شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
في ذكرى ثورة 1958... ما هي التشابهات الغامضة بين عبد الكريم قاسم والسوداني؟

في ذكرى ثورة 1958... ما هي التشابهات الغامضة بين عبد الكريم قاسم والسوداني؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الأحد 14 يوليو 202411:59 ص

تحل الذكرى السنوية لثورة 14 تموز/ يوليو عام 1958، وتأسيس الجمهورية العراقية، وتُستعاد مع ذكراها قصص وسرديات كثيرة تحوم حول شخصية مُطلقها، أول رئيس وزراء للجمهورية الجديدة، عبد الكريم قاسم.

تمكّن عبد الكريم قاسم، برفقة حلفائه في تنظيم "الضباط الأحرار" العراقي، من إسقاط الحكم الملكي، واستبداله بالنظام الجمهوري. وبرغم أن حكمه لم يستمر سوى لمدة قصيرة، ولكن البلاد مرّت خلاله بالكثير من الأحداث، حيث أقصى حلفاءه من دفة الحكم، قبل أن يتمكّن هؤلاء لاحقاً من الانقلاب عليه وقتله في ثورة 8 شباط/ فبراير عام 1963.

ومع مرور هذه الذكرى السنوية، لا بد من المقارنة بين عهد الجمهورية الأولى، وعهد العراق الجديد ما بعد عام 2003، بسبب التشابه الكبير الذي يجمعهما.

من هو عبد الكريم قاسم؟

وُلد عبد الكريم قاسم، في عام 1914، في محلة المهدية الواقعة بجانب الرصافة في بغداد، واتسمت سيرته بالغموض، حيث اختلف الباحثون في نسبه، إذ يُرجعه بعضهم إلى عائلة البكر، نسبةً إلى جدّه محمد البكر، فيما يعتقد آخرون أنه حمل لقب الفضلي، نسبةً إلى منطقة الفضل في بغداد، وهي جزء من محلة المهدية التي وُلد فيها. 

ضابط السافاك السابق في عهد إيران الشاهنشاهية، عيسى بيزمان، زاد الخلاف على هذا الجانب، إذ أرجع أصله إلى الكرد الفيلية، حيث يسرد في كتابه "أسرار معاهدة الجزائر 1975... من الملفات السرّية للغاية للسافاك"، ما دار خلال لقائه بعبد الكريم قاسم، مبعوثاً من شاه إيران وقتها، محمد رضا بهلوي، لوقف الهجوم الذي كانت تشنّه بعض الصحف العراقية ضد الأخير، بسبب قربه من بريطانيا، حيث أجابه قاسم بقوله: "لا أرى سبباً يمنع وجود علاقة طيبة، ولكن هناك ضرورةً لحل الأزمات الداخلية قبل الخارجية"، وأكد في حديثه أنه "شخصياً يحبّ إيران والشعب الإيراني لأن أباه من الكرد الفيليين وكذلك أمّه". 

كان رئيس الوزراء في العهد الملكي، نوري السعيد، يُطلق على عبد الكريم قاسم لقب "كرّومي" تحبّباً، وقد تسبب هذا القرب من تخوّف تنظيم "الضباط الأحرار" في عام 1956 من ضمّه، ولكنهم وافقوا بعدما أيقنوا استياءه من الحكم الملكي

ولكن المؤرخ الفلسطيني حنا بطاطو، المعروف بقربه من عبد الكريم قاسم، أرجع نسبه إلى قبيلة زبيد العربية في الجزء الثالث من كتابه "العراق"، ولكنه يتفق مع بيزمان، إذ يُرجع أصول أمّه، كيفية حسن، إلى الكُرد الفيلية، وينفي بذلك أصولها التي ترجع إلى قبيلة تميم العربية.

عسر العيش، دفع أباه للانتقال من بغداد إلى قضاء الصويرة في محافظة واسط، ولكن عبد الكريم قاسم عاد إلى بغداد لإنهاء دراسته الابتدائية والثانوية فيها، ثم عُيّن معلّماً في قضاء الشامية التابع لمحافظة الديوانية جنوب البلاد، حتى عام 1932 تاريخ دخوله دخوله السلك العسكري.

في عام 1934، تخرّج قاسم من الكلية العسكرية برتبة ملازم ثانٍ، ثم درس في مدرسة الأركان، وتخرّج منها في عام 1941، برتبة رئيس "نقيب ركن".

شارك قاسم في حرب فلسطين عام 1948، وخاض ضد القوات البريطانية والإسرائيلية المحتلة معارك عدة في مدينة كفر قاسم، حيث مقرّ قيادته، وسُمّي أحد شوارع المدينة باسمه تكريماً له حتى اليوم.

أُرسل إلى دورة التعبئة العسكرية لمدة شهرين في أكاديمية ساندهيرست البريطانية في عام 1950، واستمر في تدرجه العسكري، وصولاً إلى نيله رتبة زعيم "عميد ركن".

ما بين نوري السعيد وحركة "الضباط الأحرار"

تشكلت حركة "الضباط الأحرار" العراقية في عام 1954، كرديف لتلك الحركة التي قادت الانقلاب المصري على السلطة الملكية. وبرغم قُرب قاسم من رئيس الوزراء في العهد الملكي، نوري السعيد، إذ كان يُطلق عليه الأخير اسم "كرومي" تحبّباً، إلا أنه انضمّ إلى تنظيم "الضباط الأحرار" في عام 1956.

الكاتب جمال مصطفى مردان، يقول في كتابه "عبد الكريم قاسم... البداية والسقوط"، "إن الضباط الأحرار تخوفوا في البداية من ضمّه بسبب قربه من نوري السعيد، ولكنهم أيقنوا لاحقاً استياءه من الحكم الملكي، وأيّدوا دعوته للانضمام إليهم، وقد وافق بدوره على هذه الدعوة، وانتُخب رئيساً للحركة في عام 1957، وبرغم الميول القومية التي تبناها التنظيم، إلا أن عبد الكريم قاسم لم يشاركهم ميولهم، بقدر تأييده تأسيس اتحاد فيدرالي وطني".

الطريق نحو التفرد

في صبيحة 14 تموز/ يوليو عام 1958، بدأت الثورة بقيادة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، وتمكّنا من أخذ السلطة وإعلان الجمهورية، بعد قتل العائلة المالكة في مجزرة لا تزال راسخةً في أذهان العراقيين.

اختير قاسم لرئاسة الوزراء، وأقصى منذ شهره الأول في الحكم، العديد من رفاقه في تنظيم "الضباط الأحرار" عن السلطة، ومنهم شريكه في إشعال الثورة، عبد السلام عارف. 

في صبيحة تموز/ يوليو 1958، بدأت الثورة بقيادة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، وتمكّنا من أخذ السلطة وإعلان الجمهورية، بعد قتل العائلة المالكة في مجزرة لا تزال راسخةً في أذهان العراقيين 

أثارت هذه التحركات نقمة القوميين ضده، فردّ عليهم بالتقرب من الحزب الشيوعي العراقي، وقد رغب عبر هذه العلاقة من الاستفادة من القاعدة الشعبية المتنامية للحزب في بغداد، ودرء مخاطر القوميين ضده، واستغل الشيوعيون قربهم من قاسم فزجّوا بأتباعهم داخل مفاصل الدولة، وبسبب افتقار قاسم إلى الدهاء السياسي وإلى مشروع سياسي واضح في آن واحد، قُيّد بتوجهات الحزب وسياسته، بحسب الباحث التاريخي عماد الجبوري. 

أوجه عديدة تجمع بين الأمس واليوم، إذ تولى رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، منصبه بدعم من قوى الإطار التنسيقي، وتعهّد لها بالالتزام بمشاريعها ورؤاها كافة، وصولاً إلى تعاونه معها من أجل تفردها بالحكم.

كان الإطار التنسيقي قد خاض مفاوضات كثيرةً من أجل نيل ثقة بقية القوى السياسية، انتهت بإعلان تشكيل الحكومة الجديدة، ولكنه سرعان ما انقلب عليها، وسيطر على المفاصل الأمنية الرسمية كافة في البلاد، وصولاً إلى رئاسة مجلس النواب المخصصة للمكوّن السُنّي، بالإضافة إلى إبعاد بقية المكونات الشيعية والمستقلة عن المشاركة، ثم فرض سيطرته على مجالس المحافظات.

ومثال على ذلك ما شهدته محافظة الموصل في مطلع تموز/ يوليو الحالي، حيث أصدر تحالف "نينوى المستقبل" التابع لقوى الإطار التنسيقي، قراراً بإعفاء العديد من مسؤولي الوحدات الإدارية في المحافظة، واستبدالهم بشخصيات مقربة منه، وبسبب ذلك علّق كلّ من تحالفَي نينوى الموحدة والحزب الديمقراطي الكردستاني، عضويته في مجلس المحافظة اعتراضاً على هذا القرار.

من المقاومة الشعبية إلى الحشد الشعبي

أسس قاسم ميليشيات المقاومة الشعبية، في 1 آب/ أغسطس 1958، من أجل حماية الجمهورية الجديدة، وهي ميليشيات مسلحة مرتبطة بوزارة الدفاع، وصل عدد أعضائها خلال شهر واحد، إلى أكثر من 11 ألف شاب وشابة بحسب كتاب "العراق" لحنا بطاطو.

لم تكن هذه المقاومة تحت إمرة وزارة الدفاع بقدر ما كان الحزب الشيوعي مسيطراً عليها. يقول ليث عبد الحسن الزبيدي، في كتابه "ثورة 14 تموز 1958": "بسبب تمرّس الحزب الشيوعي على العمل السرّي لسنوات طويلة، فقد تمكّن خلال فترة قصيرة من الهيمنة على هذه المقاومة بالإضافة إلى لجان صيانة الجمهورية، حتى أصبحتا جزءاً من تنظيمات الحزب". 

أسس قاسم ميليشيات المقاومة الشعبية، من أجل حماية الجمهورية الجديدة، وهي ميليشيات مسلحة مرتبطة بوزارة الدفاع، وصل عدد أعضائها خلال شهر واحد، إلى أكثر من 11 ألف شاب وشابة، أما في العصر الحالي، فقد قامت الحكومة العراقية بدمج قوات الحشد الشعبي ضمن المؤسسة الأمنية، وربطتها برئاسة الوزراء مباشرةً

أما في العصر الحالي، فقد قامت الحكومة العراقية بدمج قوات الحشد الشعبي ضمن المؤسسة الأمنية، وربطتها برئاسة الوزراء مباشرةً.

تأسس الحشد الشعبي في 15 حزيران/ يونيو عام 2014، بدعوة من المرجع الديني الأعلى في النجف، علي السيستاني، ردّاً على احتلال داعش لبعض محافظات العراق، وشاركت قواته في تحرير بعض المناطق التي احتلها الأخير.

وبرغم ارتباط الحشد الشعبي برئاسة الوزراء، إلا أنه مستقل في قرارته وتوجهاته بحسب توجه عناصره الحزبي والسياسي.

وكما وُجّهت أصابع الاتهام نحو الحرس الشعبي، في التورط في المجازر التي طالت مدينتي الموصل وكركوك في عام 1959، تشير أصابع الاتهام اليوم إلى تورط قوات الحشد الشعبي في مجازر مشابهة في المناطق المحررة. 

سياسياً، قلل عبد الكريم قاسم من تواصله مع الحزب الشيوعي على إثر هذه الحوادث، ورفض تجديد إجازة الحزب في مطلع عام 1960، كما أمر بإغلاق جريدته "اتحاد الشعب"، في آذار/ مارس عام 1960، وحكم على رئيس تحريرها عبد القادر البستاني، بالسجن لمدة ثلاث سنوات.

وأتى قرار قاسم بتحجيم نفوذ الحزب، برغم إدراكه عدم تورط قيادته في هذه العمليات، حيث يقول الكاتب أوريل دان، في كتابه "العراق في عهد قاسم": "لقد أظهر الشيوعيون قسوةً مجنونةً ولا سيما الجنود الكرد الذين اعتراهم هياج صعب ضبطه، ولكني لا أعتقد أن القيادة الشيوعية في بغداد أمرت بذلك"، وأيّد عبد الفتاح البوتاني، هذا الأمر في كتابه "العراق... دراسة في التطورات السياسية الداخلية من 14 تموز 1958 – 8 شباط 1963"، وكذلك جرجيس فتح الله، في كتابه "العراق في عهد قاسم... آراء وخواطر".

أما الحكومة الحالية وسابقاتها في فترة ما بعد 2003، فقد أبدت عجزاً في التعاطي مع الاتهامات التي وُجّهت إلى الحشد الشعبي، ولم تخرج لجانها التحقيقية بأي نتائج عن تلك المجازر التي طالت مدينتي الصقلاوية والفلوجة وغيرهما في أثناء عمليات تحريرها من التنظيم الإرهابي.

ويرجع سبب عجز الدولة إلى زيادة قوة الحشد الشعبي، حيث يشير أستاذ العلوم السياسية المتقاعد، سلام العزاوي، إلى أن أعداد منتسبي الحشد غير مبررة وسريعة في الوقت نفسه، ولا سيما الزيادة التي شهدتها صفوف تلك القوى المقربة من حكومة السوداني، وهي زيادة تُحسب لصالح تغوّله في الأجهزة الأمنية التابعة للدولة على حساب بقية المفاصل الأمنية، وزادت بذلك رصيدها وقدرتها على تهديد الحكومة في حال التعارض بينهما. 

وُصفت مرحلة حكم قاسم للعراق بالغموض، بسبب أحداث الحرب الباردة وعجزه عن الموازنة بين المعسكرين، أما العزلة التي تعيشها الحكومة الحالية، فترجع إلى نفوذ الميليشيات وعجز الدولة عن ضبط الأمن.  

ولكنه يستدرك في تصريحه لرصيف22، بأن هذه القوات قد تساهم في الوقت نفسه بحماية الدولة ومكتسباتها، خاصةً في ظل الوضع الأمني المتوتر الذي يشهده العراق في الوقت الحالي.

وسبق أن هاجمت طائرات مسيّرة، منزل رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2021، بعد خلاف بينه وبين بعض الفصائل المسلحة المقربة من الحشد الشعبي.

نحو العزلة الدولية

وُصفت مرحلة حكم قاسم للعراق بالغموض، وبسبب أحداث الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، وعجزه عن الموازنة بينهما، وميل حكومته نحو المعسكر السوفياتي بتأثير من الحزب الشيوعي، فقدت حكومته بوصلة السياسة الخارجية وعاشت في عزلة عن العالم.

أما العزلة التي تعيشها الحكومة الحالية، فترجع إلى نفوذ الميليشيات وعجز الدولة عن ضبط الأمن، ويقول العزاوي في تصريحه لرصيف22: "قد يعتقد البعض أن هناك تواصلاً بين الحكومة الحالية وبقية دول العالم مثل الولايات المتحدة وغيرها، وهو تواصل يندرج غالباً في خانة الأطماع والرغبة في استثمار موارد البلاد، لا في خانة التبادل التجاري أو تبادل الخبرات، وتالياً فإن العراق يعيش عُزلةً سياسيةً فعليةً في الوقت الحالي".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard