"أرواحكم تكمن في مقتنياتكم من الأشياء العادية، وإذا أراد أحد أن يتعرف على هذه الروح أو على شخصيتكم، فعليه أن ينظر إلى هذه الأشياء وليس إلى لوحة بورتريه تعرض ملامحكم الجميلة"؛ بهذا المبدأ كان يرسم الرسّام الإيراني فَرهاد مُشيري، الذي توفي عن عمر تاهز 61 عاماً، إثر نوبة قلبية في 17 تموز/يوليو الجاري.
عُرف مُشيري بأنه أغلى رسّام إيراني، كما عُرف بأنه أول فنان من الشرق الأوسط بيعت أعماله بأكثر من مليون دولار عام 2008، وتم إدراجه عام 2012 في قائمة أفضل 500 فنان في العالم.
فَرهاد مُشيري... من إيران إلى أمريكا فإيران
وُلد فَرهاد مُشيري، عام 1963، في ميدنة شيراز جنوب إيران. عند ولادته وفي أثناء طفولته، كان والده يمتلك عدداً من دور السينما في هذه المدينة، ولذلك أصبح مهتماً بالسينما ومحباً لها وللفن منذ صغره. هاجر فَرهاد عام 1979 (أي في العام الذي انتصرت فيه الثورة الإسلامية في إيران) إلى الولايات المتحدة، واستقر في ضواحي لوس أنجلوس.
عُرف مُشيري بأنه أغلى رسّام إيراني، كما عُرف بأنه أول فنان من الشرق الأوسط بيعت أعماله بأكثر من مليون دولار عام 2008، وتم إدراجه عام 2012 في قائمة أفضل 500 فنان في العالم
هناك أنهى تعليمه الابتدائي، ومن ثم درس في معهد كاليفورنيا للفنون في عام 1981، وبعد إقامته في الولايات المتحدة لمدة 12 عاماً، عاد إلى إيران وبدأ بالعمل في مجال إنتاج أفلام الرسوم المتحركة بالكمبيوتر وكتب الأطفال، وذلك بتكليف من قبل اليونيسف.
في عام 1999، رسم سلسلةً من اللوحات المستوحاة من الخُمس والجرار الفخارية التي رآها في شيراز، والتي عُرفت في ما بعد برسومات الجرار. كانت هذه الأعمال عبارةً عن لوحات بسيطة لجرار الطين على لوحات قماشية كبيرة مسطحة ذات خلفيات أحادية اللون، وكان ينقش على سطح الجرار المرسومة، كلمات أو عبارات بسيطةً مثل "الحب" أو "الماضي" (بالفارسية: عشق، گذشته)، كما كان يخطّ الحروف والأعداد الفارسية بالخطوط الفارسية، ولطالما كانت هذه الأعمال محط اهتمام عشاق الفن والنقّاد، وما زالت.
يمكن العثور على مثال آخر لاستخدام مشيري للرموز العالمية؛ على سبيل المثال: لوحة "السجادة الطائرة" (بالفارسية: قالى پرنده)، التي بيعت عام 2007، بسعر غير مسبوق في دار كريستي للمزادات، أو لوحته "الحديقة السرّية" (بالفارسية: باغ مخفى)، التي تم بيعها بمزاد في مدينة دبي، مقابل 987،750 دولاراً عام 2013.
وله لوحات مهمة أخرى، مثل اللوحة الثنائية "أنت فقط" (بالفارسية: فقط تو)، وهي عبارة عن لوحتين بمقاس متساوٍ مرسومة على كل واحدة منهما جرّة؛ رُسمت الأولى باللون الداكن ونُقشت عليها كلمة "فقط" باللون السود، وهي رمز للوحدة والحزن، والأخرى باللون الفاتح ومكتوب عليها "تو" (أي: أنت)، وهي رمز للحب والسعادة والصداقة. تم بيع لوحة "أنت فقط" في مزاد طهران في الثامن في كانون الثاني/يناير 2016.
أسلوب فريد
في بداية عمله، استلهم مشيري الفن الناشئ من الثقافة الاستهلاكية الأمريكية، مثل القصص المصورة والإعلانات وموسيقى البوب، لكنه مزجها في ما بعد بالرموز الإيرانية التقليدية؛ على سبيل المثال ذهب إلى الأواني الفخارية والجرار، التي كانت موجودةً بكثرة في مسقط رأسه مدينة شيراز، ومن هنا بدأ ببطء يختبر نوعاً من التحرر في الفنون البصرية ذات الألوان المنسكبة والمتقشرة مع العناصر التقليدية مثل الخط والحروف والتعبيرات الرومانسية التي كتبها على رسوماته، وهذه الكلمات والعبارات كانت تروي تاريخ إيران بطريقة فكاهية وانتقادية لثقافة الشارع الإيراني.
بجانب ذلك، كان استخدامه ودمجه للمواد الفاخرة، مثل الخرز واللؤلؤ وبلورات سواروفسكي باهظة الثمن مع الأشياء اليومية كالأواني الفخارية والسكاكين وما إلى ذلك، واستخدام العبارات الفكاهية والنقدية، وقدرته على الجمع بين فن البوب والفن الكيتش والفن المفاهيمي، مما ساعده في العثور على أسلوب فني فريد، فأعمال مشيري ليست جذابةً بصرياً فحسب، بل هي مثيرة للاهتمام فكرياً وتجعل المشاهدين يتعمقون في الفكر والخيال.
ذهب فَرهاد إلى أبعد من ذلك، إذ استخدم موضوعين متكررين في أعماله، هما زخارف "السكين" و"الحب"، وحاول وضع كل منهما أمام المشاهدين مرةً أخرى برمزية غنية وفق تفسيره الثقافي، إذ تُعدّ لوحة "الحب"، التي استخدم فیها كريستالات سواروفسكي باهظة الثمن والألوان البراقة أو المتلألئة على قماش أسود، من الأمثلة البارزة التي تضفي على الجمهور مشاعر فوريةً وحنيناً وأسئلةً عن الحب والعواطف الإنسانية.
بما أن أعمال فَرهاد مُشيري عبارة عن مزيج من العناصر التقليدية في فن وحياة الشعب الإيراني والتقنيات الحديثة الأكثر تأثراً بفن البوب، إلا أنه يُعرف في إيران بـ"رسام الجرار"، وهو لقب يشير إلى أعماله المستوحاة من الجرار الفخارية الإيرانية،
وتظهر السكين كعنصر مهم في أعماله، حيث يستخدمها كرمز للقوة والتهديد بطريقة فريدة ومثيرة، فالسكين بطبيعتها الرابحة أو القاتلة والخطرة، تجد في أعمال مشيري مظهراً وتأثيراً مختلفين ومخفيين، وذلك بسبب تأكيده على الفئات الملونة والمتنوعة في لوحاته، إذ تصبح هذه اللوحات مثالاً آخر على الازدواجية نفسها التي تتدفق دائماً في أعماله، وكأن المشاهد يشاهد زهرةً ملوّنةً ونضرةً، بينما شفرات السكاكين مغروسة بقسوة وحسم في قلب الإطار الملوّن هذا.
ومثل العديد من الفنانين المعاصرين الآخرين في إيران، تشكل المواجهة أو التعايش بين التقاليد والحداثة والازدواجية والتحول الذي يتجلى في جميع مجالات الحياة الإيرانية، الجزء الرئيسي من أعماله، ولكن ما يميز فرهاد مشيري، عن أقرانه، هي طريقته في التعبير، والتقنيات المختلفة التي استخدمها في إنشاء أعماله، من الخط والأرقام والصور إلى الفخار والأشياء المختلفة والعناصر الحديثة في سياق قائم على التباين والمعارضة، وربما لهذا السبب حظيت أعماله بشعبية كبيرة، وبيعت بأسعار باهظة في مزادات طهران، بل سرعان ما وجدت طريقها إلى أسواق ومزادات العالم.
وبما أن أعمال فَرهاد مُشيري عبارة عن مزيج من العناصر التقليدية في فن وحياة الشعب الإيراني والتقنيات الحديثة الأكثر تأثراً بفن البوب، إلا أنه يُعرف في إيران بـ"رسام الجرار"، وهو لقب يشير إلى أعماله المستوحاة من الجرار الفخارية الإيرانية، ولكن بعيداً عن ذلك فإبداع مشيري يتجاوز هذه الأعمال، حيث أن معظم أعماله تُعرض الآن في المتاحف المشهورة، مثل: متاحف نيويورك ولندن وروما وميونيخ وأوسلو وجنيف ودبي والشارقة، والعديد من المدن الأخرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.