بعد أربعة أيام على عروض الأفلام التي تتمحور حول مواضيع بيئية واجتماعية وثقافية، والأنشطة البيئية والريفية، استضاف مهرجان "ريف" المُقام في بلدة القبيات في شمال لبنان، في دورته الرابعة لهذا العام، ملتقى "سرديات للبيئة"، مع مجموعة من صنّاع/ صانعات الأفلام المستقلين، والناشطين/ الناشطات البيئيين، وممثلي منظمات بيئية من بلدان عربية عدة.
هدَفَ الملتقى الذي أقيم في معمل الحرير في البلدة إلى "وضع تصور حول الكيفية التي يمكن للسينما العربية المستقلة من خلالها المساهمة في تغيير السردية المعنية بأزمة المناخ والنقاش العالمي حولها، والذي تغيب عنه بشكل عام مجتمعاتنا العربية، وكذلك لإتاحة الفرصة لنقاشات بين المشاركين تسمح لهم بالاستماع إلى وجهات نظر بعضهم البعض، وتبادل الأفكار، وتكوين شراكات تعمل على تسخير قوة الفيلم لتغيير المواقف والآراء والسياسات حول القضايا البيئية والمناخية في المنطقة العربية"، وفق ما ورد في توصيفه.
هدف الملتقى إلى تسخير قوة الفيلم لتغيير المواقف حول القضايا البيئية في المنطقة العربية.
تنوعت فعاليات الملتقى الذي استمر لقرابة ثماني ساعات، مركزةً في مجملها على استعراض تجارب سينمائية "بيئية وتغييرية" من العالم العربي ومن خارجه، ونقاشات حول الواقع البيئي في لبنان بشكل خاص، والمنطقة بشكل عام، والفرص المتاحة أمام صنّاع/ صانعات الأفلام، للحديث عن هذه القضايا بطرق مبتكرة وفعالة في الوقت ذاته. وهنا نستعرض معكم بعضاً من هذه النقاشات.
اقتصاد مبني على الطبيعة
يعمل مجلس البيئة في بلدة القبيات، وهو عبارة عن منظمة غير حكومية تدار من قبل المجتمع الأهلي، منذ قرابة ثلاثة عقود، على رفع الوعي البيئي لدى السكان، وتنشيط السياحة البيئية والتنمية المستدامة في منطقة عكار، ويعتمد على الفن والسينما والمطبخ كأدوات مساعدة ومتشابكة مع البيئة بشكل مباشر.
وتمت الإشارة خلال ملتقى "سرديات للبيئة"، إلى إمكانية خلق "الاقتصاد المحلي المبني على الطبيعة" وأهميته، بحيث تتحول مكونات البيئة حولنا إلى مداخل لأنشطة مولدة للدخل، يمكن أن تنفَّذ على مدار السنة، ومنها على سبيل المثال المشاريع التي يديرها سكان المنطقة، وعلى الأخص النساء، وتبيع منتوجات وأطعمةً مستخلصةً من المكونات المحلية مثل الدبس والمربيات والسمّاق والصابون وغيرها، إلى جانب أنشطة السير ضمن دروب مختلفة للتعريف بطبيعة المنطقة الغنية بالغابات والآثار، إذ تضم عكار قرابة 12% من المساحات الخضراء في لبنان. وجميع هذه الأنشطة والمشاريع كانت حاضرة في أيام "ريف" الأربعة.
صناعة أفلام صديقة للبيئة
ركز "سرديات للبيئة"، على أن تكون صناعة الأفلام أكثر وعياً بالضرر الذي يمكن أن تحدثه للبيئة، وبكيفية وإمكانية تجنّب ذلك. وتشير دراسات إلى أن إنشاء استديو للتصوير على سبيل المثال، يمكن أن يتسبب في إزالة 4،000 هكتار من الأشجار، ما يعادل مساحة 9،000 ملعب رياضي.
وقد بدأ عدد من صنّاع/ صانعات الأفلام في المنطقة، بالاشتراك مع منظمات معنية مؤخراً، بالانتباه إلى هذه المخاطر ووضع مجموعة من الخطوات التي يمكن اتّباعها. من هذه المنظمات "غرينر سكرين Greener Screen"، المشاركة في تنظيم الملتقى، والتي تحدث ممثلوها عن عملهم على ثلاثة مستويات: صنّاع/ صانعات الأفلام لضمان تضمينهم المبادئ البيئية في عملهم، وصنّاع/ صانعات القرار بهدف تغيير القوانين لتصبح مواقع تصوير الأفلام صديقةً للبيئة، والمستوى الثالث هو الجمهور، عن طريق طرح منصة تُعنى بتقديم محتوى بيئي بمقاربة معتمدة على الحلول، وليس فقط المشكلات، بهدف إشراك الناس في عملية التغيير البيئي.
العمل بطريقة صديقة للبيئة، سواء ضمن صناعة الأفلام أو غيرها من المجالات، قد يبدو للوهلة الأولى أكثر كلفةً، لكنه سيكون في نهاية المطاف حتماً أقل كلفةً أو بكلفة مساوية للعمل والتجهيز بالطرق التقليدية
وضمن السياق نفسه، طرح فريق عمل الفيلم اللبناني "كوستا برافا"، الذي أُنتج العام الفائت، تجربته حول "التصوير الأخضر"، عن طريق اتّباع مجموعة من الإجراءات، منها على سبيل المثال التخفيف من أثر النفايات في أثناء التصوير. وبالأرقام، تحدث الفريق عن تمكّنه من تخفيض الكلفة اليومية لتجهيزات الطعام من 2،000 دولار إلى 800 دولار، عن طريق تخفيف عدد العبوات والأكياس وغيرها من الأدوات المستخدمة بشكل يومي.
وتمت الإشارة من المتحدثين إلى أن "العمل بطريقة صديقة للبيئة، سواء ضمن صناعة الأفلام أو غيرها من المجالات، قد يبدو للوهلة الأولى أكثر كلفةً، لكنه سيكون في نهاية المطاف حتماً أقل كلفةً أو بكلفة مساوية للعمل والتجهيز بالطرق التقليدية"، الأمر الذي يجب أن يشجّع صنّاع/ صانعات الأفلام وغيرهم على اتخاذ هذه الخطوات وفق إمكاناتهم.
وهنا يجدر التنويه بأن مؤسسة "بيروت دي سي"، وهي المنظم الأساسي لملتقى السرديات، تطرح ضمن أدلتها لصانعي/ صانعات الأفلام، "الدليل الأخضر" الذي يقدّم حلولاً بيئيةً يمكن اعتمادها في الإنتاجات السينمائية.
صناعة التأثير
الإنتاج السينمائي قادر اليوم على التأثير، وبمستويات مختلفة، سواء على الناس بكافة شرائحهم، أو على صنّاع/ صانعات القرار والسياسات. هذا ما يؤمن به منظمو الملتقى، وعملوا على طرحه ضمن جلسات حوار عدة.
تحدث فريق "بيروت دي سي" عن أهمية استخدام الأفلام البيئية ضمن حملات المناصرة، لأن القضايا البيئية هي من أصعب الأمور التي يمكن إقناع الناس بأهميتها وضرورة العمل عليها، فكثيرون يشعرون بأنهم غير قادرين على التحرك إزاء أمور معقدة وكبيرة مثل التغير المناخي، وإن كانوا مهتمين بالأمر، وآخرون يعانون مما يطلَق عليه مصطلح Information Fatigue، أو تخمة المعلومات، وتالياً ينفرون من متابعة المزيد من الأخبار ويُحجمون عن التحرّك.
وهنا يأتي دور صنّاع/ صانعات الأفلام لتقديم المعلومات بطريقة مبتكرة وجذابة وقريبة إلى الجمهور، واستخدام أدوات إبداعية لإيصال أفكارهم، وكذلك التوجه نحو شرائح مختلفة وجديدة في كل مرة، كطلاب المدارس مثلاً.
من المهم استخدام الأفلام البيئية ضمن حملات المناصرة، لأن القضايا البيئية هي من أصعب الأمور التي يمكن إقناع الناس بأهميتها، فكثيرون يشعرون بأنهم غير قادرين على التحرك إزاء أمور معقدة وكبيرة مثل التغير المناخي، أو ينفرون من متابعة المزيد من الأخبار
وضمن هذا السياق، عُرض مقطع من الفيلم الوثائقي "شكراً للمطر Thank you for the rain"، وهو إنتاج كيني-دنماركي مشترك في العام 2017، ويصوّر الأضرار الناجمة عن تغير المناخ في إحدى القرى الكينية. اعتمد الفيلم في قصته وإنتاجه على أصوات مباشرة من أصحاب الحاجة والقضية، وتحوّل بطله المزارع كيسيلو، إلى جزء من فريق العمل، نتيجة معرفته العميقة بالسياق، وإلى ناشط بيئي يناصر أهمية العثور على حلول للمشكلات الناجمة عن تغيّر المناخ في قريته وبلده، وهو من البلدان الأكثر تأثّراً بالأمر عالمياً.
تلت ذلك حلقة نقاش مع المخرجة اللبنانية زينة دكاش، عن تجربتها في إنتاج أفلام بالاعتماد على تجربتها في تقديم العلاج عبر الدراما لعدد من نزلاء السجون اللبنانية، وقدرة هذه الأفلام على تغيير مجموعة من مواد قوانين العقوبات والعنف الأسري لتكون أكثر عدالةً. وتحدثت المخرجة عن قوة السينما كأداة للتغيير والتأثير، خاصةً عند استخدامها والتواصل بالشكل الصحيح مع الجمهور المستهدَف وصنّاع/ صانعات القرار.
ولم ينسَ البعض الإشارة إلى أن أحد أهم أهداف السينما في نهاية المطاف هو الترفيه، لكن ذلك لا ينفي إمكانية اهتمامها بالجوانب البيئية، وطرحها ضمن قصتها من دون أن تكون محورها الأساسي بالضرورة، وهو أمر تزداد أهميته مع توسع نطاق التحديات البيئية التي تواجهها بلداننا العربية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون