأجيل عرضه أسبوعاً كاملاً، ثم أُجّل إلى موعد غير محدد. في البداية أشارت مصادر صحافية مختلفة، مستندةً إلى تصريح المنتج أحمد السبكي، إلى أن التأجيل تمّ بسبب إنهاء أعمال ما بعد الإنتاج، ولاحقاً أشارت مصادر أخرى إلى أنه تم بسبب وجود شكويين إحداهما للرقابة على المصنّفات الفنية في وزارة الثقافة، والأخرى لنقابة المهن السينمائية، تقدّم بهما المخرج نادر سيف الدين، الذي عرض فيلماً من إخراجه يحمل الاسم نفسه، ولكن بقصة مشابهة قبل عقد كامل في شباط/فبراير 2014، وإن لم يحقق أي صدى جماهيري أو نقدي وقتها.

ملصق فيلم "الملحد" للمخرج محمد العدل

وأصبح الاستنتاج الوحيد هو أن تأجيل العرض، ربما كان بسبب إعادة تسمية الفيلم وطرحه بشكل جديد، إلا أن مخرج العمل محمد العدل، صرّح على صفحته بشكل غير مباشر بأن الفيلم قد مُنع، عبر تدوينتين، الأولى قال فيها: "المنع مش حلّ"، والثانية: "الفكر يواجَه بالفكر مش بالمنع والحكم للناس". وبعد وقت قليل، عقّب الباحث إسلام بحيري، برفضه منع الفيلم، على الرغم من عدم وجود أي مصادر تؤكد بشكل قاطع أن الفيلم مُنع من العرض.

الموضوع ليس جديداً

طبعاً هذا ليس عيباً في حد ذاته، طالما أن معالجة الموضوع القديم نفسه جديدة ومبتكرة، ولكن أفلام السينما المصرية السابقة التي تناولت الموضوع نفسه، كانت متشابهةً إلى حد كبير، نذكر منها فيلم "الشحات" (1973) المقتبس عن قصة لنجيب محفوظ، وجاء بطل الفيلم عمر الحمزاوي أشبه برجل يمرّ بأزمة منتصف العمر، أكثر مما يمرّ بأزمة وجودية. تلاه بعد ثلاث سنوات فيلم "لقاء هناك"، الذي لم يبتعد كثيراً في الطرح، وبدا بطل الفيلم عباس سلطان، يمر بأزمة عاطفية، حيث يحب "إيفون" ابنة صديق أبيه، ولأنها مسيحية فإن ذلك يشعل الصراع بينه وبين عائلته، وإذا كان عمر الحمزاوي قد انتهى إلى التصوف، فإن عباس سلطان انتهى إلى الإيمان بالله، ونجد النهاية نفسها في فيلم "الإخوة الأعداء"، حيث شوقي الأرماني الذي جسّد دوره أيضاً نور الشريف، يصيح في قاعة المحكمة: "ربنا موجود".

الفيلم قائم على وجود صراع بين الشخصيات، ولذلك يلجأ كاتب السيناريو دائماً إلى تقديم البطل في صراع مع أهله أو أبيه المتشدد، أو يجعل البطل مادياً يؤمن بالعلم إيماناً أعمى، ويصبح عاجزاً أمام حالة طبّية تتطلب تدخّلاً إلهياً، فيعود البطل إلى الإيمان

وهي النهاية الوحيدة الممكنة لأي فيلم سوف يتناول القضية نفسها، لأن الرقابة على المصنّفات الفنية، والرقابة الجماهيرية، لن تسمحا بوجود أي نهايات أخرى، إلا إذا كانت مأساويةً وعظيةً، وهو ما يصبّ في النهاية في القالب نفسه.

ولأن الإلحاد موقف فكري من وجود الإله، فتقديم معالجة سينمائية تطرح ذلك الموقف أمر في غاية الصعوبة، وربما المكان الأنسب لها هو الرواية، فالفيلم قائم على وجود صراع بين الشخصيات، ولذلك يلجأ كاتب السيناريو دائماً إلى تقديم البطل في صراع مع أهله أو أبيه المتشدد، أو يجعل البطل مادياً يؤمن بالعلم إيماناً أعمى، ويصبح عاجزاً أمام حالة طبّية تتطلب تدخّلاً إلهياً، فيعود البطل إلى الإيمان.

ملصق فيلم "الملحد" للمخرج نادر سيف الدين

واللقطات السريعة التي ظهرت في إعلان الفيلم، تشير إلى أنه لم يبتعد كثيراً عن الطرح السابق، حيث البطل يحيى الذي فقد إيمانه بالإله، يدخل في صراع مع أبيه رجل الدين المتشدد، ويمكن ببعض الحدس استنتاج أن نهاية الفيلم لن تبتعد عن الطريق المرسوم سلفاً، كما في كل الأفلام السابقة، ليس لعيب في صنّاع الفيلم، ولكن لأن الرقابة الفنية والمجتمعية لن تسمح بغير ذلك كما سبقت الإشارة.

أين المشكلة إذاً؟

المشكلة كما يراها كثيرون تكمن في اسم إبراهيم عيسى، مؤلف الفيلم، بسبب آرائه التي تخالف ما ثبت في الوعي الجمعي، ثم مشاركته في إنشاء مركز "تكوين"، الذي أثار جدلاً طوال الأشهر السابقة، وهو المركز الذي أشيع أنه مُعدّ لنشر الإلحاد وهدم الثوابت، دون وجود أي دلائل مادية أو منطقية على تلك الاتهامات، ولذلك فمن الطبيعي، عندما يقترن اسمه بفيلم "الملحد"، أن يستنتج المتصيّدون أن ذلك هو ركن جديد من أركان المؤامرة، التي يشنّها إبراهيم عيسى على الدين والأعراف المجتمعية حسب ما يعتقدون.

لا يمكن ادّعاء أن مخاوف البعض من عرض الفيلم بلا مبرر على الإطلاق، فالجمهور المصري غيور بطبيعته على الدين، ويمكن وصف قطاعات عريضة منه بأنها محافظة، ولا تستسيغ مناقشة الأفكار الجديدة بمثل تلك البساطة

وحتى لو افترض هؤلاء صدق كل تلك الاتهامات، فكيف يمكن تصديق أن الرقابة سوف تسمح بعرض فيلم يؤيد الأفكار الإلحادية، أو على الأقل يقدّمها بصورة إيجابية، في حين أن قانون "ازدراء الأديان" تسبّب في سجن البعض لمجرد اختلافهم مع البخاري أو بعض النصوص الفقهية القديمة؟ كيف يُعقل أن يسمح القائمون على أجهزة السينما والإعلام، بعرض فيلم يدعو للإلحاد أو ينادي به، وهو نفس ما صرّح به المنتج أحمد السبكي في مداخلة على قناة "الشمس" قبل أيام؟

مخاوف غير مبررة

حساسية الموضوع تُجبر صنّاع الفيلم أنفسهم قبل أي رقيب خارجي، على خلق معادلة تحقق التوازن وتضمن ألا تُغضب الجمهور الذي بات يساهم في إيقاف مشاريع منتهية أو شارفت على الانتهاء، كما حدث سابقاً في أعمال تلفزيونية مثل مسلسل "الملك" بطولة عمرو يوسف، ومسلسل "الديب" بطولة ياسر جلال، حيث تلقّى العملان هجوماً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي بمجرد طرح البرومو الخاص بهما، فالأول عقّب كثيرون على أخطاء تاريخية ظهرت في اللقطات التي عُرضت منه، بينما نال الثاني سخريةً لاذعةً أدت إلى عدم عرض أيّ منهما.

كل تلك العقبات تؤكد أن الفيلم لن يخرج في النهاية عما هو متوقع، بل ربما سيحاول التأكيد بطريقة مباشرة على رسالته التي تدعو إلى الإيمان بالله، وهو الاستنتاج الذي وصل إليه كثرٌ من المتابعين من بينهم الناقد السينمائي طارق الشناوي، الذي نشر تدوينةً ساخرةً تؤكد ذلك المعنى.

من ناحية أخرى، لا يمكن ادّعاء أن مخاوف البعض من عرض الفيلم بلا مبرر على الإطلاق، فالجمهور المصري غيور بطبيعته على الدين، ويمكن وصف قطاعات عريضة منه بأنها محافظة، ولا تستسيغ مناقشة الأفكار الجديدة بمثل تلك البساطة. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي على مدار سنوات مضت، ساهمت في رسم صورة سلبية لأي شخص يحاول طرح أفكار جديدة أو مختلفة، حتى لو كان من رجال الأزهر نفسه، وربما يكون الدكتور سعد الدين الهلالي، خير مثال على ذلك، فكيف يكون الأمر مع شخص ينكر الوجود الإلهي ذاته؟

ولكن في حسبة أخرى، الفيلم مجاز رقابياً، وقد مرّ على كل الجهات القانونية التي لها الحق في السماح بعرضه، والمنتج أحمد السبكي لن يغامر بأمواله لطرح فيلم يعادي به الجمهور. والفيلم مهما طرح من أفكار تخالف معتقدات البعض، يمكن الردّ عليه بعمل آخر، فلماذا الخوف إذاً، وإصدار الأحكام المسبقة؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image