شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الجندر والجنسانية في الرواية المغربية... عندما يكسر الأدب تابوهات المجتمع

الجندر والجنسانية في الرواية المغربية... عندما يكسر الأدب تابوهات المجتمع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الثلاثاء 23 أبريل 202402:02 م

تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.

خلال السنوات الأخيرة، توجّه الأدب المغربي الحديث بشكل متزايد نحو استكشاف تيمات الجندر والجنسانية، والخوض فيها، على عكس السابق، حيث كانت الجرأة في الكتابة مقتصرةً على بعض الكتّاب/ الكاتبات، ومنهم/ نّ من يبني أعماله الأدبية على بوح شخصي يكسر به سلاسل الصمت التي أطبقت على نفسه منذ سنوات، في محاولة التعايش مع صراعات داخلية وعدم تقبّل ميوله الجنسية أو هويته الجندرية، وآخرون/ أخريات ينصبّ تركيزهم/ نّ على الصراعات الداخلية التي يعيشها مجتمع الميم-عين في المغرب وتأثيراتها على الفرد والمجتمع، مسلّطين/ ات الضوء على تلك الجروح الإنسانية التي يعمّقها المجتمع المغربي، كما في رواية فتيحة مورشيد الشهيرة "انعتاق الرغبة".

"التعبير عن المثلية لم يكن الهدف الأول من تجربتي الأدبية"

في حوار مع رصيف22، يتحدث الكاتب المغربي عبد الله الطايع، عن تجربته الأدبية التي عالجت في الأساس تيمات تتعلق بالمثلية الجنسية وحرية الجسد في المجتمع المغربي المحافظ، فيقول: "التعبير عن المثلية لم يكن الهدف الأول من تجربتي الأدبية"، شارحاً أنه كان مدركاً لمثليته ومتصالحاً معها منذ البداية، ولكنها تجربة أدبية تعبّر عن امتداد ما شاهده وعاشه مع عائلته المتمردة على الأحكام.

ويعترف الطايع بأنه لم يعدّ الكتابة نضالاً آنذاك: "برغم أن جوهر المحاولة الأدبية كان بالفعل نضالاً، لكن الأمر خُلق تلقائياً، فالهدف الأساسي من وراء الكتابة عن المثلية الجنسية هو عدم الهروب من الواقع المغربي، بل لإقحام واقعي في المجتمع، لأنني موجود وأدافع عن نفسي بنفسي، خاصةً عندما التحقت بجامعة محمد الخامس سنة 1992، شعبة الأدب الفرنسي، وكنت الأول على دفعتي، فبدأت فكرة احتراف الكتابة تترسخ في ذهني، وعليه أنشأت 'الدائرة الأدبية للمحيط'، وهي عبارة عن مجموعة مكوّنة من أربعة أشخاص، كنا نتبادل روايات وقصص نكتبها بأنفسنا، ومنذ ذلك الحين وأنا أكتب فقط عن مثليتي الجنسية وأحاسيسي المختلطة تجاه المجتمع".

"برغم أن جوهر المحاولة الأدبية كان بالفعل نضالاً، لكن الأمر خُلق تلقائياً، فالهدف الأساسي من وراء الكتابة عن المثلية الجنسية هو عدم الهروب من الواقع المغربي، بل لإقحام واقعي في المجتمع، لأنني موجود وأدافع عن نفسي بنفسي"

ويضيف عبد الله: "إن مسألة دخولي عالم الأدب جعلتني أشعر بأنني لست وحيداً، كإنسان وليس ككاتب، ولم يساعدني في ذلك سوى أمي، فالجميع تنكروا لي، كما أن عائلتي انتقدتني لعدم تغيير اسمي، وتعرضت لتهديدات وتعليقات سلبية وتنمّر، الأمر أثّر على نفسيتي في البدايات، ولكن قراري لم يكن ليتغير أبداً".

وعن الصعوبات التي واجهته قبل أن يصنع لنفسه اسماً أدبياً، يقول الكاتب: "تبدأ الصعوبات منذ الخطوة الأولى، ففكرة أن الغرب مجتمع تحرري لمجتمع الميم-عين كاذبة، إذ لم يكن العثور على دار نشر تقبل نشر كتبي كعربي ومسلم بالأمر الهيّن".

ويختم عبد الله الطايع بالقول: "إن فكرة وجود أقليات لا يتم التعبير والحديث عنها بشكل جريء، تجعلني أفتخر بالتغيير الذي نسير نحوه، والقطيعة مع الظلم الذي يعيشه مجتمع الميم-عين في صمت"، مشدداً على أن الكتابة ليست فعلاً يسيراً: "هي مخاض عسير يعيشه الكاتب قبل أن يستقبل مولوده الأدبي، والتفكير الذي يسبق فعل الكتابة والذي يحتاج جهداً مضنياً وبحثاً مستمراً، تأكيد على الثورة الثقافية التي قادها مجتمع الميم-عين في المغرب بدءاً من الفنان بوشعيب البيضاوي وحتى الانفتاح على التجارب الأدبية التي تعالج قضايانا".

"الكتابة انفتاح جرحٍ ما"

يرى الكاتب هشام طاهر، أن الفن والأدب لهما دور كبير في رسم صورة عن المجتمعات التي نعيش فيها في وقت محدد: "إن الهدف الرئيسي هو تحطيم التابوهات، ومنح صوت لأشخاص قد لا نسمع منهم أو عنهم كثيراً، أو نرفض رؤيتهم بالرغم من كونهم يمثلون جزءاً مهماً من مجتمعاتنا، ومنح المتلقّي/ ة الفرصة للتعرف على حياة الآخرين/ الأخريات، لإدراك أن الجميع يمرّ بالمصاعب والأحاسيس نفسها".

ويضيف طاهر لرصيف22: "يشجّع الأدب الآخرين/ الأخريات على التصالح مع الذات وتقبّل الآخر، لأنه شئنا أم أبينا، فإن مجتمعاتنا تتكون من أفراد من شتى الألوان ومن مختلف العقائد والأفكار، والمجتمع العليل هو الذي يظن أن هناك طريقةً واحدةً للعيش".

 "الكتابة مخاض عسير يعيشه الكاتب قبل أن يستقبل مولوده الأدبي، والتفكير الذي يسبق فعل الكتابة والذي يحتاج جهداً مضنياً وبحثاً مستمراً، تأكيد على الثورة الثقافية التي قادها مجتمع الميم-عين في المغرب"

في الواقع، قرر هشام طاهر كسر تابوهات المجتمع وإعطاء الحياة لإصدارات تُعنى بقضايا الجنسانية في المغرب، بدءاً بمشاركته في "رسائل إلى شاب مغربي" الذي أطلقه الكاتب المغربي عبد الله الطايع، وأولى رواياته "جعبوق"، التي عالج عبرها تيمة المثلية الجنسية، وحازت جائزة أفضل رواية مثلية سنة 2013.

يقول طاهر: "أظن أن هوسي بالمطالعة خلال مراهقتي، جعلني أرى جمال اختلافاتنا"، كاشفاً أنه لم يواجه صعوبات تستحق الذكر عندما قرر بدء مشواره الأدبي والتطرق إلى مواضيع حساسة كالمثلية، والفضل يعود إلى الكتّاب/ الكاتبات الذين/ اللواتي سبقوه/ نه، وفق قوله: "التجارب الأدبية والفنية كفيلة لمنح المتلقي/ ة الفرصة لنفسه/ ا كي يتقبل رؤيةً شموليةً لمجتمعاتنا بكل جمالياتها، وتعقيداتها وألوانها وثقافاتها، وإذا استطاع الفنان/ ة أو الأديب جعل المتلقي/ ة يفتخر بنفسه/ ا، فإنها أولى الخطوات لجعل الواقع أكثر تقبلاً لمجتمع الميم-عين، ولحقوق المرأة، وللحقوق الفردية والعقائدية".

التضييق على الروايات التي تعالج قضايا الجندر

يعرف المغرب انتهاكاً صارخاً للإبداع، وأحكام بالمنع لمجموعة من الأعمال الأدبية "التخيلية"، خوفاً مما يُعرف بعدم ملاءمتها للنظام العام، فضلاً عن إجهاض محاولات أدبية قبل رؤيتها النور بسبب عدم توافق موضوعها مع المجتمع.

وبحسب يوسف الدعي، الباحث في القانون العام والعلوم السياسية: "عند الحديث عن قانون النشر والتوزيع في المغرب، فإنه يتم الاستناد إلى وثيقتين رسميتين أساسيتين؛ الدستور المغربي وقانون الصحافة والنشر، فالفصل 25 من الدستور المغربي يكفل حرية الفكر والرأي، ويُبنى على ذلك الحق في النشر والإبداع والبحث في المجال العلمي، ولكن القانون 77.03 المتعلق بالصحافة والنشر يحتوي على بعض التعقيدات".

ويضيف الدعي في معرض حديثه إلى رصيف22: "في قانون الصحافة والنشر، تم التركيز بكثرة على الكتب المستوردة من الخارج، حيث أن الوزير المكلف بالقطاع من حقّه أن يمنع الكتب والجرائد المطبوعة خارج المغرب التي تمسّ بثوابت البلاد، كالملكية وإمامة المؤمنين والدين الإسلامي، وقد أضاف المشرّع إليها مادة عن الإخلال بالنظام العام، والتي قد تُستخدم لمنع الروايات التي تعالج قضايا مجتمع الميم-عين، ومفهوم النظام العام غير محدد في القانون".

أما في ما يتعلق بالطبع والتوزيع داخل المغرب، فالأمر يختلف، وفق الدعي: "إن الحصول على رقم لإيداع الكتب في المغرب، يستوجب إرسال محتوى الكتاب وفهرسه، وفي حالة عدم احترام المسطرة التي سبق ذكرها للتسجيل، تحال على المتابعة القانونية وما يترتب عنها، نحن هنا لا نتحدث عن الثوابت المتعارفة، بل عن كلمة النظام العام".

وبالعودة إلى قضية منع كتاب "مذكرات مثلية" من التوقيع والعرض في المعرض الدولي للنشر والكتاب سنة 2022، يوضح المتخصص في القانون العام أن أي قرار لوزارة الاتصال، في سحب كتاب من المعرض الدولي للكتاب، مبنيّ على القوانين التي سبق ذكرها.

الأدب تعرية لواقع نرفض الاعتراف به

يمكن تأريخ بداية التجارب الأدبية الجريئة مع الكاتب محمد شكري، الذي عبّر في ثلاثيته الشهيرة عن محطات من حياته لم يكن من السهل مشاركتها ولو أدبياً مع الآخرين، وعبّر عنها بجرأة في المتن وفي اللغة العامية المستعملة، كسحق للقهر الذي لازمه فترةً طويلةً من حياته في شمال المغرب.

في تصريح لرصيف22، ترى الباحثة في الدراسات الجندرية ابتسام القادري، أن المغرب لن يستطيع كسر هذه التابوهات في وقت قصير: "لا يزال الفكر الذكوري يغلب على المجتمع، وذلك راجع إلى اعتبارات عدة أبرزها التنشئة الاجتماعية، فمجتمعنا الذكوري من الصعب عليه أن يقتنع بفكرة احترام أقليات موجودة فيه".

 "يشجّع الأدب الآخرين/ الأخريات على التصالح مع الذات وتقبّل الآخر، لأنه شئنا أم أبينا، فإن مجتمعاتنا تتكون من أفراد من شتى الألوان ومن مختلف العقائد والأفكار، والمجتمع العليل هو الذي يظن أن هناك طريقةً واحدةً للعيش"

وتواصل القادري: "في الوقت نفسه، التطرق إلى هذه التيمات في مجموعة من الأعمال الفنية والأدبية الموجهة إلى المغاربة ستساعد بشكل كبير على تقبّل فكرة الاختلافات ووجود أشخاص بميولات مختلفة داخل المجتمع، وروايات مثل تلك التي كتبتها فاتحة مورشيد وعبد الله الطايع وغيرهما ساهمت بشكل كبير في تمثيل أبطال روايات آخرين يعانون في صمت خوفاً من رد فعل المجتمع".

وتعبّر ابتسام القادري عن مخاوفها كون الأدب والفن لا يتم استهلاكهما سوى من قبل الطبقات المثقفة والمتعلمة، وهو أمر غير كافٍ لتغيير عقليات المجتمع السائدة: "وعليه يجب تعميم الأدب الذي ينتصر لقضايا الجندر والجنسانية حتى لا يصبح حكراً على طبقة دون غيرها".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard