تندرج هذه المادة ضمن ملف "هنا نفتح القرآن معاً، ويشعّ الحبّ"، في رصيف22.
أُنجز هذا التقرير بالتعاون مع مساواة
"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ". (الآية 90 من سورة "النّحل").
بالرغم من أننا نستمع إلى هذه الآية تقريباً كل يوم جمعة، كجزء من خطبة الجمعة، إلا أن قلّةً منّا فقط قد تلتفت إلى ارتباط مفهوم العدل بمفهوم الإحسان في الآية وفي القرآن الكريم، بشكل أكبر.
لفظ الإحسان مشتقّ من المصدر "ح-س-ن"، الذي ورد في القرآن الكريم 194 مرةً، ويعني الخير والجمال، بشقّيهما المادي والمعنوي؛ المادي، كخلق الله لكل شيء في أحسن تقويم، والشقّ المعنوي كالتحلي بالخير والجمال في الأخلاق والمعاملات.
لذا نرى القرآن الكريم يذكّرنا بمفهوم الإحسان في المواقف الصعبة على النفس، والتي من شأنها أن توقظ في الإنسان الحميةَ والحدّة وعدم الإنصاف، مثل الطلاق بين الزوجين، وهنا نجد الآيات تخاطب الزوج تارةً، بقوله:
"الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الآية 229 من سورة "البقرة").
نرى القرآن الكريم يذكّرنا بمفهوم الإحسان في المواقف الصعبة على النفس، والتي من شأنها أن توقظ في الإنسان الحميةَ والحدّة وعدم الإنصاف، مثل الطلاق بين الزوجين
كما يخاطب الله الزوجة تارةً أخرى، في قوله:
"وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً" (الآية 128 من سورة "النساء").
كما يذكر القرآن الكريم الإحسان في الحديث عن برّ الوالدين:
"وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (الآية 15 من سورة "الأقحاف").
يُعدّ الإحسان مفهوماً أساسياً في القرآن الكريم، يذكّرنا دائماً بالالتزام بالأخلاق والإتقان في العمل. وبينما قد انصبّ جلُّ تركيز المفسّرين الأوائل بشكل أو بآخر، على فهم وتفسير جزئيات القرآن الكريم في معانٍ منفصلة، اتجه اهتمام بعض العلماء المعاصرين إلى المنظور الأخلاقي في القرآن، مثل الشيخ محمد عبد الله دراز، وغيره من العلماء.
يُعدّ الإحسان مفهوماً أساسياً في القرآن الكريم، يذكّرنا دائماً بالالتزام بالأخلاق والإتقان في العمل.
تمثّل الأخلاق اللبنةَ الأساسية والمنطلقَ الذي بُنيت عليه أحكام الدين الإسلامي، مصداقاً لقوله النبي محمد: "إنما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق". ويُعدّ الإحسان أحد العناصر الأساسية لهذه النظرة الأخلاقية للدين، وهو ما يتعارض بطبيعة الحال مع كل ما هو قبيح أو ظالم لأي من البشر. لذا فالآية تأمر بالعدل والإحسان من ناحية، وتنهى عن المنكر والبغي من ناحية أخرى، وهو ما ينبغي علينا أن نتلمسه ونحاول الامتثال له في واقعنا المعاصر. فالآية تأمر المسلمين جميعاً بإقامة العدل، وهو ما قد يختلف من وقت إلى آخر، ومن سياق إلى سياق، فبينما كانت العبودية مقبولةً في ما مضى، فإنها اليوم تُعدّ ظلماً بيّناً لا يخفى على أحد، ومن هنا، على المسلمين دوماً التفكير في العدل والإحسان بشكل متجدد يتماشى مع الواقع المُعاش.
يحتاج الإحسان إلى ركيزة من العدل لتتجلى قيم الخير والجمال في حياة الأمم والمجتمعات، والتي وصلت إلى صيغة من المساواة والتعايش بين أفرادها، فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، ويجب أن يكون هذا منهج حياة وليس شعاراً، فلا يفرق المجتمع أو القانون بناءً على الجنس أو العرق أو أي شيء آخر.
مفهوم الإحسان في القرآن الكريم، لا ينبغي أن نفهمه فقط في الجزئيات التي ذكرها القرآن الكريم، بل علينا أن نأخذه كمنهج في الحياة يدعونا للتصرف بتيقّظ وضمير في مختلف المواقف والسياقات، وأن نربطه كذلك بمفهوم العدل، فقد جمع الله بينهما في الآية. ولكن لماذا؟
والتغيير المنشود هنا، ليس قانونياً فحسب، بل نحتاج إلى مساءلة قناعاتنا والاشتباك مع الموروثات الثقافية؛ هل هذه الموروثات صالحة في واقع أصبحت المرأة فيه جزءاً لا يتجزأ من قوة العمل، إذ باتت تضطلع فيه بالأعمال كافة، من أبسطها إلى أعقدها وصولاً إلى رئاسة الدولة؟ هل آن لنا أن نفهم أن الإسلام لم يكن يوماً دين التحجر والجمود، بل ذمّ الله في العديد من الآيات، من يركنون إلى معتقدات الآباء والأجداد من دون تفكير، وهو ما فعله الفقهاء على مرّ العصور.
نشأت شخصياً في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان الخوف هو المسيطر على الخطاب الديني، فامتلأت شرائط الكاسيت وقتذاك وحلقات الشيوخ، بالتهديد والوعيد والعذاب الشديد، لمن تُظهر شعرةً من رأسها، أو لمن يشاهد مشهداً في السينما أو التلفاز. أحمد الله اليوم أن أولادي جاءوا في جيل مختلف، خفتت فيه نغمة التكفير، وبدأ فيه الحديث عن التفكير وعن الاجتهاد، وعن أشياء كنا نظنها انتهت ولن تعود. آمل أن يمنّ الله علينا وتنطلق الأجيال القادمة من التفكير إلى التغيير.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نداء حرب -
منذ 23 ساعةإثبات هلال رمضان يختلف بين الدول والمذاهب الإسلامية، وغالبًا ما يعتمد على طرق متعددة مثل الرؤية...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعاول مرة اعرف ان المحل اغلق كنت اعمل به فترة الدراسة في الاجازات الصيفية اعوام 2000 و 2003 و كانت...
Frances Putter -
منذ أسبوعyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ اسبوعينأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ اسبوعينتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ اسبوعينغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...