يبدو المركز في كل عواصم العالم الثقافية أكثر حظاً في الشأن الثقافي، إذ يتركز أكبر عدد من المكتبات ودور العرض والمسارح. وخلال الأسبوع المنقضي، استعادت العاصمة المصرية القاهرة قبساً من حالة النشاط الثقافي التي تراجعت فيها منذ سنوات، عبر مبادرات ثقافية متنوعة قائمة على العمل المستقل لمكتبات أو أفراد، أبرزها مهرجان "دواير" الثقافي الذي تختتم أعماله مساء غد السبت 15 يوليو/ تموز، بعد ما يربو على عشرة أيام من الأنشطة الفنية والثقافية المتنوعة في المكتبات المشاركة وسينما ومسرح راديو في "وسط البلد".
المهرجان الذي يشهد دورته الأولى هو نتاج تعاون بين مكتبة تنمية ومكتبة ديوان، وبدت إقامته في وسط القاهرة منطقية، إذ شكلت تلك المنطقة منذ ستينيات القرن الماضي قلب الثقافة في مصر، واستمر ذلك الوضع حتى سنوات قليلة تلت الثورة المصرية، تراجع بعدها النشاط الثقافي بانحسار المساحات المفتوحة للاجتماع العام، خلال فترة الاضطرابات الأمنية التي شهدتها مصر في أعقاب التغيرات السياسية في 2013.
خلق المهرجان حالة من الإقبال الجماهيري الشاب، تذكِّر بما كان يشهده معرض القاهرة الدولي للكتاب خلال فترة إقامته بمقره القديم في أرض المعارض في مدينة نصر
افتتحت أولى دورات المهرجان يوم الخميس 6 يوليو/ تموز الجاري، وتنوعت أنشطتها بين الورش الإبداعية في الكتابة الأدبية وكتابة السيناريو، إلى جانب ندوات مناقشة الكتب والحوارات المفتوحة مع الكتاب والمبدعين، وشارك فيها كتاب وشعراء ونقاد وفنانون من دول العالم العربي مثل الروائي العراقي سنان انطون، والمفكر المغربي عبد الإله بن عرفة.
ويقول الروائي أحمد القرملاوي، مدير النشر في "ديوان"، وأحد منسقي المهرجان إن طموح المهرجان "ثقافي بالمعنى الشامل للكلمة، لذلك فلا يكتفي بالفاعليات الأدبية فقط، بل يهتم بالسينما والموسيقى وغير ذلك من فروع الثقافة، ويعتبر معرض أبو ظبي وغيره من المعارض الدولية التي لا تهتم بالكتاب فقط لكنها أيضاً تهتم بالتفاعل بين الجمهور والمنتج الثقافي".
أحمد القرملاوي: طموح المهرجان ثقافي بالمعنى الشامل للكلمة، لذلك فلا يكتفي بالفاعليات الأدبية فقط، بل يهتم بالسينما والموسيقى وغير ذلك من فروع الثقافة، ويعتبر معرض أبو ظبي وغيره من المعارض الدولية
هذا التفاعل الذي أشار إليه القرملاوي هو ما ارتكز عليه برنامج المهرجان، فلم يكن الكتاب هو العنصر الأهم، رغم وجود معرض للكتب، ورغم أن القائمين على الحدث مكتبات لا مؤسسة ثقافية بالمعنى الشامل، والغرض التسويقي حاضر بالتأكيد، لكن أثناء التجول بين عناوين الكتب التي تشارك بها 25 دار نشر خاصة مصرية وعربية، إضافة إلى معرض خاص للكتاب المستعمل يضم ما يزيد عن 3000 كتاب في مختلف المجالات - معظمها كتب أجنبية، لاحظت معدة التقرير أرتفاعاً كبيراً في أسعار الكتب رغم الإعلان عن تخفيضات ما بين 15 و20% إلا أن هذا لم يشكل فارقاً كبيراً، خاصة كتب دور النشر العربية. حتى أن حفلات التوقيع لم تشهد تخفيضاً في أسعار الكتب كما هو معتاد، ولوحظ أن المقبلين على حضور الفعاليات الأدبية والفنية أكبر من المقبلين على شراء الكتب.
في قاعة سينما راديو التي يعود تاريخ إنشائها إلى العام 1932، كادت القاعات في بعض الندوات أن تمتلئ في حضور أكبر من المعتاد في الندوات الأدبية المتكررة في القاهرة، واحياناً للكتاب أنفسهم، في حالة تذكِّر بما كان يشهده معرض القاهرة الدولي للكتاب خلال فترة إقامته بمقره القديم في أرض المعارض في مدينة نصر، قبل انتقاله إلى منطقة التجمع (تجمعات سكنية جديدة بدأت تتشكل في الصحراء المتاخمة لأقصى شرق القاهرة منذ نهايات التسعينيات).
وربما ترتبط كثافة الحضور بكبر المساحة التي تتيحها قاعة سينما راديو العريقة، وقرب المسافة بين الجمهور المتعطش للفعاليات الثقافية ومنطقة وسط القاهرة.
كما يرجح أن يكون الجهد التسويقي للمهرجان والذي جعله جاذباً لشباب محب للثقافة من خارج القاهرة، سبباً رئيساً للنجاح الواضح في جذب الجمهور، خاصة مع إيكال أمر التسويق إلى وكالة متخصصة في التسويق الإلكتروني، مما أجتذب شريحة من الشباب المهتمين بالكتاب بشكل واضح، إذ برزت مشاركتهم عبر المداخلات وإلقاء الأسئلة على الكتاب أثناء الندوات والفاعليات المختلفة.
ففي الندوة التي أقيمت تحت عنوان "الكتابة الذاتية"، امتلات القاعة بوجوه شابة وأخرى معروفة في الوسط الثقافي، حيث كان لوجود الشاعرة والأكاديمية إيمان مرسال والروائية ميرال الطحاوي، اللتين حاورهما الروائي والمترجم محمد عبد النبي، أثر في وجود مثقفين مصريين كان لبعضهم مداخلات حول تعريف الكتابة الذاتية، والتي بدت محل خلاف وجدال، ومن بينهم أيضاً الشاعرة والأكاديمية الدكتورة فاطمة قنديل، بينما لم يحظ حفل توقيع رواية سنان أنطون بنفس كثافة وجود المثقفين المصريين، وغلب الشباب على قاعة الندوة وكان إقبالهم على توقيع نسخ من أعماله كبيراً أيضاً عقب انتهاء المناقشة المصاحبة لحفل التوقيع.
وكان حضور الشباب واضحاً في كذلك في سمينار الكتابة الإبداعية الذي أشرفت عليه الكاتبة الكويتية بثينة العيسي، وكذلك في سمينار سيناريو المسلسلات القصيرة الذي أشرف عليه السيناريست والقاص محمد هشام عبية، وربما يشهد سمينار السيناريست محمد أمين راضي الذي سيقام مساء اليوم نفس الكثافة مع جماهيريته الكبيرة ككاتب لمسلسلات يغلب عليها التشويق والغموض.
ليس هناك شك أن مهرجان دواير قد حقق نجاحاً كبيراً في كسر التوقعات حول نخبوية المهرجانات الثقافية، والقدرة على التواصل مع أجيال مختلفة، والبعد عن النمط التقليدي للأحداث الثقافية، إلا أن أمامه تحديات كبيرة في دوراته القادمة لترسيخ وجوده. كما أن تحقيقه لما يطمح إليه يحتاج إلى فتح المجال لتعاون أكبر مع جهات مختلفة، لطرح كتب بأسعار مناسبة قدر الإمكان، خاصة مع تراجع القدرات الشرائية لعموم المصريين بفعل الوضع الاقتصادي الحالي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين