شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لماذا تدعم دول غير عربية القضية الفلسطينية؟

لماذا تدعم دول غير عربية القضية الفلسطينية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأحد 4 أغسطس 202408:30 ص
Read in English:

Why do non-Arab countries support the Palestinian cause?

"نحن نعلم جيداً أن حريتنا غير مكتملة من دون حرية الفلسطينيين" بتلك الكلمات المؤثرة عبّر الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، عن دعمه الكامل للقضية الفلسطينية في خطاب ألقاه في سنة 1997، بمناسبة "اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني". في الفترة السابقة، ظهر تضامن العديد من الدول "غير العربية" مع فلسطين، عقب أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. نلقي الضوء في هذا المقال على الأسباب التي تفسّر هذا التضامن.

إيرلندا وإسكتلندا

بعكس غالبية الدول الأوروبية، تحظى القضية الفلسطينية بدعم كل من إيرلندا وإسكتلندا. بشكل عام، تتشابه الأوضاع التي عاشتها إيرلندا تحت وطأة الاحتلال البريطاني في ما سبق، مع الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني حالياً. في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، قامت إنكلترا بمصادرة مساحات واسعة من أراضي الإيرلنديين الشماليين. ثم أرسلت مستوطنين جدداً من الإنكليز البروتستانتيين ليقوموا بإعمارها. تسببت تلك الأفعال في حدوث تغيرات واسعة على النطاق الديموغرافي في إيرلندا الشمالية، الأمر الذي يتطابق إلى حد بعيد مع الهجرات اليهودية التي قدِمت من الاتحاد السوفياتي إلى أرض فلسطين، برعاية إنكليزية، في الفترة الأخيرة من القرن التاسع عشر وفي العقود الأولى من القرن العشرين.

بعكس غالبية الدول الأوروبية، تحظى القضية الفلسطينية بدعم كل من إيرلندا وإسكتلندا. بشكل عام، تتشابه الأوضاع التي عاشتها إيرلندا تحت وطأة الاحتلال البريطاني في ما سبق، مع الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني حالياً

السبب السابق ليس الوحيد. يذكر الكاتب الإيرلندي باتريك كوبرن، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، في مقال في صحيفة "الإندبندنت"، إن "هناك أسباباً أخرى، منها استخدام القوة المفرطة من قِبل المستعمر الإنكليزي/ اليهودي للقضاء على حركات المقاومة الإيرلندية/ الفلسطينية. في هذا السياق، سلّط كوبرن الضوء على مذبحة باليمور، التي وقعت في آب/ أغسطس 1971، وقُتل فيها 10 من الإيرلنديين الكاثوليك بالرصاص في منطقة باليمور في غرب بلفاست. وزعمت الحكومة والجيش البريطانيان لسنوات، بأن القتلى كانوا من مسلّحي الجيش الجمهوري الإيرلندي أو كانوا يلقون قنابل حارقةً. لكن التحقيق توصل في ما بعد إلى أن جميع القتلى كانوا من المدنيين الأبرياء، وأن تصرفات الجيش الإنكليزي كانت "غير مبررة".

تتشابه تلك الحادثة مع أعمال العنف الكثيرة المتكررة التي وقعت في مناطق مختلفة من أرض فلسطين في السنوات السابقة. بناءً على تلك الأسباب، يمكن فهم ما قاله جون برادي، عضو البرلمان الإيرلندي والمتحدث باسم الشؤون الخارجية والدفاع في حزب "شين فين" المعارض: "نتفهم محنة الشعب الفلسطيني لأن لدينا تاريخاً مشتركاً من الاستعمار والقمع، ولذا فإن هذا الفهم متعمق في الروابط التاريخية منذ الحقبة الاستعمارية".

على الجانب الآخر، تمتلك إسكتلندا، أسباباً مشابهةً لدعم الفلسطينيين. عانى الإسكتلنديون لسنوات طويلة من الاحتلال الإنكليزي، وحاربوا كثيراً لنيل استقلالهم السياسي عن التاج البريطاني. يتركز الدعم الإسكتلندي لفلسطين في مدينة غلاسكو على وجه الخصوص. يرجع ذلك إلى سنة 1887، عندما تم تأسيس نادي "سيلتك" من قبل مجموعة من المهاجرين الإيرلنديين الذين تعرضوا للظلم والقهر في بلادهم. بقي الكفاح ضد الإمبريالية عقيدةً ثابتةً في وجدان مشجّعي النادي. ظهر ذلك بشكل واضح في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عندما سارعت روابط مشجعي نادي "سيلتك" إلى إظهار دعمها المُطلق للقضية الفلسطينية. حملت جماهير النادي أعلام فلسطين في المدرجات في أثناء خوض عدد من المباريات في بطولة الدوري الإسكتلندي ودوري أبطال أوروبا. وأصدرت رابطة "غرين بريغاد" التي تعني "اللواء الأخضر"، بياناً جاء فيه: "وُلد سلتيك من رحم المجاعة والقمع، نتيجة الحكم الاستعماري والموت والتهجير الجماعي. يقف سلتيك دائماً إلى جانب المظلومين والمحرومين. سيظل سلتيك ثابتاً في دعمه للشعب الفلسطيني...".

تمتلك إسكتلندا، أسباباً مشابهةً لدعم الفلسطينيين. عانى الإسكتلنديون لسنوات طويلة من الاحتلال الإنكليزي، وحاربوا كثيراً لنيل استقلالهم السياسي عن التاج البريطاني. يتركز الدعم الإسكتلندي لفلسطين في مدينة غلاسكو على وجه الخصوص

أمريكا الجنوبية

أظهرت الحرب على غزّة، الدعم القوي الذي تحظى به القضية الفلسطينية من جانب غالبية دول أمريكا الجنوبية، والذي يمكن تفسيره من خلال ثلاثة عوامل مهمة؛ أول تلك العوامل يتمثل في صعود الأحزاب اليسارية في هذه الدول في الفترة الأخيرة. في دراستها "مواقف متباينة: كيف يمكن فهم استجابة دول أمريكا اللاتينية للحرب في غزة؟"، سلّطت الباحثة صدفة محمد محمود، الضوء على تلك النقطة، فذكرت أن أغلب حكومات اليسار اللاتيني تتبنى خطاباً سياسياً مناهضاً للهيمنة الأمريكية في المنطقة. بالتبعية، تنظر تلك الأحزاب إلى إسرائيل على أنها وكيل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ومن ثم فإن جزءاً كبيراً من تأييد تلك الأحزاب لفلسطين ينبع، في الأساس، من موقفها المعادي للولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل.

يتمثل العامل الثاني في التشابه الكبير بين تاريخ منطقة أمريكا الجنوبية، والحاضر الذي يعيش فيه الفلسطينيون. في أغلب الأوقات، تُعقد المقاربات بين السكان الأصليين لأمريكا الجنوبية التي تعرضت للإبادة والاضطهاد على يد المستعمرين الأوروبيين عقب اكتشاف العالم الجديد في القرن السادس عشر الميلادي، وبين الفلسطينيين الذين أُجبروا على ترك موطنهم وبلادهم عقب إعلان الدولة الإسرائيلية وهزيمة الجيوش العربية في سنة 1948. على الرغم من الفارق الكبير بين الحالتين، إلا أن استدعاء تلك المقاربة ينجح كثيراً في استثارة مشاعر قطاعات واسعة من شعوب أمريكا الجنوبية، الأمر الذي ظهرت آثاره في العديد من المظاهرات المنددة بحرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة.

أما العامل الثالث، فيتعلق بالأوضاع الديموغرافية السائدة حالياً في معظم دول أمريكا الجنوبية. في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، بدأت موجات الهجرة العربية من بلاد الشام -ومن ضمنها فلسطين- إلى أمريكا الجنوبية. استقر المهاجرون في مجتمعاتهم الجديدة، ومع مرور السنوات، أضحى ذوو الأصول الفلسطينية قسماً لا يُستهان به في تلك الدول. على سبيل المثال، يعيش ما يزيد على نصف مليون مواطن من أصل فلسطيني في دولة تشيلي، أي ما يمثّل أكبر عدد من الفلسطينيين خارج حدود العالم العربي. من جهة أخرى، وصل العديد من المواطنين من ذوي الأصول الفلسطينية إلى مراكز مؤثرة في هياكل السلطة القائمة في أمريكا الجنوبية، ومنهم كل من رجل الأعمال والملياردير التشيلي ألفارو صائغ، والجنرال خوان بيريدا أسبون الذي شغل منصب الرئيس الفعلي لبوليفيا في عام 1978، وميشيل تامر، الرئيس الأسبق للبرازيل، وكارلوس روبرتو فلوريس، الرئيس السابق للهندوراس، ونجيب أبو كيلة الرئيس الحالي للسلفادور.

جنوب أفريقيا

في الحادي عشر من كانون الثاني/ يناير الماضي، قدّمت دولة جنوب أفريقيا لـ"محكمة العدل الدولية" في لاهاي، ملفاً قانونياً يتألف من 84 صفحةً ويتضمن الأفعال غير القانونية التي تقوم بها إسرائيل في غزّة منذ ما يزيد على المئة يوم. عبّر ذلك الحراك عن موقف النظام الجنوب أفريقي الداعم للقضية الفلسطينية في صراعها مع إسرائيل.

يمكن تفسير ذلك الموقف بالتشابه الكبير بين المعاناة التي لاقاها المواطنون السود في جنوب أفريقيا إبان حقبة الفصل العنصري من جهة، ومعاناة الفلسطينيين الحالية من جهة أخرى. ومن المعروف أن جنوب أفريقيا حُكمت من قِبل أقلية بيضاء أوروبية الأصل في الفترة من سنة 1948 إلى سنة 1994. عُرف هذا النظام باسم "الأبارتهايد"، وانتهج إستراتيجيةً تعتمد على تهميش وقمع أصحاب البشرة السوداء في البلاد. سارع هذا النظام إلى تأييد الدولة اليهودية عند تأسيسها، لذا رأيناه يصوّت لصالح قرار إنشاء دولة يهودية على أرض فلسطين في تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، قبل أن يعترف رسمياً بتأسيس إسرائيل في سنة 1948.

كانت الحركات القومية السوداء في جنوب أفريقيا، تنظر إلى إسرائيل على أنها دولة استعمارية تتشابه مع حكومة الأبارتهايد. دافع السود عن الفلسطينيين لأنهم إخوة في النضال ضد الظلم والقمع. في 1990، دُشّنت العلاقات المباشرة بين العنصر الأسود في جنوب أفريقيا، ومنظمة التحرير الفلسطينية كونها الممثل الأكثر بروزاً للقضية الفلسطينية

تبادلت جنوب أفريقيا وإسرائيل المصالح بشكل ودّي لسنوات طويلة. كما لعبت إسرائيل دوراً مهماً في توريد الأسلحة والتقنيات العسكرية إلى النظام الحاكم في جنوب أفريقيا، في ظل امتناع أغلبية الدول عن الدخول في شراكة اقتصادية تجارية مع هذا النظام العنصري سيئ السمعة. يشرح الباحث الإسرائيلي ألون ليئيل، أسباب التقارب المُنعقد بين البلدين في تلك الفترة، في كتابه "الحزب القومي في جنوب أفريقيا: وحدة مصير مع إسرائيل"، فيقول: "كل انتصار في ساحة المعارك لإسرائيل عزز شعور البيض في جنوب أفريقيا بأن صمودهم أمام الأغلبية السوداء ممكن، وأنهم قادرون على الانتصار في نهاية المطاف في صراعهم الذي رأوا فيه صراعاً عادلاً".

على الجهة المقابلة، كانت الحركات القومية السوداء في جنوب أفريقيا، تنظر إلى إسرائيل على أنها دولة استعمارية تتشابه مع حكومة الأبارتهايد. دافع السود عن الفلسطينيين لأنهم إخوة في النضال ضد الظلم والقمع. في 1990، دُشّنت العلاقات المباشرة بين العنصر الأسود في جنوب أفريقيا، ومنظمة التحرير الفلسطينية كونها الممثل الأكثر بروزاً للقضية الفلسطينية. فبعد أسبوعين فقط من إطلاق سراحه، سافر الزعيم الجنوب أفريقي الأسود نيلسون مانديلا، إلى زامبيا للقاء القادة الأفارقة الذين قدّموا الدعم له خلال سجنه. حضر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، هذا اللقاء، وأظهر الزعيمان تقارباً في نظرتهما إلى النضال الموحد ضد الأنظمة العنصرية. دخل هذا التقارب حيز التنفيذ بعد انتخاب مانديلا في 1994، رئيساً لجنوب أفريقيا. لم يتوقف الدعم الجنوب أفريقي بعدها، وحافظ حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي" الحاكم على تأييده الكامل للفلسطينيين، الأمر الذي ظهرت آثاره في الأحداث الأخيرة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image