شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
متنزّه فوق قرية فلسطينية مهجّرة… هكذا تمحو إسرائيل آثار التطهير العرقي

متنزّه فوق قرية فلسطينية مهجّرة… هكذا تمحو إسرائيل آثار التطهير العرقي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

A park over a Palestinian village: How Israel erases the traces of its ethnic cleansing

فوق أراضي قرية اللجون الفلسطينية التي هُجر أهلها عام النكبة، تسعى إسرائيل إلى إقامة متنزّه سياحي يطمس ما تبقى من معالم القرية ويُخفي آثار التطهير العرقي الذي ترتكبه، وكانت قد ارتكبته إسرائيل عام النكبة، بتهجير واحدة من 530 قرية فلسطينية طُرد أهلها ودمّرت كلياً أو جزئياً.

وسيخدم هذا المخطط، الذي تبادر إليه سلطة أراضي إسرائيل والمجالس الإقليمية التابعة لمستوطنة "مجيدو" ومستوطنات التي أقيمت فوق جزء من أراضي اللجون وقرى مهجرة أخرى مثل خبيزة والروحة، المجتمع الإسرائيلي الذي يعيش في هذه المستوطنات.

وسيمحو في طريقه ما تبقى من معالم تدلل على وجود القرية، كمسجدها وطاحونة القمح ومقبرتها وبعض جدران المنازل المهدّمة، والعلاقة التي بناها أهل اللجون مع قريتهم، والذين هُجروا عام النكبة إلى بلدات مجاورة، فأصبحوا لاجئين في وطنهم، يبعدون بضع كيلومترات عن أرضهم ولا يستطيعون العودة إليها.

قرية اللجون، و14 قرية فلسطينية مهجرة أخرى في منطقة الروحة جنوب جبال الكرمل، ستتحوّل، إن مرّ المخطط، إلى متنزه سوف يطمس معالم هذه القرى، كما طمست مخططات أخرى قرى سابقة.

ففوق المقبرة الجماعية في قرية الطنطورة أقيم موقف سيارات، وبيوت مهجري قرية عين حوض أصبحت استوديوهات للفنانين الإسرائيليين، وقرية صفورية شُجرت ولم تعد تبان معالمها الفلسطينية. 

قرية اللجون قبل تهجيرها عام 1948

قانون أملاك اللاجئين… أداة للسلب

"كانت اللجون قرية عامرة ومركزية، تربط بين شرق فلسطين وغربها عبر محطة باصاتها. لكن في عام النكبة هُجرت القرية وأفرغت تماماً من أهلها. وفي سبعينيات القرن الماضي، صودرت أراضيها كافةً، وفق قانون "أملاك الغائبين" وقانون مصادرة الأراضي لأغراض عامة"، يقول المحامي حسين أبو حسين لرصيف22.

ويتعامل قانون "أملاك الغائبين" المقرر عام 1950، مع كل من هُجّر أو نزح خارج حدود أراضي عام 1498، على أنّه "غائب". فيُسمح للدولة بالاستيلاء على أملاكه والتصرف بها.

لكن إسرائيل قامت خلال العقود اللاحقة بتأجير هذه الأراضي لمستوطنين يهود، ومن ثم بيعها للقطاع الإسرائيلي الخاص أو لجمعيات استيطانية أو لجهات حكومية.

ما يحدث هو سياسة ممنهجة لمحو الآثار المتبقية في القرية ومصادرة التاريخ. ومصادرة التاريخ أشد قسوة من مصادرة الأرض

كان هذا القانون، ولا يزال، أداة مركزية ترمي إلى إحباط عودة اللاجئين إلى وطنهم. وتثبيت الطابع القانوني للاستيلاء الدائم على أملاك اللاجئين.

ويوضح أبو حسين: "باستخدام هذا القانون، أقيمت مستوطنات عديدة على أراضي اللجون، كمستوطنة مجيدو التي أقيمت على آلاف الدونمات، بينما لا يتجاوز عدد سكانها المئات. ولتُكمل الدولة مشروعها الاستيطاني، أعدّت مؤخراً هذا المخطط المفصل لإقامة متنزّه على آلاف الدونمات الّتي تبقّت من أراضي قرية اللجون".

وقد بلغت مساحة أراضي القرية عام النكبة نحو 36 ألف دونم. وبلغ عدد سكانها حوالي 1300 نسمة تم تهجيرهم جميعاً، فيما يستقر معظمهم في بلدة أم الفحم المجاورة حتى يومنا هذا.

مستوطنة "مجيدو" التي أقيمت فوق أراضي قرية اللجون

علاقة حيّة مع قرية مهجّرة

ثمّة قرى فلسطينية مهجرة في الداخل حافظ أهلها، المنفيون داخل وطنهم، على علاقة حاضرة معها، متجسّدةً بالزيارة أو الأعراس أو المشاركة في المناسبات الوطنية، كقرية معلول قضاء الناصرة، وقريتي إقرث وبرعم في الجليل الأعلى، وقرية اللجون.

يحرص زياد محاميد (81 عاماً) على زيارة اللجون التي هُجر منها بتاريخ 30 أيار/ مايو 1948. يقصدها على نحو يومي، ويتجول في ربوعها.

"أحياناً أجد فيها أزواجاً شابة. أتسلل بينهم لأحدّثهم عن القرية كما أحدّث أحفادي. يهمني أن أفعل ذلك لأفنّد مقولة بن غوريون "الكبار يموتون والصغار ينسون".

"كنت أستقبل زواراً لأعرفهم بتاريخ القرية، وأقدم لهم القهوة بجانب آثار بيتي المدمّر. في كل مرة، أتخيل الفناء سليماً، كأن سوءاً لم يمسسه"، يقول زياد بحرقة.

ويعتبر أن تنفيذ المخطط سيعني أن الآثار المتبقية الشاهدة على ما حدث عام النكبة سوف تزول.

"ما يحصل يتعدّى كونه مصادرة لأرضنا. إنهم يصادرون مشاعرنا أيضاً. وإن كانوايريدونها فليأخذوها بالقوة. أما بالرضى، فذلك لن يحدث أبداً"، يضيف مؤكداً.

أما بالنسبة للناشط كرم جبارين (27 عاماً)، الذي يعتبر من الجيل الثالث للتهجير، فقد ارتبط بالقرية وواديها وينابيعها وأشجارها قبل أن يفهم معنى النكبة.

كنت أستقبل زواراً لأعرفهم بتاريخ القرية، وأقدم لهم القهوة بجانب آثار بيتي المدمّر. في كل مرة، أتخيل الفناء سليماً، كأن سوءاً لم يمسسه

"لقد تحوّل هذا الحب الفطري للمكان إلى نضال للحفاظ على الأرض، بعدنا فهمت معنى النكبة والتهجير والتشجير الذي تنفذه إسرائيل كي تمحو آثار الجريمة"، يقول كرم لرصيف22.

ويصف علاقة أهالي المنطقة بالقرية كأنها بيتهم الثاني. "يواجه هذا البيت التهويد على مستوى المسميّات أيضاً، فقد حوّلت السلطات الإسرائيلية اسم عين الحجة إلى "ناحل كيني"، يقول كرم.

ويتابع: "نحن نعمل على تعميق سردية اللجون المهجرة التي تُجسد مفهوم النكبة. نستقبل وفوداً أجنبية ونقدم لها هذه السردية. وفي ذلك رسالة واضحة لأصحاب المخطط. حتى بعد 76 عاماً، لا تزال القرية حيّة، ونحن امتداد لأجدادنا وسند لهم في معركة الهوية".

قرية الطنطورة قبل تهجيرها

شاطئ الطنطورة بعد إقامة المستوطنات على أرضها ويظهر البيت الفلسطيني الوحيد الذي ظل واقفاً بعد التهجير

هل تنجح مقاومة المخطط؟

تحاول جهات فلسطينية عديدة أن تتصدّى لهذا المخطط، كاللجنة الشعبية في أم الفحم ولجنة الدفاع عن أراضي الروحة ولاجئي قرية اللجون.

"منذ سبع سنوات وهم يحاولون تنفيذ المخطط والتواصل مع المجالس الفلسطينية للموافقة عليه. نحنُ نعترض كلياً على المساومة، إيماناً منا بحقنا في العودة"، يقول محمد مهنا، عضو لجنة المهجرين ولجنة تراث اللجون لرصيف22.

ويردف: "لقد قدّمنا التماساً قانونياً للجنة التنظيم، شرحنا فيه أحقيتنا التاريخية في الأرض. ومن المفترض أن تبت اللجنة في القضية حتى نهاية تموز/ يوليو 2024".

"نحن لا نعوّل على أي اعتراض قانوني أو سياسي، ونعلم مسبقاً ما ستكون نتائج هذا التصدي"، يؤكد أبو حسين.

"في العادة، يتم تقديم الاعتراض على المخطط الهندسي وفق ادعاءات هندسية. لكن القانون الإنساني هو المبدأ الأساس في اعتراضنا. وما يحصل في اللجون هو مسّ بهذا الحق وبمشاعرنا"، يقول مضيفاً.

ويوضح أبو حسين أن ما يحصل فوق أراضي القرى التي هُجرت عام 1948 هو إحلال سكاني وثقافي للمكان، وأن هذه المخططات تُنفذ على نحو شبه يومي.

فثمة مخطط مشابه يرمي إلى مصادرة أراضي قرية البصّة المهجرة في الجليل الأعلى، وقد بدأ تنفيذه بعد هدم معالمه التاريخية.

"علينا خوض معركة سياسية ضد هذه المخططات، وحشد التفاف شعبي حولها من أجل إحقاق تصدّ ذي تأثير ملموس"، يقول أبو حسين.

يؤمن مهنا بالنضال الشعبي بعد أن شهد كيف ساهم بإيقاف مخطط الكهرباء فوق أراضي الروحة عام 2013، فقد تمكنت آنذاك اللجنة الشعبية للدفاع عن أراضي الروحة، بعد نضال استمر 7 سنوات، من إزاحة 80% من مسار خط الكهرباء الإسرائيلي عن أراضي الفلسطينيين.

"لا بد أن نصعّد من نضالنا الشعبي إذا لم تحكم لجنة التنظيم لصالحنا"، يؤكد مهنا.

ويضيف شارحاً: "كانت في اللجون حياة نابضة، أناس وحضارة. وما يحدث هو سياسة ممنهجة لمحو الآثار المتبقية في القرية ومصادرة التاريخ. ومصادرة التاريخ أشد قسوة من مصادرة الأرض. وسيُسجل التاريخ موقفنا الذي نشكّله اليوم".

يوضح مهنا بأن النضال الشعبي يتجسد الآن بتنظيم المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، وإقامة الصلوات على أرض القرية.

أما الناشط كرم جبارين فيقول إن مهندسين بدأوا فعلاً بمعاينة المكان. وتم قطع أشجار لبناء خط كهرباء.

"هذا المشروع أخطر مما يبدو لنا. والخطورة الحقيقية تكمن في أنه في حال تم البدء بتنفيذه، سيكون من الصعب إيقافه. النضال الحقيقي يجب أن يبدأ الآن"، يضيف.

صلاة الجمعة على أرض قرية اللجون المهجّرة، وتظهر أشجار الكينا التي غرستها إسرائيل بعد النكبة

بالطبيعة والفن تُخفي إسرائيل آثار الجريمة

ولعلّ استراتيجية إسرائيل في إخفاء القرى المهجرة في الداخل، حتى عن الناظر المار من سيارته، هي استراتيجية قديمة.

فتجسدت هذه الاستراتيجية من خلال ممارسات عدة أبرزها التشجير والتحريش، وهدم المعالم أو تحويلها إلى مواقع سياحية.

وقد بدأ الصندوق القومي اليهودي بحملات التشجير عام 1920، تحت إشراف إدارة الانتداب البريطاني، مستخدماً أنواع أشجار دخيلة على البيئة الشامية المحلية.

نرى سياسة التشجير جليّة في أرض اللجون التي زرعن بالكينا والسرو والصنوبر لتغيير معالم القرية وطمس هويتها.

وفي قرى أخرى، سيما تلك التي تحاذي مدناً كبيرة، تبني إسرائيل فوقها مستوطنات جديدة. واليوم، على أرض قرية لفتا المهجرة قضاء القدس، تعمل السلطات الإسرائيلية على بناء وحدات استيطانية ومُجمع تجاري ومتحف.

وفي حالات قليلة، نجد قرى ظلت قائمة كما تركها أهلها حين هُجرت، كما نرى في قرية عين حوض جنوب حيفا.

عام 1953، حوّلت إسرائيل القرية إلى قرية فنانين وأطلقت عليها اسم "عين هود". كما حوّلت مسجدها إلى مطعم وبار، وبيوتها إلى ستوديوهات للفنانين الإسرائيليين، ومعصرتها إلى جاليري.

ويعيش لاجئو قرية عين حوض الفلسطينيون اليوم على بعد بضع كيلومترات فقط من قريتهم المهجرة، وبإمكانهم من بعض البيوت الجديدة أن يُطلوا على بيوتهم وذكرياتهم التي هُجروا منها عام النكبة. 

قرية عين حوض خلال إقامة حدث فنّي إسرائيلي


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image