شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هل يتم تهريب عناصر داعش من السجون في العراق؟

هل يتم تهريب عناصر داعش من السجون في العراق؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتطرف

الجمعة 19 أبريل 202402:40 م

سنوات عدّة مرت على نهاية الحرب ضد تنظيم داعش في العراق، وتحرير المناطق التي احتلها، وقتل وأسر الكثير من زعمائه وعناصره. الكل اعتقد أن زمن "الدولة" المزعومة انتهى. وكان المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، تحسين الخفاجي، قد صرّح في حزيران/ يونيو عام 2023، بأن التنظيم أصبح ضعيفاً وغير قادر على شنّ هجمات داخل العراق.

لكن يبدو أن تصريح الخفاجي لا تُجمع عليه القوى الأمنية كلها. ففي آذار/ مارس الماضي، أشار ممثل حكومة إقليم كردستان في قيادة العمليات المشتركة، عبد الخالق طلعت، لوسائل الإعلام، إلى أن نشاط تنظيم الدولة في العراق، يوحي باستمرار عمله في مناطق عدة من البلاد.

التصريح الأخير هو الأقرب إلى الواقع. فالتنظيم الإرهابي لا يزال يشنّ هجماته ضد القوات الأمنية والمواطنين، ويحصد الأرواح ويُدمّر الممتلكات، ويُقدَّر عدد هجماته في عام 2023، بـ158 هجوماً وعمليةً مسلحةً.

مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي، اشتبكت القوات الأمنية العراقية مع عناصر تنظيم داعش في قضاء الطارمية شمال العاصمة بغداد. في الشهر نفسه، حاولت الأجهزة الأمنية صدّ هجوم قام به داعش على الفوج الأول من لواء المغاوير التابع لقيادة عمليات الجزيرة على طريق بيجي-حديثة، أسفر عن مقتل ثلاثة جنود وجرح واحد فقط.

كما أن الحكومة العراقية، لا تزال تُطلق عملياتها العسكرية المشتركة ضد فلول التنظيم، وكانت عملية الوعد الحق الثانية، في صحراء محافظة الأنبار، مطلع آذار/ مارس الماضي، آخر تلك العمليات.

الحكومة العراقية، لا تزال تُطلق عملياتها العسكرية المشتركة ضد فلول التنظيم، ومع كل انتصار تحققه هذه العمليات، يعود تنظيم داعش إلى الواجهة من جديد بهجوم آخر، وظهور مريب ومدروس في كل مرة، وهو ما يستدعي السؤال عن سبب عجز القوى الأمنية عن القضاء عليه؟

مع كل انتصار تحققه هذه العمليات، يعود تنظيم داعش إلى الواجهة من جديد بهجوم آخر، وظهور مريب ومدروس في كل مرة، وهو ما يستدعي السؤال عن سبب عجز القوى الأمنية عن القضاء عليه؟

اتفاق أمني خلف تصاعد عمليات التنظيم

عدد أعضاء تنظيم داعش في العراق لا يزال مجهولاً. الأرقام الرسمية الموجودة غالباً ما تفتقر إلى الدقة، وسط تضارب التصريحات. قدّر بعضهم عدد أعضاء التنظيم بما بين 400 و500 عنصر، في حين تشير إحصائيات أخرى إلى تجاوز أعدادهم الـ5،000 عنصر بين كلّ من العراق وسوريا.

الفساد المرافق لعمل المؤسسات الأمنية يقلل من مستويات دقة هذه الإحصائيات، إذ يقول مصدر أمني في قيادة العمليات المشتركة، إن "هذه الإحصائية تستند الى أسماء المطلوبين المؤرشفة لدى القوات الأمنية، والتضارب الحاصل فيها ناتج عن افتقار هذه الأجهزة إلى أرشيف استخباري موحد، حيث أن لوزارة الدفاع أرشيفها الخاص، وكذلك بالنسبة لقوى الأمن الداخلي والحشد الشعبي وباقي التشكيلات الأمنية".

ويضيف المصدر الأمني، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، لرصيف22، أن "عناصر من التنظيم الإرهابي تفادوا إدراج أسمائهم في هذه القوائم، عبر دفع رشاوى باهظة لمسؤولين وضباط أمنيين، وتتراوح قيمة هذه الرشاوى ما بين 20 و50 ألف دولار، ولا يقف الفساد عند ذلك"، بحسب قوله، فالرشاوى هذه مكّنت عناصر آخرين من تغيير أسمائهم في الأوراق والهويات الرسمية.

هذا الأمر يمكّن الإرهابيين من عيش حياة شبه طبيعية في مناطق جديدة وبعيدة عن مناطق نشاطهم السابق، والتحول من خلايا نشطة إلى خلايا نائمة لدعم تنظيم الدولة.

سجناء ولكن!

تمكّنت القوات الأمنية من اعتقال العديد من عناصر التنظيم. أعداد هؤلاء في الوقت الحالي مجهولة، لافتقار البلاد الى إحصائيات دقيقة تحددها، ولكن تقارير نُشرت في عام 2019، تشير إلى وجود نحو 19 ألف معتقل بتهمة الارتباط بالتنظيم الإرهابي، وُزِّعوا على مختلف سجون البلاد.

ومكّن اختلاط معتقلي داعش مع باقي السجناء، من تجنيد عناصر أخرى جديدة، ضمن محاولتهم إعادة إحياء تنظيمهم. وكانت محكمة جنايات الرصافة قد حكمت في نيسان/ أبريل عام 2023، بالإعدام على 8 من معتقلي داعش، بتهمة تجنيد السجناء، والتخطيط للهروب من السجن، ومحاولة إعادة هيكلة التنظيم.

هروب معتقلي داعش من سجونهم ليس جديداً على البلاد، ففي أواخر عام 2018، هرب 18 سجيناً من السجناء المصنّفين ضمن قيادات التنظيم الإرهابي من سجن سوسة الواقع في محافظة السليمانية. وفي أواخر عام 2019، هرب آخرون من سجن التسفيرات في محافظة نينوى، حيث يشكلون 90% من نزلائه. وفي أيار/ مايو عام 2021، تمكّن 21 سجيناً من الهروب من سجن الهلال الواقع في محافظة المثنى، جنوب البلاد.

"عناصر من داعش تفادوا إدراج أسمائهم في هذه القوائم، عبر دفع رشاوى باهظة لمسؤولين وضباط أمنيين، وتتراوح قيمة هذه الرشاوى ما بين 20 و50 ألف دولار، ولا يقف الفساد عند ذلك" حيث مكّنت الرشاوى من تغيير أسمائهم في الأوراق والهويات الرسمية، بما يخوّل للإرهابيين عيش حياة شبه طبيعية في مناطق جديدة وبعيدة عن مناطق نشاطهم السابق

معظم عمليات الهروب تمت بالتواطؤ مع مسؤولين أمنيين وبعض حرّاس السجون. يدفع المعتقل مبالغ تتراوح ما بين 40 و50 ألف دولار لهؤلاء من أجل مساعدته في الهروب إلى خارج السجن، وتتجاوز قيمة تهريب القيادات والشخصيات الإرهابية المهمة حاجز الـ100 ألف دولار، بحسب قول مصدر في هيئة النزاهة، يشير لرصيف22، إلى أن اللجان التحقيقية تمكنت من القبض على بعض هؤلاء الضباط المرتشين، بعد ثبوت التهم عليهم.

رضوان طالب الحمدوني، واحد من هؤلاء، إذ أُطلق سراحه قبيل احتلال مدينة الموصل، بعد دفع مبلغ 70 ألف دولار، ونُصّب والياً على المدينة بعد سيطرة تنظيم الدولة عليها، ثم أعيد اعتقاله خلال عمليات تحرير المدينة، بحسب اعترافاته للجنة التحقيق النيابية المختصة بملف سقوط الموصل.

مسؤول مالية التنظيم، عزيز المنديل، مثال آخر على هذا الفساد، إذ أُطلق سراحه مقابل 40 ألف دولار، وكذلك الأمر بالنسبة لمعتقلين كُثر، قبل أن يعاد اعتقالهم من جديد. ولا يقتصر الفساد على استلام الرشاوى، إنما تضاف إليه عمليات وهمية أو تكرار عمليات سابقة.

في آذار/ مارس الماضي، أعلن جهاز الأمن الوطني مقتل مسؤول نقل الإرهابيين والأسلحة والمعدات والمتفجرات بين العراق وسوريا، سمير خضر شريف شيحان النمراوي، في عملية نوعية شنّها بالتعاون مع التحالف الدولي في محافظة الرقة السورية، ولكن النمراوي سبق أن أُعلن عن مقتله في عملية أمنية سابقة في عام 2022.

يقول الضابط السابق والباحث الأمني، علي عبد الإله، إن هذه العمليات تبرز بسبب زيف إنجازات بعض الجهات الأمنية، فهي تحاول ابتكار عمليات وهمية جديدة، أو تكرار انتصارات سابقة من أجل نيل الترفيعات أو تحقيق طموحات سياسية.

ولكن هل من الممكن أن يكون تشابه الأسماء خلف تلك العمليات؟ يؤكد عبد الإله لرصيف22، أن هذا الجانب مستبعد حيث تدقق القوات الأمنية بشكل مركّز على هوية القتيل واحتمال الاشتباه به بشكل خطأ قبل الإعلان عن مقتله، لتجنّب أي مشكلات محتملة بعد الإعلان عن مقتله.

السياسة خلف الأزمة

لا يُمكن استبعاد السياسة عن أي أزمة تحصل في العراق. يقول الباحث السياسي سلام العزاوي، لرصيف22، إن "امتلاك الأحزاب العراقية أجنحةً عسكريةً تساهم في عمليات تطهير المناطق، يساعد في تقوية قاعدتها الاجتماعية، فهي بحاجة إلى هذه العمليات من أجل المحافظة على مقاعدها السياسية. ليس هذا فحسب، بل إن مستوى التنافس الحاصل بين هذه الأحزاب، يدفعها إلى تدشين عمليات وهمية أيضاً، للانتقاص من شعبية منافسيها".

"معظم عمليات هروب عناصر داعش من السجون العراقية تمت بالتواطؤ مع مسؤولين أمنيين وبعض حرّاس السجون. يدفع المعتقل مبالغ تتراوح ما بين 40 و50 ألف دولار لهؤلاء من أجل مساعدته في الهروب إلى خارج السجن، وتتجاوز قيمة تهريب القيادات والشخصيات الإرهابية المهمة حاجز الـ100 ألف دولار"

سجن كروبر في محافظة البصرة، الذي كانت تديره القوات الأمريكية، هو أحد الأمثلة على ذلك، إذ هرب 12 سجيناً منه في عام 2011، بعد أيام من تسليمه إلى الحكومة العراقية، ما تسبب وقتها في فضيحة كبرى، بعد أن كشفت لجنة تقصّي الحقائق، تورط مكتب الأمن والمتابعة التابع لرئيس الوزراء نوري المالكي وقتها، في عملية تهريبهم، وأفادت بأن عملية الفرار لم تكن بتخطيط السجناء، ولكن دُبّرت بمساعدة ضباط كبار.

عضو اللجنة التحقيقية النائب عدي عواد، أفاد في تصريح له، بأن هروب السجناء أُدرج في خانة الأسباب السياسية ضد الكتل المنافسة دون تسميتها.

ويشير مصدر حالي في رئاسة الوزراء، إلى أن مثل هذه العمليات كانت سائدةً سابقاً، إذ إن بعض الكتل السياسية كانت تتفق مع السجناء، وتخيّرهم بين البقاء في السجون، أو إطلاق سراحهم مقابل زيادة نشاطهم في محافظات محددة مسبقاً، وإثارة الاضطرابات فيها.

تُعدّ محافظة ديالى مثالاً على ذلك، فهي واحدة من أكثر المحافظات توتراً أمنياً مرتبطاً بتنظيم الدولة، الذي يركّز هجماته داخلها وحول أطرافها، خاصةً في مناطق جبال حمرين. يقول الباحث الأمني علي عبد الإله، إن "أسباب التركيز على محافظة ديالى ينبع من كونها ممراً رئيسياً لعمليات تبييض الأموال والتهريب وتجارة المخدرات القادمة من إيران، والتي تشكل مصدراً رئيسياً لتمويل عدد من الأحزاب الكبرى، وتالياً تحتاج الأخيرة إلى إشغال الرأي العام بعيداً عن عملياتها عبر الإخلال بأمنها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image