شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"50% منهم لا يأمنون التعبير عن آرائهم"... ماذا سينتقد المغاربة لو كُفلت لهم حرية التعبير؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الخميس 11 يوليو 202411:43 ص

إبّان صدور دستور عام 2011 في المملكة المغربية، آمن مغاربة كثر بحدوث انفراجة حقوقية، وفق إطار قانوني يكفُل لهم حرية التعبير والرأي، زد على ذلك الخطابات الرسمية التي كانت تعدهم بالانتقال الديمقراطي.

هذه الخطابات لم تجد صدىً على أرض الواقع لا سيّما في ظل زيادة متابعات الصحافيين قضائياً، والاعتقالات التعسفية التي طالت أشخاصاً يطالبون بأبسط حقوق العيش الكريم - بمن فيهم نشطاء الريف وجرادة - ودعاوى وزراء ونواب وسياسيين ضد حقوقيين بسبب تعبيرهم عن رأيهم حول السياسات المتبعة.

هذا التراجع في مساحة حرية التعبير، عبّرت عنه مجموعة من الفعاليات الحقوقية، أبرزها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وقبلها منظمة العفو الدولية. وجعل هذا الجو القمعي العديد من المغاربة يخشون التعبير عن آرائهم بحرية، وهو ما أشارت إليه دراسة أعدها المعهد المغربي لتحليل السياسات حول "تطورات حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومات في المغرب"، التي أظهرت أن نسبة 50% من المشاركين في هذه الدراسة، "لا يأمنون التعبير عن آرائهم"، لعدم ثقتهم في قدرة القضاء المغربي على حماية حريتهم في التعبير، مقابل 21% فقط أبدوا ثقتهم في ذلك.

"حكومة المصالح الفردية وتفقير الشعب"، و"السياسات الفاشلة"، و"قمع الصحافيين والمجتمع المدني"، و"مصلحة رئيس الحكومة في رفع الدعم التدريجي عن غاز البوتان"… منحنا مجموعة من المغاربة ساعة من "حرية التعبير المأمونة العواقب"، إليكم/ن ما انتهزوا الفرصة لانتقاده بصوتٍ عالٍ

الخوف من التعبير... موروث تاريخي يتجدد

يُرجع الناشط الحقوقي خالد البكاري، في حديثه لرصيف22، أسباب هذا الخوف وعدم الثقة إلى عاملين أساسيين. العامل الأول يرتبط بالموروث التاريخي، حيث كان الخوف والترهيب من أدوات الضبط الاجتماعي والسياسي، وهو الأمر الذي جعل سلوك عموم المغاربة في الماضي محكوماً بالحذر، ثم تحول إلى ما يشبه بنية سلوكية تهندس حضور المواطنات والمواطنين في كل فضاءات التواصل الاجتماعي.

أما العامل الثاني، فيتعلق بالعودة القوية للسلطوية، متمثلة في أمننة كل فضاءات الصراع السياسي والاجتماعي والثقافي، نتيجة تحول الدول التي عرفت انتفاضات عام 2011 إلى دول فاشلة، وتراجع الضغط الدولي في ما يخص احترام حقوق الإنسان، وخيبة أمل المواطنين من السياسيين والأحزاب، ما أدى إلى عودة أطروحة أولوية الأمن والاستقرار على الديمقراطية وحقوق الرأي والتعبير. 

وبالتالي، يرى البكاري أن حملة الاعتقالات والمحاكمات بسبب الرأي أو التظاهر السلمي، غذّت ذلك الشعور الجمعي القديم بأن التعبير عن الرأي له كلفة كبيرة.

لو كانت حرية التعبير مكفولة، ماذا سينتقد مغاربة؟

قضاء غير مستقل

يرى أمين منصوري (اسم مستعار)، وهو رئيس مصلحة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أن للسلطة القضائية سلطة عالية ومهمة، تكفُل للأفراد حقوقهم، وتُنظم علاقات الأفراد بعضهم ببعض، وعلاقتهم أيضا بمؤسسات الدولة. لكن استقلالية القضاء، وفق منصوري، لا تظهر إلا لِماماً، وفي بعض الاستثناءات فقط. أما في غالبية الأحكام، فالقضاء المغربي غير مستقل بل يخدم مؤسسات وأشخاصاً ضد آخرين، لذلك فإصلاح القضاء، هو إصلاح للعدالة في المغرب كركيزة أساسية في تطبيق القانون بشكلٍ متساوٍ.

ويقول منصوري لرصيف22: "استقلال القضاء وسيادة القانون، يحققان مبدأ الإنصاف والمساواة بين الأفراد والمؤسسات، وفي تخليق الحياة العامة أيضاً. وباعتبار القضاء أسمى سلطة، يجب أن لا يخضع لأي اعتبارات سياسية أو اجتماعية أو حتى اقتصادية. لو كانت حرية التعبير مأمونة، لناديت علناً بإصلاح هذه المنظومة من أجل بناء الدولة الديمقراطية التي لا تتأتى إلا باستقلال القضاء".

ورغم أن دستور 2011 يقر استقلال القضاء، فإنّ ذلك غير مطبّق في الواقع لأنه ما يزال خاضعاً للنظام السياسي من خلال مجموعة من الأحكام المُجحفة في حق العديد من الأفراد، حسب منصوري.

يرتبط خوف المغاربة من حرية التعبير بعاملين أساسيين، أولهما الموروث التاريخي، إذ كان الخوف والترهيب من أدوات الضبط الاجتماعي والسياسي، وهو الأمر الذي جعل سلوك عموم المغاربة في الماضي محكوماً بالحذر، ثم تحول إلى ما يشبه بنية سلوكية تهندس حضور المواطنات والمواطنين في كل فضاءات التواصل الاجتماعي

سياسات فاشلة

"النظام السياسي المغربي غير قادر على بلورة سياسات تتماشى مع التحولات الديمقراطية العالمية، بنيته بنية تقليدية متوارثة"، بهذه العبارة ينطلق الناشط الاجتماعي محمد هروان، في نقده لسياسات النظام المغربي.

لا يُخفي هروان أن المغرب عرف بعض القفزات النوعية التي تواكب الحداثة ظاهرياً، بما في ذلك المشاريع والإنجازات ذات الصبغة الحداثية. لكن، كبنية وعلاقات، تظل السلطة تقليدية، تخضع لاعتبارات لا يمكن تجاوزها، من قبيل الريع، وإنهاء امتيازات البعض، في غياب تام لربط المسؤولية بالمحاسبة، على حد قوله.

ينتقد هروان أيضاً محاولة تغييب المجتمع المدني في المقاربة التشاركية، وعدم قدرة النظام على مأسسة مجتمع مدني قادر على إشراك الجمعيات في البرامج التنموية، ومنح الأحقية لجمعيات مُمارِسة وعامِلة ذات كفاءة، وليست تلك التي تخدم مصالح حزبية أو سياسية.

حين تواصلنا مع الأستاذة في التعليم الثانوي سناء الجزولي (اسم مستعار)، ألحّت على ضرورة أن يمُر تصريحها باسم مستعار، خوفاً من المتابعة القضائية، وهو أول ما قالت إنها كانت لتنتقده في سياسات النظام القائم بالمغرب إذا أُتيحت لها حرية التعبير. تقول لرصيف22، أن "حرية التعبير في بلادنا متراجعة لأقصى درجة، والدليل على ذلك الكم الهائل من الصحافيين والمعتقلين السياسيين القابعين خلف القضبان"، متابعةً أن "النظام يحاول تقزيم دور المثقف وحصره في الآراء الفكرية والأكاديمية فقط، بعيداً عن الأمور السياسية، وهذا ينطبق أيضاً على المواطن العادي".

لا تقف الجزولي عند هذا الحد، بل تضيف أن الإصلاحين المُجتمعي والسياسي ينطلقان أولاً من التقسيم العادل للثروات، من أجل تحقيق عدالة اجتماعية، لأن "الشعب المغربي لا يستفيد نهائياً من ثرواته، إنما تظل حكراً على فئة معينة، لذا تجدُ المناطق التي تحتوي على ثروات معدنية وباطنية هائلة، غير مؤهلة بتاتاً، وشبابُها يشكلون النسبة الأعظم من المتعطلين عن العمل في المغرب، ناهيك بالأمراض المزمنة التي تخلفها مخلفات الثروات في هذه المناطق".

وتختم: "لا بد أيضاً من تحقيق عدالة ضريبية. كيف يُعقل أن نفس قيمة الضرائب  المفروضة على موظف بسيط، هي نفسها التي تُفرض على شركات كُبرى؟ هذا إن كانت تُفرض عليها، لأننا نجد العديد من الملفات يفتحها صحافيون أو  القضاء حول التهرّب الضريبي لبعض الشركات الكبرى، وأخرى يتم التستر عليها، كما هو الأمر في ملف رئيس مجلس النواب الذي ينتمي للحزب الحاكم، والذي أُثيرت حوله شبهات تهرّب ضريبي خاصة بشركاته لأزيد من 25 عاماً… هذا ينسُف بشكل قاطع، خطابات المساواة والإنصاف وربط المسؤولية بالمحاسبة".

قطاع الصحة... نحو الخوصصة

بدورها، تقول الممرضة شيماء عبد الوافي، لرصيف22: "دائماً نكون في الواجهة أمام المرضى، يشتمون ويعربدون، وينظرون إلينا على أننا كسالى لا نقوم بمهامنا… هم لا يدركون أننا جميعاً (كإطار طبي) لسنا سوى ضحايا سياسات تذهب نحو خصخصة قطاع الصحة".

تضيف عبد الوافي: "في آذار/ مارس 2024، انتشرت وثيقة رسمية تشير إلى بيع أصول مستشفيات وبنايات تابعة لوزارة الصحة للخواص، وبدأ كثيرون يشككون: هل الدولة تسعى إلى خصخصة القطاع؟".

يظن غالبية المواطنين، حسب عبد الوافي، أن العاملين بالقطاع الصحي مسؤولون عن غياب أو نقص المعدات الطبية، أو عن الإهمال الذي يجدونه داخل المستشفيات العمومية، لكنها "أشياء خارجة عن إرادتنا، فالدولة لا تسعى بتاتاً إلى تطوير هذا القطاع، لأن هدفها الأول والأخير خصخصته بحيث أن من يريد أن يُعالج عليه بالمصحات الخاصة، فهناك يجد كل الرعاية، وكل المعدات من أجل تطبيب جيد وراقٍ".

وتلفت الممرضة المغربية: "منذ مدة طويلة، ونحن نتظاهر من أجل تحسين المنظومة الصحية، ورفع جودتها، سواء من حيث الأطر، أو مستوى كفاءة ونظافة المستشفيات، لكن، الحكومة تقابلنا بالرفض أو القمع، ليست هناك أية رغبة منها في الإصلاح، فالحكومة لا تهمها صحة المواطنين، وهي المسؤولة الأولى عن الاحتقان في هذا القطاع"، معتبرةً أنها كانت لتجاهر بكل هذا لو كانت هناك حرية تعبير في المملكة.

قطاعان تُراهن عليهما الدول الديمقراطية في تجويد منظومتها الاجتماعية، الصحة والتعليم، لكن، الدولة المغربية لا تولي أهمية لذلك، لأن هدفها الأول والوحيد رفع يدها عن هذين القطاعين لصالح التخصيص. من يريد أن يتعلم جيداً، وأن يُعالج جيداً عليه أن ينظر أولاً إلى حسابه البنكي، أو مدخراته المالية.

"قطاعان تُراهن عليهما الدول الديمقراطية في تجويد منظومتها الاجتماعية، الصحة والتعليم، لكن، الدولة المغربية لا تولي أهمية لذلك، لأن هدفها الأول والوحيد رفع يدها عن هذين القطاعين لصالح الخصخصة. من يريد أن يتعلم جيداً، وأن يُعالج جيداً عليه أن ينظر أولاً إلى حسابه البنكي، أو مدخراته المالية"

حكومة مصالح فردية

"إذا أردت اختصار انتقاداتي للحكومة الحالية في سؤال واحد لكان: أين هي البرامج التنموية التي وعدت بها المغاربة في برنامجها الانتخابي؟"، هذا ما يقوله الطالب الباحث في سلك القانون، ربيع مسعودي (اسم مستعار)، مضيفاً "أغلبُ نقاط برنامج الحكومة الانتخابي كانت تصب نحو الرقي بالطبقة الاجتماعية الهشة والضعيفة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، أقصى ما وصلت إليه هذه الحكومة، دعمها الطبقات الفقيرة بمبلغ 500 درهم (نحو 50 دولاراً أمريكياً)"، مردفاً بأن "هناك أسراً تتكون من ستة إلى سبعة أفراد، هل هذا المبلغ كاف لتحقيق أبسط حقوق العيش الكريم لهذه الطبقة؟".

ويتساءل مسعودي أيضاً: ماذا سيحقق هذا المبلغ في ظل الرفع التدريجي للدعم عن غاز البوتان؟، مستدركاً بأن هذه السياسات لا تخدم إلا مصالح أفراد، موضحاً أن رفع غاز البوتان يحقق هامش ربحٍ كبير جداً لشركة غاز أفريقيا، وهي الشركة التابعة لرئيس الحكومة، وبذلك فإن أغلب السياسات الحكومية إنما تتجه لتحقيق مصالح رئيس الحكومة وحاشيته.

اقتصادياً، يقول مسعودي إن عناصر الحكومة يحاولون زيادة ثرواتهم عبر مزيد من تفقير الطبقات الهشة والمتوسطة، سواء من حيث الضرائب، أو رفع الأسعار، أو رفع الدعم عن مجموعة من المنتجات والسلع الحيوية التي كانت مدعومة من قبل الدولة. ما زالت الدولة تخضع لنظام رأسمالي ولّى عليه الزمن منذ القرن العشرين، نظام المكاسب والريع لفئة معينة وقليلة، ونظام التفقير والتهميش للغالبية العظمى من الشعب، هو نظام الحظوة لا نظام الإنصاف، حسب مسعودي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image