شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
ماذا وراء الدعم والاستثمار الأوروبيين الكبيرين في مصر؟

ماذا وراء الدعم والاستثمار الأوروبيين الكبيرين في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والبيئة

الخميس 18 يوليو 202401:40 م

 في مؤتمر الاستثمار المنعقد في القاهرة في 29 حزيران/ يونيو الفائت، تواجدت رئيسة الاتحاد فون دير لاين، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بجانب ألف شخص من ممثلي الأعمال والحكومات من كلا الجانبين، بغية تحقيق أقصى استفادة من فرص تجارية محتملة، بعد توقيع الجانبين اتفاقية الشراكة الإستراتيجية والشاملة بينهما. "لقد مرّ 100 يوم فقط منذ أن فتحنا حقبةً جديدةً من الصداقة بين مصر والاتحاد الأوروبي. واليوم، نحن نجني الثمار بالفعل"، قالت دير لاين. وأضافت: "جلبنا بالفعل طاقةً جديدةً إلى شراكتنا... لذلك هي شراكة حقيقية مربحة للجانبين".

عُقد المؤتمر في "وقت شديد الدقة"، وفي ظل أزمات دولية وإقليمية متعاقبة تتطلب التنسيق بين الجانبين، ردّ السيسي، مضيفاً: "من المنتظر حشد استثمارات أوروبية تُقدَّر بنحو 5 مليارات يورو، بجانب ضمانات استثمار بقيمة 1.8 مليارات يورو للقطاع الخاص، بما يسهم في زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتمكين مجتمع الأعمال الأوروبي من الاستفادة من الإمكانات الاستثمارية المتاحة في مصر".

خلال المؤتمر، تم إبرام أكثر من 20 صفقةً بقيمة تزيد عن 40 مليار يورو، حسب الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي. ووقّع الجانبان مذكرة تفاهم على عملية مساعدة مالية كلية بقيمة مليار يورو، يمكن أن تتبعها عملية ثانية بقيمة 4 مليارات يورو، بمجرد اعتمادها من قبل البرلمان الأوروبي والمجلس.

فعاصمة القرار الأوروبي "في حاجة إلى مصر أكثر تماسكاً"، وسط أحداث المنطقة، قال المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، عمرو الشوبكي، لمونتي كارلو الدولية. لكن ما يميّز الاتفاق بينهما في ظل الأزمات المتلاحقة في المنطقة، والتي تطال تداعياتها أمن مصر واقتصادها المتدهور والمأزوم، أنه سيمكّن مصر من الدخول في شراكة اقتصادية ومشاريع تنموية، بدلاً من ضخ أموال على شكل منح أو قروض، وهذا أمر جيد لأنه يدفع نحو تطوير أدائها والاجتهاد أكثر.

دفعة سياسية لمصر

في آذار/ مارس الماضي، وقّع الاتحاد الأوروبي ومصر اتفاقية الشراكة الإستراتيجية والشاملة، التي شملت العلاقات السياسية، والاستقرار الاقتصاد الكلي، والاستثمار المستدام والتجارة، بما في ذلك الطاقة والأمن والهجرة... وأعلن التكتل، عبر موقعه الرسمي، اعترافه بمصر كشريك موثوق به، وبدورها الجيو-ستراتيجي الفريد والحيوي كركيزة للأمن والاعتدال والسلام في منطقة البحر المتوسط والشرق الأدنى وإفريقيا، وأعلان عن دعمه لأجندتها التنموية لعام 2030، ولاقتصادها الذي يعاني من ضغوط متزايدة على ميزان المدفوعات، بما يكمل تمويل صندوق النقد الدولي، ويسهم في تنفيذ سياسات اقتصادية تؤدي إلى إبراز المصداقية، وتعزيز الثقة، وإطلاق التدفقات الخاصة. 

 في مؤتمر الاستثمار المنعقد في القاهرة في  حزيران/ يونيو الفائت، تواجدت رئيسة الاتحاد فون دير لاين، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بجانب ألف شخص من ممثلي الأعمال والحكومات من كلا الجانبين، بغية تحقيق أقصى استفادة من فرص تجارية محتملة، بعد توقيع الجانبين اتفاقية الشراكة الإستراتيجية والشاملة بينهما

"هذه الاتفاقية، اعتراف بالدور الرئيسي لمصر في الأمن والاستقرار الإقليميين"، قالت الباحثة الاقتصادية لدى الاتحاد الدولي للمؤرخين, سارة هشام حسن، لرصيف22. فعملية "حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما تلاها من حرب إسرائيلية على غزّة، في جوار اندلاع الصراع في السودان، وغيرهما من أزمات المنطقة، نبّهت بروكسل إلى أهمية مصر الإستراتيجية، كركيزة لاستقرار الشرق الأوسط بأكمله".

تضيف حسن: "سياسياً، هذه الشراكة ستمكّن القاهرة من الوفاء بدورها الرئيسي في توفير استقرار المنطقة. وتشير اقتصادياً إلى نظرة إيجابية من عاصمة القرار الأوروبي إلى فرص الاستثمار في مصر، وهي سوق محلي بقرابة 110 ملايين مستهلك مع عمالة ماهرة، وموقع إستراتيجي مجاور للأسواق الإفريقية والعربية، يرتبط معها ومع السوق الأمريكية الجنوبية باتفاقيات تجارة حرة، ما يجعله وجهة استثمارية مهمة، تتيح للمستثمرين الأوروبيين الوصول إلى سوق تضم قرابة ملياري شخص.

وتتميز هذه الشراكة، حسب موقع "مدى مصر"، بتوقيع اتفاقية المساعدة المالية الكلية (MFA)، التي تغطّي 5 مليارات يورو من إجمالي الصفقة البالغة 7.4 مليارات يورو. فيما يتم توزيع 1.8 مليارات يورو أخرى في شكل استثمارات، و600 مليون يورو كمنح. وخلال المفاوضات، أرادت بروكسل تقديم مساعدة برنامجية. رفضت القاهرة ذلك، وتمسكت باتفاق يمنحها سيطرةً ماليةً وسياسيةً على سلاسل المحفظة. ونتيجةً لحاجتها إلى دعم استقرار مصر المحاطة بمناطق صراع، بالإضافة إلى رغبتها في معالجة الهجرة غير الشرعية، عبر الاستعانة بمصادر خارجية لمراقبة الحدود، تراجعت بروكسل عن شرط المساعدة البرنامجية.

هدف مساعدات الاتحاد الأوروبي أو استثماراته البالغة ثمانية مليارات دولار، مساعدة القاهرة في الحفاظ على استقرار مصر، بعد الذي جلبته إليها أزمات الجوار من مضاعفات لأزماتها الاقتصادية، حسب ماركو مسعد، وهو باحث في العلاقات الدولية في مركز الشرق للسياسات ومقره واشنطن. فحرب غزّة أثّرت سلباً على اقتصاد مصر، ومردودات السياحة وقناة السويس انخفضت مع ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه. بالإضافة إلى ذلك، تسعى بروكسل إلى إيقاف تدفق الهجرة غير الشرعية إلى الأراضي الأوروبية، بمساعدة مصر في تأمين حدودها الغربية مع ليبيا.  

في المقابل، ترى مصر في هذه المبالغ، في هذا الوقت، سواء أكانت عبر قروض أو استثمارات أو منح، بالإضافة إلى مبلغ القرض المصري من صندوق النقد الدولي، أمراً مهماً جداً للاقتصاد القومي، نظراً إلى حاجتها إلى تأمين النقد الأجنبي ومحاولة السيطرة على السوق السوداء لأسعار الصرف. وكل ذلك يطرح سؤال المليون دولار، يقول مسعد لرصيف22، فهل ستنجح مصر في تجاوز أزمتها الاقتصادية، عبر التوظيف الرشيد لهذه المبالغ؟ 

تم إبرام صفقات تزيد عن 40 مليار يورو، ووقّع الجانبان مذكرة تفاهم على مساعدة بقيمة مليار يورو، يمكن أن تتبعها عملية ثانية بقيمة 4 مليارات بمجرد اعتمادها من قبل البرلمان الأوروبي والمجلس. 

العواصم الأوروبية وجدت ضالتها في الدفع بحِزم تمويل واستثمارات لتخفيف قلقها الدائم من خطورة عدم الاستقرار في مصر، حسب BBC. إذ يستشهد التقرير بتصريح وزير الهجرة اليوناني، ديميتريس كيريديس، لصحيفة الغارديان: "قلت لزملائي، إننا بحاجة إلى دعم مصر التي كانت مفيدةً جداً في إدارة الهجرة ومهمةً جداً لاستقرار شمال إفريقيا والشرق الأوسط الأوسع". لذا، تضمنت اتفاقات الشراكة "قروضاً بقيمة 200 مليون يورو لدعم برامج تعالج قضايا الهجرة"، قال مسؤول أوروبي لفرانس برس. وأضاف: "موقع مصر مهم وسط جيرة صعبة بين ليبيا والسودان وقطاع غزّة". إلا أن حرب غزة "لن تكون محور التركيز الرئيسي لكنها ستكون جزءاً من النقاش".

وعليه، تأتي الاتفاقية المقرر تنفيذها بين عامي 2024-2027، كدفعة سياسية كبيرة لمصر، حسب "مدى مصر"، في ظل ظروف اقتصادية مصرية حرجة، وصل خلالها الدين المصري العام إلى نسبة 96% من الناتج المحلي، مع نسبة تضخم بلغت 33.8% عام 2023، بالإضافة إلى قرض بقيمة 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي وصفقة استثمارية بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات العربية، في ما يُعرف بمشروع "رأس الحكمة" في الساحل الشمالي الغربي المصري.

يقول هاني عادل، وهو خبير مصرفي مصري، لرصيف22: "لا شك أن أوروبا بمختلف مؤسساتها واقتصاداتها وسياستها، تعلي مصالحها الاقتصادية والسياسية على الاعتبارات الأخرى، وعليه جاء الدعم الأوروبي لمصر مؤخراً مدفوعاً بمصالح أوروبا المترابطة بشكل أساسي مع استقرار مصر سياسياً واقتصادياً، بالنظر إلى دور الأخيرة الإقليمي وموقعها الجغرافي ومدى أهميتها إقليمياً وعالمياً. فمصر بوابة أمان واستقرار أوروبا من ناحية الجنوب، لذا، فإن الحفاظ على استقرارها سياسياً واقتصادياً، سينعكس بالتأكيد على دول أوروبا، لا سيما تلك المتعلقة باللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين.

ويضيف عادل، تحمّلت مصر مواجهة الموجات الإرهابية المتعاقبة خلال السنوات الماضية، وتقوم حالياً باستيعاب أزمات دول الجوار واستضافة مواطنيها، برغم ما تعانيه من أزمات اقتصادية. وهو ما ينعكس إيجاباً على دول أوروبا، التي تتهرب من استقبال ملايين اللاجئين الذين استضافتهم مصر. هذا فضلاً عن إحكام القبضة الأمنية على الحدود المصرية، ما يوفر الحماية والأمان لحدود أوروبا الجنوبية. وعليه، جاءت حزمة الدعم الأوروبي الأخيرة لمصر تقديراً ودعماً لما تقدّمه في ملف اللاجئين والهجرة غير الشرعية، وفي الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمات اقتصادية محلية وعالمية أثّرت سلباً على اقتصادها. ومع ذلك، فإن تلك المساعدات والاستثمارات الأوروبية لا تمثل إلا تعويضاً محدوداً عما تتحمله مصر.

خطوة نادرة

الهدف العام هو الاستثمار في استقرار مصر، الذي زادت أولويته مع استمرار حروب غزة والسودان وهشاشة الوضع الليبي، قال مصدران دبلوماسيان أوروبيان لـ"مدى مصر"، لا سيما في ما يخص قناة السويس. وأضاف أحدهما متابعاً" "مع ذلك فإن حزمة المساعدات لا علاقة لها بتوطين الفلسطينيين الفارّين من غزة، لأن الاتحاد الأوروبي يقف بقوة ضد تهجير الفلسطينيين".  

يرى بعض المحللين أن الدور الذي اضطلعت به مصر انعكس إيجاباً على القارة الأوروبية، التي تتهرب من استقبال ملايين اللاجئين الذين استضافتهم مصر. فضلاً عن إحكام القبضة الأمنية على الحدود المصرية، ما يوفر الحماية والأمان لحدود أوروبا الجنوبية

من جانبه، يرى مركز شاف، أن تنظيم القاهرة لمؤتمر الاستثمار في ظل التطورات الإقليمية والعالمية يبعث رسائل عدة، أهمها دعم القاهرة ومساندتها السياسية للمستثمرين المصريين وسط التحديات الجيو-سياسية، لتعزيز ثقتهم وتشجيعهم على زيادة الاستثمارات، مع الإشارة إلى مصر كبلد أمن واستقرار، ما يزيد من جاذبيتها للاستثمارات. وينوّه المركز بتزايد الإدراك الأوروبي لأهمية تعزيز ودعم الاقتصاد المصري، مع الدعم المالي، بإعلان الاتحاد عن حزمة المساعدات المالية لمصر، لدعم اقتصادها في مواجهة الآثار السلبية لحرب غزة وتداعياتها، وتقليل الاعتماد على الغاز الروسي.

أبرزت الحرب في غزة الدور الحيوي الذي تلعبه مصر كوسيط في المنطقة، حسب عبد الله الحايك، وهو مساعد باحث في "برنامج الدراسات العسكرية والأمنية" في معهد واشنطن. "فقيادة مصر وساطةً لتهدئة الأوضاع، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة، جعلتها شريكاً إستراتيجياً مهماً للاتحاد الأوروبي. والوساطة المصرية ساعدت في فتح قنوات الحوار وتخفيف التوترات، ما ساهم في تعزيز الاستقرار النسبي في المنطقة".

يضيف الحايك لرصيف22: "منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزّة، والتي كانت محوراً مهماً للنقاشات السياسية والإستراتيجية في الآونة الأخيرة، تعززت الشراكة بين بروكسل والقاهرة بشكل كبير. وفي آذار/ مارس الماضي أعلنت عاصمة القرار الأوروبي عن حزمة دعم مالي واستثماري ضخمة لمصر، التي تواجه تحديات اقتصاديةً كبيرةً نتيجة الأحداث الإقليمية، لا سيما انخفاض إيرادات قناة السويس بسبب أنشطة الحوثيين في تعطيل الشحن البحري الدولي. ويشمل هذا الدعم أيضاً تعزيز التعاون في مجالات الهجرة وإدارة الأزمات الإنسانية، ما يسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في مصر".

ستلجأ بروكسل، وفي خطوة نادرة، حسب euro news، إلى تخطّي الموافقة البرلمانية اللازمة لإرسال الجزء الأول من الدعم المالي للقاهرة، عبر استخدام المادة 213 من قانون التكتل، والتي تجيز إرسال مساعدات مالية بموافقة جميع الدول الأعضاء الـ27 من دون موافقة البرلمان. بجانب ذلك، ستتخطى بروكسل متطلبات تقييم الأثر على إرسال تلك الأموال. وبحسب دير لاين، سيكون البرلمان الأوروبي الجديد الذي سيشكَّل بعد الانتخابات "منخرطاً بشكل كامل" في اتفاقات التمويل المتبقية البالغة 4 مليارات يورو، والتي سيتم صرفها عندما توافق القاهرة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية "أكثر شمولاً".

الاستثمارات الأوروبية في مصر قد تسهم في تخفيف الانتكاسات الأخيرة للاقتصاد المصري، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام ومستقر على المدى الطويل، حسب الباحثة حسن. فـ"جذب الاستثمارات الأوروبية يتطلب تحسين مناخ الأعمال، ما يحفز الحكومة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية بهدف تحسين البيئة الاستثمارية، مع تطوير قوانين وسياسات اقتصادية لجعل السوق المصري أكثر جاذبيةً. كذلك قد يسهم التعاون مع الشركات الأوروبية في وصول المنتجات المصرية إلى الأسواق الأوروبية، ما يزيد من صادرات مصر. إلى جانب ما تقدّمه زيادة هذه الاستثمارات من فوائد تنويع مصادر التمويل وتخفيف الاعتماد على القروض الأجنبية، مع تقليل الحاجة إلى الاقتراض الخارجي، مما يخفف من عبء الديون على الاقتصاد المصري".

دعم مالي أو شراكة إستراتيجية؟

ووفقاً للحايك، "تعكس هذه الخطوات التزام بروكسل بدعم مصر في مواجهة التحديات الاقتصادية الناتجة عن الأوضاع الإقليمية الملتهبة، وتعزيز دورها كركيزة للاستقرار في المنطقة. فبالإضافة إلى الدعم المالي، هناك جهود مستمرة لتعزيز الاستثمارات الأوروبية في مصر، يسعى الاتحاد الأوروبي من خلالها إلى تعزيز التعاون الاقتصادي عبر مشروعات مشتركة تركّز على البنية التحتية والتنمية المستدامة. وهي استثمارات تهدف إلى خلق فرص عمل جديدة وتعزيز النمو الاقتصادي، مما يسهم في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين المصريين". 

وعليه، فإن الاستقرار الاقتصادي في مصر يُعدّ عاملاً حاسماً لتحقيق الاستقرار الإقليمي. والدعم الأوروبي لمصر ليس مجرد دعم مالي، بل هو شراكة إستراتيجية بهدف تعزيز الاستقرار والنمو في المنطقة ككل. ومن خلالها، ترنو بروكسل إلى تحقيق رؤية مشتركة للسلام والتنمية المستدامة في الشرق الأوسط، عبر دعم الجهود المصرية في مختلف المجالات.

وناقش تقرير لمركز مالكوم كير-كارنيغي، انتكاسات مصر وتونس ولبنان الاقتصادية، يفيد بأن مساهمة برامج صندوق النقد الدولي لم تؤدِ إلى ارتفاع معدل النمو الاقتصادي، نظراً إلى تطلبه تجاوز برامج الحلول قصيرة الأمد، حيث تتوجب بلورة إستراتيجيات وطنية ذات مصداقية، لا تقتصر على التدابير التقشّفية وخفض النفقات، بالإضافة إلى تحسين حشد الموارد وتعزيز قدرات الدولة المالية وبثّ الروح الدينامية في القطاع الخاص، والذي ترى الأنظمة الحاكمة باستقلاله الذاتي تهديداً لسلطتها، برغم أنه محرّك نمو قوي. وهنا ينبّه المركز إلى تراجع حجم الاستثمارات الخاصة بين عامي 2012 و2022، إلى مستويات متدنّية تاريخياً، حيث تراجعت في مصر من قرابة 20% من إجمالي الناتج المحلي إلى ما دون 5%. 

تأتي الاتفاقية المقرر تنفيذها بين عامي 2024-2027، كدفعة سياسية كبيرة لمص، في ظل ظروف اقتصادية مصرية حرجة، وصل خلالها الدين المصري العام إلى نسبة 96% من الناتج المحلي. 

وتعود أسباب ذلك بتقدير المركز، إلى مزاحمة الحاجات المالية الكبيرة للتمويل الخاص، وصعود القوة الاحتكارية، مع مستويات مرتفعة من المخاطر السياسية. فنتيجةً لغياب البيئات الملائمة، تحرص الشركات إما على الابتعاد عن الدولة، أو القرب الشديد منها قدر المستطاع، مع غياب شركات متوسطة الحجم، يعوّل عليها، نتيجة تنافس غير متكافئ بين شركات صغيرة غير رسمية وبعض الشركات المهيمنة التي تتمتّع بامتيازات، كتلك التي تتحالف مع المؤسسة العسكرية التي تنامى نفوذها الاقتصادي مع صعودها السياسي في مصر.

وحسب دراسة مجلة رؤية تركية المحكمة في الشؤون التركية والدولية، يسيطر الجيش المصري بشكل مباشر أو غير مباشر على القطاعات الإستراتيجية لاقتصاد مصر. وهناك عجز تجاري يتفاقم سنوياً، إذ تتراوح الواردات بين 90 و100 مليار دولار، مقابل 45 إلى 50 مليار دولار من الصادرات. وخلال السنوات العشر الأخيرة، تجاوز دين مصر الخارجي 166 مليار دولار. ومع احتياطي حالي يقارب 35 مليار دولار، ستواجه القاهرة هذا العام جدول سداد ديون قدره 30 مليار دولار. كما اشترط صندوق النقد الدولي في مفاوضاته مع مصر، خفض قيمة عملتها المحلية أمام الدولار، وبيع بعض الاستثمارات والمشروعات المهمة في البلاد للأجانب، مع انسحاب الجيش تدريجياً من الاقتصاد.

بالإضافة إلى أزمة الاقتصاد، تواجه مصر مخاطر جيو-سياسيةً مهمةً للغاية، كاستمرار الحرب في غزّة، والتي اقترنت بخطة إسرائيلية لتهجير سكانها إلى سيناء، ما يشكل تهديداً للأمن القومي المصري، مع تهديدات أخرى قادمة من الحرب الأهلية السودانية، وعدم استقرار النظام في ليبيا، وبناء إثيوبيا لسد النهضة على نهر النيل، ما يشكل تهديداً لأمن مصر المائي.

مع ذلك، ليس أمام مصر، حكومةً وشعباً، إلا النجاح وعبور الأزمة الاقتصادية الحالية، حسب مسعد، الذي يشير إلى أن "إمكانية الفشل سؤال غير مطروح محلياً أو إقليمياً أو دولياً، فأزمة اقتصادية حادة قد تسبب اضطرابات في بلد يضم 110 ملايين نسمة، لن تنحصر تداعياتها في مصر فحسب، بل ستكون كارثيةً على دول الإقليم والاتحاد الأوروبي والعالم". 


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

البيئة هي كل ما حولنا، وهي، للأسف، تتغير اليوم باستمرار، وفي كثير من الأحيان نحو الأسوأ، وهنا يأتي دورنا كصحافيين: لرفع الوعي بما يحدث في العالم من تغييرات بيئية ومناخية وبآثار تلك التغييرات علينا، وتبسيط المفاهيم البيئية كي يكون الجميع قادرين على فهمها ومعرفة ما يدور حولهم، وأيضاً للتأكيد على الدور الذي يمكن للجميع القيام به لتحسين الكثير من الأمور في حياتنا اليومية.

Website by WhiteBeard
Popup Image