انطلقت عروض ريف "REEF" لأوّل مرّة، عام 2019، من منطقة عكار وتحديداً قرية القبيّات، فأثمرت عن مهرجان دوري يجمع بين السينما المستقلة والبيئة الريفية، بهدف الإضاءة على قضاياها الشائكة، وتالياً حمايتها، وهذا عبر أفلام قصيرة ومتوسطة بشكل أساس، لكن أيضاً من خلال سهرات فنية، ومحاضرات علمية، ومعارض صُوَر تجري عكس مركزية الفن والثقافة وسط المدن الكبيرة.
بالإضافة إلى ما سبق، تتضمن لقاءات "ريف" وجبات عشاء تعدّها سيدات "محليات" من المحاصيل البلدية، وعن مشي (hiking) في الطبيعة الخلّابة، أو "كزدورة" داخل الحارات العتيقة من أجل التعرف على المعالم التي شكّلت هوية الضيعة (طواحين حملت أسماء الأشخاص المشهورين هناك، وأديرة وكنائس شهدت على عجائب، ومتحف غنيّ بالمئات من أنواع الفراشات والعصافير، وغيرها).
كما تجدر الإشارة إلى النشاطات التي تُعنى "ريف" بتقديمها لليافعين (أفلام، وورش عمل إبداعية تحثهم على التفكير في إدارة النفايات ومشاركتهم في التحكيم في أفلام الشباب وغيرها). وهذه بهدف رفع مستوى الوعي الإيكولوجي لدى الفئات العمرية الأصغر، على اعتبار أنهم "سفراء" للمشروع يساهمون في استدامة العمل للصالح العام، وتبنّي سرديات غير نمطية. هكذا إذاً، وانطلاقاً من نجاح الحدث الأوّل، أصبحت "ريف" مع السنوات القليلة الماضية جمعيةً معروفةً لدى الناشطين في المجال، وتشبّك بفعالية مع مديري المشاريع الآخرين.
انطلقت عروض "REEF"، لأوّل مرّة، عام 2019، من منطقة عكار وتحديداً قرية القبيّات، فأثمرت عن مهرجان دوري يجمع بين السينما المستقلة والبيئة الريفية، بهدف الإضاءة على قضاياها الشائكة، وتالياً حمايتها، وهذا عبر أفلام قصيرة ومتوسطة بشكل أساس
رصيف22 غطّى النسخة السادسة من لقاءات ريف لعام 2024 في معمل الحرير التراثي والذي أقيم خلال الأيام من الـ26 إلى الـ28 تموز/يوليو الجاري، وعنوانه: التّنوع البيولوجي والسينما. رمز المهرجان هو الفراشة نظراً إلى ارتباط الدودة بإنتاج الخيوط الدقيقة، ودلالات رحلتها في التحول من شيء غير جميل بالمعنى المتعارف عليه إلى الجمال الأخّاذ، ولأنّ وجود الفراشات بوفرة في المكان برهان على نقاء الهواء والتربة والماء، بينما العكس صحيح، بسبب أنها شديدة العطب في مواجهات أدنى الملوّثات.
بدايةً، نضيء على فيلم "شجرة الجّحيم" لنيله جائزة الجمهور، وجائزة لجنة التحكيم وتنويهاً خاصاً من سفراء "ريف".
"شجرة الجحيم"-رائد زينو
رائد زينو، صانع أفلام وفنّان تشكيليّ، تخرّج من كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق (2023)، تعلّم المونتاج السينمائي في المعهد العربي للفيلم (عمّان 2008). تدرّب على الإنتاج السينمائي ضمن مشروع "دوك ميد" بالتعاون مع بيروت دي سي (2013). ويتابع حالياً دراسات عليا في الإعلام والتواصل اللاعنفي في جامعة أونور للاعنف وحقوق الإنسان في بيروت. ساهم رائد في صناعة العديد من الأفلام التسجيلية والروائية والمسلسلات التلفزيونية.
يُعدّ فيلم "شجرة الجحيم" أول فيلم مستقل من تأليفه وإخراجه وهو نتاج ورشة تدريبية عن "التنوع البيولوجي والسينما"، نظّمها بيت الفنّان-حمّانا، و"أفلامنا"، وجمعيّة "ريف". في دردشة صغيرة مع رائد سألناه:
- شاهدناك مُخرِجاً وبطلاً في آن معاً في الفيلم...
- أنا مخرج الفيلم نعم، ولكن لا أعدّ ظهوري فيه كشخصية رئيسة يجعلني بطله، إنما في الحقيقة جميع من ساهم وشارك معي هم أبطال بكل معنى الكلمة، وما كان لهذا الفيلم أن يرى النور لولا دعمهم وتفانيهم.
- هل يمكن وصف العمل بالسياسي/البيئي؟ ولماذا؟
- شخصيّاً لا أعتقد أنه يمكن فصل البيئي عن السياسي في أيّ شيء، لأن كلّ مجريات السياسة في العالم تحدث ضمن كوكب الأرض الذي نعيش عليه. فمثلاً، معظم ما نشهده من تغيرات مناخية هي نتيجة لسياسات الإنسان على الأرض، والفيلم تناول موضوع الغزو ومزج الجانب العسكري (المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي)، مع الجانب البيئي (المتمثل في غزو الشجرة للتنوع البيولوجي): كلاهما يهدد البيئة والإنسان في منطقة شرق المتوسط عموماً ومن ضمنها لبنان.
- من هو جمهور هذا النوع؟ وما المتوقع منه؟
- أعتقد أنّ جمهور كلّ فيلم مكوّن من الناس المعنيين بالقضايا المطروحة فيه، والمعني بالفيلم بشكل مباشر ليس الجمهور اللبناني فحسب، وإنما كل الجمهور في منطقة شرق المتوسط. في مهرجان "ريف"، شاهد الفيلم جمهور متنوع ومن مختلف الأعمار، ولقد سررت لأن العديد من الأطفال أبدوا استيعاباً واضحاً لموضوعه، وتفاعلاً كبيراً معه، ورغبةً في المعرفة أكثر. آمل في أن يساهم الفيلم، ولو بدور بسيط، في رفع الاهتمام بقضية الحق في مقاومة العدوان، سواء أكان على الإنسان أو على البيئة، كون كل منهما مرتبطاً بالآخر.
دردشات مع المشاركين المميزين
عن أهمية العرض هنا، تقول ميشال كسرواني، مخرجة الفيلم الرّوائي "يرقة" 30 دقيقة، مع شقيقتها نويل، والفيلم فاز بجائزة الدب الذهبي من مهرجان برلين 2023، وجائزة لجنة تحكيم مهرجان مالمو للسينما العربية، كما عُرض في أيار/مايو الماضي في قصر سرسق في بيروت ضمن مهرجان الأعمال العربية القصيرة: "لقد تمّت حياكة القصة الحسّية والمعقدة لمهاجرتين صديقتين تعملان معاً في مطعم في باريس انطلاقاً من بحث تاريخي حول صناعة الحرير في لبنان، خلال عهد الانتداب".
وتضيف: "بالأمس، كان إحساس الحضور المتنوّع الأعمار عالياً جدّاً. وأكثر ما لفتني كان تذكّر أحدهم (محمّد دهيبي/ناشط سياسي)، شقاء جدّته جرّاء غزل الخيوط النّاعمة، دون أن تمكّنها مهنتها، ولو لمرّة واحدة، من ارتداء ما تصنعه يداها".
أمّا جويل أبو شبكة، فهي مخرجة فيلم "تلّة الحيّات"، وفيه تروي سيرتها بعد عودتها إلى وطنها الأم، مع زوجها ملحم، من أجل البدء بمشروع في الزراعة المستدامة وبدعم من صديقها وخبير الزواحف رامي. في فيلمها، وعلى الرغم من خوفها من الأفاعي، إلا أنها تخبرنا بأن مهمتها الحقيقيّة بدأت مع اكتشافها تعرّض الأراضي المجاورة للتدمير الممنهج، جرّاء استعمال المبيدات التي تعدّها "سموماً، في حين تروّج لها الشركات المصنِّعة تحت مسمى الأدوية".
وتؤكد أبو شبكة لرصيف22: "لست في صدد محاربة المزارعين في بلدتي في البقاع المنسيّ من قبل الدولة، بل فقط أشير إلى أن هذه السّلوكيات، إذا ما استمرت، سوف تجبرنا جميعاً على استيراد التربة الصحية في المستقبل. لكن الحلول البديلة ما زالت متاحةً، ولو بدت بطيئةً".
بدورها، تسهب ryttacouture، في حديثها إلى رصيف22، عن كيفية مساهمة القيّمين على ريف في استعادتها شغفها بتصميم الأزياء، بعد أن رؤوا السنة الماضية مجموعتها "روح" في رفع تدوير (upcycling) الثياب والبياضات البائدة والمملة إلى ملبوسات يدويّة ومتفردة، فأحبّوها. تروي أيضاً: "كان العنوان حمّالاً لمفاهيم الرأفة بالطبيعة التي تناصرها ريف"، ومنها: "اذهب (روح) وارمِ قطع ملابسك العتيقة في الزّبالة"، مقابل: "باستطاعتك دائماً أن تزرع نبضاً جديداً (روح) في قلب قديمك". وعلى هذا الأساس، تمّ التعاون هذه السنة". وتشرح: "لقد لبّت النّساء والفتيات الدعوة إلى مشغل الخياطة الحالي والمجاني، فسحرت البرادي والقمصان والملاحف المستهلكة... تلك باتت معنا فساتين، وجزادين، وأطقماً مبهجةً ومريحةً، لها أقصوصات وحيوات يستحيل أن تتطابق عند شخصين".
ما رأي الحضور؟
التقى رصيف22، الشاعرة أغنار عواضة، الآتية خصيصاً من بيروت للمشاركة في المناسبة، فعبّرت عن رأيها قائلةً: "لطالما استهوتني نوعيّة الحياة الهادئة والأصيلة. أنا معجبة منذ فترة بفعاليات ريف التي تعرفت عليها من خلال الميديا والأصدقاء، والاسم وحده كفيل بجذبي كالمغناطيس، لا سيما نحو هذه البقعة التي كانت مجهولةً تماماً بالنسبة لي، قبل المهرجان".
وتابعت: "ها قد آن الأوان من كل النواحي للمجيء والتنفس بعمق. أنا أستمتع منذ البارحة في أرجاء هذا الصرح العريق وبكل ما يحيط بي. ويلامس وجداني لطف السكان وطيبتهم مع الزوّار، من السائق إلى عمّال الفندق، والباعة داخل الدكاكين. وبرأيي أنشطة ولقاءات ريف قيّمة للغاية، لأنها تبث خطاباً حيوياً إلى شرائح النّاس كافة، وعبر وسائط معاصرة".
منذ تأسيسها خلال سنة الانتفاضة الشعبية في لبنان، حتى تاريخ اليوم، حيث تحرق إسرائيل الجبهة الجنوبية وتهدد بحرق البلاد، تبدو فعاليات ريف كنسائم صيفية منعشة، تقلب صفحات من كتب التاريخ، والجغرافيا، وأدب الرحلة
ثمّ لروني الأسعد روايته: "أنا ابن عكار التي لا بيت لأسرتي النواتيّة فيها. صحيح أنّني وُلدت وتربيت في العاصمة بيروت، لكنّي أتابع عن كثب الأجندة الثقافية للمناطق البعيدة، وأحنّ لاشعوريّاً إلى هنا بالذات". ويشير: "أحفظ مواعيد ريف منذ انطلاقه، لأنها تساعدني على إعادة اكتشاف طرائق عيش أسلافي وأهلي كما خصائص مكوّنات الأرض والعمران". ويختم: "من الجّيد أنّ المهرجان ليس لساعات صاخبة وتنتهي بسرعة كأن شيئاً لم يكن، بل هو يستمر لأيام، ومن الصباح الباكر إلى وقت متأخر من الليل، ما يتيح نشوء التبادلات الاجتماعية والثقافية".
منذ تأسيسها خلال سنة الانتفاضة الشعبية في لبنان (2019)، حتى تاريخ اليوم، حيث تحرق إسرائيل الجبهة الجنوبية وتهدد بحرق البلاد، تبدو فعاليات ريف كنسائم صيفية منعشة، تقلب صفحات من كتب التاريخ والجغرافيا وأدب الرحلة، عساها تسهم في تحويل آليات التهميش والاضطهاد إلى وسائل للتحرر والتضامن الإنساني الواسع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.